خاص هيئة علماء فلسطين
قال تعالى: “وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ” الشورى: 39
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيّنا محمدٍ، إمامِ المجاهدين، وقدوةِ الصابرين، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن هيئة علماء فلسطين تتابع ببالغ التقدير والعزّة والامتنان، هذه الحركة الشعبية النبيلة التي أخذت تتعاظم يومًا بعد يوم، حركةُ القوافل البرية والبحرية التي انطلقت من أصقاع العالم لتكسر جدران الحصار المفروض على غزة الصامدة، وتشقّ طريقها في براري العزّ ومياه الكرامة نحو أرض البطولة والرباط، محمّلة بالأمل والمواقف والمبادئ، لا بالمؤن والمساعدات وحدها؛ وإننا في هيئة علماء فلسطين، إذ نحيي هذا الزخم المبارك، فإننا نؤكد الآتي:
أولاً: نتوجّه بتحيّة إعزاز وإجلال إلى كلّ رجل وامرأة، إلى كلّ شاب وفتاة، نذروا أنفسهم للانضمام إلى هذه القوافل، فجعلوا من أقدامهم سفنَ حرية تمضي بثبات، ومن وجوههم مشاعل أمل لأهل غزة، ومن هتافهم في البر والبحر خطابًا مدوّيًا في وجه العجز الدوليّ والخذلان العربيّ.
وإنّنا نثمّن عاليًا همّة وجهد وجهاد هؤلاء الأحرار الذين لبّوا نداء الحق، وأدركوا أنّ الانتصار لفلسطين لا يكون بالبيانات فحسب، بل بالخطى والمواقف والأجساد التي تتقدّم الصفوف، ونهيب بكل شعوب الأمّة وأحرار العالم أن يسارعوا إلى الانخراط في هذه القوافل، فكلّ موكب يتحرك نحو غزة هو شوكة في حلق المشروع الصهيونيّ، وصوتٌ مدوٍّ في براري السكوت.
ثانيًا: نتقدّم بجزيل الشكر وخالص التقدير إلى الدول والجهات التي أسهمت في تسهيل عبور قافلة الصمود، وسمحت بمرور المشاركين من أراضيها، فكانت في ذلك على قدر المسؤولية التاريخية، وأثبتت أن روح التضامن العربي والإسلامي ما تزال تنبض بالحياة رغم محاولات التغريب والتطبيع.
وندعو بقيّة الدول التي لم تتخذ هذا الموقف بعدُ، أن تتخلّى عن حسابات الخوف والمجاملة، وأن تسلك مسلك الكرامة، فتفتح طرقها، وتمنح ترابها شرف مرور قوافل العزّة، وتكفّ يدها عن التضييق على الناشطين، فإنّ التاريخ لا يرحم المتخاذلين، والضمير الحرّ لن يغفر لمن أعاق المدد عن غزة المحاصَرة.
ثالثًا: تدين هيئة علماء فلسطين بكلّ عبارات الغضب والاستنكار، الجريمة الصهيونية النكراء التي تمثلت في اعتراض سفينة “مادلين” الإنسانية، واعتقال طاقمها المكوَّن من نشطاء أحرار جاؤوا من بلدان عدّة حاملين راية التضامن مع شعبٍ يُباد تحت سمع العالم وبصره.
إنّ هذا الفعل الإجراميّ الصهيونيّ الذي طال سفينة مدنية سلمية، لا يعدو أن يكون تأكيدًا جديدًا على عنجهية هذا الكيان المحتل، واعتداءً سافرًا على القانون الدوليّ والكرامة الإنسانيّة، ووصمة عار تضاف إلى السجلّ الأسود للاحتلال، في وقت يصمت فيه المجتمع الدوليّ صمتَ المقابر، بل يتواطأ بصورٍ كثيرة منها المعلن ومنها المستتر.
رابعًا: إننا نؤمن أنّ طريق كسر الحصار عن غزة لا يمرّ عبر الاستجداء، بل عبر التصعيد الشعبيّ والضغط الأمميّ، ولذلك فإننا ندعو إلى تسيير عشرات بل مئات القوافل، من البرّ والبحر، من كلّ عاصمة ومدينة وقرية، لتكون كتلًا متلاحقة تهدم أسوار الحصار الصهيونيّ، وتُحرج كلّ من يبرّر بقاءه أو يصمت عنه.
وندعو إلى أن يتحوّل كلّ أسبوع إلى موسم من مواسم الزحف الرمزيّ باتجاه فلسطين، وإلى جعل هذا الحراك وسيلة لتحريك ضمير الأمّة وتذكيرها بأنّ القضيّة لا تزال حيّة، وبأنّ أهل غزة لا يطلبون صدقات، بل مواقف، ولا يستجدون طعامًا، بل وقفةَ حقّ.
خامسًا: نطالب المؤسّسات العلميّة والدعويّة والشرعيّة، وكذلك الهيئات الطلابيّة والنقابات والاتحادات، أن تجعل من دعم هذه القوافل جزءًا من عملها الدائم، دعمًا، وتخطيطًا، ومشاركةً، وتغطيةً إعلاميّة، فإنّ الطريق إلى تحرير فلسطين يبدأ من الحناجر الحرة، والقلوب الحيّة، والخطوات المؤمنة.
ختامًا: إنّ غزة اليوم تقف على الحدّ الأخير من جراح الصبر، والوجع النازف، والدم المسفوك. وإنّ هذه القوافل التي تطرق الأبواب، وتمخر عباب البحر، وتشقّ الطرق الوعرة، ليست مجرد وسائل دعم، بل هي تجسيد لروح الأمة التي لا تموت، ولشعورها بأنّها لا تزال تملك شيئًا من الكرامة لتمنحه، ومن النخوة لتبذله، فهنيئًا لمن مدّ يده لتكون أداةً من أدوات الله في إذلال الباطل ونصرة الحقّ.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
هيئة علماء فلسطين
15 ذو الحجة 1446 هـ
11 حزيران 2025 م