خاص هيئة علماء فلسطين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
فلا يزال العالم يُثبت يوماً بعد يوم إتقانَ ازدواجيةِ المعايير؛ إذ يكيلُ بمكاييلَ متعددّةٍ تنمُّ عن انقلابِ الموازين، وتقهقرِ القيم؛ ويتجلّى ذلك في مواقف العالم الغربيِّ من الجرائم المرتكبة بحقِّ أمَّتنا وشعوبنا الإسلاميَّة؛ ففي الوقت ذاته الذي تقوم الدُّنيا من أجل الصحفيين ورسامي الكاريكاتير الذين قُتلوا في فرنسا، وتجتمع الحشود من الرؤساء وقادة الدُّول للتعبير عن رفض الحادثة ووصمها بالإرهاب، نرى العالمَ كلَّه يصمُّ آذانه عن الجرائم التي تُرتكب بحقّ المسلمين في أنحاء الأرض على تنوُّع القاتل، يستوي في ذلك جريمة قتل الطلاب الثلاثة في كارولينا الأمريكية الذين قُتلوا فقط لأنهم مسلمون، وجرائم الصهاينة بحق أهلنا في فلسطين من حصارٍ وقتلٍ وتدميرٍ، وجرائم الانقلابيين في مصرَ واليمن، وجرائم النِّظام في سورية الذي أحالها دماراً وتباراً، ودماء دوما التي تملأ الشاشات هذه الأيام، وغيرها من الجرائم التي أثخنت جسدَ الأمّة كلِّها، كلُّ هذا .. كلُّه لم يحرِّك ضمير العالم الذي يغضّ بصره عنها قصدًا، كأنّنا لا نستحق التفاتةً يُوصَف قاتلنا فيها بالإرهاب !!
وإننا في هيئة علماء فلسطين في الخارج نؤكّد على الآتي:
أولاً: إنَّ هذه الازدواجية في المعايير والكيل بمكاييل تجاه الجرائم التي تتّحد في الصورة والمضمون هو أحد أهمِّ أسباب نشوء التطرف والغلوّ الذي لا يمكن احتواؤه أو السيطرة عليه، فإن أراد العالم الذي يصف نفسه بالمتحضُّر أن يواجه التطرُّف والغلوَّ فعليه أن يراجع سياساته تجاه أمَّتنا، وأن يلجم الإرهابيين المتطرفين من تلك الدول، وأن يتعامل بالعدل والإنصاف مع شعوب الأمة الإسلامية.
ثانياً: إنَّ سكوت الكثير من حكَّام الأمَّة الإسلاميَّة وقادة العمل السياسي والنخب الفكرية والإعلامية والدعوية فيها عن الجرائم التي تُرتَكب بحقِّ أمَّتنا وشعوبنا وعدم وصفها بالإرهاب مع مسارعتهم في الوقت ذاته إلى إدانة الجرائم التي يرتكبها مسلمون أو محسوبون على الإسلام، إنما يشير ذلك إلى أن هؤلاء يفتقدون الأحاسيس الإنسانية وأن ما يقومون به ما هو إلا نفاق وتزلف لأنظمة الغرب وليس مشاعر إنسانية، لأنها لو كانت كذلك لكانت ضد الجرم والجريمة ونصرة للمظلوم أياً كان كل منهما، ثم هي تمثل إقراراً بما يحاول الغرب إثباته من أنّ الإرهاب مصدره المسلمون وحدهم وينبع من مشكاة الدِّين الإسلامي؛ ولذا فإنَّنا ندعو هؤلاء جميعاً إلى التَّنديد بالطريقة ذاتها بجرائم الإرهاب الأمريكي والغربي والصليبي والصهيوني بحقّ أمتنا وشعوبنا التي تذوق الموت ألواناً جراء الإرهاب الواقع عليها منذ عقود، وإن هذا السكوت إنما هو خذلان للشعوب المسلمة المظلومة والمحتاجة إلى الإنصاف من الظُلاّم والمعتدين بكل ألوانهم وأشخاصهم ودوافعهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ” مَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَتُسْتَحَلُّ حُرْمَتُهُ، إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ خَذَلَ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ” ( سنن أبي داود 4242، مسند أحمد بن حنبل 16023 )
ثالثاً: ندعو علماء الأمَّة الإسلاميَّة ودعاتها إلى إظهار الإسلام بصورته الحقيقية الرافضة للعدوان على أحدٍ والرافضة للعدوان من أي أحدٍ أو الاستكانة له، والعمل على تحرير مفهوم الإرهاب وبراءة الإسلام من الجرائم المرتكبة باسمه بغرض الإساءة للدِّين الإسلامي الحنيف وللمسلمين في مواقع وجودهم ولتبرير العدوان عليهم.
” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ “
24/ربيع أول/1436هـ هيئة علماء فلسطين في الخارج
13/2/2015م