خاص هيئة علماء فلسطين
الحمد لله الذي رفع السماء بلا عمد، واصطفى من عباده أنبياء هداة، واختار من الأرض بقاعًا مباركة، فشرّف منها المسجد الأقصى، وبارك ما حوله، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم، وخاتم النبيين، وأشرف من وطئ الثرى، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فإن هيئة علماء فلسطين تتابع، بقلبٍ مكلوم ونفْسٍ يعتصرها الأسى، وغضبٍ يتفجر من أعماقها، ما يتعرض له المسجد الأقصى المبارك من انتهاكات متكررة آثمة، وما شهدته الأيام الماضية من اقتحام صهيوني حاقد تدنّست فيه باحات المسجد الطاهر بخُطى الصهاينة المعتدين، الذين لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة، ولا يعرفون للكرامة حرمة، ولا للمقدّسات مكانة.
إنّ الجريمة النكراء التي ارتُكبت في هذه الأيام العصيبة باقتحام الصهاينة مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وتجوال المجرم نتنياهو في نفق تحته، وصاحبتها جريمة عظيمة تمثلت بشتمٍ صريحٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلّم في باحات المسجد الأقصى، ليست مجرد إساءة عابرة، وإنما هي طعنة غادرة في قلب كل مسلم، وتعدٍّ سافرٌ على أشرف خلق الله، ومسجد الإسراء والقبلة الأولى، وما هذه الجرأة إلا نتيجة طبيعية لصمت الأنظمة، وتقصير الأمة، وتخاذل النخب، وغياب الموقف الحازم الذي يليق بقدر النبي الكريم صلى الله عليه وسلّم ومكانة المسجد العظيم.
وإننا في هيئة علماء فلسطين، أمام هذه الجرائم لنؤكد ما يلي:
أولًا: ندين بكل غضب وبأشد العبارات هذا الاقتحام الصهيوني الهمجي لباحات المسجد الأقصى المبارك، وهذه الجريمة النكراء بشتم خير الخلق صلى الله عليه وسلّم، ونعدّها عدوانًا مركبًا على الدين والمقدسات، يستوجب النفير العام للأمة، شعوبًا وعلماء ومؤسسات، كلٌ في ميدانه ومسؤوليته، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67].
ثانيًا: إننا إذ نحمّل الاحتلال الصهيوني كامل المسؤولية عن هذه الجرائم، فإننا ندعو إلى أن تكون هذه الاعتداءات على الأقصى الشريف وشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرار الإبادة في غزة سببًا في تفجير الأوضاع في عموم فلسطين والمنطقة، وليعلم الصهاينة أن وراء هذا المسجد أمة لا تموت، وإن خَفَتَ صوتها حينًا، فهو لا ينطفئ، قال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ ۚ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74].
ثالثًا: ندعو علماء الأمة في مشارق الأرض ومغاربها إلى أن يقوموا بما أوجبه الله عليهم من بيانٍ للحق، وإنكارٍ للمنكر، وحثٍّ للأمة على نصرة نبيّها صلى الله عليه وسلّم ومسراه، والدماء التي تراق على مرأى ومسمع العالم في غزة، فإن العالِم الذي يسكت في مواطن النصرة الواجبة والفتن، ومواضع الشبهات، إنما يُطعن في علمه، ويُقدح في صدقه.
رابعًا: نهيب بشعوب الأمة أن تُعبّر عن غضبها لله ورسوله، بكل الوسائل الممكنة، وأن تثبت في ميادين النصرة، وتُسمِع صوتها للظالمين وأعوانهم، فإن الغضب لله ولرسوله دينٌ، والذود عن الحرمات إيمان، والساكت في زمن الجريمة شيطان أخرس.
خامسًا: ندعو المؤسسات الحقوقية والهيئات الشعبية في العالم إلى تسليط الضوء على ما يجري في الأقصى.
كما وندعو وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية لاتخاذ موقف تجاه ما جرى في المسجد الأقصى من شتم لنبي الأمة صلى الله عليه وسلم .
سادسًا: نوجه تحية إكبار واعتزاز لأهلنا في غزة العزّة، غزة البطولة والكرامة، التي أثبتت مرة بعد أخرى أنّها في خطّ الدفاع الأول عن القدس والأقصى، وأنّها لا تتوانى عن تقديم الدماء والأنفس في سبيل كرامة الأمة ومقدساتها.
فيا أهل غزة، يا أنبل من في الأرض اليوم، إنّ مواقفكم الشامخة، ومقاومتكم المباركة، ودماء شهدائكم الطاهرة، لهي أصدق بيانٍ يُكتَب في زمن التخاذل، وأفصح ردٍّ على شتم نبيّنا وسرقة أقصانا، وإننا على نهجكم لسائرون، ولكم مناصرون، وغدا يزول الظلم والطغيان، ونلتقيكم في ساحات المسجد الأقصى عزيزاً محرراً بإذن الله تعالى
هيئة علماء فلسطين
1/ذو الحجة/1446 هـ
28/مايو/2025 م
