خاص هيئة علماء فلسطين

         

14/5/2024

‏قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ ‏بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحج: 40

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:‏

فعلى وقع المجازر المروعة وحرب الإبادة الشاملة والتهجير والتدمير الذي لم يتوقف ساعة منذ ثمانية أشهر في أبشع إبادة يمارسها الصهاينة منذ نشأة كيانهم المسخ؛ تحل الذكرى السادسة والسبعون لنكبة أمتنا وشعبنا الفلسطيني حاملةً جراحها الغائرة وذكرياتها الأليمة مجدِّدةً مشاهد المجازر المروعة التي اقترفها الصهاينة ومذكِّرةً بقوافل اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم لينتشروا في ‏منافي الأرض حاملين أرضهم وبلادهم في قلوبهم عنواناً لا يتيهون عنه هم وأبناؤهم وأحفادهم من بعدهم، وبأيديهم ‏مفاتيح البيوت شاهدةً على إرادة العودة التي ضحّى لأجلها شعبنا بقوافل كبرى من الشهداء على مدار ستة وسبعين ‏عاماً وما زال يقدّمهم في سبيل الله تعالى وحرية الأرض وتطهير المقدسات وكرامة الإنسان وعزة الأمة كلها.‏

وإننا في هيئة علماء فلسطين في الذكرى السادسة والسبعين للنكبة نؤكد الآتي:‏

أولاً: إن قضية فلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، وإنما هي قضية الأمة كلها حكاماً وشعوباً ومؤسسات، وإن ‏نكبة فلسطين كانت البوابة التي مرّت منها النكبات المتتالية التي عانت منها الأمة، ممّا يوجب على الجميع شرعاً وعقلاً ‏التحرك بالوسائل كافة وجمع الجهود لمواجهة عدونا الذي رصّ صفوفه رغم أن قلوبه شتى وأهواءه متصادمة، قال تعالى: ‏‏{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} الصف: 4‏

ثانياً: إن القدسَ والأقصى وكلَّ فلسطين _ سواء التي احتُلت عام 1948م أو التي احتلت عام 1967م _ والأراضي العربيةَ كلَّها أرضٌ إسلاميةٌ لا يجوز لأحدٍ التنازلُ عن ذرة ترابٍ منها مهما كانت صفته وأياً كان موقعه، وقد اتفقت كلمة العلماء قديماً وحديثاً على تحريم التنازل عن أي جزء من أرض المسلمين، فكيف إذا كانت هذه الأرض هي أرض البركة والقداسة؟! المسجد الأقصى وما حوله {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} الإسراء 1

ولا يجوز شرعاً عقد أية اتفاقية مع العدو الصهيوني تقرّ أو تعترف بحقه في إقامة كيانه المغتصب ‏على أرضنا المباركة.‏

ثالثاً: إنّ عودة اللاجئين حق وواجب شرعي في آن واحد معاً، فلا يجوز لأي لاجئ أو مسؤول أو كيان أن يتنازل عن ‏عودة اللاجئين أو أبنائهم وذرياتهم إلى أرض فلسطين، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب جريمة بحق أهلنا وأمتنا وديننا.‏

ويجب على اللاجئين من أبناء فلسطين العمل بكل ما لديهم من طاقة وإمكانات على إحياء ذاكرة الأجيال ‏وربطهم بدينهم وعقيدتهم وأرضهم ووطنهم وقضيتهم.‏

رابعاً: إن طريق الجهاد والتضحية هو السبيل إلى تحرير فلسطين وجميع الأراضي المغتصبة، وبناءً عليه فإننا ندعو الفصائل الفلسطينية في كل مواقع وجودها وكل أبناء الأمة لأخذ مواقعهم في المقاومة والجهاد في مواجهة العدو الغاصب، قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} التوبة: 14

وإن كل ‏جهد يصبّ في تحرير فلسطين هو من الجهاد المبرور الواجب فعله ودعمه وتيسير سبيله من قبل الجهات المختلفة، وهو ‏التجارة الرابحة المنجية التي لا تبور، وعليه فواجب الأمة بفعالياتها كافة أن تكون جزءاً من معركة طوفان الأقصى المباركة ميدانياً ومادياً ومعنوياً، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) ‏تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الصف: 10-11

خامساً: يجب شرعاً الإعداد لتحرير فلسطين امتثالاً لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ‏تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ‏وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} الأنفال: 60 وهذا الوجوب يشمل قوى الأمة وشبابها جميعاً، وفي مقدمتهم أبناء فلسطين داخلها ‏وخارجها، وهم رأس الحربة في مشروع التحرير، والإعداد الواجب يشمل الأنواع المختلفة، فإعداد الجيل مادياً ومعنوياً ‏وعسكرياً وتربوياً وثقافياً وغير ذلك هو من أوجب واجبات الوقت.‏

سادساً: إن من واجب الدول التي انتشر فيها اللاجئون الفلسطينيون أن تقدم لهم الرعاية والعدالة الحقيقية وأن تمكن ‏القوى الفلسطينية الحية الفاعلة من العمل في أوساطهم دعوةً وإرشاداً واستنهاضاً وتحفيزاً وإحياءً، وتمكيناً لهم من المشاركة في الدفاع عن أهلهم الذين يتعرضون لأبشع أنواع الإبادة على أرض غزة العزة، وهذا من أدنى صور ‏التعاون على البر الذي أمر الله عزّ وجل به في قوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا ‏اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} المائدة: 2

سابعاً: ندعو أبناء شعبنا الفلسطيني وفصائله العاملة المجاهدة إلى أن تكون ذكرى النكبة لهذا العام شرارة نفير جديد في سبيل الله تعالى في مناطق وجوده كافة لا سيما الضفة الغربيّة وأرضنا المحتلة عام 1948م للانخراط في معركة طوفان الأقصى المباركة والدفاع عن أهلنا الذين يتعرضون لأبشع المجازر على أرض غزة الحبيبة؛ قال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} التوبة: 41

ثامناً: نثمن الموقف الكبير الذي يتقدمه أحرار العالم في مظاهراتهم في مختلف دول العالم لاسيما مظاهرات الاحتجاج الطلابية في الجامعات الامريكية، هذه الاحتجاجات التي عرت الباطل الصهيوني وكشفت زيف الديمقراطية الغربية، وندعو الشباب العربي والإسلامي إلى الانتفاض في الجامعات نصرة لغزة وأهلها واحتجاجاً على الباطل الصهيوني

ختاماً: في هذا اليوم نحيي شعبنا المرابط المجاهد الصابر على أرض غزة الإباء، ونحيي مقاومتنا المجاهدة الباسلة التي تذيق العدو وبال أمره في غزة العزة، وما زالوا يحدثون النكاية بالعدو ويلقنونه من الدروس ما لن ينساه أبداً، ونحيي شعبنا القابض على حقه في منافي الأرض ومخيمات ‏اللجوء.‏

نحيي أسرانا البواسل وجرحانا الأبطال وحرائرنا المرابطات في ساحات الأقصى المبارك، وإن تحرير فلسطين قادم لا محالة، ‏وإن الصبح صبح النصر والتحرير والتمكين وعودة اللاجئين يطلّ حثيثاً، أليس الصبح بقريب؟!‏

والحمد لله رب العالمين

هيئة علماء فلسطين

9/ذو القعدة/1445هـ

14/مايو/2024م