14/8/2024
د. محمد الطاهري
انتهى المجلس وصرنا مع الاحتراق الذي تعرضت له قلوبنا بفعل اشتعال كلمات القرآن فيها كما البخور لا يصدر منها غير الطيب.
مرت الأيام مسرعة وحان موعد نهاية ملتقانا، ويا كم كان الفراق صعبا، فلحظات الوداع هي الأكثر وجعا في كل النهايات!
جاءني صديقي الجزائري يسلم علي ويحضنني ولسان حاله يقول: إن فرقت بيننا الحدود فلن تفرق بيننا المحبة والوفاء، وسنظل (خاوة خاوة)، ورآني صديقي الإندونيسي فأقبل مسرعا يسلم علي بحيائه وأخلاقه المعهودة وبكلمات مرتجلات من عربيته الجميلة يقول: سلام على أحبة في المغرب.
وهكذا كلما قابلت أحدا من بلاد ما من مجموع البلدان المشاركة في الملتقى إلا ورأيت في عمق عينيه بحرا يموج بمشاعر قوية، يقتحم بعدها الخفي حزن ممزوج بمحبة كبيرة وشوق في لقاء آخر قريب.
للحقيقة لم أسلم على الجميع مودعا لهم لأني حافظت على مسافة بيني وبين غير واحد من المشاركين، لا لشيء إلا لأني موقن أن المسافة وحدها هي التي تجعل حظ الارض من الشمس ضوء ودفئا وحياة، أما اقترابها فيعني الاحتراق!
ولان أخي س.ن من غزة -وهو صاحبي في أغلب أوقاتي في الملتقى- فقد بحثت عنه لأخصص له وداعا يليق بحجم محبتي له ولأحبتنا جميعا في غزة وفلسطين التي صرت أرى الوقوع فيها يشبه إلى حد بعيد الوقوع في طوفان كبير مهما بذلت من جهد لتخرج منه تتفاجأ في كل مرة أنك لازلت وسطه فلا تملك حينها إن كنت مبصرا إلا أن تحب مصيرك الذي صرت فيه.
ولما وجدته، نظر إلي وابتسم وقد فهم أني جئت أودعه، فقال لي مرحبا: تعال أحضنك بقوة يا أخي.
حضنته وكدت أبكي يا سادتي لعلمي أني سأفتقد أخا لا يشبه بقية الإخوان.
قلت له:
يا أخي لا يليق أن نفرح معا وتتألم وحدك، قلتها له ولسان حالي يحكي له بوضوح:
ودعتك يا أخي وقلبي باق عندك، وروحي لن تنساك أو تنسى غزة وفلسطين، سأبقى على عهد الوفاء لكم أبدا.
أذكر أني بعد أن ودعت من صحبتهم وعرفتهم في الملتقى جاءني شاب غزاوي معتدل القامة يبدو للقريب منه ضعيف الكراديس، ويتراءى للبعيد يمشي كما لو أنه يسرع، يرتدي قميصا مترددا بين الصفرة والبياض فوقه بدلة رسمية سوداء من غير ربطة عنق، يغلب اللون البني على رأسه ولحيته الخفيفة الجميلة، ولم يكن الشاب سوى أخي هـ. ب قادما يحمل لي معه كيسا به هدية عبارة عن كوفية فلسطينية ومفتاح صغير يحاكي ذاك الذي يفتح به باب المغاربة في القدس! وبعد أن شكرته كثيرا على صنيعه، تفاجأت وأنا في الحافلة في طريقنا إلى اسطنبول أن هناك رسالة في الكيس لم انتبه لها، فتحتها على الفور فقرأت فيها الآتي:
أخي محمد، إن أمتنا واحدة مهما بعدت بنا الاوطان، ومع كل شهيد في غزة وفلسطين هناك في الأفق ينبعث ميلاد جديد، و بلداننا الاسلامية سترى النور عما قريب، وسيكون لها من نصر القدس وفلسطين نصيب، وإني أسأل الله أن ألقاك حينها في ساحات المسجد الأقصى المبارك وعند حارة المغاربة وباب المغاربة، وإن كتب الله ألا ألقاكم فأسأل الله أن يكون عذري قبولي عنده شهيداً، وتذكرني بهذه الهدية المتواضعة، ولا تنسى إخوانك في غزة وفلسطين .
والسلام.
نقلاً عن:
https://www.facebook.com/mohamed.tahiri.0/posts/10229734877010024