8/8/2024
د. محمد الطاهري
في المقهى كان صوت موسيقى تركية جميلة ينساب بهدوء إلى مسامعنا، ويطوقنا كما لو أنه يخبرنا بوضوح أنه عنصر من فطرتنا وذاكرتنا، ولا يمكننا الاستغناء عنه، والحق يا سادتي أن القهوة مع الموسيقى لا يمكنهما أبدا أن يجعلا الغريب غريبا، فقد استشعرنا أنا وصديقي سلاما داخليا عجيبا افتقدناه قبل ولوجنا هذا المكان، وقبل ولوج الموسيقى إلى دواخلنا لتخرج منها ما كان!
وكان إلى جوار طاولتنا في الجهة المقابلة أسرة من أب وأم وثلاثة أبناء صغار يلعبون لعبة فهمت منها أنها تتطلب سرعة حركة وذكاء، والحرب للحقيقة هي أيضا كذلك، فالأذكياء سريعي الحركة في نظري يكون لهم حظ وافر في النصر، وإن كان من مساوئ الذكاء الحاجة الملحة إلى تعلم المزيد، وبينما أنا منغمس في النظر إليهم فاجأني أخي ق.م بخبر تلقفه من هاتفه الجوال مفاده اختيار حركة حماس لأبي إبراهيم السنوار خلفا لإسماعيل هنية، ولا أخفيكم أني سعدت كثيرا بذلك، ورأيت فيه ذكاء كبيرا، وأعظم الذكاء في اعتقادي ذلك الذي يختار فيه صاحبه الوقت المناسب لتسديد ضربته!
سألته: كيف تقرأ هذا الأمر؟
قال لي بلهجته العامية: الله يستر يا زلمة!
قلت له: لماذا؟ وأين المشكلة؟!
قال: العدو الآن لو أراد استرجاع أسراه فعليه أولا أن يجد السنوار ليتفاوض معه، فليتفضل.. ها هي ذي غزة وأنفاقها أمامهم، ليجدوه إن استطاعوا!
قلت له: آه.. اختيار الرجل الآن إذن يعني رسميا تقديم التوجه العسكري على السياسي، وهي رسالة أيضا للوسطاء والدول العربية مفادها اننا نرفع عنكم حرج استقبال رئيس الحركة وتوفير الحماية له!
نظر إلي وابتسم وقال: قرار غزة الآن دون لف ولا دوران في الميدان.
عدلت جلستي وابتسمت، وقلت في نفسي: والله إن جند الله هؤلاء ليعطوننا دروسا باستمرار.
وبقدر فرحي بحسن اختيارهم لقائدهم بالقدر نفسه كانت سعادتي بالغيض الذي سيصيب أعداءهم من هذا الفعل الحكيم!
لست أدري لما ذهب بي الخيال بعيدا فرأيت مشاهد النصر متجلية أمامي، فرددت بلساني من غير شعور مني: يااا ربي نصرك الذي وعدت.
وإن لذكر الله عز وجل والتوجه الصادق إليه بالدعاء لأثرا عجيبا على النفس، وإن أوقاتا تصفو فيها النفس لمثل هذا الدعاء لهي الأوقات حقا، وإن خروج الدعاء من القلب يورثه إشراقا نورانيا خاصا لا يجده إلا من صدق الله في الطلب؛ فأن تناجي الله بالدعاء يعني عبادته سبحانه، لأنه يكون عن الشعور بالافتقار وذلك هو سر قبوله واستجابته!
ولأني مؤمن يا سادتي أن من عامل الله بالأسباب عامله بها كذلك، ومن عامله باليقين عامله بالعطاء والكرامات، دعوت الله أن يحفظ أبا إبراهيم السنوار ويجعله سببا في تفريج الكرب وتحقيق الانتصارات.
غادرنا المقهى بعد ذلك متجهين إلى حيث ملتقانا لحضور مجلس قرآني بالمسجد القريب من إيفام، موقنين أن من تغلب على نفسه وأدى ما عليه تجاه ربه مهد للانتصار الكبير على أعدائه ونيل مراده.
وفي المسجد ونحن متحلقون نتلو كلام الله ونستمع إليه؛ أدركت أن الحنجرة مبخرة، وأن القلب فحمها المشتعل، وكلما كان عودها القرآن كانت الرائحة زكية.
—-
الصور: في المسجد المشار إليه في آخر النص.
نقلاً عن:
https://www.facebook.com/mohamed.tahiri.0/posts/10229708846559279