31/7/2024
د. محمد الطاهري
مر الوقت وأنا في نعيم صحبة الأخيار لا أستشعر سرعة انقضائه، حتى وقع ما وقع صباح اليوم: الأربعاء25محرم 1446هـ الموافق ل 31 يوليوز 2024م!
كنت حينها قد خرجت من المسجد بعد انتهائي من أداء صلاة الفجر وما يتبعها من قراءة للقرآن والأذكار التي نتحلق عليها فنرددها جماعة كما لو أننا عصافير صباحية جميلة تزقزق بسعادة وفرح ونشاط وهي تستقبل يومها الجديد.
جاءني صديقي الجزائري وخاطبني بنبرة حزينة جدا بالكاد سمعت منه كلماته، قال لي: أخي محمد لقد استـ.ـ..ـشهد إسماعـ.ـيل هـ..ـ.ـنية!
كان وقع كلامه علي ياسادتي ثقيلا..ثقيلا جدا فوق ما أتحمله، رددت في الحال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
أسرعت خطواتي في الحال باتجاه مكان قصي جوار مبنى إقامتنا، فجلست أرضا وبكيت، وما كنت أدري قبل غـ..ـژة ما البكا ولا موجعات القلب حتى توالت، وإن أقسى البكاء ذلك الذي يقطع أنفاسنا ونحن في منتصف الكلام، فيصرفنا عن التفكير!
ما أصعب ما تصنعه بنا أيها الموت..
أصدقكم القول يا سادة، إن الموت ينزع الروح من الأموات والأحياء معا، ولن يعي معنى الموت الذي أقصده إلا إن من عرف الحب وذاقه.
أحببت إسمـ.ـاعيل كما لو أنه أب لأمتنا جميعا، وكيف لا أحبه وكل من يعرفه يشهد له بالأمانة والقوة، وما كان له ليكون كذلك وتظهر على محياه العلامات أنوارا مشرقة لولا أنه كان صواما قواما، ذا صبر ورباطة جأش وجهـ..ـاد، وإن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وقوة في البدن وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق.
حقا إن الرجل مؤمن محبوب حقا، فقد أحبه الصغير والكبير وتعلم منه خلق كثير، وكيف لا يتعلمون منه الصبر؛ فقد صبر وابتسم رغم عظم مصابه، صبر رغم فقده عددا كبيرا من افراد عائلته، وقبلهم أعز أساتذته وأصحابه.
عدت لغرفتي بعد ذلك وبقيت أتابع أخبار استشـ.ـهـ.ـاده عبر هاتفي وأدعو له بالرحمة وأتأمل هذا الذي جرى بألم وحزن وأمل في الله كبير.
يا له من مشهد فوق الخيال هذا الذي رسمته باستشـ.ـهـ.ـادك يا سيدي يا إسماعيل، ويا له من شعور تنهد له الأركان..
هاهي ذي روحك تصعد إلى بارئها مغمورة في أرقى بهجتها وأزهى حللها وأطيب ريحها مسرورة للقاء الـ..ـياسـ.ـين والـ.ـرنتيـ..ـسي وغيرهم .. هاهي ذي السماء تحتفل لحركة قوافل المجد الأبدي وسير مواكب النور الساطعة التي .
جاءت تستقبلكم أيما استقبال..
حزنت وبكيت لكني رغم ذلك بقيت على يقيني مؤمنا أنه
مهما بلغت الشدائد والمحن وتعاظمت، فلن تدوم، و المحن على الدوام تحمل في طياتها المنح، وتتعاظم عطاءاتها بعظم المصائب والصبر عليها!
تساءلت في لحظة كيف يمكن للإنسان أن يبلغ هذه المنازل العالية؟ وتبين لي بعدما صلينا عليه صلاة الغائب بعد ظهر نفس اليوم أن مثل هذا لقائد الكبير الذي يُقتل غدرًا لا يمكن إلا أن يترك خلفه إرثًا عظيمًا من الشجاعة والتضحية، وليس من السهل أن يقف الإنسان في وجه الظلم ويضحي بحياته وحياة أبنائه وأحبابه من أجل مبادئه وقيمه.
كان من حضر للجنازة متأثرين بفقده، فرفع بعضهم شعارات التكبير تعبيرا منهم عن غضبهم لاغتياله في وقت كان فيه ضيفا في بلد غير بلده، وردد البعض الآخر شعارات تتوعد اليهـ..ـود بما سيحيق بهم، بينما كانت كلمة الشيخ إحسان بعد ذلك مذكرة بأصل الأصول داعية الحضور للثبات على درب الرجل حتى نلقى الله جميعا وهو راض عنا.
وليس سهلا ياسادتي أن تجد إنسانا لا يخشى الحياة و الموت معا في سبيل الحق، ولذلك سيظل سيدنا إسـ.ـماعيل هنـ.ـيـ..ـة قدوة للأجيال القادمة، يلهمهم بالشجاعة والإصرار على بلوغ النصر، وأعتقد أن استشـ.ـهـ.ـاده في منتصف الطريق ليس نهاية للحلم، بل هو بداية جديدة لبزوغ رجالات آخرين ذوي أفكار وقيم عظيمة يزرعونها في نفوس الناس كما زرعها هو وغيره في نفوس أبنائه ومحبيه وعموم الأحرار من أمته، وستظل ذكراه خالدة في قلوب من آمنوا بجهـ.ـ.ـاده وساروا على دربه، وستظل شجاعته نورًا يضيء طريق الحرية، فدماؤه الطاهرة التي سالت في سبيل الدين والأقـ..ـصـ.ـى وفلـ.سـ.ـطين، تعلمنا أن الأبطال لا يموتون، بل يخلدون في ذاكرة الأوطان وأرواح الأحرار حيثما كانوا.
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون)
—-
في مرفق فيسبوك فيديو يوثق لجانب من صلاة الجنازة
المكان: أمام ساحة ulu cami جوار IFAM Ilmi ve fikri Araştimalar Merkazi بمدينة Samsun بتركيا.
نقلاً عن:
https://www.facebook.com/share/v/9fkZrXgjzymLu8Nb/?mibextid=oFDknk
