يوميات محمد الطاهري في ملتقى الشباب السادس ج4

    

28/7/2024

د. محمد الطاهري

مبنى IFAM ياسادتي ليس كسائر المباني، فهو مختلف تماما، ليس من حيث شكله وموقعه فقط، إذ هو واسع ومن طوابق عدة، ومتربع على مساحة خضراء جميلة ضاحية المدينة، وغير بعيد عنها، مطلا بنوافذه العديدة على المرتفعات والأشجار والبيوت المزينة للمنطقة، ولكن من حيث شيء آخر، فبمجرد دخول بوابته التي تؤدي بك إلى الغرف وإلى قاعة العروض، تشعر بدفء روحي عجيب، يشبه دفء الصلاة الذي أجده في الجامع القريب من المبنى.

 كل رواد المكان يشيرون لبعضهم البعض بتحية السلام، فيزيد ذلك من شعور المحبة والأمان، وفئة عريضة منهم تحدثك نظراتهم عن مدى الحب العميق الذي ينبض في قلوبهم تجاه كل من يقابلونهم، وهذه الأنفاس الجميلة التي تسري في المكان في محيط المبنى والتي تفيض من قلوب رواده تجعله يمتلئ روحا وريحانا، بل إني قد رأيت وانا أمشي وأتجول فيه النور يفيض بقوة من جنباته، فكأنها تحدثني عن طلبة العلم الشرعي في IFAM الذين يرتادونه للراحة بعد حصص الدراسة، أو لربما عن غيرهم ممن قدموا إليه مثلنا جالبين معهم آمالا عريضة في مستقبل مشرق للأمة.

وعلى ذكر الأمة دعوني أصارحكم أن أجمل ما في الملتقى الذي جئت أحضره في هذا المكان هو الشعور بانتمائي، ذلك الانتماء الكبير الذي تمثله وحدتنا، فأنا مغربي أتناول اليوم فطور الصباح مع جزائري، وفي الغذاء قد تجدني مع تركي، وفي المسجد قد أصلي بجوار إندونيسي، وفي الطريق قد أكون مع سوري، وهكذا، أمة واحدة، يجمعها دين واحد هو الإسلام، وسوف لن يهدأ العالم الإسلامي في اعتقادي ويتخلص من عداواته وتوتراته ومشاكله حتى ينفذ حب الأمة من نفوس أفراده، وتصير الحدود الفاصلة بين أوطانه في خبر كان، وحينها فقط سيستروح العليل منا بنسيم أرض شاسعة تمتد من طنجة إلى جكارتا، وينعم بخيراتها بعد أن يطرد منها ناهبيها من “الفرنجة” و ” الصليبين” و”الصـ..ـهـ.ـاينة” وسائر المحتلين الغاصبين، وما لم تتخلص أوطاننا من رهانها على الكيان الصهـ..ـيـ.وني والغرب الإمبريالي، لتحقيق الأمن و التنمية والاستقرار فلن تتحق أي وحدة للأمة، وإنما سنواصل في طريق هزائمنا الكبرى.

 في ندوة الصباح كان لنا موعد مع سيف الدين عبد الفتاح، وكان واضحا لي، قبل أن يذكر مسير اللقاء تعريفا به أنه هو! فملامحه لم تتغير، وحتى صوته لازال كما هو، لكن الألم يعتصر قلبه أكثر من ذي قبل رغم ما يظهر منه من محاولاته مزجه بآمال الطوفان المبارك الذي تعرفه أمتنا اليوم..

قد تسألونني من أين أعرفه؟

وأقول لكم: عرفته في تخصصه الفكري السياسي الإسلامي، وزادت معرفتي به أيام الانقـ.ـلاب المحزن على الرئـ.ـيس محمد مرسي رحمه الله، وقد كان اشتغل معه مستشرا له.

 كان الرجل إلى جانب الشيخ نواف تكروري في الندوة يؤصلان لقضايا الطوفان شرعيا وسياسيا ويعالجان مشكلات الفهم بعلم وإيمان كبيرين وينظران إلى الشباب الجالسين أمامهم ببصيرتهم المشفقة والمحبة لهم، فيستنهضون فيهم حركة المسلم العامل لدينه وأمته..

مر الوقت سريعا، وحان موعد الصلاة، فكنت في المسجد أتامل إشراق شعاع الشمس البلوري واختراقه للنافذة وجمال الألوان التي يوزعها على المكان..

وسعدت حين قام شيخ داعية بعد الصلاة واعظا مذكرا بتجديد الإيمان، فاغتنمتها فرصة لأقبل على خطابه منكسر الكبرياء، محطم الأنانية، مستسلما بالروح، يملؤني الحزن والأسى على ما فرطت في حق ربي وأمتي، وكنت وأنا أستمع له أنتظر وأرجو أن تصدر منه كلمة واحدة تعيد لي بعض الأمل وتدلني على مسلك من مسالك العمل، لكن يبدو أن شرود ذهني وهو يتحدث قد حرمني ما أرجوه، فخرجت من الموعظة وقد زاد حزني أكثر على ما أضعته وفقدته.

وفي الغرفة بعد الغذاء جلست أتامل حالي التي لا تسر، وبعد مدة من الزمن تذكرت فجأة أني لم أراجع وردي اليومي، فأدركت حينها سبب ما حل بي، وفتحت على التو مصحفي وبدأت أقرأ منه.

ولا أخفيكم يا سادة أني بقدر ما كنت أقرأ كنت أجد روحي كما لو أنها تتمدد على السرير كما يتمدد المريض في المستشفى عند الطبيب، فقد كانت ظلمات الحزن تغادرني ويحل محلها نور موصول بالسماء، كما لو أنه دواء الملكوت العلوي، ينزل على قطرات متواترة ويمنحني الأمل وتجدد الحياة، حتى إذا ما ذقت شئا من تجلياته استشعرت جمالا عجيبا.

نقلاً عن:

https://www.facebook.com/mohamed.tahiri.0/posts/10229608031198958

قد يعجبك أيضاً

محاضرة دروس وآثار طوفان الأقصى ‏

د. محمود الرنتيسي

دورة الإقناع والتأثير

تقديم أيمن سيف الدين

لقاء تلفزيوني على قناة قاف التفاعلية

استضافت قناة قاف التفاعلية على منصة فيسبوك بتاريخ 4/8/2022 مدير البرنامج العلمي في (الملتقى العلمي الدولي الرابع للشباب) د. ياسر القادري للتعريف بالملتقى وأهدافه ومخرجاته، وأجرى الحوار الإعلامي فاتح حبّابة.