ميثاق علماء الأمة

    

في مقاومة خطر التطبيع “السياسي” مع الكيان الصهيوني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن كل مسلم في مشارق الأرض ومغاربها يعتبر تحرير المقدسات الإسلامية بفلسطين قضيته التي يسعى لنصرتها، ومسؤوليته التي يُسأَل عنها.

وفي سابقة تاريخية يسعى اليوم ما يسمى النظام العالمي إلى فرض ما يسمى “التطبيع” الذي يُفضي إلى التنازل عن الأرض، وتذويب عقيدة تحرير الأقصى من رجس يهود غاصبين، وإجراء تهويد قسري لأجيال المسلمين.

وانطلاقًا من قوله تعالى: (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، وإعمالًا لقوله صلى الله عليه وسلم عند مسلم وغيره: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»؛ فقد تداعى ثلةُ من علماء المسلمين ومن كل حدب وصوب لبيان الحق في هذه النازلة ونصح الخلق، وتأكيد ما اتفقت عليه الأمة ولم تختلف فيه قطّ، ألا وهو وجوب جهاد المحتل الغاصب بكل سبيل مشروع.

وبعد جلسات علمية ومشاورات شرعية وواقعية قرر العلماء المجتمعون بإجماع هيئاتهم وأشخاصهم الاعتبارية أن التطبيع بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والثقافية والرياضية منكر يجب النهي عنه، والتحذير منه، فلا يجوز لدولة ولا لحزب ولا لجماعة مُقاوِمة أن تقع فيه أو تُقرَّ به )إنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( الممتحنة-9-.

بل الواجب مقاومة هذا المنكر على كل أحد بما يستطيعه؛ امتثالًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» رواه مسلم.

وإن العلماء ليضعون حكام المسلمين خاصة والأمة عامة أمام مسؤوليتهم الشرعية في تحرير الأرض وصيانة العرض وتحرير المقدسات، ويؤكدون على أن مقاومة التطبيع حق تشرعه الرسالات الإلهية والمواثيق والأعراف الدولية، ولا تبيحه ضرورة ولا تجيزه مصلحة ولا يشهد لجدواه واقع.

وإبراء للذمة ونصحًا للأمة في نازلة التطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصب، الذي أسهم في صياغته علماء كبار ومتخصصون ذوو أقدار من مختلف الأقطار يأتي هذا الميثاق ليكون بمثابة الدستور الذي يحكم تعامل الأمة مع التطبيع ويبين مسالك مقاومته

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

تعريفات ومفاهيم:

1.       الميثاق هو مجموعة من المبادئ والأحكام الشرعية التي توافق عليها علماء الأمة الموقعون عليه بغرض بيان الحكم الشرعي في التطبيع مع الكيان الصهيوني وبيان الواجب الشرعي المترتب عليه.

2.       الكيان الصهيوني هو كيان عنصري إحلالي توسعي معادٍ للإنسانية غصب أرض فلسطين ودنس مقدساتها واعتدى على حقوق أهلها وصادر حرياتهم.

3.       التطبيع هو بناء علاقات متنوعة مع الكيان الصهيوني أو ممثليه على وجه يفضي إلى الإضرار بمقاومته أو الإقرار بحقه في اغتصاب أرض فلسطين وتدنيس المقدسات الإسلامية.

أهداف التطبيع ومقاصد المطبعين

4.       يهدف الكيان الصهيوني من وراء التطبيع إلى إضفاء الشرعية على كيانه وتثبيت أركانه واستبقاء وجوده محلياً ودولياً، وضمان توسعه ليتمكن من السيطرة على الأمة الإسلامية ومصادرة حريتها ونهضتها وسلب مقدراتها.

5.       إن مقاصد المطبعين مع الكيان الصهيوني غير معتبرة شرعاً، وهي لا تعدو كونها مصالح متوهمة غير حقيقية، ولها أضرارها على فلسطين والأمة، وتكذبها تجارب الأمس ووقائع اليوم واستشرافات المستقبل.

توصيف الكيان الصهيوني وحكمه الشرعي والقانوني

6.       الكيان الصهيوني كيان باطل الوجود شرعاً قام على احتلال الديار وغصب المقدسات والاعتداء على الدين والنفس والعقل والمال والنسل، وجهاد الاحتلال ومقاومته واجب في الشريعة الإسلامية.

7.       الكيان الصهيوني كيان منعدم قانوناً تأسس بحكم القوة والإرهاب، ومقاومتُه -بما فيها المقاومة المسلحة- حق تكفله الأعراف والقوانين الدولية.

8.       إن كل القرارات الدولية التي صدرت لشرعنة وجود الاحتلال باطلة شرعاً ومنعدمة قانوناً.

الأحكام الشرعية والقانونية للتطبيع السياسي

9.       التطبيع مع الكيان الصهيوني محرم شرعاً؛ لمناقضته مقتضيات الإيمان ولوازمه القائمة على الولاء للمؤمنين ووجوب نصرتهم والبراء من المعتدين وعدم مبادلتهم المودة والإخاء وقد أخرجوا المسلمين من ديارهم ومقدساتهم.

10.     إن كافة الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة مع الكيان الصهيوني وما ترتب عليها من التزاماتٍ محرمةٌ شرعاً وباطلة غير نافذة تحرم طاعة الحاكم فيها، وهي منعدمة قانوناً لاعتدائها على الأمة والشعب الفلسطيني.

11.     إن وجود الكيان الصهيوني على أرض الواقع وتطبيع البعض معه سراً أو علناً لا يغير من توصيفه وحكمه الشرعي والقانوني شيئاً، ولا يسقط واجب جهاده ومقاومته.

12.     لا يتغير حكم التطبيع باسترجاع بعض الأرض واستعادة بعض الحقوق.

13.     إن جميع محاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال مشاريع توطين اللاجئين أو تهويد المقدسات لا تنشئ للكيان الصهيوني حقاً ولا ترفع عنه وصف الاحتلال والعدوان وهو مناط حرمة التطبيع.

التطبيع ومهمة الحاكم

14.     إن مهمة الحاكم حراسة الدين وسياسة الدنيا به بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، والتطبيع مع الكيان الصهيوني خيانة للعقد بين الحاكم والرعية لما فيه من مفاسد تتناقض مع أغراض نصب الحاكم في الشريعة الإسلامية.

منطلقات ومبادئ في مقاومة التطبيع

15.     مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني متسقة مع الشرائع الإلهية والأعراف والقوانين الدولية القاضية بمقاطعة الظالم والأخذ على يده ومناصرة المظلوم حتى يسترد حقوقه.

16.     مقاومة التطبيع متسقة مع قيم الحق والعدالة والحرية والكرامة التي تضافرت عليها البشرية.

17.     مقاومة التطبيع متسقة مع سنن المدافعة بين الحق والباطل والخير والشر، ووجوب نصرة المظلومين على الظالمين.

18.     مقاومة التطبيع تنطلق من استراتيجية الأمة في تحرير فلسطين.

مقاصد مقاومة التطبيع

19.     تهدف مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى حفظ دين الأمة وأمنها ومصالحها واستبقاء الحس الإسلامي للأمة وشعورها النفسي الرافض للاحتلال.

20.     تهدف مقاومة التطبيع إلى محاصرة الكيان الصهيوني ورفض وإفشال كل محاولات إدماجه في المنطقة وإضفاء الشرعية على وجوده.

21.     تهدف مقاومة التطبيع إلى تعزيز صمود الشعب الفلسطيني ودعم مقاومته وحقوقه.

مفاسد التطبيع ومخاطره

22.     يهدد التطبيع مع الصهاينة المبادئ الإسلامية والإنسانية الكبرى كالحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والأمن والسلم العالميين.

23.     التطبيع مع الصهاينة خطر على عقيدة الأمة ومكانة المقدسات في نفوسها ومهدد لمقاصد الشريعة الهادفة لحفظ الأمة في دينها ونفسها ومالها وعقلها ونسلها.

24.     التطبيع مع الصهاينة يهدد مشروع المقاومة ويضعف جذوتها في نفوس الأمة.

25.     يؤدي التطبيع السياسي مع الكيان إلى توظيف الدول العربية والإسلامية في تصفية القضية الفلسطينية والقضاء عليها، وتبديد آمال وطموحات الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه واستعادة حقوقه كاملة.

26.     إن أمن الأمة وحدة واحدة، وإن التطبيع مدخل أساس للهيمنة الصهيونية الأمنية والعسكرية الشاملة على الأمة العربية والإسلامية.

27.     يقلب التطبيع السياسي الحقائق فيجعل العدو صديقاً مما يهدد أمن واستقرار الدول العربية والإسلامية.

28.     يعيق التطبيع مع الكيان الصهيوني جميع محاولات التغيير والإصلاح في الأمتين العربية والإسلامية.

29.     يعطل التطبيع السياسي وعي الأمة بذاتها ويحولها لشعوب ودول مفتتة، ما يفسد كل محاولات وحدة الأمة ونهضتها وبناء مشروعها الحضاري الجامع.

30.     يقيد التطبيع قدرات الأمة ويغير عقيدتها الأمنية والعسكرية ويعيد صياغة شبكات علاقاتها وصولاً لتحول الدول المطبعة إلى أدوات للاحتلال.

31.     يهدد التطبيع مع الكيان الصهيوني نمط حياة الأمة وقيم شعوبها واتجاهاتها وولاءاتها، وثقافة المقاومة والاستقلال بالاضمحلال والزوال.

32.     التطبيع مع الكيان الصهيوني هزيمة نفسية وإقرار بتفوقه قيمياً وحضارياً وثقافياً، ومقوض لروح الأمة وعقلها وفكرها ووجدانها

33.     التطبيع مع الكيان الصهيوني يزور حقائق التاريخ ويزيف الوعي ويبدد الإرث الثقافي العربي والإسلامي.

الواجبات

34.     إن مقاومة التطبيع واجب شرعي ومسؤولية إنسانية حضارية تقع على عاتق شرائح المجتمعات العربية والإسلامية والإنسانية بشخصياتها ومؤسساتها وتجمعاتها كافة، كل له دوره الخاص والفاعل والمؤثر في مقاومة التطبيع

35.     إن بيان الحكم الشرعي للتطبيع مع الكيان الصهيوني واجب العلماء، وإن التقاعس عنه كتمان للعلم.

36.     إن من أمانة الكلمة التي استحفظ عليها العلماء الربانيون تفنيد مسوغات التطبيع باسم السلام والصلح.

37.     مدافعة المشروع الصهيوني والتخلي عن المعاهدات معه واجب الحكام والحكومات حفاظاً على عقيدة الأمة وشريعتها ومقدساتها.

38.     إن تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني ومساءلة المطبعين وتقنين مقاطعة الكيان الصهيوني واجب دستوري قانوني على القضاء والمؤسسات التشريعية والمنظمات الحقوقية.

39.     قيادة مشروع المقاومة واجب الحركات والأحزاب والجماعات الوطنية والإسلامية لما تملكه من امتدادات نخبوية وشعبية.

40.     يجب على المفكرين والمثقفين والإعلاميين وقادة الرأي أفراداً ومؤسسات تعرية التطبيع والمطبعين وتشكيل الرأي العام المقاوم للتطبيع.

41.     الجاليات العربية والإسلامية عليها واجب كبير في التصدي للكيان الصهيوني والتخلي عن دعمه.

42.     يجب على الشباب أن يكون طليعة في مقاومة التطبيع مع الصهاينة بالوسائل اللائقة به.

43.     إن تشكيل رأي عام نسائي رافض ومحافظ على هوية الأمة ومقدساتها واجب المرأة.

44.     إن تربية الأبناء وتنشئة الأجيال على مقاومة التطبيع من الواجبات المنوطة بالأسرة ومؤسسات التعليم.

انتهى

قد يعجبك أيضاً

نهضة الأمّة.. يصنعُها شبابُها

د. رانية نصر

الشباب وصناعة التأثير

د. عبد السلام الجالدي

مقابلة مسؤولي الملتقى العلمي الدولي الرابع للشباب

ختم الملتقى العلمي الدولي الرابع للشباب أعماله في مدينة إسطنبول بتاريخ 15/8/2022 بعد قضاء 20 يوماً من الجد والعمل الدؤوب يواصل فيها المشرفون والمشاركون العمل في الليل والنهار، وقد كان لنا شرف لقاء بعض المسؤولين ليخبرونا عن الملتقى.

تقرير عن ملتقى عالمات الأمة

ضمن فعاليات "أسبو ع القدس العالمي"