الحمدُ للهِ مُظهرِ الحقِّ وناصرِه، وماحقِ الباطلِ ومُزْهقِه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أنزل عليه الكتاب بالحق والميزان، والحجة والبيان، والسيف والسنان، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك سيدنا محمد.
أما بعدُ:
فإنَّ أصدقِ الحديثِ كلامُ اللهِ، وأحسنَ الهُدى هُدى سيدنا محمد رسول الله 9، وخيرَ الأمور السُّنَن الشرائع، وشرَّ الأمور المحدَثات البدائع.
وأوصيكم ونفسي بتقوى الله، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 102].
معاشر المسلمين !
يَقُولُ الحَقُّ سُبَحانَهُ: ﴿فَصَبَروا عَلى ما كُذِّبوا وَأوذوا حَتّى أَتاهُم نَصرُنا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ﴾.
“أهل الحقِّ منصُورونَ وغَالِبُون قطعًا، ينصرُهم اللَّهُ ولو بعدَ حِينٍ، سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي لَا تَتَبَدَّل، وَلَـكِـن قبل النصر لا بُـدَّ مِن الصَّبر، صَبْرٌ على الكذب والأَذَى، وَصَبْرٌ على الشِّدَّةِ والابتِلَاءِ «وَإنَّمَا النَّصْرُ صَبْرُ سَاعَةٍ»، وَهَـذَا دَيدُنُ الأَنبِياءِ عَلَيهُم السَّلَامِ وأتبَاعِهِم”.
يقول الشيخ محمد الغزالي :
هل أصابكم اليأس؟
أخبروني من يستطيع أن يُغيِّر هذا الكتاب: ﴿كتبَ اللَّهُ لأغلبنَّ أنا ورسُلي﴾؟
من يستطيع أن يَنتزع هذا الإرث: ﴿وأورثنا القومَ الذين كانوا يُستَضعفُون مشارقَ الأرضِ ومغَاربَها﴾؟
من يستطيع أن يُؤخِّر هذه الكلمة: ﴿ولقد سبَقتْ كلمتُنا لعبادِنا المُرسَلينَ إنهم لهُمُ المَنصُورون﴾؟
أيها المؤمن !
حين تشعر أن المنافذ كلها مغلقة سيصل إليك لطف الله من المنفذ المستحيل!!!
معاشر المسلمين !
يجب أن لا نغفل عن قضايانا الحاضرة وأن لا نغيب في دنيانا وبعض منا يصارعون الموت والجوع وتصهرهم آلة الحرب وهم صامدون ونحسبهم عند الله صادقون، فمعنى أن ننسى أو نجهل حال غزة هو أننا بعنا الآخرة لأجل الدنيا، وركنا إليها، واعلموا “إنها فرص يسوقها الله عز وجل للبشر لاغتنامها وقد لا تتكرر، وهي أسواق تعقد ثم تفض يربح فيها من يربح، ويخسر فيها من يخسر، والمسلم سباق للخير لا يدع لحظة من لحظات حياته تمر دون فائدة”.
أين نحن من مقولة بعضهم “الحق أننا مع هذه المحن المتلاحقة والمصائب المتسابقة، ومع مواجهة المؤامرات الداخلية والعالمية لم يعد يهزنا شيء، وأصبحت الحياة والمنية سيان أمام نواظرنا”
ثم اعلموا أن هنالك أسباباً يخبئها الله لعباده الصادقين ينزلها الله أثناء الشدة وإبان الأزمات.
“من يحفظ الأعراض إذا تعرضت للانتهاك؟ من يذود عن المقدسات إذا ديست؟ من يحمي الأطفال والنساء والمستضعفين؟ من للقيم والمبادئ؟ من لدين الله ان يرفعه إذا تخليتم؟
إنها أيام حاسمة في دورات الزمن، وصفحات مشرقة في جبين التاريخ، فاصغوا أيها المسلمون إلى النداء الرباني الجليل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:200]
عباد الله !
لقَد وُجد دومًا إيمانٌ وكفر، وحقٌّ وباطل، وظلمٌ وعدل، وخيرٌ وشرّ، ولكلّ طرفٍ أنصارٌ يقومون به، فأهلُ الحقِّ يقومون به وبه يعدِلُون، وأهلُ الباطل يقومُون له وبه يَجورُون، وقد قضى سبحانه أن تكونَ العاقبةُ للمتقين، وأن يكون الهلاكُ للكافرين المكذِّبين الضَّالين، قال سبحانه: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾.
لكنْ في خِضَمّ أَتُونِ هذا الصِّراع، كانت لله سننٌ لا تتبدَّلُ ولا تتخلَّفُ أبدًا، ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾.
إنّ سُنَّةَ الله تعالى في إهلاكِ الكفّارِ المجرمينَ لا تتغيَّر، إلا أن هذه السُّنَّة تَسبِقُها سننٌ، يُجريها اللهُ تعالى بين يدَيها، توطئةً وتمهيدًا لها وإتمامًا لحكمتهِ منها، كسُنَّةِ إمهالِ الكافِرِين، وسُنَّةِ ابتلاءِ المؤمنينَ وتمحيصِهم، وسُنَّةِ المداولة بين الناس، وسُنَّةِ التدافع، ثم سُنَّةِ النصر والتمكين.
ولعلَّ من السُّنن التي يجدُر بنا التأمُّلُ فيها هذه الأيامِ سُنَّةَ التدافع أو المدافعة.
وقد ذكرها ربُّ العالمين في موضعينِ من كتابه، فذكرها في خِتام قصَّةِ طالوتَ وجالوت، وما كان من تأييدِ الله للفئةِ المؤمنةِ القليلةِ على جيشِ الطاغيةِ جالوت، وكيف نصَرَ اللهُ عبادَه، وأيَّد بعزتهِ داودَ عليه السّلام فقتلَ جالوتَ وآتاه الله الملكَ والحكمة، فقال : ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
وذكرها سبحانه أيضًا حكاية عن النبيِّ 9 وأصحابِه، عندما أخرجهم كفارُ مكة إلى المدينةِ ظُلمًا وعُداونًا، فقال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
ومعنى سُنَّةِ التَّدافعِ أنَّ الله يَدفَعُ الكفّارَ بالمؤمنين، وأهلَ الباطلِ بأهل الحق، وأهلَ الفسادِ بأهل الصَّلاح، يُحيي اللهُ في قُلوبِ أهل الإيمان محبَّتَه والجِهادَ في سبيلِه وإنكارَ المنكَرات، فيقومونَ لله وحدَه مستعينينَ به؛ دفعًا لأهلِ الكُفر والضَّلال حتى يُزهِقَ الله بهم الباطلَ وأهلَه.
ولولَا هذا التَّدافُعُ لفسدتِ الأرض، وعمَّ الكفرُ والـخَبَث، وهُدِّمت المواضع التي يُعْبَد فيها ربُّ العالمين وحدَه لا شريك له، وحينئذ يحِلُّ على الأرض عقابُ الله الذي لا يُبقي ولا يَذر، فكان قيامُ أهل الحقِّ بدفعِ أهلِ الباطل نجاةً وأمَنةً للأرض ومن عليها.
عِبادَ الله !
أعَرَفْتُم الآنَ لماذا كانت الهَلَكةُ في تركِ الجهاد في سبيل الله وإنكار الـمُنكَرَات؟
ماذا لو غَلبَ الكُفارُ على الأرض جميعًا، وأحكموا فيها فسادَهم وطغيانَهم؟
ماذا لو انتفَى الإيمانُ والعَدلُ والطُّهْرُ من الأرض، وعمَّ الكُفرُ والظّلمُ والخَبَثُ الخلقَ؟
كيف ستكون حياةُ الناس يومئِذ؟ قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾.
عِبادَ الله !
قد تكون دَوْلةُ أهلِ الباطل غالبةً يومًا، إلّا أن أهلَ الحقِّ لا يستسلِمون، بل يَدفعُون ذلك القدَر بالقدَر الأحبِّ إلى الله، وهو الجِهادُ في سبيله بكلِّ ممكِن، كلٌّ في موضعه، بالسِّنان أو باللِّسان، والله يؤيّدهم ويسدِّدُهم، فيجِبُ على أهلِ العِلمِ ودُعاةِ الحقِّ القِيامُ بتعليمِ النَّاسِ ودَفعِ الباطِل، بإظهارِ الحقِّ ودفعِ الشُّبَهِ عنه.
تحكي لنا أمُّ المؤمنين زينبُ رضي الله عنها، فتقول: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ 9 يَوْمًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا”. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: “نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» [رواه البخاري ومسلم].
ما ثَمَّ إلا خيارانِ، إما أن يكثرَ الخَبَثُ فيأتي الهلاكُ العام، وإما أن تكون المدافعةُ ومِن بعدها تكون النجاة.
ألا فلْيَقُمْ كلُّ مسلم بواجبه، ولْيَدفعْ ما استطاع، ولْيَنْصُرْ دينَ اللهِ جَهْدَه، ولْيَعْلَمْ أن اللهَ حينئذٍ مؤيِّدُه وناصرُه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾.
حَـسْـبُـنَـا الـجَـبَـارُ في كُـلِّ يَـدٍ * * * شَـارَكَـتْ أَو بَـارَكَـتْ لِلـمُـعْـتَدِي
حَـسْـبُـنَـا الله عَلَى مَن خَــرسُــوا * * * رَغْمَ هَولِ الخَطْبِ وَالوَضعِ الرَّدِي
حَـسْـبُـنَـا في العَالَمِ المَوتُـورِ بَغْيًا * * * حِـيْـنَ لَـم يَـنْـصَـبْ لَـهُ مِن أَحَــدِ
بَـلَـغَـتْ أرواحُـنَـا الـحُلـقُـومَ هَـلْ * * * يَـا بَـنِي جِـلْـدَتِـنَـا مِن مُـنْـجِـدِ ؟!”
يقول الله سبحانه وتعالى في وصف المنافقين: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 8-10].
هذه الآيات الكريمة من سورة البقرة تصف وضعَ المنافقين، وتُحلِّل نفسياتِهم، وقد تكرَّر ذكرُ النفاق والمنافقين في أكثر من خمسين آية في القرآن الكريم، وهناك سورة خاصَّة في القرآن الكريم باسم: “المنافقون”؛ وذلك للدلالة على خطورتهم في المجتمع، ولا بد من الإشارة -أيها المسلمون- إلى أن المنافقين الذين ورَد ذِكرُهم في القرآن الكريم هم منافقو العقيدة؛ أي الذين يُظهِرون الإسلامَ شكلًا، ويُبطِنون الكفرَ كامنًا في قلوبهم، وهم يمثلون الطابور الخامس، فهم الفئة الشاذَّة، المنبوذة في المجتمع، وفي كل مجتمع، وهم موجودون في كل زمان ومكان، وذلك من عهد رسول الله 9 حتى يومنا هذا، وما ينطبق على الأفراد فإنَّه ينطبق على الدول والحكومات أيضًا، اللهُمَّ عافنا من النفاق، اللهُمَّ انتقم من المنافقين، قولوا: آمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البينات والحكمة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخُطْبَةُ الثَانِيةُ:
الحمد لله الذي جعل الدعاء عبادةً تُنال بها أعلى المراتب، ووسيلة يُتوصَّل بها إلى أسمى المطالب، ودليلًا على العبودية لرب المشارق والمغارب، وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة تقتضي إخلاص الدعاء، وتيقن الإجابة، وأشهد أن محمدًا عبدُالله ورسوله جاهد في الله حق جهاده بالقلب واللسان، والدعوة والبيان، وبالسيف والسنان؛ 9وأصحابه الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله وسلم تسليماً كثيراً.
أيها المؤمنون !
إلهي على صراطك قد يممتُ إقبالي * * * فأنتَ مولايَ في حِلِّي وتِرْحَالِي
ربِّي بغيركَ ما أشركتُ في نُسُكِي * * * ولا كفرتُ بأقوالي وأفعالي
آمنتُ أنكَ ربِّي واحدٌ أحدٌ * * * عليكَ معقودةٌ في العفو آمالي
معاشر المسلمين !
إن النفاق مرض سلبي من الأمراض النفسيَّة، وله صور متعددة، نشير إلى عدد منها كما ورد في القرآن الكريم؛ فمن هذه الصُّوَر: أن المنافقين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فيقول سبحانه وتعالى في سورة النساء: ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [النِّسَاءِ: 138-139]؛ أي أن المنافقين يتوهَّمون بأن الكافرين سيحمونهم من خلال المعاهَدات والأحلاف العسكريَّة والقواعد الأجنبيَّة، كما هو ملاحَظ في عالمنا العربيّ والإسلاميّ، فيجيب الله سبحانه وتعالى على هذه الدول بأن العزة لا تكون إلا للمؤمنين الذين هم أهل الله، وهم أهل القرآن، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: فإن الله عز وجل ينهى عن التحالف مع الكافرين، بقوله في سورة النساء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النِّسَاءِ: 144]، اللهُمَّ عافنا من النفاق، اللهُمَّ انتقم من المنافقين.
أيها الناس !
ومن صُوَر المنافقين الذبذبة والتردد في المواقف، ولا يثبتون على رأي، وهذا ما نشاهده في هذه الأيام على أرض الواقع المؤلم، فيقول سبحانه وتعالى في سورة النساء: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ [النِّسَاءِ: 143]؛ أي أنهم مترددون مضطربون، لا مخرج لهم بسبب ضَعْف الإيمان لديهم، وبسبب تبعيتهم لغيرهم، فليس لهم قرار ثابت، وهذا ما نشاهده في هذه الأيام أيضًا، ويقول رسولنا الكريم 9 في هذا المقام: «لا تكونوا إمعة، تقولوا: إِنْ أَحْسَنَ الناسُ أَحْسَنَّا، وإن ظلموا ظَلَمْنَا، ولكن وَطِّنُوا أنفسَكم، إِنْ أَحْسَنَ الناسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاؤُوا لَا تَظْلِمُوا».
ولقد أشار 9 إلى العقاب الأخروي يومَ القيامة، بحق المذبذبين والإمعات في عدة أحاديث؛ يقول 9 : «ذو الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة وله وجهان من النار”.
أيها المسلمون !
ومن صُوَر النفاق التربصُ، فيقول سبحانه وتعالى في سورة النساء: ﴿الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النِّسَاءِ: 141]؛ ومعنى هذه الآية الكريمة أن المتربصين الذين ينتظرون النتائج انتظار الحاقدين الشامتين، الذين يتمنون السوء والهزيمة للمؤمنين وهم الذين يتحرون أن تنزل بالمؤمنين الكوارث والمصائب والنكبات، فإن ترجَّحت كفة المؤمنين قال المتربصون للمؤمنين: ألم نكن معكم؟ وإن ترجحت كفة الكافرين قال المتربصون: ألم نقف معكم ونمنعكم من المؤمنين؟ وهذا ما نشاهده في أرض الواقع المؤلم.
لقد توعد الله سبحانه وتعالى أولئك المتربصين يوم القيامة بالعذاب الشديد في الوقت نفسه يقرر الله سبحانه وتعالى قراره الأبدي بقوله: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النِّسَاءِ: 141].
يقول النبي 9: «بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فَطُوبَى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس».
الدعاء ..
ألا صلوا وسلموا على نبيكم كما أمركم بذلك ربكم، واعلموا أن الله أمركم بأمر كريم، ابتدأ فيه بنفسه، فقال عز من قائل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
إلهي ! أغلقتِ الملوكُ أبوابَها، وبابك مفتوح للسائلين، يا حي يا قيوم، أنت حبيب المستغفرين، أنت أنيس المستوحشين، إلهي لقد جبرت بخاطر سيدنا محمد 9 بعد طول حصار وشدة، وأملنا فيك أن تجبر بخواطرنا، وتديم أمنك علينا، وأملنا فيك أن ترفع عن غزة وفلسطين الحرب وأوزارها، وأملنا فيك يا الله أن تجبر بخواطر جميع الأسرى والمعتقَلينَ، إن القلب يكتب والعيون تبوح، والوجه يبتسم، والضلوع جروح.
يا عظيمًا يُرجى لكل عظيم، قد عَظُمَ الخطبُ وفاض البلاءُ، دعوناكَ ربي والقلبُ جريحٌ والطَّرْفُ قريحٌ، والعقلُ هباءٌ.
اللهم إليك نشكو ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا وهواننا على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكلنا؟ إلى عدو يتجهمنا، أم إلى قريب ملكته أمرنا، إن لم يكن بك علينا غضب فلا نبالي، غير أن عافيتك هي أوسع لنا، نعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بنا غضبك، أو يحل علينا سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم منزل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب؛ أذق الصهاينة شر عذاب.
اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم أنزل عليهم رجزك وعذابك إله الحق.
اللهم أنقذ المسجد الأقصى، وأخرج اليهود منه أذلة صاغرين.
اللهم اجعل لأهلنا في فلسطين النصر والعزة والغلبة والقوة.
اللهم إنا نستودعك فلسطين وأهلها، أرضها وسماءها، رجالها ونساءها، شيوخها وأطفالها، فاحفظها ومن فيها من كل شر وسوء يا من لا تضيع عنده الودائع.
اللهم من أراد بأهلنا أو أرضنا السوء فاجعل دائرة السوء تدور عليه يا رب العالمين.
اللهم اكشف الضر عن المسلمين في فلسطين وكل مكان، اللهم انصرهم وثبتهم واجمع صفهم ووحد كلمتهم، واربط على قلوبهم واجبر كسرهم، وكن لهم عونا ونصيرًا
اللهم أقلْ عثراتنا، واغفِر زلاتنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم أَعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصُرْنا ولا تَنصُر علينا، وامْكُر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصُرنا على من بغى علينا.
اللهمَّ نسألك بلطفك يا مرتجى أن تديم لطفك وأمنك على أهلنا الضعفاء في غزة يا ربَّ العالمينَ، لطفًا يليق بكرمك يا الله يا ودود، اللهمَّ لطفًا بالأطفال الرُّضَّع، والشيوخ الركع، والبهائم الرتع، اللهُمَّ آو النازحين منهم.
اللهُمَّ إنهم جياع فأطعمهم، اللهُمَّ إنهم خائفون فأمنهم، اللهُمَّ كما سقيت العطشى منهم من بركاتك، امْنُنْ عليهم بدوام السَّكينةِ والأمنِ من عندك يا الله.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة:201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .. وأقم الصلاة