خطبة مقترحة لأسبوع القدس: الطوفان وصناعة الإنسان

    

2/2/2024

د. محمد سعيد بكر

🌹المحاور🌹

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

✅ فقد أدرك إخواننا في فلسطين الحبيبة وفي غزة العزة شرف الإعداد للجهاد بشكل مبكر .. فاستجابوا لأمر ربهم القائل: “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ” (الأنفال: 60) .. ودفعوا من دمائهم وأموالهم وعصارة جهدهم وفكرهم في سبيل بناء مشروع جهادي يشكل رأس حربة لأمة الإسلام كلها .. فأمدهم الله بمدده وأيدهم بقوته.

✅ لم يكن من السهل بمكان؛ بناء مشروع إعداد متقدم تحت ظل الاحتلال الغاشم وعيونه من الجواسيس والعملاء والمرجفين من المنافقين والمخذلين .. ولكن رجال الله لم يتوقفوا .. وأنَّا لهم التوقف عن مشروع فيه مجدهم وكرامتهم، وصيانة واسترداد مسراهم وأسراهم .. وهم يؤمنون أنه لن يصيبهم إلا ما كتب الله لهم.

✅ وحتى نحسن استثمار الطوفان فإن من الواجب أن نقتبس من بركات إعداد إخواننا وجهادهم قبساً منيراً ينفعنا ويشحذ عزيمتنا لاستنساخ مشاريع الإعداد والجهاد فوق كل أرض وتحت كل سماء؛ صار من الواجب استعراض بعض صور ومعالم الإعداد والبناء للإنسان التي عمل عليها إخواننا قبيل معركة طوفان الأقصى المباركة، وذلك على امتداد أكثر من ثلاثين عاماً، فمن تلك الصور والمعالم على سبيل التعداد لا الحصر ما يأتي:

1️⃣ الإعداد الإيماني؛ وهو الذي جعلهم يثقون بالله، ويستجيبون لأمره، ولا يعتمدون على أحد غيره، ويرجون ما عنده، ولا يخافون سواه.

2️⃣ الإعداد الأمني؛ وهو الذي جعلهم يكشفون أسرار عدوهم، ويمنعونه من كشف أسرارهم، وهذا الذي مكنهم من مباغتة العدو وتحديد نقاط ضعفه.

3️⃣ الإعداد البدني؛ وهو الذي جعل رجالهم يتفوقون في الحرب البرية دفاعاً وهجوماً.

4️⃣ الإعداد المجتمعي؛ وهو الذي جعل المجتمع الغزي يتحمل ويثبت رغم الألم، فهو يثق بمقاومته، ويعتز بها، ويدعمها، ويشكل حاضنة حامية لها .. ولا يقول لها: إذهبي أنت وربك فقاتلي، أو يتهمها بأنها المتسببة بتدميره.

5️⃣ الإعداد الجغرافي؛ وهو الذي جعل ساحة العدو مكشوفة معروفة، ونقاط قوتها وضعفها ظاهرة، كما أتاح للمقاااومة بناء الأنفاق على تعدد أحجامها وأنواعها.

6️⃣ الإعداد الفقهي؛ وهو الذي رشَّد المعركة، وجعل قتال رجالها على بصيرة، فهم يراعون وصايا النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالشيوخ والأطفال والنساء والأسرى وغيرهم، ولا يهملون مصادر ومقاصد التشريع حتى في تصريحاتهم وبياناتهم.

7️⃣ الإعداد النفسي؛ وهو الذي جعلهم يخوضون حرباً نفسية باقتدار، يخيفون بها عدوهم، ويحتفظون من خلالها بتوازنهم النفسي، ولا يأبهون ببركتها بكل مخالف ولا مخذل.

8️⃣ الإعداد الإعلامي؛ فلا يخفى تفوقهم إعلامياً، من خلال ما يسمى بالإعلام العسكري، وإطلالات الناطق باسمهم والتي لا يفوِّتها محب، ويهابها المبغضون.

9️⃣ الإعداد السياسي؛ فهم يتقدمون سياسياً، وقد جعلوا العالم ينقسم إلى معسكرين، معسكر محب متعاطف معهم، ومعسكر الأشرار ومن ينافق لهم.

🔟 الإعداد العسكري؛ فقد أذهلوا العالم في حجم العدة والعتاد الذي يملكونه، وقدرتهم على التصنيع والحيازة والتخزين، ودقة الإصابات والقدرة على ردع أسلحة العدو المتقدمة.

✅ هذه الصور والأشكال من أشكال الإعداد وغيرها لم تكن لتكون لولا معية الله لقوم أخذوا بالأسباب وتوكلوا على رب الأرباب.

✅ لقد رأينا في غزة العزة إعداداً تراكمياً تكاملياً؛ كيف لا؟ وقد شهد الجميع بأن قوتهم في صعود ونمو، وقدراتهم في تطور مستمر من معركة إلى معركة تالية، كما نرى أن إعدادهم يشمل الروح والفكر والجسد، ولا يستثني شيئاً ممكناً.

✅ ويبقى السؤال الواجب والمطلوب .. كيف يمكننا استنساخ تلك التجربة العظيمة .. كيف يمكننا استثمار الفرص وتجاوز التحديات .. كيف يمكننا تحضير عنصر المباغتة وضرب المعتدين على نقاط ضعفهم في لحظة غفلتهم أو نشوة غرورهم .. كيف يمكننا صناعة إنسان عزيز شامخ؛ لا يعطي الدنية في دينه ولا يخاف سوى من ربه وخالقه.

✅ إننا باستشعارنا المسؤولية وإدراكنا لعظم التكليف وما يترتب عليه من تشريف يمكن أن نتحول إلى حالة من الجدية والتركيز فنجعل الإعداد وصناعة الإنسان المقاوم من أهم أولوياتنا.

✅ إنها مسؤولية الدول والأنظمة والزعامات التي تأخذ الدور القيادي للنبي صلى الله عليه وسلم المذكور في قوله تعالى: ” وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (آل عمران: 121) .. وإلا فمسؤولية الجماعات الكبرى .. وإلا فمسؤولية المجموعات الصغرى .. وإلا فمسؤولية الإمام في مسجده والأستاذ في مدرسته وجامعته والوالدين لأولادهما .. وهذا يتطلب إدراك1 أبعاد قوله تعالى: “فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ” (النساء: 84).

✅ لقد عمل الطوفان بفضل الله على إعداد القاصي والداني إعداداً نفسياً أسقط من خلاله هيبة العدو الغاصب ومن يقف وراءه ويدعمه في السر والعلانية .. وجعل الجيل القادم من الفتيان والشباب يعشقون ما يرونه من بطولات المجاهدين ويتمنون المشاركة في هذه الملاحم والمعامع.

✅ لقد عمل الطوفان على زيادة الجرعة الإيمانية عند أبناء الأمة وهم يتنسمون عبق الشهادة .. مثلما جعل غير المسلمين يدخلون في دين الله أفواجاً .. وكل ذلك على سبيل الإعداد للملاحم الكبرى التي سيشترك فيها كل تقي نقي قوي القلب والفكر والجسد.

🌹وختاماً🌹

✅ لقد أصبحت غزة العزة بفضل الله العظيم مُلهمة لأمة الإسلام .. بل للبشرية كلها .. فالعالَم كله يئن ويتألم بسبب إفساد يهووود وأعوان يهووود .. وقد وجد الجميع في غزة رأس حربة الخلاص من هؤلاء المفسدين في الأرض .. بل وجدوا فيها الأستاذ المرشد والمعلم المتقدم في باب الإعداد والجهاد .. لاسيما وقد رأى الناس جدوى المقاومة وإمكانية وقوف الفئة القليلة في وجه الفئة الكبيرة تصديقاً لقوله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ” (البقرة: 249).

✅ ويبقى واجب وشرف الأخذ بزمام المبادرة .. وقد فاتنا المشاركة والالتحام المباشر مع شرفاء الأمة في المعركة القائمة؛ وذلك بالإعداد المستطاع لتحقيق ذلك الالتحام في المعركة القادمة .. وصدق الله: “وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً” (التوبة: ٤٦).

✅ وإلا فالخيبة والإثم والعار على من تخلف اليوم ولم يعزم على المشاركة غداً أو بعد غدٍ في معركة تحرير البشرية من إفساد يهووود وتحرير مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل غاصب عنيد، وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: “من ماتَ ولَمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ به نَفْسَهُ، ماتَ علَى شُعْبَةٍ مِن نِفاقٍ” رواه مسلم.

🤲 سدد الله إخواننا وثبتهم وأعزهم وجعل النصر حليفهم .. وأعاننا على بناء مشروع إعداد نافع لنا ولأمتنا وللبشرية كلها 🤲

قد يعجبك أيضاً

فعالية علمائية وشعبية في إسطنبول

عقدت مجموعة من الهيئات العلمائية والمؤسسات الفلسطينية والتركية، وبرعاية قناة “ريهبر” التركية، أمس الأحد 27/2/2022، ملتقى العلماء العالمي من أجل القدس، في مدينة إسطنبول التركية، ضمن فعاليات أسبوع القدس العالمي. وحضر الملتقى، الذي نُظم في يوم الإسراء والمعراج، نخبة من العلماء والمشايخ وقيادات العمل المجتمعي، للتأكيد على قدسية المسجد الأقصى المبارك، وقضية القدس وفلسطين. وشمل […]

ندوة من ركائز صناعة التأثير

قدمها: ‏ أ. د. عماد الدين رشيد ‏ د. جمال عبد السلام ‏ د. محمود مصطفى ‏

انطلاق الملتقى العلمي الدولي للشباب3

انطلاقاً من ضرورة تأهيل الشباب والشابات وإعدادهم للقيام بواجبهم تجاه قضايا أمتهم وبالأخص قضية المسلمين الأولى قضية ‏فلسطين، ونظراً للحاجة الماسة للاستفادة من التجارب المتنوعة والخبرات المتعددة للشباب في بلدان العالم ‏الإسلامي، فقد انطلق الملتقى العلمي الدولي الثالث للشباب هذا العام الذي نظمته ‏هيئة علماء فلسطين FİLİSTİN ALİMLER HEYETİ DERNEĞİ  لمدة أسبوع كامل، وذلك ابتداءً من […]