21/12/2023
د. عبد السلام الجالدي
الشباب في هذه الأمة هم أكثر مكوناتها وقاعدة بنائها السكاني بخلاف بقية الأمم التي تعاني ندرة الولادات وقلة الشباب
وقد كان أكثر الشباب قبل السابع من أكتوبر ينساق وراء حملات التغريب والتجريف والاستحواذ
حتى جاء طوفان الأقصى ليصنع من الشباب طوفانا من الحماس والشوق لنصرة الأقصى وغزة
كيف كان حال الشباب قبل طوفان الأقصى؟
لقد كان حالا لا تسر صديقا، يأس سيطر عليهم، وضياع الهمم، وانسياق وراء الشهوات، ثم جاء طوفان الأقصى ليوقظ فيهم الحماسة والغيرة والشهامة وحب القتال في سبيل الله
الشباب الذين كانوا يتابعون مباريات كرة القدم والمسلسلات صاروا أمام شاشات التلفزة يتنظرون خطاب أبي عبيدة
صاروا يشتاقون إلى نصرة المستضعفين والمشاركة في القتال ضد الصهاينة المعتدين
لقد كانت صحوة كبيرة لها آثارها المستقبلية الكثيرة
ويجب استغلال هذه الصحوة وألا تترك فقط في مرحلة العواطف والحماسة وهذا دور العلماء والحركات الإسلامية
إن الشباب طوفان الطوفان، حركة الموج وزمجرة الرعد وصهيل الخيل، فلا ينبغي أن نترك هذا الآن ليذهب سدى فلن يوجد مثل هذا الإيقاظ ربما لدهر طويل
وهذا الشباب يقع على عاتقه اليوم حمل عدالة القضية وبيانها والتحرك بها ومن أجلها وبناء محور العيش حولها
ألا يمكن أن نوجه هذه الموجة لتكون في مواجهة التطبيع حاجزا!
بل يمكن أن تكون أكثر من ذلك في التحرك والنصرة والسفارة
لكن هناك قصور واضح في جمع الشتات المتشظلي في الأقطار لنجعل منه بنيانا عظيما أمام المنافقين الذين يريدون أن يسوقوا قتلة الأطفال الذين يمارسون أشد أنواع الظلم والإجرام مما لا مثيل له يسوقونهم للشعوب حتى تقبل أن تطبع معهم.
إن الشباب اليوم هو طليعة الأمة في المواجهة ويجب أن يتحمل هذه المهمة
وأن يكون على دراية تامة بالواجبات التي تقع على عاتقه
هنا ألخّص بعض الواجبات التي يمكن للشباب القيام بها:
1- التحرك الإغاثي والخيري والاقتصادي المتصاعد بدعم الأسر المتضررة والمرابطين في فلسطين من خلال التبرع للمؤسسات الخيرية المعنية بالشأن الفلسطيني.
فالدعم المادي للمرابطين في فلسطين يتمثل من خلال كفالة أسر الشهداء وتثبيتهم ورعاية الأيتام والحرص على تنميتهم وعلاج المصابين وتقديم العون لهم، والتخفيف عن الحصار لدعم المقاومة وتثبيت الحاضنة الاجتماعية المساندة لها، وليكن لكل مسلم هذه المرة بالذات إسهاما فاعلا لبيان أقل مراتب ترابط الأمة، وإذا كانت الأمة اليوم تعتذر عن المشاركة الفعلية بحجة عدم القدرة وقيام الموانع القاهرة فإن الجهاد المالي لا يمكن الاعتذار عنه.
2- التحرك الإعلامي: يمكن للشباب نشر الوعي حول القضية الفلسطينية والتوعية بالظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
فالإعلام اليوم هو الذي يصنع الآراء ويحدد التوجهات ويبني التصورات كما أنه يقوم بدور محوري في توصيل الحقائق وكشف الجرائم وبناء المفاهيم وحماية حمى الإسلام في عقول المجتمع الإسلامي والإعلام يؤدي دور المرافع في أهمية الإسلام وصدقه وأحقيته بين الشعوب الإنسانية في العالم.
وليكن واجبك أيها الشباب موزعا في إحدى ثلاث ركائز:
1- تحري الحقائق وبيانها وإعلاء شأنها والرد على الشبهات، وحصار الإشاعة وإجهاض الأكاذيب
2- عدم التسامح مع المطبعين الخونة وبيان خطرهم وفضح تعاونهم مع عديمي الشرف والإنسانية من الصهاينة
3- العمل على الوصول إلى الصناعة الإعلامية الاحترافية لمواد إعلامية تبني قيم الرباط وترسخ نهج المقاومة وترفض ذل التطبيع وتفضح أهله.
كما أننا نشيد بما يقوم به الشباب من تفاعل إعلامي عالمي ضخم على أنه يحتاج إلى خطط فعالة ومنظمة وموجهة وذات أهداف راجعة
3- التحرك السياسي: يمكن للشباب المشاركة في الحركات السياسية والنيابية لدعم القضية الفلسطينية، والضغط على الحكومات كي تقوم بمهام النصرة والمساندة.
4- التحرك الشعبي، فهو أعظم ما تخشاه قوى الظلم والاستكبار إذ يسهم في صناعة كتلة ضغط رافضة للواقع، مدافعة عن الحق، وهو الذي يظهر الموقف الحقيقي للشعوب التي يراد لها أن تقبل بالأمر الواقع.
ولكن هناك ملاحظة هامة وهي أن الاكتفاء بهذا الواجب وسرعة الانفعال فيه دون دراسة لآليات تنفيذه عمل على إفقاده مكانته لدى المجتمعات لكونه ردة فعل عاطفية تنجلي بانجلاء المثير العاطفي العظيم، ولكنه أداة مهمة إذا تكامل وتعاضد مع الوسائل الشعبية الأخرى المشروعة للتعبير الحقيقي عن رفض الاحتلال، وجرائمه.
وأدوات ذلك: المسيرات المتواصلة والمظاهرات الحاشدة والمهرجانات الهادفة والإضرابات المؤثرة، والملاحظ أن هذا العامل بدأ في الضعف بسبب عدم وجود قيادات موجهة ومحركة للجماهير المتقدة والمستعدة للفعل المؤثر فيجب معالجة ذلك باتباع استراتيجية مدروسة ومنظمة.
5- المقاطعة الاقتصادية: يمكن للشباب مقاطعة منتجات الكيان الصهيوني وداعميه ومساندة حركات المقاطعة العالمية.
لقد كانت هذه بعض الواجبات التي يمكن للشباب القيام بها. ومن المهم أن يتم تنفيذا بطريقة سلمية ومنظمة.
على أنه لا يجب أن ننسى الواجبات الاستراتيجية الممتدة:
كالتربية وتأهيل الشباب من خلال الحرص على تجديد المجتمعات من خلال تربية النشأ واستنهاض الشباب وبناء قيادات شبابية مستقبلية حاملة للواء الدفاع عن المسجد الأقصى من خلال تكوين متوازن تربية وسلوكا ومعارف وعلوما ومهارة وملكات وفاعلية وتأثير.
كما يجب أن نصنع العقول ونرسخ الحقائق الصحيحة ، بعد تنقية الأفكار والتخلص من ميتها.
ودور البناء المعرفي الفاعل هو صناعة الفهم الصحيح العميق الوثيق الذي يحرك المجتمعات دون الحاجة للمفاعل العاطفي أو تأثيره، مع أهميته ولكن في إطار إيجابي قويم.
كما يجب أن نهتم بالإصلاح الاجتماعي من خلال المؤسسات المتعددة وذلك بتفعيل وسائل الدعوة والتربية والفن والثقافة التي تبني المجتمع الواعي المثقف المترابط بعلاقات اجتماعية متعاضدة.
ودورنا جميعا هنا الانضمام لركب المؤسسات والمشاركة عبرها في رسالة الإصلاح بحسب الميول والرغبات والقدرات والكفاءات عند كل شخص.
كما أن حال الأمة اليوم يبين غياب الدور السياسي المؤثر، وهذا يحتم علينا الاهتمام بالفعل السياسي الراشد الموازن بين المصالح والمفاسد بهدف بناء الأوطان ونهضتها للمشاركة الحقيقية في نهضة الأمة والدفاع عنها ودحر محتليها من خلال المشاركة السياسية الفاعلة الجالبة للمصالح العامة مع الاهتمام بشؤون المجتمع وهويته والدفاع عن قيمه وثوابته.
والله الموفق