الكاتب: د. عبد السلام الجالدي
عند استقراء أطوار التاريخ الإسلامي نجد أن الشباب عماد تنهض الأمة عليه، وتبني مجدها به، وتلك حقيقة تاريخية واضحة تجدها مسطرة في ثنايا الأحداث العظيمة التي كتبت في توثيقات الصدور والسطور.
إننا عندما نكتب عن الشباب لا يحتاج الأمر منا لاستحضار الكلمات الرنانة والعبارات القوية بل إن هذه الفئة المباركة تتصدر حركات التاريخ ومواكب التغيير ووهي في طليعة قيادة الإصلاح والبناء.
ولهذا تجد القرآن ينبهنا على دور الشباب فعبر عن أصحاب الكهف بقوله {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10] وقوله تعالى {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} [الكهف: 13].
إنها جذوة الاتقاد المباركة التي تمحي عن الأمة ما غرس في جسدها من شيخوخة وهرم لتبني أعظم الانتصارات السامقة
كيف لا يكون “الشباب” كذلك وهم: ناقلوا التراث والعلوم وصانعو الانتصارات والأمجاد العظام، والشباب هم خير ما يكنزه المجتمع ويذخره لمستقبل الأيام، وإن أمة شبابها متقد الفكر، حسن العمل، عظيم الهمة، صحيح العقيدة تسود غيرها وإن كان ذلك بعد حين.
ومن الحقائق الأكيدة أن الأمة إذا أفلست في شبابها، فقد فقدت وجودها وذلك يسرع في انهيار كيانها، ولذلك كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يولي “الشباب” عنايته واهتمامه، فكان حريصا على تحصينهم، فحثهم على الزواج، لئلا يقعوا في الفواحش، فيفسدوا ويضيعوا وتتخطفهم المغريات والشهوات، فقد روى الإمام مسلم، من حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:” يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، فإنه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء”.
تلك تربية نبوية تحصينية للشباب بأن يكونوا في مناعة من الشهوات التي ربما يستعملها الأعداء لإسقاطهم، وضياع الشباب يبدأ عند وقوعهم في فخاخ الشهوات التي يبثها الأعداء عب وسائل كثيرة ومتعددة.
ولأجل أن يكون الشباب في طليعة العاملين لنصر الأمة وإعادة مكانتها استنفر النبي صلى الله عليه وسلم همة الشباب نحو المعالي ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله بشّر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “الشاب” الذي ينشأ في طاعة الله تعالى، بانه سيكون يوم القيامة آمنا في ظل عرشه الظليل، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقل: إني اخاف الله، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه”.
ولا شك أن هذه الأصناف السبعة ينبغي أن يكون الشباب في طليعتها، ولا شك أن هذه الأصناف تمثل نماذج لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة في هويتها، فالشباب الذي نشأ في عبادة الله قد تحرر من كل شراك الشيطان وجنوده التي تتنوع صور تصديرها اليوم، وحتى بقية الأصناف فإن الشباب أكثر الأمة قصدا بها فهم المعنيّون بعدد منها.
ومما وضعه العلماء لقياس الأمم أن تنظر إلى شبابها فإن كانوا قد تمكنوا من النجاح في التحرر من شبهات الشيطان وأعوانه وأمواج بحور شهواته فتلك أمة قد فازت وعلت وانتصرت.
وإن وجدت شبابها ضعيفي الهمة تجتاح الشبه عقولهم والشهوات نفوسهم فإنها أمة يسهل التحكم بها بل الانتصار عليها.
إن المستقرئ للشريعة الإسلامية يرى اهتماما كبيرا بالشباب، وحرصا شديدا على دينهم وأخلاقهم، ودنياهم وآخراهم..
وبرأيي فهذه أعظم معركة تخوضها الأمة في استعادة هويتها وينبغي الإعداد لها والتجهز لمقتضياتها ألا وهي معركة بناء الهوية في الشباب فذلك من أهم الأسباب التي سوف تختصر على الأمة طول مكثها في التيه والسراب.
ولا يعذر الشباب اليوم بالبيئة الموجودة التي يحتجون بأنها تضعف همتهم وتفسد فطرتهم فإن موسى عليه السلام تربى في باحات الفرعونية ولكنه تحرر منها بل كان سبب تغييرها وزوالها.