د. رانية نصر
20/8/2023
مع نهاية يوم الأحد الموافق الثالث عشر من شهر آب/ أغسطس 2023م أُسدِل السّتار على فعاليّات الملتقى الدّوليّ الخامس للشّباب، -عند الشابات- والذي حمل شعار “الشباب وصناعة التأثير” محققاً بذلك الأهداف التي جاء لتحقيقها هذا العام؛ وأهمّها إكساب مهارات وفنون التّأثير، وتمكين الشّباب والشّابات المفاتيح الهامة لصناعة شخصيّة رياديّة مؤثرة على مستوى مجتمعاتها وأوطانها وأمّتها، وقد امتد لعشرة أيام متواصلة، كانت مليئة بالبرامج والأنشطة والفعاليات والفقرات والمحاضرات والدّورات والوِرش النّظريّة والعمليّة.
خضعت الشّابات لبرامج مكثفة، تناولت خلالها موضوع التّأثير من زوايا عديدة، فتعرّضن لمفهوم التّأثير وأهدافه وأدوات ووسائله، والتّأصيل الشّرعي لصناعة شخصيّة إسلاميّة مؤثرة؛ والتّأثر والتأثير بالقرآن الكريم لصناعة التّغيير المنشود، فصناعة نهضة الأمة والعمل لهذه الغاية السّامية لا تقوم إلا على شبابٍ حدّد وُجهته الصحيحة، ثم بنى نفسه على منهج الكتاب والسّنة، ومضى بخطوات راسخة للتّحقيق والإنجاز والعمران.
ولم يغفل البرنامج الحديث عن التأثير كأداة ضاغطة وفاعلة في صناعة القرار على المستوى الشّخصي والمجتمعي والسّياسي، وهو من أهم الأدوات اليوم لصناعة رأي عام قادر على تغير موازين المعادلة لصالح مَن يعمل لأجل البناء والنهضة، وقد جاءت وِرش صناعة اللوبي “جماعات الضّغط” لتحقيق هذا الهدف.
وإن الحديث عن التأثير لا يقتصر على الأدوات المباشرة فقط؛ بل إن التأثير غير المباشر هو أداة فاعلة كذلك في تحقيق الأهداف، ومنها التأثير من خلال الفن الهادف والأدب الراقي المتمثل في الشعر والنثر والرسم وكتابة الرواية والإناشد الرزين، وهذا ما سعت لتحقيقه إدارة الملتقى من خلال استضافة شخصيات استطاعت التأثير في شريحة واسعة من الجماهير عبر فنّها القيّم والقيمي.
وأما التأثير في العالم الرّقمي والمتمثل في وسائل التّواصل الاجتماعي فكان له الجزء الأكبر من برنامج الملتقى، لأهميته اليوم كلغة جديدة يتم بها مخاطبة الشباب من خلاله، وقد تم تسليط الضوء على الجانب السلبي لهذه الوسائل وتشخيص بعض الظواهر الرقمية التفشية؛ حيث أثّرت سلباً في شريحة واسعة من الشّباب، ويجسّدها نظام التفاهة والمحتوى غير الهادف سعياً للمال والشّهرة، واختتمت هذه المحاضرات والورش بوضع آليات عملية في المواجهة والتّصدى لمثل هذه الآفات.
وأما قضية فلسطين -وهي أم القضايا- فقد تم تخصيص محاضرات وورش وندوات قيّمة لتمليك أدوات التأثير الفاعل فيها، وذلك من قِبل طاقات وقامات فكرية رائدة وأكاديمية متخصصة وفاعلة على مستوى القضية.
تخلّل البرنامج فعاليات وأنشطة ترفيهية غذّت الرّوح بمعين الإيمان، فكانت جلسات السَّمر التربوية، والأناشيد الهادفة والمسابقات التّنافسية، وهذا كله في جو مُفعم بالحب والألفة والتناغم والانسجام والتّشبيك بين الشابات والمشرفات والمسؤولات.
وكان لضيوف التّعايش وأصحاب الخبرات الأثر الأكبر والطّيب في نفوس الشابات، فالتعليم بالقدوة والمعايشة الواقعية لا تقل أهميتها عن البرامج النظرية، بل وقد تفوقها أحياناً في إيصال الرسائل بأسهل الوسائل وأقل الجهود.
عشرة أيام مضت سريعاً، لكنها تساوي بالقيمة والقدر أعواماً كثيرة، نرجو الله أن يكون قد تحقّق الهدف وتحصّلت الفائدة، وارتسم الأثر الجميل وتحدّدت ملامحه في عقول ووجدان هؤلاء الشباب المُتحمّس، فهم الحاضر والمستقبل وبهم الأمل.
شارك في هذا الإنجاز الضّخم ثلةٌ مباركةٌ من العلماء والمتخصّصين والعاملين الذين خرجوا من ديارهم لا يبتغون إلا وجه الله، فبارك الله الجهود والأوقات والأعمار وضاعف لهم الأجر أضعافاً كثيرة، وجزاهم عن أمتهم خير الجزاء والثواب.
إن بناء الفكر وصناعة الإنسان على المنهج الصحيح لإصلاح الناس وإعمار الأرض أسمى وأجلّ ما تقوم عليه المؤسّسات العلمائيّة بشكل عام وهيئة علماء فلسطين بشكل خاص، فكل الشكر لمن كان له الأثر الطّيب في هذا الإنجاز الرائد والرّائع.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
رانية نصر
عضو هيئة علماء فلسطين