يوميات محمد الطاهري في ملتقى الشباب السادس ج2

    

28/7/2024

د. محمد الطاهري

دعوني الآن ياسادة أحدثكم في كلمات عن الشيخ إحسان الذي ذكرت لكم شيئا عنه فيما مضى..

هو رجل جيد البنية أقرب مايكون إلى هيئة الشباب رغم بياض الشيب الذي يزين لحيته، عالم بلدة سامسون الصغيرة في مساحتها والكبيرة بعطائه، يتميز بجهوده الدعوية والعلمية وبجمال خطابه وأشياء أخرى يكتشفها فيه الناس بعد ظهورها، هذه المدينة التي تشرق شمس انوارها الايمانية به، فتتدفق أشعتها نحو كل الاناضول خيوطًا بلورية وهاجة، تصل الأرحام القديمة وتذكي الحنين الجريح.

 أذكر أني حين كنت في قاعة العروض الكبرى المقامة أعلى المركز الذي أسسه، وهو بناية ضخمة من ست طوابق او اكثر، وتجاوره بناية اخرى تابعة له بنفس الحجم، مع ما يضمه من مرافق متنوعة ومجهزة كالمكتبة وغيرها، سألت بعض طلابه من هو أستاذ أستاذكم؟ فقالوا لي: محمود أفندي الأوفي النقشبندي، وهو أحد أشهر رجالات الدعوة والتربية في البلاد! فعلمت حينها جانبا من جوانب تقوى الشيخ إحسان وعلمه.

وأذكر أنه في النشاط الليلي المقام في إحدى ميادين المدينة نصرة لغزة وفلسطين، والذي حضره مشاركوا الملتقى، كان هناك إلى جانب الشيخ إحسان الشيخ عبد الله الزنداني ابن العالم اليمني المشهور المتخصص في الاعجاز العلمي رحمه الله، فكان الشيخ إحسان ينصت بأدب كبير وإمعان شديد لخطابه المذكر للحاضرين بمعاني الصدق واهميته في نصرة المستضعفين، وكان من بين ما استدل به قول الله عز وجل: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)، فقال تعليقا على هذه الآية: إن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يعدون خير من عملوا بالصدق، ومثل لذلك بقصة الصحابي الجليل انس ابن النضر الذي انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله في رجال من المهاجرين والأنصار، رضي الله عنهم جميعا، وقد ألقوا بأيديهم ، فقال: ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده ؟ (قوموا ) فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل.

وقد عجبت بعد سماعي لهذه القصة من صدق هذا الصحابي الجليل فتذكرت قول الله عز وجل: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) وبدا لي واضحا من جديد ذلك المشهد العجيب للشابين المجاهدين على ثغر من ثغور غـ..ـزة، حين استشهد أحدهما فرآه صاحبه بجواره فأخذ منه سلاحه وأكمل ما بدأه الأول إلى أن لحق به، فقلت في نفسي: تالله هاؤلاء إرث النبوة و الصحابة، يسيرون على درب الصدق، ولم يفت الشيخ عبد الله ان ينبه الحاضرين الذين احتشدوا إلى المكان على خطورة النفاق العقدي الذي يصلى به صاحبه الدرك الاسفل من النار، والنفاق العملي الذي قد يكون في المؤمن، وهو الذي أشارت إليه الآية قول الله عز وجل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)، زقد فهمت على العموم من الخطاب القوي للشيخ الزنداني أن الصادقين لا يمكن ان يكون إلا أصحاب نية وعزيمة وإرادة وأن بهذه الأشياء يحصلون الأجر مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيراً، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً إِلاَّ كانُوا مَعكُم حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ وَفِي روايَةِ: إِلاَّ شَركُوكُمْ في الأَجْر”، كما علمت أن بعد النية الصادقة يوجد صدق آخر لمن صدق في طلب الجـهاد، يتمثل في بذل الوسع وتحريض المؤمنين، وهو متضمن الآية قول الله عز وجل(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلًا).

وحين عدت إلى غرفة الإيواء قلت في نفسي وانا أستعيد ما سمعته: والله إن الصادق اليوم امام ما يجري من حرب على إخواننا في غزة وسائر فلسطين لا يمكن أن يكون كذلك حقا إلا بأن يعد لنصرتهم عدته فيبرئ بذلك ذمته، أما القول: إن عيوننا بصيرة وأيدينا قصيرة ونحن مع الصادقين فلا يعبر عن الحقيقة، وبيان ذلك ان تعالى يقول: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)، فهؤلاء يحرمون ثواب الصدق كما يحرمون تأييد الله وليس لهم في نصر المؤمنين نصيب.

وأصدقكم القول يا سادتي إني بعد أن فهمت مراد الكلام علمت لما أهل غزة اليوم صامدون ولسان حالهم يردد قول الله عز وجل: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)، بينما غيرهم ممن فقد الصدق من المنافقين ومن في قلوبهم مرض يقولون:(ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا)، فشتان بين الصادقين والمدعين الكاذبين الزائفين، أسأل الله لي ولكم ألا نكون منهم.

وفي أثناء ذهابنا إلى المسجد لأداء صلاة العشاء، اغتنمت الفرصة فرافقت الوفد الذي يضم الشيخ الزنداني، وكان بجانبه الشيخ إحسان، واقتربت منه فالتفت إلي وسألني من أكون؟ فلما عرفته بنفسي وعلم أني قد التقيت بالأستاذ فريد الأنصاري رحمه الله أمسك يدي التي سلمت عليه بكلتا يديه وأبى أن يطلقها طوال الطريق حيث كان يحدثني عن محبته لأستاذي الأنصاري رحمه الله،إلى ان بلغنا باب المسجد، ويا لأدبه الكبير مع طويلب علم صغير مثلي، وانظر كيف يظهر له هذا الحب كله، ويقول له عند بلوغ باب المسجد تفضل يا بني، ادخلوا أنتم اولا!

لا أخفيكم يا سادتي أني اكتشفت حينها سر محبة الشباب له، وسر تأثرهم به، ولماذا يقبلون من مختلف البلدان على معهد IFAM الذي يدرس به لينهلوا من علمه، ولم أغبطهم على شيء أكثر مما غبطتهم على فضل صحبتهم له وقربهم منه.

نقلاً عن:

https://www.facebook.com/mohamed.tahiri.0/posts/10229597658619650

قد يعجبك أيضاً

انطلاقة “أسبوع القدس العالمي”.. ولفتة بارزة لكارثة الزلزال‎

أعلنت اللجنة العليا المنظمة لـ”أسبوع القدس العالمي”، عن انطلاقة فعاليات الأسبوع رسميا، بدءا من ‏يوم الثلاثاء، وحتى العشرين من شباط/ فبراير الجاري.‏‎ ‎ ويأتي انطلاق الأسبوع بعامه الثالث، في ظل أوضاع مأساوية تمر بها تركيا، وسوريا، على وقع ‏الزلزال المدمر الذي خلف أكثر من 34 ألف قتيل، وشرّد مئات الآلاف من منازلهم، وهو ما دفع […]

ورشة (مفاتيح التأثير والضغط في الفضاء الرقمي)

تقديم بلال خليل وتامر عودة