نحن أمة الجسد الواحد ج2

    

د. سفيان أبو زيد

8/8/2019

مما شهدناه في ملتقانا الحبيب، واكتشفناه من خلال استماع بعضنا لبعض أن آلام أمتنا وإشكالاتها واختلالاتها تكاد تكون واحدة أو على الأقل متشابهة تختلف مظاهرها ودرجات تركيزها من مكان إلى آخر حسب اعتبارات عدة..

ومن أهم تلك الإشكالات والاختلالات ثلاثية مهمة هي على النحو الآتي:

1- الاستبداد: صمام كل فساد وضمان كل تخلف، وسبب كل اضطراب أو اختلال، ذلك المرض العضال الذي أصاب عقولنا وكياناتنا، وسلوكياتنا فظهر بصورته البشعة في ساستنا وبعض قياداتنا حتى على مستوى بعض الحركات الإسلامية، فالمستبد عدو مسؤوليته، وخصم التطور والتقدم إلى الأمام، بل همه الوحيد ألا يتقدم أحد على قراره وكلمته، لا يقال له لا، ولا يوجه له نقد ولا تساؤل، هو في السياسة وفوقها، والقانون له لا عليه، هو الوطن والدولة والحركة والمصلحة والازدهار، وبدونه الخراب والتخلف والمفسدة والدمار.
وما دامت مجتمعاتنا مراتع للاستبداد ومصانع له، فلا قائمة لنا ولا أمل في تقدمنا وصعودنا إلى مصاف الدول التي تحترم نفسها ودورها…
وأول فرخ من فراخ الاستبداد “الفساد”

2- الفساد: لأن المستبد لا يحميه ولا يحوطه إلا أوكار وأسوار الفساد والإفساد، ولا يعيش وينتعش إلا في مستنقعاته، هذا الاختلال الذي ينخر كياناتنا السياسية والاجتماعية والأخلاقية والفكرية والدينية والمالية، فتتسع دائرته ويتعمق تأثيره حتى غدا منظومة متكاملة، تنادي بحقها في الوجود، بل تؤثر في القرارات والتشريعات بما يوافق مصالحها الخاصة، وبما يساهم في توسيع دائرتها…
والنبي صلى الله عليه وسلم يقوا: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
ومقتضى الرعاية الحفاظ على المصالح وتطويرها وتقليل المفاسد وإعدامها، وعلى هذا الأساس تكون المسؤولية، وذلك المقتضى تظهر آثاره وتبرز من خلال مسار تلك الرعية وسلوكها وتصرفاتها، وتختلف أهمية تلك الرعاية باختلاف حجمها فتبدأ من رعاية النفس إلى رعاية الأسرة إلى رعاية الدولة إلى رعاية البشرية، وكلما ارتقى شرف تلك الرعاية إلا زاد منسوب المسؤولية…
فإذا كان مسار تلك الرعاية سويا شرعيا للمقاصد مراعيا، علا شأن الصلاح وذاع صيته، وتراءت أناقته ورقيه، وصار محل اقتداء وجذب، وكلما كانت تلك الرعاية مختلة مستبدة مقدمة لكل مصلحة شخصية ذاتية، خبا علم الصلاح، وخفت صوته، وشوهت صورته واختلت مفاهيمه وموازينه، وارتفعت هامة الفساد وارتقى مكانه وجملت صورته، وحرست بؤره ومصانعه..

فإذا طغى منسوب الفساد وامتزجت خلاياه وسمومه مع الكيان الفردي أو السياسي أو الاجتماعي، ظهرت بذور الاستعباد.

3- الاستعباد: الفساد اختلال وانحراف عن الصلاح والحق والعدل، لأجل مصالح خاصة ذاتية أو درء مفاسد خاصة ذاتية، دون النظر إلى المقصد أو المآل أو الصالح العام.
هذه الظاهرة وهذا المرض لا يفرخ ولا يعيش إلى في أجواء وبيئات خاصة ونفوس لها قابلية ذلك.
وحتى تتأهل تلك النفوس لتلك القابلية، لابد من إعدادها وفق معايير إفسادية، ترى الفساد صلاحا والصلاح فسادا، والمنكر معروفا والمعروف منكرا، همها إشباع شهواتها وملذاتها، تستعبدها بالدينار والدرهم والقطيفة… ترى المصلحة الخاصة فوق كل مصلحة، لا تكترث لإنسانية أو لوطنية أو لدين أو تاريخ أو آصرة…
هذه النفوس التي تخلت عن كل معاني الفطرة والقيم والثوابت الدينية، يمكن أن تتشكل على شكل شخصيات سياسية أو اقتصادية أو إعلامية أو دينية أو شعبية..
وأي روح أو نبض للعزة أو الكرامة أو الدين أو الخلق أو الفطرة ينبغي أن يقتل في تلك النفوس ليبقى للفساد سؤدده أو سلطته ونشوته…

إذن فالاستبداد يشكل لنا بيئة فساد تساهم في تنشئة نفوس قابلة للاستعباد

والعدل يشكل لنا بيئة صلاح تساهم في تنشئة نفوس حرة موحدة أبية.

كنت سأستأنف مفهوما آخر إلا أنه ظهر لي في مفهوم  #نحن_أمة_الجسد_الواحد بقية فدونتها في هذا المقال إلى مفهوم آخر بإذن الله تعالى
والحمد لله رب العالمين

قد يعجبك أيضاً

الشباب وطوفان الأقصى … الأدوار والواجبات

د. عبد السلام الجالدي

تصريح صحفي صادر عن الملتقى الدولي الثاني لمؤسسات العلماء نصرة للقدس وفلسطين

صرحت اللجنة الإعلامية للملتقى الدولي الثاني لمؤسسات العلماء والذي عقد في إسطنبول يومي 18-19/ 12/2022، وتأكيدا لما جاء في بيان المؤتمر الصحفي الذي انعقد في اليوم الأول بين يدي انطلاق أعمال الملتقى، أن العلماء المشاركين في الملتقى مؤسسات وأفراداً إذ يستكملون جهودهم في التنسيق والتعاون بينهم في إطار دعم قضية فلسطين، فإنهم يؤكدون  شكرهم للجمهورية […]

اكتمال الاستعدادات لانطلاقة “أسبوع القدس العالمي”

مساء اليوم تكتمل الاستعدادات في مختلف دول العالم، لانطلاقة “أسبوع القدس العالمي” يوم غد الثلاثاء الرابع عشر من ‏شباط/ فبراير، والذي يستمر حتى العشرين من الشهر ذاته‎. ‎ وطرأ تعديل على برنامج “أسبوع القدس” بحسب اللجنة العليا، إذ تم إلغاء الفعاليات المركزية التي كانت ستنطلق من تركيا، ‏بسبب الزلزال المدمر الذي وقع في تركيا، وسوريا، […]

خطبة الجمعة في الملتقى العلمي الدولي للشباب

ألقى الشيخ محمد الصغير خطبة الجمعة بتاريخ 5/8/2022 في مقر الملتقى العلمي الدولي الرابع للشباب، وتحدث للشباب عن الهوية الإسلامية، وجمع بين توجيهات القرآن الكريم وأهداف اللقاء في الملتقى، كما ضرب أمثلة من المشاركين وأمثلة من تاريخ الأمة، وأجاب عمّن ينتقد الأمة بأنها أمة لا تعرف إلاّ تاريخها الماضي بذكر بعض النماذج التي تفخر بها الأمة اليوم لأشخاص ومؤسسات وشعوب مسلمة، ثم ذكر بعض أسباب نهضة الأمة ليعمل عليها شباب الملتقى في بلادهم بعد عودتهم.