خاص هيئة علماء فلسطين
د. أنيس مجمل مدير شؤون الأكاديميين والبحث العلمي في اتحاد الأكاديميين اليمنيين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه… أما بعد:
▪️حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حركة إسلامية سنية أخذت على كاهلها واجب الدفاع عن بيت المقدس ومجاهدة اليهود نيابة عن الأمة.. في ظل التخاذل الكبير من العالم الإسلامي.. والتآمر الغادر من العالم الغربي… هذا لا يخالف فيه إلا من ليس له عقل أو دين.
▪️قدمت حماس قوافل الشهداء في مسيرتها الجهادية، في ملاحم بطولية ليس لها مثيل في عالمنا المعاصر.. ففي كل بيت حمساوي شهيد أو أسير أو جريح أو طريد أو محاصر يعيش بين الخوف والجوع.. وكل ذلك يشترك فيه المقاتل الذي في أرض المعركة والسياسي الذي يدير التفاوض والشرعي الذي ينشر العلم (والتفريق بين الجهادي والسياسي هو تفريق ظالم.. فالسياسي إسماعيل هنية قدم نفسه وأسرته، والمجاهد محمد الضيف قدم نفسه وحياته، وكذا السنوار الذي كان قائدا للحركة ومجاهدا في الميدان.. ويصدق على هؤلاء ومن على شاكلتهم وصف الجهاد فكلهم في مواجهة اليهود وكلهم هدف لليهود)… في حين أن غيرهم ممن ليس من أهل الثغور يعيشون في رغد من العيش أو على الاقل في أمن واستقرار، ينامون بكل هدوء، وينعمون بكل طيب، وبين أحبابهم يأنسون، وإن كانوا يتباكون على فلسطين.. فليست النائحة الثكلى كالمستأجرة… فليس من بذل دمه وكل ما يملك فداء للدين، كمن يتباكى على مآسي المسلمين على خشب المنابر وحسب.. وليس من يعيش الجهاد واقعا عمليا يخيف العدو ويخيفونه، مع شدة القتال وألم الفراق كمن يتغنى بالجهاد في مجالس الذكر وحلق العلم (وفي كل خير)
▪️حماس حركة إسلامية سنية متكاملة التوجه:- فهناك الجناح الجهادي الذي يمثل خط الدفاع الأول عن الأمة ولولاه لسارت عجلة التطبيع ولبيعت فلسطين بأكملها لليهود.. وهناك الجناح الدعوى العلمي المتكفل بالتربية والدعوة والتعليم.. وهناك الجناح السياسي الذي يقود الحركة في جانبها السياسي ويدير القطاع في جانبه الإداري… فلدى حماس العلماء الراسخون في العلم والذين يبدلون الجهد في التأصيل العلمي لقضايا الجهاد والسياسة الشرعية.. ولدى حماس الساسة المفكرون الذين يقدرون المواقف في المجال السياسي ويتخذون القرار بحسب ما بذلوه من جهد وتفكير.. ولدى حماس المجاهدون الأخيار الذين لهم القرار في الأنسب في ساحات القتال.. وإن حركة إسلامية سنية في حجم حماس يستحيل ان تقدم على فعل دون البحث والمدارسة فيما انسب للموقف واقرب للشرع… وإذا اجتهد من له الاجتهاد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر وخطأوه مغفور له… قال شيخ الإسلام: ((فأما الصديقون والشهداء والصالحون فليسوا بمعصومين، وهذا في الذنوب المحققة، وإما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون وتارة يخطئون، فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا واخطأوا فلهم اجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم)) الفتاوى 35 / 69.
▪️ليست العقيدة الإسلامية عند حماس مجرد أفكار ومعلومات وفلسفات ومسائل ودلائل فحسب.. بل هي كل ذلك لكنها مقرونة بالعمل.. العقيدة عند حماس هي تحمل أمانة السماء بصدق وإخلاص، والتضحية في سبيل الله بثبات وصبر، وبذل الغالي والنفيس في ميادين العز والكرامة بكل شرف ورجولة.. وإن أفعال مجاهدي حماس وأقوالهم: هي الترجمة العملية لعبادة التوكل واليقين.. وهي التطبيق الواقعي لعبادة الجهاد والرباط..
▪️في معركة الطوفان قدمت حماس بطولات أسطورية لا يمكن لعقل بشري أن يصدقها في ظل حب الدنيا وكراهية الموت الذي تعيشه الأمة واقعا.. لولا نقل تلك البطولات للعالم بالصوت والصورة.. صنعت حماس في الطوفان ملحمة بطولية لا يمكن لبشر عنده العقيدة مجرد معلومات والدين مجرد شعائر أن يقوم بها.. ترجمت حماس التوحيد ترجمة عملية وطبقت الدين تطبيقا حقيقيا في ظل التخاذل والطعن والتآمر من القريب والبعيد.. فصدق فيهم قول المصطفى عليه الصلاة والسلام ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خذلهم او خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ).
▪️هذه هي حماس:- العقيدة والجهاد والصمود والبسالة والشجاعة والاقدام والثبات والتضحية.. حماس:- الرجولة والشهامة والعز والكرامة والصدق واليقين… وعليه: ينبغي لمن هو بعيد عن ذلك أن يستحي من الله قبل أن يطعن فيهم، ومن لم يكن عنده ذرة حياء فليقل ما شاء.. ينبغي لمن لم تغبر قدماه في ساحات الرجولة ان يخرس لسانه قبل أن يتفوه فيهم بكلمة جارحة في حماس.. فمن العيب والعار ان يتهجم قاعد في غرف مكيفة وديار فارهة على رجال دفعوا الثمن من دمائهم وابنائهم وكل ما يملكون، ومن الجور والظلم الكيل بمكيالين مكيال تبرير لولاة الأمر الذين خانوا الأمة، ومكيال الطعن في رجال يجاهدون سنوات طوال في ظل الحصار والخوف والعسرة والشدة.
▪️إن لم يكن في أهل الثغور والرباط إلا ما ورد في القرآن والسنة من تفضيل الله سبحانه لهم على القاعدين لكفى بذلك زاجرا عن الوقيعة بهم، قال تعالى: ((لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً)) وفي الحديث الصحيح سئل رسول الله عليه الصلاة والسلام: أي الناس خير، ورواية أفضل، وفي رواية أكمل إيمانا فقال: (مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله) وفي رواية (أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ عز وجل بَعْدَ أَنْبِيَائِهِ وَأَصْفِيَائِهِ؟ قَالَ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، حَتَّى تَأْتِيَهُ دَعْوَةُ اللَّهِ عز وجل وَهُوَ عَلَى مَتْنِ فَرَسِهِ، أَوْ آخِذٌ بِعِنَانِهِ)).. قال شيخ الإسلام ابن تيمية ((المرابطة في سبيل الله أفضل من المجاورة بمكة والمدينة وبيت المقدس)) مجموع الفتاوى (28/418 )
▪️صحيح إن المجاهدين في حركة حماس بشر يمكن أن يقع منهم الخطأ كسائر البشر، فهم ليسوا معصومين عن الزلل في الأقوال والخطأ في المواقف.. ولكن لا يوصف ذلك الخطأ بالانحراف أبدا طالما أنه كان في جانبه الاجتهادي أو في موطن الضرورة والتي تقدر يقدرها بحسب اجتهاد صاحب الضرورة… ولا يوصف فصيل مقاتل يرفع راية الإسلام بالانحراف إلا إذا تبنى أصلا بدعيا يقاتل من أجله، أو أوغل في دماء المسلمين لتثبيت سلطانه كحال الخوارج ومن على شاكلتهم… وحماس ليست كذلك بل هي حركة إسلامية سنية تقاتل العدو الذي لا يختلف مسلمان في كونه عدوا.. وما كان من خطأ فهو في دائرة الاجتهاد أو الضرورة وعلى فرض تجاوز الأمر ذلك بحسب نظر الناقد.. فإنه يغتفر للمجاهدين ما لا يغفر للقاعدين بدليل قوله تعالى: ((وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)).. قال الإمام الذهبي: ((وإذا كان الرأس عالي الهمة في الجهاد، احتملت له هنات، وحسابه على الله، أما إذا أمات الجهاد، وظلم العباد، وللخزائن أباد، فإن ربك بالمرصاد))
▪️وأختم بالقول إن من الدين التعامل مع شرفاء الأمة ورجالها (أفرادا وجماعات) الصادقين وفق قواعد الشرع، ومن تلك القواعد ما يلي:-
– القاعدة الأولى: كل مجتهد في طاعة استغرق وسعه للوصول إلى الحق استحق الثواب والإكرام وان أخطأ في اجتهاده :- وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ((ومن عُلم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز إن يُذكر على وجه الذم والتأثيم له، فان الله غفر له خطاه ، بل يجب لما فيه من الإيمان والتقوى مولاته ومحبته والقيام بما اوجب الله من حقوقه من ثناء ودعاء وغير ذلك)) الفتاوى 28 / 234.
– القاعدة الثانية:-الكلام في الناس لا يكون إلا بعلم وعدل ومن شخص تام الورع والإنصاف :- وفي ذلك يقول الإمام الذهبي {الكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع}ميزان الاعتدال3/46 ،ويقول الإمام ابن القيم: ((والله يحب الإنصاف، بل هو أفضل حليه يتحلى بها الرجل خصوصا من نصب نفسه حكما بين الأقوال والمذاهب وقد قال الله تعالى في رسوله {وأمرت لأعدل بينكم} فورثه الرسول منصبهم العدل)) أعلام الموقعين 3/ 94
– القاعدة الثالثة:-ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين :- وفي سياق ذلك يقول الإمام السبكي: ((بل إن الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكوه وندر جارحوه وكانت هناك قرينه له على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره فإننا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة ولو فتحنا هذا الباب فأخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا احد من ألائمه إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون)) قاعدة في الجرح والتعديل ص13
– القاعدة الرابعة:-يغتفر للمجاهدين ما لا يغتفر لغيرهم: أي إن الذي يضع نفسه في مواطن الخطر، باذلاً للمال والنفس في سبيل الله كلما سمع هيعة طار إليها طلباً للشهادة وإعلاء لكلمة الله ونصرة المستضعفين يتجاوز عنه من الهنات ما لا يتجاوز عن غيره لفضيلة الجهاد وخصوصية المجاهدين الذين هم أكمل الناس إيمانا وأهداهم سبيلا وأوضحهم طريقا ولأنهم هم من حقق عقيدة التوحيد كما أرادها الله رب العبيد لذلك صارت أنفاسهم وحركاتهم ونومهم وحزنهم وفرحهم وكل شيء يعملونه مأجورين عليه ، فهم عموما قد حققوا العبودية الكاملة لله رب العالمين قال الإمام ابن القيم {ولا شيء أحب إلى الله من مراغمة وليه لعدوه واغاضته له وقد أشار سبحانه إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه)) وقال الذهبي {وإذا كان الرأس عالي همة في الجهاد ، احتمله له هنات وحسابه على الله}السير 15/562، والمقصود بذلك ما كان من مواطن الاجتهاد، أو في الأخطاء غير المقصودة، أو كان ذلك على المستوى الشخص البشري من التقصير الفردي.
– القاعدة الخامسة:-الواجب تجاه أخطاء العاملين للدين النصيحة لا الفضيحة، والتصحيح لا التجريح: خصوصا المجاهدين حتى لا نكون عونا للعدو عليهم :- وفي ذلك يقول الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل: ((أخطاء بعض المجاهدين لا تعني خطا الجهاد ، ونصحهم يكون مع الولاء لهم حتى لا يستغله المبطلون في رد الجهاد … إن المجاهدين بشر كغيرهم يخطئون ويصيبون ولا عصمه لأحد بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولكن ينبغي الحذر كل الحذر عندما يكون هناك حاجه إلى ذكر هذه الأخطاء والتناصح حولها أن لا تكون في منابر عامه قد يفهم منها التعريض بالجهاد والمجاهدين ، وقد يكون أبرزها في المنابر العامة مقصود لذاته من قبل أعداء الدين وأعداء الجهاد والدعاة والمجاهدين ، وذلك ليوظفوها في مخططهم الماكر في القضاء على الدعاة الصادقين وتعطيل شعيرة الجهاد والاحتساب .وفي عدم الانتباه لمآلات الكلام عن أخطاء المجاهدين مفسدة كبيره قد يجد المتحدث نفسه متورط في الإسهام مع الأعداء في عرقلة الدعاة والمجاهدين في إحياء الأمة من سباتها .وقد يجد نفسه وهو لا يشعر في خندق الطواغيت من الكفار والمنافقين …ويتوجه بالنصح للمجاهدين بعباراتٍ مضمونها الود والشفقة والنصح والولاء}التربية الجهاديه204/205.
💠💠💠💠💠
