خاص هيئة علماء فلسطين
14/4/2025
إعداد: نايف شعبان قرموط / ماجستير في التفسير في كلية أصول الدين – قسم التفسير في فلسطين – غزة

المقدمة:
تتناول هذه الدراسة الآية (216) من سورة البقرة:
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾
من خلال تفسيرها، وتحليلها، وربطها بواقع غزة، والاستعانة بأقوال المفسرين والأحاديث النبوية الشريفة.
أولاً: تفسير الآية
تفسير الإمام القرطبي: يرى أن الآية تُظهر فرضية القتال رغم مشقته، ويؤكد على أن “عسى” من الله توجب الوقوع، وأن في المكروه خيرًا، وفي المحبوب شرًا، والله أعلم.
⟵ المرجع: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج2، ص352.
تفسير الإمام ابن كثير: يؤكد أن فرض القتال كان لحكمة، ويشير إلى أن الناس لا يعلمون ما في القتال من خير، وفي تركه من شر.
⟵ المرجع: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج1، ص568.
ثانياً: قول سيد قطب
“إن القتال في سبيل الله فريضة شاقة. ولكنها فريضة واجبة الأداء. واجبة الأداء لأن فيها خيرًا كثيرًا للفرد المسلم، وللجماعة المسلمة، وللبشرية كلها. وللحق والخير والصلاح.”
⟵ المرجع: سيد قطب، في ظلال القرآن، ج1، ص260.
ثالثاً: تحليل الآية
1. طبيعة النفس البشرية: تميل النفس للراحة وتكره ما فيه مشقة كالقتال، لكن الله يوجهها للخير الحقيقي، لا لما تهواه.
2. الآية وواقع غزة: توضح أن الجهاد وإن كان مكروهًا فله ثمار عظيمة. وأهل غزة يجسدون هذا المعنى، حيث يواجهون الاحتلال رغم الحصار والتضحيات.
3. شرعية حرب غزة ومبرراتها: تُعد دفاعًا مشروعًا، وفرضًا شرعيًا، ولا تخالف الفطرة السليمة ولا التشريع الرباني.
4. موقف المسلمين من كتب القتال: ينبغي عليهم الطاعة والاستجابة لأمر الله، مع الثقة في أن الخير فيما كتبه الله، لا فيما تميل إليه النفس.
5. الذي كتب القتال كتب الصيام والقصاص: فالقتال كغيره من الفرائض التي تهذب النفس وتقيم العدل وتُصلح المجتمعات.
رابعاً: مبررات الحرب في غزة في ضوء الآية والتاريخ
﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ توضح مشروعية القتال حين تتوفر أسبابه. وحرب غزة لها مبررات دينية وتاريخية ووطنية، منها:
اغتصاب فلسطين عام 1948:
تأسيس الاحتلال على أنقاض القرى الفلسطينية بعد تهجير أهلها قسرًا، مما شرّع المقاومة كحق مشروع.
احتلال الضفة وغزة 1967:
الاحتلال الكامل لفلسطين التاريخية، وسياسات التهجير والاستيطان والتمييز.
ضياع المقدسات وتغيير معالمها:
الاعتداء على المسجد الأقصى ومحاولات التهويد، مما يستوجب الدفاع عن مقدسات الأمة.
التفريط العربي والتطبيع:
موجات الاعتراف بالاحتلال والتقارب السياسي معه، بما يتناقض مع حقوق الشعب الفلسطيني ويزيد من مسؤولية المقاومة.
فكل هذه الأحداث تشكل سياقًا واقعيًا ومعنويًا لفهم الآية وتطبيقها، وتؤكد شرعية الحرب الدائرة في غزة كجهاد مشروع.
خامساً: الأحاديث النبوية والأمور التاريخية
قال النبي ﷺ: “من مات ولم يغزُ، ولم يُحدث نفسه بالغزو، مات ميتة جاهلية.”
⟵ رواه مسلم.
غزوة بدر مثال عملي: القتال رغم قلة العَدد والعُدة، وفيه نصر مؤزر بفضل الله.
الآية الكريمة تمثل منهاج حياة، توازن بين طبيعة النفس البشرية التي تكره القتال، وبين ضرورة طاعته إن فرضه الله. وواقع غزة مثال حي على هذا التوازن: جهادٌ مستمر، وصبر على المعاناة، وأمل بوعد الله. كما أن الأحداث التاريخية تبرر هذا القتال، وتُشرّعه شرعًا وواقعًا وعقلا