خاص هيئة علماء فلسطين
د. إبراهيم مهنا
ترتكز قضية فلسطين إلى أسس عقدية متجذرة ومفاهيم فكرية راسخة في وجدان المسلمين، ولا عجب، ففلسطين أرض الأنبياء، ومهبط الرسالات، وهي قلب العالم الإسلامي تصل بين شرقه وغربه، كان الاستحواذ عليها وبسط النفوذ فيها -وما زال- مؤشرا يدل على مدى قوة الأمم، ولفلسطين مكانة خاصة في نفوس المتدينين على اختلاف شرائعهم السماوية، فكان شعار الحملات الصليبية المتعاقبة استرداد القدس والمقدسات إلى حوزتهم، وعلى أرضها يحج النصارى كل عام، ولجمع يهود العالم لم يجد الصهاينة بديلا عن فلسطين لدفع اليهود للهجرة إليها، بيد أن ارتباطها في نفوس المسلمين أعمق وأوثق، بل أصبحت جزءا من عقيدة المسلم، ويمكن إجمال المرتكزات العقدية والفكرية المتعلقة بقضية فلسطين فيما يأتي:
فلسطين أرض إسلامية اغتصبها اليهود ضمن مشروعٍ استعماريٍّ غربيٍّ أوسع نطاقا استهدف الأمة الإسلامية بأسرها، وهي جزء مهم من دار الإسلام لا ينفصل عنها بحال.
قضايا المسلمين في كل مكان مترابطة وتهم جميع المسلمين إلا أن فلسطين هي قضيتهم المركزية.
فلسطين أرض مباركة، والبركة: ثبوت الخير الإلهي فيها، ولقد أثبت الله تعالى بركة أرضها في القرآن الكريم، ورد ذلك في خمسة مواضع، كلها بلفظ (باركنا) لبيان أن مصدر البركة ومنشؤها هو الله تعالى، ففي مطلع سورة الإسراء قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، وفي سورة الأعراف في موضعين، الأول قوله تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)، والثاني قوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا)، وأخيرا في سورة سبأ قال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ).
فلسطين أرض مقدسة بنص القرآن الكريم، قال الله تعالى في سورة المائدة: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا على أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ)، ومعنى القداسة: الطهارة، فهي أرض مطهرة عن الشرك، لا يثبت فيها كفر، وسرعان ما تتطهر الأرض منه.
فلسطين منتهى الإسراء، وفي مسجدها أمّ النبي صلى الله عليه وسلم جميع الأنبياء والمرسلين، ومن مسجدها كان مبتدأ المعراج.
فلسطين فيها القبلة الأولى للمسلمين، صلى نحوها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون طوال الفترة المكية قبل الهجرة، وبعد الهجرة صلوا إليها ستة عشر أو سبعة عشر شهرا.
فلسطين فيها المسجد الأقصى المبارك ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام. عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة” رواه البخاري. ومسجدها هو ثالث المساجد التي لا يشد الرحال إلا إليها. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تشد الرحال إلا ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى” رواه البخاري. والصلاة في المسجد الأقصى أجرها مضاعف، روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة”.
فلسطين إرث الأنبياء؛ فهي مبعث الكثير منهم، وفيها قبور كثير من الأنبياء عليهم السلام، وعلى أرضها عاش إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف والأسباط ولوط وداود وسليمان وصالح وزكريا ويحيي وعيسى عليهم السلام، وقد صلى جميع الرسل والأنبياء في المسجد الأقصى المبارك ليلة الإسراء وكان إمامهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. والمسلمون أحق بالأنبياء من غيرهم.
فلسطين عقر دار الإسلام وقت المحن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا إن عُقر دار المؤمنين الشام” [السلسلة الصحيحة 1961]، روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم”. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمد به إلى الشام، ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام”. وبيت المقدس هو حاضرة الشام.
المقيم المحتسب في فلسطين كالمجاهد والمرابط في سبيل الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أُمّتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس” وفي رواية للبخاري وأحمد: “وهم بالشام” والزيادة من قول معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفي السلسلة الصحيحة [4/599]: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
ختاما: نظرا لهذه المكانة المتميزة لفلسطين النابعة من عقيدة المسلمين، فإن العمل من أجل تحريرها يتضاعف أجره، ويتعاظم شرف العمل من أجله، والسعيد من استعمله الله من أجل القضايا العظيمة، والشقي من تخاذل عن ذلك مع قدرته.
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا.