د. عمر حماد عضو هيئة علماء فلسطين
عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، رضي الله عنه قال: أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ إِلَّا مُسْلِمًا»
رواه مسلم.
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ ، قَالَ : كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ أَخْرِجُوا يَهُودَ الْحِجَازِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ». رواه أحمد في المسند
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: وَأَوْصَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ: «أَخْرِجُوا المُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ العَرَبِ» رواه البخاري ومسلم
الشرح والتعليق
1- هذه الأحاديث تدل على إبعاد اليهود عن جزيرة العرب عموما، وعن الحجاز والحرمين خصوصا.
2- قال النووي رحمه الله : كان صلى الله عليه وسلم عازما على إخراج الكفار من جزيرة العرب، كما أمر به في آخر عمره .
3- حدود الجزيرة العربية: من البحر الأحمر غربا إلى الخليج العربي شرقا، ومن بحر العرب جنوبا إلى حدود بلاد الشام شمالا.
4- وجود أهل الكتاب في الجزيرة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام: نصارى نجران كانوا موجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل الكتاب كانوا موجودين في اليمن وفي خيبر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قال لنا: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً).
5- حكم دخول الكفار جزيرة العرب للعمل: لا يجوز دخولهم الجزيرة للعمل الذي لا ضرورة فيه، وأما العمل الذي فيه ضرورة، وهناك أمر يقتضيه، وحاجة تدعو إليه؛ فلا بأس بذلك، ولكن الناس توسعوا في هذا حتى أدخلوا الكفار لأمور تافهة وأمور سهلة يمكن أن يقوم بها المسلمون، فالواجب الإتيان بالمسلمين وعدم الإتيان بالكفار إلا للضرورة. ولا يجوز بناء الكنائس في جزيرة العرب.
6- ولعل الحكمة من منع اليهود والنصارى والمشركين من دخول الجزيرة العربية والإقامة فيها هي أنها قاعدة الإسلام والمسلمين ومنطلقه العريق، وهي أولى البلاد بأن تكون خالصة للإسلام والمسلمين طاهرة من رجس اليهود والنصارى، بأي مسمى جاءوا إليها سواء مسمى الإعانة أو الدفاع أو الإقامة ولذا جاء التحذير من الرسول صلى الله عليه وسلم بتطهير الجزيرة العربية منهم.
7- ذهب بعض العلماء من أن المراد بجزيرة العرب التي ورد ذكرها في الأحاديث هي الحجاز فقط (مكة والمدينة وما بينهما) حيث خصصوا الحكم بإجلاء اليهود والنصارى والمشركين من الحجاز مع أن الحجاز لا ينطبق عليه تعريف الجزيرة لأن الجزيرة جزء من اليابسة يحيط به الماء من جميع جهاته أو من أغلبها والحجاز لا يحيط به الماء من جميع جهاته ولا من أغلبه وإنما يحده من جهة واحدة وهي الجهة الغربية فكيف يطلق عليه الرسول صلى الله عليه وسلم جزيرة العرب في الأحاديث الكثيرة.
8- وقد استدل القائلون بأن الحجاز هي جزيرة العرب بدليلين؛
الأول : أنه ورد عنه صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث قوله ” أخرجوا اليهود من الحجاز “
الثاني : أن الحكام وبعض العلماء تركوا اليهود في اليمن وتيماء فلو كانت هذه الأماكن من الجزيرة لما تركوا اليهود فيهما .
9- الجواب عن الدليل الأول: فإن قوله صلى الله عليه وسلم أخرجوا اليهود من الحجاز لا يتنافى مع قوله صلى الله عليه وسلم: أخرجوهم من جزيرة العرب لأن الحجاز جزء من جزيرة العرب ومعلوم أنه قد تقرر في علم الأصول أن ذكر يعض أفراد العام أو أجزاء الكل لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون بعض أفراد العام أو أجزاء الكل مخالفاً لحكم العام أو الكل أو موافقاً له . فإن كان موافقاً له فهو مؤكد له غير معارض له كما في ذكر إجلاء اليهود من الحجاز فإنه موافق لقوله ” أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ” غير معارض له لأن الحجاز من جزيرة العرب وإن كان ذكر بعض أفراد العام أو أجزاء الكل مخالفاً لحكم العام أو الكل فهو مخصص له غير ناسخ له .
10- الجواب عن الدليل الثاني: من وجهين:
أولاً : قد يكون لتركهم لليهود في اليمن وغيره مبرر يقتضي ذلك يكون تركهم في هذه الأماكن وعدم إجلائهم فيه مصلحة للإسلام والمسلمين تربوا على مفسدة بقائهم .
ثانيا: وقد يكونوا غير قادرين على إجلائهم ،
11- أما قول الشافعي: إنه لا يعلم أحداً أجلاهم من اليمن فليس ترك إجلائهم بدليل فإن أعذار من ترك ذلك كثيرة وقد ترك أبو بكر -رضي الله عنه- إجلاء أهل الحجاز مع الاتفاق على وجوب إجلائهم لشغله بجهاد أهل الردة، ولم يكن ذلك دليلاً على أنهم لا يُجلَون بل أجلاهم عمر-رضي الله عنة-
12- أما القول بأنه صلى الله عليه وسلم أقرهم في اليمن بقوله لمعاذ ” خذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافراً ” فهذا كان قبل أمره صلى الله عليه وسلم بإخراجهم فإنه كان عند وفاته كما في الحديث.
13- في هذه الأحاديث دليل على تحريم التطبيع مع اليهود، وإقامة علاقات دائمة معهم ومعاهدات وشراكات اقتصادية وتحالفات عسكرية ومعابد وكُنُس لهم في جزيرة العرب، وفتح الجسور البرية لهم، وخصوصا أن هذه الأمور لا تصب إلا في مصلحة اليهود، وغالبا ما تكون على حساب أهلنا في غزة نصرهم الله وأيدهم.
14- إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم منعهم من سكنى الجزيرة العربية، وأمر بطردهم منها فإن المقاطعة لكل من يدعمهم، ويسهل وصول البضائع لهم واجب شرعي، وهو من أقل القليل الذي يمكن فعله في هذه الأيام.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
مع تحيات د. عمر حماد
الجمعة 8/11/2024م
الموافق 6/جمادى الأولى/1446هـ