23/3/2025

د. محمد بن يوسف الجوراني العسقلاني

لئن أدركتُ «باحات الأقصى» لَـيَريَنَّ اللهُ ما أصنع!‏

يُحدِّثنا  أنسٌ بن مالك رضي الله عنه خادمُ رسول الله ﷺ  يحكي قصةَ عمِّه أنس بن النَّضِر رضي الله عنه يوم ‏غابَ عن غزوةِ بدرٍ، وحَسْرتِه على فواتِ أجر ذلك! وكيف لا يَندمُ على ذهاب فضلٍ كبير، وخير كثير، ‏يحصل في وقتٍ قصير، يكون بعده سعادةٌ أبديَّة، ورحمة رُضوانيَّة من ربِّ البريَّة؟!‏

يُحدِّثُ أنسٌ فيقول: «غابَ عمِّي أنس بن النَّضِر عن قتالِ بدرٍ، فقال: يا رسولَ الله، غبتُ عن أوَّلِ قتالٍ قاتلتَ ‏المشركين، لئنِ اللهُ أشهدني قتالَ المشركين؛ لَيرَينَّ اللهُ ما أصنعُ؟ فلمَّا كان يوم أُحدٍ وانكشف المسلمون، قال: ‏اللَّهُمَّ إني أعتذرُ إليك ممَّا صنع هؤلاء ــ يعني أصحابَه ــ وأبرأُ إليك ممَّا صنع هؤلاء ــ يعني: المشركين ــ ثم ‏تقدَّم فاستقبله سعدُ بن معاذٍ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنةَ وربِّ النَّضِر، إني أجدُ ريحَها مِن دُون أحدٍ، قال سعدُ: ‏فما استطعتُ يا رسول الله، ما صنعَ.‏

قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربةً بالسيفِ، أو طَعْنةً برُمحٍ، أو رميةً بسَهْمٍ ..» الحديث.‏

ما أحلى هذه الشُّجون والمُنون، والعتابَ النَّفْسِي الأُنْسِي من هذا الصحابي الجليل، حتى قال ما قال ‏I‏ : لئنِ اللهُ ‏أشهدني قتالَ المشركين؛ لَيرَينَّ اللهُ ما أصنعُ ؟!‏

فأرى اللهَ من نفسِه خيراً؛ فقاتَل وقُتِل، حتى قال سعد بن معاذ، الذي اهتزَّ عرشُ الرحمن لموته مُعتذِراً: فما ‏استطعتُ يا رسول الله، ما صنعَ. !!‏

أيُّ رجالٍ كانوا؟ 

وأيُّ إيمانٍ وقَرَ في قلوبهم؟ 

وأيُّ عزةِ نفس عندهم ؟

وأنتَ يا مَن وَطِئتْ قدمُك ثرى فلسطين الحبيبة؛ الأرض المُباركة.. مالي أراك في سُباتٍ عميق، وكأنَّ الأمر ‏لا يعنيك؟!!‏

أمَا آن لك أنْ تقولَ كما قال أنس، وتعيش كما عاش؛ فترفع فِعْلَك قبل قولِك عالياً وتبُوح بكلِّ وضُوح:‏

‏  « لئن أدركتُ باحات الأقصى وبواباته ليرينَّ اللهُ ما أصنع!»‏

أعزيزٌ عليكَ هذا؟

أكبيرٌ أنْ تَتقدَّم بين يَدَي الله ورسولِه فتبيع نفسَك لربِّك، وقد اشترى منك بأغلى الأثمان إذ عرض عليك: جنة ‏عَرْضُها السموات والأرض!‏

أمَا آن أنْ تقول لنفسِك: كفى يا نفسُ ما كان، فتقدَّمي وأري اللهَ منك خيراً.‏

آمَا آن أن تُلبِّي داعي الجهاد وتُثخِن في يهود ممن اغتصبُوا أرضك ودنسوا مقدَّساتِك وأغلقوه؛ فتُزلْزِل ‏الأرض من تحتهم، وتَقْذف في قلوبهم الرُّعب: 

بعمليَّةٍ مُزلْزِلة مُخطَّطة

أو دَهسِ طائفةٍ مُشرْذَمة

أو قَذْف قُنبلة مُجهَّزة

أو فَتْك طعنةٍ مُسدَّدة

أو رمية حَجْر مُهدَّفة

فكلُّ ذلك أو بعضَه ممَّا يجب أنْ تَعْلمَه!‏

آمَا تشتاقُ لريح الجنَّة وقد هبَّت رياحُها مِن دُون الأقصى؟

ألا تغارُ مِن بُطولات غيرك من أبناءِ جِنْسك ووطنك ــ ولستَ أقلَّ منهم ــ سبقك «المُهنَّد» افتتح طعن ‏السَّكاكين

وذا «الضياء» أضاء طريقاً للسَّالكين

‏ أمَّا «البَهاء» فاعْتلى بَهِيَّاً بالرَّياحين

وإذا سمعتَ «البلال» فاذْكُر نداءَ الغانِمين «فالثائر» و«والباسل» و«الأمجد» ..‏

وهاهُم اليوم «المُحمّدون» فعالهُم محمودة، وسيرتُهم مشهودة؛ فاضتْ أرواحُهم معلَّقة في قناديلَ حول العرش ‏بإذن الله . ‏

ويتسلّل البطل الخفي أبو زين الذكي؛ بعمره دون العشرين! فيُجهِز على ثلاثة يهود يُوقعهم قتلى وهلكى، ‏بطعنات مُسدّدة ، مرصودة مرشّدة؛ طابَتْ بها نفوسُ المرابطين والمجاهدين وكل فلسطين. ‏

وأنت .. اسمُك متى يفيقُ من هَجْعتِه، أو غَفْلتِه، أو كَسْلتِه، أو خَوْرتِه؟

أين مجاهدُ، وجهادُ، ومصطفى، ومحمودُ، وصالحُ، وصهيبُ، وعزيزُ، وناصرُ، ومنتصرُ، من أبناء هذه ‏الأرض المباركة؟

أقدِم فإنك منصور، وربك يطمئن قلبك بقوله:

‏(أُذِن للذين يُقاتَلُون بأنَّهم ظُلِموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير )‏

هذه بُشرى سَعدٍ، وطمأنينةُ نَفْسٍ، وسكينةُ فؤادٍ من ربِّ الأرض والسموات لمن ظُلِم؛ بالنَّصر المؤزَّر من ربِّ ‏العالمين، القوي المتين، فشمِّر عن ساعدي الجدِّ، وانهض غضبةً لله ولرسوله ولمسراه وللمسلمين.‏

ألا فالْتقُم واسْتَنْصِرْ كما استُنصِروا، فتحيا بعِزٍّ، أو مُتْ على ما ماتوا عليه، وحَسبُك أن تكون على درب ‏العِزِّ  والجهاد والكرامة، وإنْ لم تَصِلْ! وأنْ تَصِل مُتأخِّراً خيرٌ مِن أن لا تَصِلْ.‏

جِدَّ تَجِدْ، ومَن حَاز فاز، فقم إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، والمجاهدين  والمرابطين، ‏وما الحياةُ الدُّنيا إلا متاعُ الغُرور

اليوم نأتيكم بجيش محمدٍ

اليوم نغزُوكم ولا تغزُونا

بالذَّبحِ جئناكم نُجرِّد جَمْعَكُم

مهلاً بني صُهُيون فانتظرونا