20/8/2025
د. عمر الجيوسي
نقلاً عن موقع قدس برس https://qudspress.com/213182

في تقرير موسّع نشرته منظمة “بتسيلم” الحقوقية الإسرائيلية، بعنوان “مرحبًا بكم في الجحيم: منظومة السجون شبكة معسكرات تعذيب“، تم توثيق شهادات 55 أسيرًا فلسطينيًا تعرضوا لانتهاكات جسيمة في السجون الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر 2023. من بين هذه الشهادات، أفاد رشدي ظاظا (30 عامًا) من غزة بتعرضه لصعقة كهربائية أثناء التحقيق في سجن النقب، حيث سُئل عن مكان وجود السنوار، وأثناء إجابته، تعرض لصعقة كهربائية دفعته مترين إلى الأمام. كما أشار إلى مصادرة الطعام الذي كان قد اشتراه من “الكانتينة” بعد السابع من أكتوبر، مما يعكس سياسة التضييق المتعمدة. أما فؤاد حسن (45 عامًا) من نابلس، فقد وصف وصوله إلى سجن مجيدو قائلاً: “عندما نزلنا من الحافلة، قال لنا أحد السجانين: أهلًا بكم في جهنم”، مما يدل على الأجواء القمعية السائدة.
من جهة أخرى، أفادت تقارير إعلامية بأن وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، أشرف شخصيًا على عمليات التنكيل بالأسرى الفلسطينيين في سجن عوفر، حيث ظهر في مقاطع فيديو وهو يتفقد أوضاع الأسرى، مما يثير تساؤلات حول مسؤوليته المباشرة عن هذه الانتهاكات. في تصريح له، قال بن غفير: “أوضاع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ساءت بالفعل… أوقفنا الكانتين وأنا فخور بذلك وليس لدي نية للخضوع لإملاءات حماس”، مما يبرز توجهه القمعي تجاه الأسرى الفلسطينيين.
تُظهر هذه الشهادات والتصريحات أن السياسات القمعية ضد الأسرى الفلسطينيين قد تصاعدت بشكل ملحوظ بعد السابع من أكتوبر 2023، تحت إشراف مباشر من بن غفير، مما يستدعي تحركًا دوليًا للضغط على إسرائيل لوقف هذه الانتهاكات وضمان حقوق الأسرى.
****
تذكر إحصائيات الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر 2023م ـ وفقًا لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ـ أن إجمالي عدد الأسرى الفلسطينيين قد تجاوز 12,000 أسيرا، بينهم أكثر من 5,000 معتقل من قطاع غزة. وأن عدد المعتقلين الإداريين: يبلغ حوالي 3,398 معتقل إداري، وهو أعلى رقم منذ الانتفاضة الأولى. أما الأسرى الأطفال: فقد تجاوز 270 طفلًا،. ويبلغ عدد النساء الأسيرات : أكثر من 95 أسيرة،. وأما المرضى الأسرى: فقد تجاوز أكثر من 800 أسير مريض
وأما الصحفيون الأسرى فقد بلغ 56 صحفيًا، 45 منهم اعتُقلوا بعد السابع من أكتوبر ـ وفقًا لنادي الأسير الفلسطيني ـ .
وبالنسبة للوفيات منذ السابع من أكتوبر: فقد استشهد 62 أسيرًا داخل السجون منذ السابع من أكتوبرـ وفقًا لمنصة توثيق واقع الأسرى ـ.
******
وتكشف سلسلة من التقارير الحقوقية الدولية والإسرائيلية والأممية عن تدهور غير مسبوق في أوضاع الأسرى الفلسطينيين منذ اندلاع الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، مع ارتفاع أعداد المعتقلين إلى مستويات قياسية وتزايد شهادات التعذيب والحرمان من الحقوق الأساسية.
أكدت منظمة العفو الدولية (Amnesty) في تموز/يوليو 2024 أنّ آلاف الفلسطينيين من سكان غزّة يُحتجزون بلا تُهم أو محاكمات بموجب قانون «المقاتلون غير الشرعيين»، مع منع تواصلهم مع المحامين وعائلاتهم، وتوثيق شهادات موسّعة عن التعذيب وسوء المعاملة. وسجّل التقرير السنوي لـ هيومن رايتس ووتش (HRW) 2025 اتساع الاعتقالات والاحتجاز الإداري وحرمان المعتقلين من الحقوق الإجرائية خلال 2024، ضمن سياق الحرب بعد 7 أكتوبر. وخصص تقرير آخر للمنظمة في آب/أغسطس 2024 بعنوان “تعذيب العاملين الصحيين الفلسطينيين” لتوثيق ضرب وإذلال الممرضين والأطباء، وحرمانهم من الرعاية، بما في ذلك اعتداءات جنسية مزعومة.
رصدت لجنة التحقيق الدولية المستقلة (Human Rights Council) في تقريرها حزيران/يوليو 2025 أنماطًا متكررة من الاعتقال والانتهاكات بحق المحتجزين الفلسطينيين ضمن النزاع بعد 7 أكتوبر. كما نبّه الأمين العام للأمم المتحدة في إحاطة أممية حديثة (آب/أغسطس 2025) إلى مزاعم عنف جنسي ضد محتجزين فلسطينيين على يد قوات إسرائيلية، مع نفي رسمي من “إسرائيل”.
وثقت منظمات حقوقية وطبية إسرائيلية الوضع الداخلي، ونشرت (أطباء لحقوق الإنسان – إسرائيل (PHRI) ) في شباط/فبراير 2025 تقريرًا موسعًا بعنوان “محتجزون بشكل غير قانوني، ومُعذَّبون ومُجوّعون” كشف عن التعذيب، الحرمان الطبي الممنهج، وحالات وفاة داخل السجون. وأصدرت المنظمة نفسها في شباط/فبراير 2024 ورقة موقف حول “الانتهاك المنهجي لحقوق المحتجزين” منذ 7 أكتوبر، شملت الاختفاء القسري وحرمان العلاج. كما أصدرت (بتسيلم ) في آب/أغسطس 2024 في تقريرها “مرحبًا بكم في الجحيم” شهادات من محتجزين سابقين من غزة، الضفة، وداخل الخط الأخضر قصة العنف الممنهج وسوء الظروف بعد 7 أكتوبر. ووجّه ائتلاف حقوقي إسرائيلي رسالة عاجلة (13 تشرين الأول/أكتوبر 2023) لابن غفير والنائب العام ورئيسة مصلحة السجون طالب فيها بإلغاء قرارات قطع الماء والكهرباء في الأقسام الأمنية.
ركّزت صحيفة تايمز أوف إسرائيل في تموز/يوليو 2025 في تقرير لها على تفشّي الجرب ( اسكابيوس ) نتيجة الاكتظاظ، فيما وثقت الغارديان في آذار/مارس 2025 شهادات لمفرَج عنهم من غزة تحدثوا عن أشهر من العزل التام، دون إبلاغهم بمقتل أقاربهم خلال الاحتجاز.
*****
وذكرت صحيفة ( تايمز أوف إسرائيل) أن السلطات قد حوّلت قاعدة (سدي تيمان) العسكرية في النقب إلى معسكر احتجاز لآلاف الفلسطينيين من غزة بعد 7 أكتوبر، حيث يُحتجزون في حظائر وخيام أشبه بمستشفى ميداني، وهم مُكبّلو الأيدي ومعصوبو الأعين باستمرار .
ووثّقت ( ميدل إيست آي ) في تقارير صحفية وحقوقية تعرّض المعتقلين لتعذيب بالكهرباء، وإجبار على أوضاع بدنية مؤلمة، وحرمان من النوم، إضافة إلى بتر أطراف بسبب الأصفاد وعمليات جراحية قسرية دون تخدير كافٍ .
وكشفت (هآرتس ) أن 27 معتقلاً من غزة توفّوا في سدي تيمان وسجون أخرى منذ بداية الحرب
رسمت كل هذه الشهادات والتقارير المتقاطعة دوليًا وإسرائيليًا وأمميًا صورة مرعبة لوضع الأسرى الفلسطينيين: اعتقالات جماعية، غياب للمحاكمات العادلة، تعذيب وإهمال طبي ممنهج، وتضييق إنساني غير مسبوق. وأكدت جميع المصادر الحاجة الملحة لتحرك دولي عاجل يضع ملف الأسرى في صدارة أجندة العدالة والمساءلة.
يفتح هذا التقرير سؤالًا محوريًا أمام الصليب الأحمر والمؤسسات الدولية: إذا كانت “إسرائيل” منعتهم من دخول غزة، فما الذي يمنعهم من ممارسة واجبهم تجاه آلاف الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال؟ ويضعهم أمام مسؤولية تاريخية: لماذا يقبلون أن يُترك نساء وأطفال ومرضى وصحفيون وأطباء تحت رحمة إدارة (بن غفير) بلا حماية ولا رقابة دولية؟