أحمد شريف النعسان

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد, فيا عباد الله:

عندما وُلِّيَ الخلافةَ سيدنا أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه, قامَ خطيباً فَحَمِدَ الله تعالى وأثنى عليه بالذي هو أهله, ثم قال:( فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ, فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي).

كلماتٌ هي درسٌ لكلِّ عاقلٍ من الرعاة, والكلُّ راعٍ, والكلُّ مسؤول ٌ عن رعيته, هي درسٌ لكلِّ حاكمٍ ورئيسٍ وملكٍ وأميرٍ.

حقيقتان وَضَعَهُمَا الصدِّيق رضي الله عنه:

أيها الإخوة الكرام: سيدنا أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه وضعنا أمامَ حقيقتينِ, يجب على كلِّ عاقلٍ أن لا ينساهما, وخاصةً إذا كان راعياً استرعاه الله تعالى على عباده.

الحقيقة الأولى: الخيريَّة لا يعلمها إلا الله تعالى:

الحقيقةُ الأولى نأخذها من كلام سيدنا أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه: (فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ), حيث عرفنا أنَّ الراعي لا يُشْتَرط أن يكون أَصْلَحَ الرعيَّة, فقد يكون في الرعية من هو أَصْلَحُ من الراعي, أَمَا يقول الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ}؟فقد يكون الراعي هو الأكرم عند الله تعالى, وقد يكون فرداً من أفراد الرعية هو الأكرم عند الله تعالى.

أَمَا يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (إِنَّ الله لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)؟ رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. فالمُعَوَّل عليه هو صَلَا حُ القلب, فقد يكون قَلْبُ الراعي أَصْلَحَ القلوبِ, وقد يكون قلبُ فردٍ من أفراد الأمة هو الأصلح.

أَمَا يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (رُبَّ أَشْعثَ أغبرَ, مدْفُوعٍ بالأَبْوَابِ, لَوْ أَقْسمَ عَلَى الله لأَبرَّهُ)؟رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

هذه الحقيقةُ الأولى التي لقَّنها الصدِّيق وُلاة الأمور. والتي يجب أن يعتقدوها اعتقاداً جازماً.

الحقيقةُ الثانية:لا عصمةَ لأحدٍ بعد الأنبياء:

أمَّا الحقيقةُ الثانية التي أشار إليها الصدِّيق رضي الله عنه بقوله:( فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي). هيَ أنَّه لا عصمةَ لأحدٍ بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام, فالكلُّ يجري عليه الخطأ,كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:( كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ, وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ).رواه ابن ماجه عن أنس رضي الله عنه.

فالراعي ليس معصوماً, ولا يستمد سلطته من أيِّ امتيازٍ شخصي يجعل له أفضليَّةً على غيره, فَعَهْدُ العصمةِ قد انتهى بخروج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الدنيا.

الإمارةُ مغنمٌ أم مغرمٌ؟:

أيُّها الإخوة الكرام: يجب على كلِّ راعٍ أن يعلم بأنَّه ليسَ خيراً من رعيته, وبأنَّه ليسَ معصوماً, وبأنَّه يجب عليه أن يطلب العونَ من رعيَّته إن أحسن, والتقويمَ إن أساء, وهذا شأن الراعي المؤمنِ الذي أيقن بأنَّه مسؤولٌ بين يدي الله تعالى القائل: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون}.

هذا هو شأن الذي نظرَ إلى الإمارةِ والمُلكِ والرياسةِ بأنَّها مغرمٌ وليست مغنماً, لأنَّه سَيُسأل يوم القيامة عن رعيَّته.

أمَّا الراعي الذي ينظر إلى الإمارةِ والملكِ والرياسةِ بأنَّها مغنمٌ فإنَّه يعتقدُ أنَّه خيرٌ من رعيَّتِهِ, وأنَّهُ معصومٌ, كما أخبر ربُّنا عز وجل عن فرعون بقوله: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُون * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِين}. وبقوله:{مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَاد}.

إذا عَرَفَ الراعي حَدَّه أَصْلَحَ الله له رعيَّته:

يا عباد الله, لقد جَرَتْ سنَّة الله تعالى في خلقه, إذا عَرَفَ الراعي حدَّه, هيَّأ له بطانةً صالحةً, وأصلح له رعيَّته, إذا عرف بدايَتَهُ ونهايَتَهُ, كما قال ذاك العبد الصالح لبعض وزراء الحجاج:(أوَّلُك نطفةٌ مذرة, وآخركَ جيفةٌ قَذِرَة, والآن تَحْمِلُ العَذِرَة). فإنه لا يُفَكِّرُ نفسه بأنَّه خيرُ رعيَّتِهِ.

أيُّها الإخوة الكرام: لمَّا تولَّى الصدِّيق الخلافة, ولَّى سيدنا عمر رضي الله عنهما القضاءَ, وبعد فترةٍ يسيرةٍ جاءه مقدِّماً استقالته وطلب من أبي بكر الصديق رضي الله عنه إعفاءه من هذا المنصب، فقال أبو بكر: أَمِنْ مَشَقَّةِ القضاءِ تطلبُ الإعفاءَ يا عمر؟ فقال عمر رضي الله عنه: لا يا خليفة رسول الله، ولكن لا حاجةَ بي عند قومٍ مؤمنين، عرفَ كلُّ واحدٍ منهم حقَّه، فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجبٍ فلم يُقَصِّر عن أداءه، وأحبَّ كلُّ واحدٍ منهم لأخيه ما يحبُّ لنفسهِ. إذا غابَ أحدهم تفقدوه، وإذا مرضَ عادوه، وإذا افتقرَ أعانوه، وإذا احتاجَ ساعدوه، وإذا أُصِيبَ واسوه, دينهمُ النصيحة، وخُلُقُهُمُ الأمرُ بالمعروف، والنهي عن المنكر, ففيمَ يختصمون؟.

الوالي العدْل لا يكمُّ الأفواه:

أيُّها الإخوة الكرام: سيدنا أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه الذي قال:( وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ, فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي). هو الذي عَلِمَ بأنَّ العصمةَ انتهت بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, ومعنى هذا أنَّه يجري عليه الخطأ كما يجري على غيره, لا فرق في هذا الأمر بين الراعي والرعيَّة, لذلك طَلَبَ الإِعَانَةَ إِنْ أحسنَ, والتقويمَ إِنْ أساءَ, لأنَّه لا كمَّ للأفواه عند العقلاء من الأمراء, وأنَّ هيبةَ المُلكِ والرئاسةِ يجب أن لا يستغلَّها الملكُ والرئيسُ في كمِّ أفواهِ الرعيَّة.

فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم الذي كساه الله تعالى هيبةَ النبوَّة والرسالة مع العصمة التي منحه الله تعالى إيَّاها, ما كان يَكمُّ أفواه المؤمنين, الذين آمنوا بنبوَّتهِ وبرسالتهِ وبعصمتهِ, بل كان فاتحاً المجال لمن وقع عنده إشكالٌ أو استفسارٌ أن يسأل عنه, وأن لا تمنعه هيبةُ النبوَّة والرسالة من الاستيضاح.

وأكبرُ شاهدٍ على ذلك يوم صلح الحديبية, عندما جاءه سهيل بن عمرو ليكتب كتاباً بينه وبين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, وكان الكاتب سيدنا علي رضي الله عنه, روى البخاري عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم قال في صلح الحديبية لسيدنا علي رضي الله عنه: اُكْتُبْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ. قَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَالله مَا أَدْرِي مَا هُوَ, وَلَكِنْ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ, فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَالله لَا نَكْتُبُهَا إِلَّا بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ, ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله, فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَالله لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ الله مَا صَدَدْنَاكَ عَنْ الْبَيْتِ وَلَا قَاتَلْنَاكَ, وَلَكِنْ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله.

وفي رواية للإمام مسلم: (فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحُوهَا فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا, وَالله لَا أَمْحُوها, فَقَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرِنِي مَكَانَهَا فَأَرَاهُ مَكَانَهَا فَمَحَاهَا).

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَنَطُوفَ بِهِ, فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَالله لَا تَتَحَدَّثُ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً, وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ, فَكَتَبَ, فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا, قَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ الله, كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا.

وفي رواية للإمام مسلم: (والتَفَتُوا إِلَى رَسُلِ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يَسْأَلُونَهُ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله أَنَكْتُبُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ, إِنَّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنَّا إِلَيْهِمْ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ, وَمَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا).

وفي الصحيحين: أنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: فَأَتَيْتُ نَبِيَّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَلَسْتَ نَبِيَّ الله حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى, قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى, قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا, قَالَ: إِنِّي رَسُولُ الله وَلَسْتُ أَعْصِيهِ, وَهُوَ نَاصِرِي, قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى, فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَا, قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ, قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ, فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ الله حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى, قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى, قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ لَرَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ وَهُوَ نَاصِرُهُ, فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ, فَوَالله إِنَّهُ عَلَى الْحَقِّ, قُلْتُ: أَلَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى, أَفَأَخْبَرَكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قُلْتُ: لَا, قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ فَمَا هُوَ إلا أَن نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ إِلَى آخِرِهَا, فَقَالَ: عُمَرُ يَا رَسُولَ الله أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ, فَطَابَتْ نَفْسُهُ وَرَجِع).

فهيبةُ النبوَّة ما منعته من الاستفسارِ والاستيضاح من المعصوم, الذي إذا شاهده أحدٌ ترتعد فرائصه من هيبةِ النبوَّة والرسالة, ويقول له النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ) رواه ابن ماجه عن أبي مسعود رضي الله عنه. وكان يقول: (إنِّما أنا عبدٌ, آكلُ كما يأكلُ العبد ، وأجلسُ كما يجلسُ العبد) رواه البيهقي عن ابن سعد رضي الله عنه.

فهل سمع وُلاة الأمور هذا الحدَث الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم مع بعض أصحابه؟ فهم والله من باب أولى وأولى أن يسمعوا لرعيَّتِهم, لأنَّهم غيرُ معصومين.

سعادة الحاكم تكون بالبطانة الصالحة:

أيُّها الإخوة الكرام: من سعادةِ الحاكمِ والراعِي والمسؤولِ والرئيسِ أن يُهَيِّئَ له ربُّنا عز وجل البطانةَ الصالحةَ التي تعينه إن استقامَ وأحسنَ, وأن تقوِّمَه إن أساءَ وانحرفَ, وهذا ما صرَّح به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في الأحاديث الشريفة, منها:

أولاً: أخرج أبو داود في سننه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِالْأَمِيرِ خَيْراً, جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ, إِنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ, وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ, وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ, جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ, إِنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ, وَإِنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ).

ثانياً: أخرج النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ والٍ إلا وَلَهُ بِطَانتان : بِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بِالمعروف ، وتَنْهَاهُ عن المُنكرِ ، وبِطَانَةٌ لا تَألُوهُ خَبَالاً ، فَمَن وُقِيَ شَرَّهَا فقد وُقيَ وهو مِنَ التي تَغْلِبُ عليه منهما). ومعنى قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: (لا تَألُوهُ خَبَالاً) أي: لا تُقَصِّرُ في إفساد أمره وإفساده, فهم عونٌ له على الفساد والإفساد.

ثالثاً: أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا اسْتُخْلِفَ خَلِيفَةٌ إِلَّا لَهُ بِطَانَتَانِ, بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ, وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ, وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ).

خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:

يا عباد الله, العاقل هو الذي يحب النُصْحَ والناصحين, والأحمق هو الذي يحب المدح والمادحين, فلنكن من العقلاء, ولنسمع كلام الصديق رضي الله عنه: (فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ, فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي؛ وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي). كلامُ الصدِّيق رضي الله عنه يشمل أولاً الأمراء والحكام والرؤساء, وهو في الحقيقة يشمل كلَّ مسؤول, وكلُّنا مسؤول, ويشمل كلَّ راعٍ, وكلُّنا راعٍ.

أمَّا من عَشِقَ المدح وكَرِهَ النُصْحَ, فَلْيَسْمَعَ قَسَمَ الله تعالى في القرآن الكريم: {وَالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر}. فهل يريد الخسارة الدنيوية والأخروية؟ ما أظنُّ عاقلاً يحب خسارة الدين والدنيا والآخرة.

أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

نقلاً عن موقع الشيخ أحمد نعسان