9/3/2024
د. عمر حماد عضو هيئة علماء فلسطين
عتاب الله للمقصرين في حق العطشى والجوعى والمرضى
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي “رواه مسلم
الشرح والتعليق
1- هذا الحديث القدسي، فيه الحث على مساعدة المرضى والجوعى والعطشى والوقوف معهم.
2- قوله (إن الله تعالى يقول يوم القيامة) قد يكون هذا القول من الله تعالى مباشرة دون واسطة، وهو ما أرجحه، وقد على لسان ملك أو بلا واسطة بالوحي العام، أو بالإلهام في قلوب الأنام، أو بلسان الحال معاتبا لابن آدم في تلك الأحوال بما قصر في حق أوليائه بالأفضال.
3- قوله (يا ابن آدم، مرضتُ فلم تعدني) : المراد: مرض عبدي، وإنما أضاف ذلك إلى نفسه تشريفا لذلك العبد، فنزله منزلة ذاته، والحاصل أن من عاد مريضا لله فكأنه زار الله.
4- قوله (قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين) لم يقل (وكيف تمرض وأنت رب العالمين) لأن المرض يكون للعاجز، والله القاهر القوي المالك. فعدل عنه معتذرا إلى ما عوتب عليه (عدم عيادة المريض). وهو مستلزم لنفي المرض.
5- قوله (قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده) أي: لوجدت رضائي: وفيه إشارة إلى أن للعجز والانكسار مقدارا واعتبارا عنده تعالى، كما روي: (أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي).
6- قال في عيادة المريض (لوجدتني عنده) وقال في الإطعام والسقي (لوجدت ذلك عندي) إرشاداً إلى أن الزيارة والعيادة أكثر ثواباً منهما، وقال السبكي: سر ذلك أن المريض لا يروح إلى أحد بل يأتي الناس إليه فناسب قوله (لوجدتني عنده) بخلاف ذينك فإنهما قد يأتيان لغيرهما من الناس.
7- قوله (يا ابن آدم، استطعمتك) أي: طلبت منك الطعام.
8- قوله (فلم تطعمني؟ . قال: يا رب، كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ !) أي: والحال أنك تطعِم ولا تطعَم، وأنت غني قوي على الإطلاق، وإنما العاجز يحتاج إلى الإنفاق.
9- قوله (أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ) أي: ثواب إطعامه.
10- قوله (استسقيتك) أي: طلبت منك الماء.
11- قوله (فلم تسقني) : يجوز فيها فتح التاء وضمها.
12- قوله (كيف أسقيك) : بفتح الهمزة وضمها.
13- قوله (وأنت رب العالمين) أي: مربيهم غير محتاج إلى شيء من الأشياء فضلا عن الطعام والماء.
14- إن الله تعالى لا يضيع أجر المحسنين، كمن أطعم الطعام وسقى الماء وعاد المريض.
15- قال أبو بكر ابن فورك في مشكل الحديث: وَأما قَوْله مَرضت فقد فسره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين معنى ذَلِك إِشَارَة إِلَى مرض وليه فأضاف إِلَى نَفسه إِكْرَاما لوَلِيِّه ورفعا لقدره، وَهَذِه طَريقَة مُعْتَادَة فِي الْخطاب عَرَبِيَّة وعجمية وَذَلِكَ أَن يخبر السَّيِّد عَن نَفسه وَيُرِيد عَبده إِكْرَاما لَهُ وتعظيما حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ توهم من جلالته وَعظم مَنْزِلَته مساواته لَهُ فِي الْمنزلَة وَالْجَلالَة وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة يحمل قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين يحادون الله وَرَسُوله} وَقَوله{إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله} وَقَوله {إِن تنصرُوا الله ينصركم}.
سمعت هذا الحديث الأسبوع الماضي كأنني أسمعه لأول مرة، هز كياني، وحسبت أن الله يعاتبني في أهل غزة، لتقصيري معهم، فأردت أن أنقل مشاعري لكم لعلها تصادف أرضا خصبة فتنمو فيها شحرة البذل والعطاء فتثمر. الله سائلنا عنهم وعما قدمنا لهم، فهلا حضرنا أنفسنا للجواب. رب سَلِّم سَلِّم
16- يقول إبراهيم المدهون من أهل غزة: الجوع ينهش شمال قطاع غزة، ينام أطفاله بأمعاء خاوية ولا يجدون لقمة عيش يأكلونها؛ حتى الحيوانات البرية ما عادوا يجدونها ليطبخوها أبسط المواد، العدس والفول، لن تجد منها ولو كيلوغراماً واحداً. الحصار يشتد، وما تعلمناه عن عام الرمادة وجوع أهل المدينة وشعب أبي طالب نراه واقعاً اليوم، مع صبر واحتساب وإباء.
فقدت الناس أوزانها بشكل مخيف. الجفاف يعم المنطقة فيشرب أهلها من المياه الملوثة التي تجري في الطرقات. كيس الطحين يصل ثمنه إلى 400 دولار إن وجد. عجنوا علف الحيوانات حتى نفد من الأسواق أنات وشحوب وأوجاع تعم المشهد القاتل.
عار على أمة العرب أن تموت غزة جوعاً وعطشاً وبرداً أمام ناظريهم، وهم يتنعمون بأصناف من الرغد والبذخ، ويعمهون بلهوهم ومجونهم بلا إحساس أو مراجعة من حس إنساني.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
مع تحيات د. عمر حماد
عضو هيئة علماء فلسطين في الخارج
الجمعة 16/2/2024م
الموافق 5/شعبان/1445هـ