2/3/2024
د. عمر حماد عضو هيئة علماء فلسطين
الشهداء
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ. رواه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
الشرح والتعليق
1- حث النبي صلى الله عليه وسلم على أن يدافع المسلم عن ماله وأهله ودينه ونفسه، وأن يكون قويا صلبا، لا ضعيفا لينا مستضعفا، فإن قتل أثناء الدفاع عنها فهو شهيد.
2- لقد حَفِظَ الإسلامُ الضَّروراتِ الخمسَ؛ الدِّينَ والعقلَ والنَّفسَ والنَّسبَ والمالَ، ومنع أي اعتداء عليها، سواء أكان هذا الاعتداء من الشخص على نفسه ام من غيره عليه، وشرع الإسلام من العقوبات ما ينهى الشخص عن الاعتداء على هذه الضرورات الخمس أو (الكليات الخمس).
3- قوله صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: (مَن قتل دونَ مالِه)، أي: وهو يُدافِعُ ويُقاتِلُ مَن يُريدُ أخْذَ مالِه ظُلمًا وقهرًا، حتى قُتِل، فهو شهيدٌ، والدفاع عن المال يشمل الأموال المنقولة كالذهب والفضة والأوراق النقدية والهاتف والسيارة.. والأموال غير المنقولة كالأراضي والبيوت والشقق.
4- قوله صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: (ومَن قتل دونَ دينه)، أي في نصرة دين اللّه والذب عنه مثل قتال المرتدين والمشركين واليهود، ويشمل كذلك من قتل بسبب دفاعه عن الإسلام ورده الشبهات بقلمه أو بفكره، فقتل بسبب ذلك.
5- ويدخل في (من قتل دون دينه) من قتل بسبب دفاعه عن شعائر الله وحرماته مثل من يقتل لدفاعه عن المسجد الأقصى أو غيره من المساجد، أو بسبب دفاعه عن القرآن الكريم والمصحف الشريف ودور القرآن، أو بسبب دفاعه عن الأذان والحجاب ..الخ
6- قوله صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: (ومَن قتل دونَ دَمِه)، أي: دِفاعًا وحفاظًا على نَفسِه ممَّن يُريدُ أن يَعتدِيَ عليه،
7- قوله صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: (ومَن قتل دونَ أهلِه)، أي: دافع ورَدَّ مَن أراد أن يَعتدِيَ على زَوجتِه وأقاربِه من الرجال والنساء والأطفال، فمنع ذلك، أو حال بين المعتدين وبين ما يريدون فقتلوه، فإنه يكون شهيداً؛ لأنه قتل وهو يدافع على عرضه وشرفه ونسبه.
8- قوله صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: (فهو شهيد) أي: يَنالُ بقِتالِه هذا ودِفاعِه أجْرَ الشَّهيدِ في الآخرةِ؛ لأنَّه مات في سَبيلِ طلَبِ الحقِّ، والدِّفاعِ عنه،
9- قال النووي رحمه الله: الْمُرَادُ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ غَيْرِ الْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنَّهُمْ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ) اهـ. وهذا بخِلافِ شهيدِ الدُّنيا الَّذي يُقتَلُ في الحربِ والجهادِ في سبيلِ اللهِ؛ فإنَّه لا يُغسَّلُ ولا يُكفَّنُ إلَّا في ثِيابِه الَّتي استُشهِدَ بها، وهو الَّذي يُقتَلُ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ دِفاعًا عن دِينِه أو إعلاءً لكلمةِ اللهِ تعالى.
10- نرى الآن في طوفان الأقصى رجالا يدافعون عن دينهم وعرضهم وأهلهم وأموالهم وأنفسهم، يقاتلون عدو الله، ويقاتلون في سبيل الله، نسأل الله تعالى أن يكتب لهم النصر وأن يحقن دماءهم.
11- وأشير إلى ما يجرى الآن في السودان على يد قوات الدعم السريع من اغتصاب وقتل وسلب ونهب وتشريد وتهجير ، يندى له الجبين، ولا يكاد يذكر في وسائل الإعلام، فمن مات منهم وهو يافع عن دينه أو ماله أو عرضه أو أهله فهو شهيد، فالشهادة ليست لمن يدافع عن دينه وأهله وعرضه أمام الكفار واليهود، بل حتى أمام المسلمين أو من يدَّعُون الإسلام، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ» قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ»
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
مع تحيات د. عمر حماد
الجمعة 29/12/2023م
الموافق 16/جمادى الآخرة/1445هـ
