د. عمر حماد عضو هيئة علماء فلسطين
عَنِ ابْنِ شِهَاب الزهري، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ قَاتَلَ أَخِي قِتَالًا شَدِيدًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَارْتَدَّ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَشَكُّوا فِيهِ رَجُلٌ مَاتَ فِي سِلَاحِهِ، وَشَكُّوا فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، قَالَ سَلَمَةُ: فَقَفَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي أَنْ أَرْجُزَ لَكَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَعْلَمُ مَا تَقُولُ، قَالَ: فَقُلْتُ:
وَاللهِ لَوْلَا اللهُ مَا اهْتَدَيْنَا … وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقْتَ»،
وَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
، وَثَبِّتِ الْأَقْدَامَ إِنْ لَاقَيْنَا
، وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا،
قَالَ: فَلَمَّا قَضَيْتُ رَجَزِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ هَذَا؟» قُلْتُ: قَالَهُ أَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَرْحَمُهُ اللهُ»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ، يَقُولُونَ: رَجُلٌ مَاتَ بِسِلَاحِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا»، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنًا لِسَلَمَةَ بْنَ اْلَأكْوَعِ. فَحَدَّثَني عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ – حِينَ قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا يَهَابُونَ الصَّلاةَ عَلَيْهِ – فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبُوا مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا، فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ. رواه مسلم.
الشرح والتعليق
1- هذا الحديث يدل على أن المجاهد بلسانه له أجر عظيم عند الله تعالى، فإن جمع إليه الجهاد بالنفس نال أجره مرتين.
2- قوله (قاتل أخي قتالا شديدا) المقصود أخوه عامر بن الأكوع.
3- قوله (فارتد عليه سيفه فقتله) لم يذكر في هذه الرواية طريقة قتل عامر بن الأكوع لنفسه، ولكنه ذكر رواية أخرى عند البخاري في كتاب الأدب: ” وكان سيف عامر قصيرا، فتناول به يهوديا ليضربه فرجع ذبابه فأصاب ركبته، وذكر ابن عبد البر في كتابه (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) أن عامرا بارز مرحب اليهودي، فوقع سيف مرحب في ترس عامر ورجع سيفه على ساقه فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه أي مات بسببها.
4- قوله (فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ) أي أنهم تحدثوا عنه فيما بينهم وجرى بينهم كلام حول قتله لنفسه وبسيفه.
5- قوله (لولا الله ما اهتدينا) أي: لولا هدايته أو فضله علينا معشر الإسلام بأن هدانا (ما اهتدينا) أي: بنفسنا إلى الإسلام، وهو مقتبس من قوله تعالى: {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} [الأعراف: 43].
6- قوله (ولا تصدقنا) أي: على وجه الإخلاص: (ولا صلينا) أي: صلاة الاختصاص
7- قوله (فأنزلن سكينة) أي: وقارا وطمأنينة، وهو مستفاد من قوله سبحانه: {فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [الفتح: 26].
8- قوله (وثبت الأقدام إن لاقينا) أي: أقدامنا، (إن لاقينا) أي: إن رأينا الكفار وبلغنا إليهم ثبتنا على محاربتهم، وانصرنا عليهم، وهو مأخوذ من قوله عز وجل: {وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} [البقرة: 250].
9- قوله (فَلَمَّا قَضَيْتُ رَجَزِي) أي انتهيت من ذكر الشعر المنظوم على بحر الرجز.
10- قوله (إِنَّ نَاسًا لَيَهَابُونَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ) أي الدعاء له بالمغفرة.
11- قوله (فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ) لأنه جاهد بلسانه من خلال الرجز والشعر، وجاهد بنفسه في سبيل ومات شهيدا.
12- يدل هذا الحديث على ان من جاهد في سبيل الله فقتل نفسه بالخطأ فله أجر الشهادة في سبيل الله، وكذلك من قتل بـ(نيران صديقة) لا ينقص من أجورهم شيئا.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين
مع تحيات د. عمر حماد
الجمعة 1/11/2024م
الموافق 28/ربيع الثاني/1446هـ