د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَغَازِي، فَنَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» رواه البخاري ومسلم.

عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ رضي الله عنه، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرَرْنَا عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ، وَقَدِ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا النَّاسُ، قَالَ: فَأَفْرَجُوا لَهُ، فَقَالَ: ” مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتَلُ ” ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ: ” انْطَلِقْ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ لَا تَقْتُلَ ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا “رواه أحمد في المسند.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَقْتُولَةً فَقَالَ : مَنْ قَتَلَ هَذِهِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ : نازَعَتْني سَيْفِي ، فَسَكَتَ.رواه الطبراني في المعجم الكبير

الشرح والتعليق

  1. هذه الأحاديث تدل على عدم جواز قتل النساء والأطفال إلا إذا كانوا مقاتلين.
  2. اختلف العلماء في قتلِ النِّساءِ وَالصَّبيانِ إذا قاتلوا ، فَجُمهورُ العُلَماءِ عَلَى أَنَّهُم إِذا قاتلوا قُتلوا، منهم مالِكٌ، وَالشَّافِعي ، وأبو حَنِيفَةَ ، وَالثَّورِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثورٍ، واستدلوا في ذلك بعُمُوم قَولِهِ تعالى : ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) وَهؤلاء قد قاتَلُوا، وَتَخصيص نَهي النَّبِي عَن قَبْلِ النِّسَاءِ وَالصَّبيانِ، بِأنَّ ذلك ما داموا على الحال الَّتِي هِيَ غَالِبُ جنسِيَتِهِم، مِنَ العَجزِ وَعَدَمِ أهلِيَةِ القِتالِ ، بِدَلِيلِ ما وَقَعَ فِي حَدِيثِ رَبَاحٍ بنِ رَبيع أَنَّهُ ﷺ قَالَ – وَقَد وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقتولةٌ في بَعضِ المغازي – ” ما كانت هَذِهِ لتقاتل.  ، وَقَد رُوِيَ في ذلك ما هو واضح ، أسنَدَ ابْنُ المُنذِرِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ : ” أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مقتولة يَومَ الخِندَقِ ، فَقالَ مَن قَتَلَ هَذِهِ؟ قَالَ رَجُلٌ : أَنا يَا رَسُولَ الله . قالَ، وَلِمَ ؟ قالَ، نازَعَتني قائِمَ سَيفي، قالَ فَسَكَتَ. وَأَيضاً فَقَد قَتَلَ النَّبِيُّ ﷺ امْرَأَةً مِن قُرَيظَةَ لِحَدَثٍ أحدَثَتَهُ في جُملَةِ مَن قَتَلَ مِن رِجَالِهِم (سبق شرحه في هذه السلسلة) . خَرَّجَهُ أبو داود وَغَيْرُهُ .
  3. واستدلوا مِن طَرِيقِ النَّظَرِ والاجتهاد بأَن مَن تَعَرَّضَ لِلقِتالِ ، لَو تُرِكَ وَلَم يُدفَع وَيُقاتَل لأفضى إلى الاستكثار من أذى المسلِمينَ وَقَتلِهِم، وذلك باطِلٌ، لا يَحِلُّ إقرارُهُ بِاتِّفاق، وَلَكَانَ في ذلك – لَو تُرِكَ – تَسليطٌ عَلى المؤمِنِينَ وَالله تَعَالَى يَقُولُ : ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ) .
  4. وَذَكَرَ ابنُ المنذِرِ قَالَ : حَكَى أَشْهَبُ عَن مالك أنه سئل عن نساء العدو وصبيانهم يكونون على الحصون يرمونهم بِالحِجَارَةِ، وَيُعينونَ عَلى المسلِمينَ ، أَيُقْتَلُونَ؟ فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَن قِتَالِ النِّسَاءِ وَالصَّبيانِ ”  ، وَنَحوُ ما رَوى ابنُ المنذِرِ مِن قَولِ مَالِكٍ، يَقُولُ جَمَاعَةٌ مِن أصحابِهِ. وَقَالَ ابنُ حَبيبٍ فِي النِّسَاءِ وَالصَّبيانِ : إِن كَانَ قِتَالُهُم بِالسَّيْفِ وَالرُّمح وَنَحوِهِ، قُتلوا في حالِ المدافَعَةِ ، وَإِن كَانَ بِالحِجَارَةِ وَنَحوِها مِن فَوقِ الحِصْنِ، لَم يُقتلوا.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 30/8/2024م

الموافق 26/صفر/1446هـ