د. عمر حماد  عضو هيئة علماء فلسطين

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ بْنُ العَرِقَةِ وَهُوَ حِبَّانُ بْنُ قَيْسٍ، مِنْ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ رَمَاهُ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي الـمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الغُبَارِ، فَقَالَ: ” قَدْ وَضَعْتَ السِّلاَحَ، وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ، اخْرُجْ إِلَيْهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَيْنَ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ” فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الحُكْمَ إِلَى سَعْدٍ، قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ: أَنْ تُقْتَلَ الـمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ .رواه البخاري.

الشرح والتعليق

  1. في هذا الحديث دليل على جواز قتل الأسرى الذين استسلموا لجيش المسلمين، بسبب الحصار، وقبل وقوع القتال.
  2. قولها (أصيب سعد) هو سعد بن معاذ الأنصاري.
  3. قولها (يوم الخندق) أي يوم وقعت غزوة الخندق.
  4. قولها (الأَكْحَل) بفتح الهمزة وسكون الكاف: وريدٌ في وسط الذراع، في الغالب تسحب منه عينات الدم، أو يحقن به الدواء، إذا قُطِعَ لم يرقأ الدم (يبقى ينزف).
  5.  (فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيمة في المسجد)أي في المسجد النبوي بالمدينة، وفي بعض الروايات أنها (خيمة رفيدة الأسلمية) التي كانت تداوي الجرحى.
  6. قوله (قد وضعتَ السلاح؟؟ والله ما وضعتُه، أُخرُج إليهم) يشير جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبادر ويقوم إلى قتال يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد معه، وألا ينتظر عليهم، فحاصرهم بضع عشرة ليلة، وفي رواية خمسًا وعشرين ليلة، حتى أجهدهم الحصار وقذف في قلوبهم الرعب، فعرض كعب بن أسد  زعيم اليهود على قومه أن يؤمنوا، أو يَقتُلوا نساءَهم وأبناءَهم ويَخرُجوا للقتال، أو يبيتوا المسلمين ويهجموا عليهم ليلة السبت، فقال اليهود: لا نؤمن، ولا نستحل السبت، وأي عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا، فأرسلوا إلى أبي لبابة بن عبد المنذر وكانوا حلفاءه فاستشاروه في النزول على حكم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأشار إلى حلقه يعني الذبح، ثم ندم فتوجه إلى المسجد النبوي فارتبط به حتى تاب الله عليه في قصة معروفة.
  7. (فنزلوا على حكمه، فردّ الحكم إلى سعد) أي نزل اليهود على حكم النبي صلى الله عليه وسلم، فطلب من سعد بن معاذ أن يحكم فيهم، وفي رواية أنهم طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحكِّم سعدا فيهم، وفي رواية أخرى أن الأنصار طلبوا ذلك، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع يهود بني قينقاع عندما جعل حكمهم لابن سلول المنافق.
  8. قوله (فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتِلة) أي المقاتلين منهم وهم الرجال.
  9.  قوله (وأن تسبى النساء والذرية) أي الصبيان، ويبقوا على قيد الحياة ويصيروا عبيدا.
  10. ورد في رواية عند ابن إسحاق أن الصحابة حفروا لهم خنادق، فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخنادق، وكان عدد القتلى ستمائة.
  11. حكم سعد بن معاذ في يهود بني قريظة بحكم الله من فوق سبع سماوات، والحكم كان بقتل من وصل إلى سن البلوغ منهم، وهم (المقاتلة)، وقد قال سعد قبل أن يحكم فيهم (لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم)، وبعد وفاته قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم (لَقَدِ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ الْعَرْشُ، وَلَقَدْ تَبَادَرَ إِلَى غُسْلِهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَمَا كِدْتُ أَصِلُ إِلَى جِنَازَتِهِ) رواه البخاري ومسلم.
  12. كم نحن بحاجة في زماننا هذا إلى من (لا تأخذه في الله لومة لائم) ويصنع صنيع سعد بن معاذ في يهود…

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء

والله أعلم.

والحمد لله رب العالمين

مع تحيات د. عمر حماد

الجمعة 31/5/2024م

الموافق 23/ذو القعدة/1445هـ