خاص هيئة علماء فلسطين
25/4/2024
د. عمر حماد
عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قُدِمَ بِالأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِي مَنَاحَتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ – وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنَّ الْحِجَابُ – قَالَتْ سَوْدَةُ : فَوَاللَّهِ إِنِّي لَعِنْدَهُمْ إِذْ أُتِينَا فَقِيلَ : هَؤُلاَءِ الأُسَارَى قَدْ أُتِيَ بِهِمْ ، فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ، فَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ ، وَيَدَاهُ مَجْمُوعَتَانِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ ، فَوَاللَّهِ مَا مَلَكْتُ حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْتُ : أَبَا يَزِيدَ ، أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ أَلاَ مُتُّمْ كِرَامًا ؟ فَمَا انْتَبَهْتُ إِلاَّ بِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَيْتِ : يَا سَوْدَةُ ، عَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ ؟ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ، مَا مَلَكْتُ حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِالْحَبْلِ أَنْ قُلْتُ مَا قُلْتُ. رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم.
وروى البيهقي في السنن الكبرى: ثُمَّ بَعَثَ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى، فَقَدِمَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فِي فِدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، فَقَالَ: اجْعَلُوا رِجْلِيَّ مَكَانَ رِجْلِهِ وَخَلُّوا سَبِيلَهُ حَتَّى يُبْعَثَ إِلَيْكَم بِفِدَائِهِ. فَخَلَّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ وَحَبَسُوا مِكْرَزًا. قَالَ: فَفَدَى كُلُّ قَوْمٍ أَسِيرَهُمْ بِمَا رَضُوا. قَالَ: وَكَانَ أَكْثَرُ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فِدَاءً الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَذَلِكَ لَأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسِرًا، فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِمِائَةِ أُوقِيَّةِ ذَهَبٍ “
الشرح والتعليق
1- في هذا الحديث دليل على جواز الإفراج عن الأسرى بمقابل، وعلى جواز أن يرتهن الرجل نفسه مقابل غيره إلى أن يعود.
2- كان أبو يزيد سهيل بن عمرو بن عبد شمس القرشي خطيب قريش وفصيحهم، أحد أشرافهم في قبل الإسلام. قاتل في صفوف قريش في غزوة بدر، وتعرض للأسر ثم افتُدي. ولما همّ النبي محمد أن يعتمر سنة 6 هـ، منعته قريش من أداء العمرة، وابتعثوا سهيلاً للاتفاق مع النبي محمد على شروط الصلح، والقصة معروفة، وكان كلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أحد أسباب ثبات أهل مكة على الإسلام وعدم ارتدادهم، وشارك في فتوح الشام ومات في طاعون عمواس سنة 18 هـ
3- قوله (قُدِمَ بِالأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمُ الْمَدِينَةَ) أي أسرى غزوة بدر الكبرى عندما وصلوا المدينة المنورة مع الجيش الإسلامي.
4- قوله (فِي مَنَاحَتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ) أي أن السيدة سودة رضي الله عنها ذهبت للتعزية في استشهاد عوف ومعوذ ابني عفراء اللذين قتلا أبا جهل في القصة المعروفة، وفي رواية أشهر أنهما (معاذ ومعوذ).
5- (قبل أن يضرب الحجاب) أي قبل أن يفرض الحجاب سنة 5 للهجرة على القول الراجح.
6- قوله (وَيَدَاهُ مَجْمُوعَتَانِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ) أي أنه مربوط بهذه الطريقة التي فيها شيء من الإذلال.
7- قولها (أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ ) أي استسلمتم؟؟؟.
8- قولها (أَلاَ مُتُّمْ كِرَامًا ؟) تقصد لماذا لم تقاتلوا حتى تموتوا ؟ أليس هذا خير لكم من الاستسلام والوقوع في الأسر؟
9- قوله ( عَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ ؟) أي أتحرضين سهيلا على الله ورسوله وتطلبين منه القتال بدلا من الاستسلام؟
10- قول مكرز: (اجْعَلُوا رِجْلِيَّ مَكَانَ رِجْلِهِ وَخَلُّوا سَبِيلَهُ حَتَّى يُبْعَثَ إِلَيْكَم بِفِدَائِهِ) أي ضعوني في الأسر مكانه وشدوا رجلي بالوثاق، وأخرجوه ليذهب إلى مكة ويأتي بأمواله ليفدي نفسه، واجعلوني رهينة عندكم إلى أن يعود بالمال.
11- يلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل رهينة مكان أسير، إلى أن يعود الأسير بالمال شرط أن يكون الرهينة له منزلة معروفة مثل مكرز.
12- أما مكرز بن حفص فأغلب العلماء أنه لم يسلم، وذمه النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية في قصة رواها البخاري في صحيحه: (فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقَالَ: دَعُونِي آتِيهِ، فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا مِكْرَزٌ، وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ» ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ»)
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الشهادة، وأن يبلغنا منازل الشهداء
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين