خاص هيئة علماء فلسطين
30/5/2025
في غزة حيث الأرض تُروى بالدم قبل الماء، وحيث المشاريع الإغاثية تُنجز تحت وقع القصف والحصار، لا يكون حفر بئرٍ خطوةً نحو الحياة فحسب، بل قد يكون سلّمًا نحو الجنة، ومنصةً يُسطَّر عليها مجدٌ جديد من أمجاد الرباط والتضحية.
في حي الصفطاوي بمدينة جباليا، وبالقرب من مدرسة عباد الرحمن، كان أهالي الحي على موعدٍ مع ميلاد مشروع طال انتظاره، استجابةً لحاجةٍ مُلحّة في ظل أزمة المياه الخانقة شمال قطاع غزة.
انطلقت في صباح الإثنين 19 مايو 2025م، أعمال حفر وتجهيز بئر مياه (رقم 0702 – 0703)، بإشراف مباشر من وقف القدس للتعليم والإغاثة.
كان هذا المشروع نقطة ضوءٍ وسط ظلام الحصار، ومحاولة جادة لتوفير مصدر ماء نقيّ يسقي مئات الأسر، ويُعين سكان الحي على مواجهة ظروف الحياة القاسية.
رجال نذروا أنفسهم للحياة.. فاختارهم الله للحياة الأبدية
منذ الصباح الباكر، تحرّك فريقٌ ميداني مكوّن من نخبةٍ من المتطوعين والفنيين والوجهاء، كانوا يُشرفون بأنفسهم على مراحل الحفر، ويُباشرون إعداد الموقع، وتوصيل المعدات، وترتيب التجهيزات، لا سيّما أن المشروع يقع وسط منطقة سكنية مكتظة، مما تطلّب حرصًا ومتابعة دقيقة.
وفي لحظةٍ إنسانية نادرة، وثّقتها عدسات المراقبة والأقمار، كان ثمانية رجال يعملون كخلية واحدة في موقع المشروع، منهم من رفع الحجارة، ومنهم من هيّأ أرضية البئر، ومنهم من يوجّه فرق العمل ويوصل الدعم… ثم كانت الفاجعة.
القصف الغادر.. وميلاد الشهادة
قصفٌ جويٌّ مفاجئ، صاروخٌ من طائرات الاحتلال اخترق سماء الحي دون سابق إنذار، واستهدف القلوب النابضة التي كانت تنبض بالحياة.
سبعة رجال ارتقوا إلى السماء وهم يؤدّون أعظم رسالة: خدمة الناس، والسعي في حاجاتهم، وحفر سبيل الحياة لهم.
لم يكن أحدٌ منهم يحمل سلاحًا، ولا يرتدي درعًا، بل كانوا يحملون نية الخير، ويرتدون ثوب الطُهر، ويؤمنون أن من سقى الناس، سقاه الله من نهر الكوثر.
أسماء الشهداء الأبطال الذين ارتقوا في مشروع بئر الصفطاوي:
1. الشهيد البطل / إسماعيل محمد إسماعيل خلة – متطوّع، رئيس لجنة زكاة جباليا النزلة.
2. الشهيد البطل / حسن رمضان عبد الرزاق مشتهى – متطوّع، مدير لجنة زكاة جباليا النزلة.
3. الشهيد البطل / إبراهيم محمد إسماعيل خلة – متطوّع ميداني.
4. الشهيد البطل / حسن محمد رجب أبو وردة – متطوّع ميداني.
5. الشهيد البطل / طارق زياد محمد طنطش – متطوّع ميداني.
6. الشهيد البطل / فوزي نافذ محمد الددة – متطوّع ميداني.
7. الشهيد البطل / عوني محمد عوني أبو النور – متطوّع ميداني.
8. الجريج البطل/ (متطوّع ميداني) أُصيب في الموقع بجراح بالغة، نسأل الله له الشفاء والعافية.
ليس بئرًا فحسب… بل منارةٌ في طريق المجد
إن مشروع بئر الصفطاوي لم يكن مجرد عمل إغاثي، بل كان إعلانًا صريحًا أن أهل فلسطين يعيشون ليُحيوا غيرهم، ويقاومون بالبناء كما يقاومون بالثبات.
لقد تحوّل هذا المشروع من حفرة في الأرض إلى محراب شهادة، ومن أنابيب مياه إلى أنابيب مجدٍ لا يجفّ، ومن عملٍ خيري إلى مدرسةٍ تخرّج فيها شهداء، عنوانهم:
“مَن حفر بئرًا للماء، حجز موضعه عند الله في مقعد صدق.”
“اللهم اجعل شهداءنا في عليّين، واكتب لهم أجر السُقيا والنية والعمل، وأجعل بئرهم نورًا في قبورهم، وبذلهم شفاعةً لهم ولمن أحبّهم .. واكت الشفاء لأخينا الجريح.
