خاص هيئة علماء فلسطين

         

25/6/2025

بقلم د. عبد السلام أحمد أبوسمحة – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر

المقدمة:

                في ظل الصراعات العسكرية التي تأخذ الصورة الأعلى في العقول والأذهان، وتسرق كل أنواع الاهتمام والانشغال، تكمن صراعات بلا ضوضاء، تعمل بمنهجية ناعمة  لا تقل خطورة وأثرًا عن تلك أصمت الآذان، وأبهرت العيون، وتسللت إلى الوجدان، هذه الصراعات هي تلك التي تنتقل من ساحة المعركة إلى ساحة الفكر والثقافة، يقودها الإعلام الحربي بصورة فكرية، وثقافية ناعمة، لكن من خلفها آلة حرب لا تقل ضراوةً عن تلك التي تقتل، بل لعلها أخطر إذ إنها تقتل لكن تُبقي القتيل حيًا بلا روح ولا يكن، ويقف الإعلام في أعتى صوره وسيلة تجاوزت أبعاد نقل الخبر وتداعيات التفاعل مع الحدث، إلى الولوج في صميم الصراعات السياسية والثقافية والرمزية، إذ تحول إلى سلاحٍ استراتيجي في تشكل الوجدان العام قبل الرأي العام، ذلك لما له من خطورة في صناعة الوعي أو تدميره، وصناعة الإدراك الموجه وتفعليه، في محاولات لإعادة انتاج الواقع من منظور المسيطر على الوسيلة، والمتبني للسردية والرواية، والساعي لفرضها لا على الموجودين، بل على الأجيال المستقبلية، من هنا تبرز أهمية ما يمكن أن نسميه “النفير الإعلامي” في تفاعلية فكرية ثقافية واعية ومنظمة، تتجاوز استجابة الانفعال العابر، لتؤسس لرؤية جهادية إعلامية فكرية متماسكة ومستمرة ومستقرةٍ مؤثرة.

من هنا فإنّ الحديث عن فلسفة “النفير الإعلامي” لا يصنفُ في أطر الترف الفكري، أو الخيار التجميلي، أو الوسائل التكميلية، فهذه نظرات قاصرة لهذه الفلسفة وما تحمله من أبعاد مفاهيمية، بل هو  ضرورة  وجودية في المعركة السردية متعددة الاتجاهات، أصبح العمل لها من أوجب الواجبات في ظل ثنائية  تقهقر الإعلامي الرسمي، وانعدام الثقة فيه، بل وتبني بعضه للسردية والرواية المضادة،  وفي المقابل يأتي الشق الثاني في سعى العدو إلى فرض رؤيته الفكرية والثقافية والفلسفية عبر أدواته الإعلامية المختلفة، وعبر الظئر المستأجرة من الإعلام الصهيوعربي، وهذه الثنائية الكارثية تسعي بكل ما أوتيت من قوة إلى إقصاء الرواية الأصيلة من المشهد المحلي قبل العالمي، وحرف المسار في صعدٌ مختلفة عن الحقيقة إلى الوهم المتماهي من ظلال التبعية الغربية.

ومن هنا، فإن من أوجب الواجبات استنهاض الهمم في الأمة إلى “النفير الإعلامي” المتنبي خدمة قضاياها المركزية، في جهد إعلامي على صعيد الأفراد والمؤسسات المدنية بما يلبي نداء للواجب الحضاري، ويحقق الرسالة الدفاعية متقدمة، تلك التي لا تقلّ أهمية عن أي شكل من أشكال المقاومة.

لقد تطور الزمان وتطورت أدواته حتى تحكمت الصورة في نقل كثير من المعاني، وخاضت الكلمة حرب نقل الحقيقة عبر أداوت جديدة نحو التغريدة أو التقرير أو الوثيقة، لأجل ذلك أصبح الصمت الإعلامي تقصيرًا لا يُغتفر، والانخراط في النفير الإعلامي الموجَّه والمتزن واجب عيني بل هو أحد أهم أدوات المقاومة الإعلامية التي تهدف إلى إعادة التوازن إلى ساحة الخطاب العالمي، ونجحت في الغرب، وما زالت تحبو عندنا.

نحن اليوم أمام معركة سردية شاملة؛ معركة وعي ووعي مضاد، وصراع على الصورة والصوت، والكلمة والصمت؛ لقد بات من الواضح الجلي أن أثر المنابر الإعلام المعاصرة لا يقلّ أهمية عن ميادين المواجهة المباشرة، وأن الكاميرا قد تُحدث أثرًا لا يحدثه جندي في المعركة، بل إن الكلمة الصادقة في “تغريدة” إذا صدرت عن وعيٍ وإخلاص، لامست قلوب الناس وأفئدتهم، وأيقظت في الأمة وعيًا وفكرًا يزلزل أركان الظلم، ويبدده.

فالعدوّ لا يدّخر وسعًا في توظيف ما يمتلكه من أدوات إعلامية وتقنية لإنتاج روايته الخاصة، بما يخدم أهدافه في تشويه الواقع، وتزييف التاريخ، وقلب الحقائق، فيُحوِّل الضحية إلى متّهم، والمحتلّ إلى صاحب حق مزعوم.

فهل كنا على قدر التحدي؟ يا للأسف يقف الإعلام في فضائنا العربي والإسلامي – باستثناء بعض المبادرات المباركة – عاجزًا، موسميًّا في تفاعله، لا يتحرك إلا استجابةً للحدث الآني، بينما يغيب أو يُغيّب عند الأخطر نحو: التهويد المتدرّج للأقصى، قضم الأرض المستمر، حالة العمالة في ثوبها الوطني، والحرب السردية الممنهجة. فأين نحن من مقاومة الإعلام، والإعلام المقاوم؟ أين صوت القضايا وعلى رأسها المسجد الأسير في كل حياتنا؟

أيها الكرام،

  • إنّ النفير الإعلامي الواعي لم يعد ترفًا ولا خيارًا ثانويًا.
  • بل هو فرض عين على كل من يملك صوتًا، قلمًا، عدسة، أو قدرة على التعبير.
  • إن أدوات ممارسة هذا الفرض متوفرة لكل أحد، فلا عذر لمقصرٍ، ولا مكان أهل الدعة.
  • إن لم تصرخ في وجه الغاصب المحتل وتواجهه مباشرة، فاكتب، وغرد، وصور، وسجل مقطعًا، وصمّم بإبداع فكرة، شارك ولا تكن من المُخلفين، لا تعتذر بالعجز ويدك تحمل الأداة!
  • كن مرابطًا في ثغور الكلمة والصورة، ولا تكن شيطانًا أخرس أمام هذا الظلم السافر.
  • فالمعركة اليوم معركة وعي، والساكت عن الحق شريك في الهزيمة.

 التأصيل الشرعي للنفير الإعلامي:

أجد من المهم في هذا المقام أن أبيّن التأصيل الشرعي لما يُعرف بالنفير الإعلامي، فهل كتابُ ربّنا وسنّةُ نبيّنا ﷺ يُؤصّلان لهذا النوع من النفير، ويحضّان المؤمنين على الالتحاق بركبه؟ نعم، ويتّضح ذلك في الأدلة الآتية:

أولًا: النفير الإعلامي جزء من الجهاد في سبيل الله

لقد أمر الله سبحانه بالنفير على كافة الأحوال فقال: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (التوبة: 41).  وفصل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فيما رواه أنس رضي الله عنه، أن النبي ﷺ قال: “جَاهِدُوا المُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ” رواه أبو داود بإسناد صحيح]

قال القرطبي: “وَهَذَا وَصْفٌ لِأَكْمَلِ مَا يكون من الجهاد وأنقعه عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. فَحَضَّ عَلَى كَمَالِ الْأَوْصَافِ، وَقَدَّمَ الْأَمْوَالَ فِي الذِّكْرِ إِذْ هِيَ أَوَّلُ مَصْرِفٍ وَقْتَ التَّجْهِيزِ. فَرَتَّبَ الْأَمْرَ كَمَا هُوَ نفسه”.

فالإعلام الحقّ هو صورة من صور الجهاد باللسان والبيان، وهو من أعظم ميادين الكلمة في هذا العصر، وكم نحتاجه وهو يقد لنا الأثر الطيب في كشف الباطل وأهله وقد كثروا، وينصر الحق والدين في عصر قلَّ فيه النصير، ولا يقلّ جهاد اللسان والكلمة منزلة عن الجهاد بالنفس والمال حين تشتد معركة الوعي، ويبذل أهل النفاق والإرجاف كل غال ونفيس في سبيل التخذيل، ويبذل أهل الشبهات أعمارهم في الصد عن سبيل الله، أنترك لهم الساحات، ونلزم الصمت، أم نهب في نفير إعلامي يدعو مدافعة وعرضًا.

ثانيًا: الساكت عن الحق شيطان أخرس

لا يريد ديننا لنا أن نكون ممن يسكت عن الحق؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “أفضلُ الجهادِ كلمةُ عدلٍ عند سلطانٍ جائر”.

فإذا كان هذا الجهاد بالكلمة لدى سلطان مسلم جائر، فما بالكم بمحتل قاتل، اغتصب الأرض، ودنس المقدسات، وهجر الأهل، وقتل الأطفال، ودمر المساجد، ومنع الطعام والشراب، وارتكب كل موبقات الزمان، كيف تكون الكلمة في حقه، وما هو موقعها، لا سيما إن صدعت دفاعًا عن الأقصى، وأرض المسرى، وقبلة المسلمين الأولى؟

إنّ واجب الكلمة اليوم في وجه الظلم والاضطهاد واجبٌ عظيم، لا سيما في وجه الطغيان الصهيوني، في ظل حرب المنصات، ومحاصرة المحتوى، وكذا في وجه القتل والإبادة لشعبنا في السودان وقد امتدت أيادي الخسة والعمالة على قتله، وتواطأت على التآمر عليه.

أخشى أن الساكت في زمن الظلم والاعتداء والطغيان، وفي ظل التغوّل الإعلامي الذي يحاول أن يُجَمِّلَ كل قبيح، مع إمكانية الحديث يُعدُّ شريكاً في الجريمة والظلم والاعتداء.

ثالثًا: واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

كان الأمر بالمعروف باللسان واحدة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال رسول الله ﷺ: “من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”.

فأي منكر أكثر مما يقع في أرض فلسطين من هذا المحتل الغاصب، والقاتل الذي يمارس أبشع أنواع القتل لأهلنا في غزة العزة، وكذا ما يحدث في المسجد الأقصى من تهويدٍ ممنهج، واقتحاماتٍ متكررة، واعتداءاتٍ على المصلّين والمرابطين، وهذا بجملتها من أعظم المنكرات التي توجب الإنكار الشرعي، وتبرأة الذمة فيها، وهذا أنموذج عن كل قضايا الأمة، ففي معرض هذا لا ننسى أهلنا في السودان، وليبيا، والشام، وغيرها مما يجب علينا جميعاً مناصرتهم في النفير الإعلامي للأمة. فمن لم يستطع الإنكار باليد في حمل السلاح ومواجهة الأعداء؛ فليحمل الكلمة، فعجزك عن التغيير باليد، فلا يُعفَك عن واجب التغيير بالبيان والصوت والصورة.

رابعًا: التبليغ عن الظلم واجب شرعي

قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ (البقرة: 283).

والبلاغ الإعلامي في عصرنا هو أداء للشهادة بالصوت والصورة، وهو من أعظم صور الإخبار بالحق، وكشف الباطل، وفضح الجريمة. وأي شهادة أكثر من تبليغها من إجرام المحتل الصهيوني، على أرض فلسطين وسوريا، ولبنان، فكيف بنا نكتم الشهادة عن انتهاكات الاحتلال، أو جرائم التهويد، والقتل والإبادة، أو لا نتحدث عن بطولات المجاهدين والمقاومين والمرابطين، فمن سكت ولاذ بالصمت المخجل فقد خالف أمر الله، وكان كاتمًا لشهادة حق التي أوجبها الله عليه.

خامسًا: نصرة المظلوم فريضة

إن نصرة المظلوم ليست نُبلاً اختياريًا فحسب، بل فرضٌ شرعي وأمرٌ إلهي، ومن تخلّف عنه وهو قادر، فقد فرّط في فريضة، وخذل مظلومًا، وأعرض عن واجب ديني وإنساني عظيم، وما أخطر هذا على دين المرء ومروءته وكرامته الإنسانية، فنصرة المظلوم من أعظم القيم التي أرساها الإسلام، وأكدت عليها نصوص الكتاب والسنة، واجب نصرة المظلوم، فهي فريضة شرعية، وأمانة إنسانية.

قال الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾ (النساء: 75). في هذه الآية عتاب للمسلمين يصل إلى درجة التوبيخ على ترك نصرة المستضعفين والمظلومين، ذلك أن واحدة من أسباب الرسالة هي نشر العدل بين الناس

ورسخت السنة كان عند العرب من نصرة المظلوم، حيث قال رسول الله ﷺ: “انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا”، قالوا: ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالمًا؟ قال: “تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه” (البخاري).

إن وقوف المؤمن محايدًا أما الظلم وفي وجه هو انحياز للظالم، وقبول بظلمه، فالدفاع عن المظلوم قدر المستطاع افراغ للذمة، وبراءة صريحة من الظلم، وعدم ركون إلى الصمت في عصر اتساع دائرة النصرة، لقد رأينا في أيامنا هذه ما يُخجل الكاتب أن يتحدث عنه من الصمت المريب لكثير ممن الأصل فيهم الصدح بالحق، والانحياز للمظلوم، ودفع الظلم عنه، رغم القدرة والاستطاعة بالقول أو الفعل أو حتى بالدعاء،

وفي عصرٍ تتنوّع فيه أدوات الظلم وتتسارع، لا بد أن تتسع في المقابل دروب النصرة وميادينها، حتى لا يُخيّل للطغيان أن صمته نصر، أو أن غفلته غلبة. فليس القلم، ولا الصورة، ولا الكلمة، ولا الموقف، ولا التضامن، ولا رفع الصوت بالحقيقة وفضح الباطل علينا بمستحيل، بل هي واجبات الوقت، وسُبل الجهاد لمن عجز عن غيرها.

خلاصة التأصيل الشرعي للنفير الإعلامي في دعم قضايا الأمة:

  • النفير الإعلامي نوع من الجهاد المشروع، ويصل الوجوب فيه إلى فرض العين.
  • من سكت على ظالم فقد انحاز له، وخذل المظلوم، وما جرائم المحتل عنها ببعيد.
  • النفير الإعلامي جزء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  • إن إيصال رسالة المظلومين وبيان الظلم الواقع عليهم شهادة يجب أداؤها.
  • يمكنك أن تصبح من أهل الرباط، وتسجل في سجلات شرفهم، فالمرابطة الإعلامية واحدة من أوجه الرباط.

مقترحات حول محاور النفير الإعلامي للمسجد الأقصى:

وهنا نقدم مقترحات عملية في النفير الإعلامي لقضايا الأمة، وفي القلب منها المسجد الأقصى المبارك، ولعل أهم هذه المقترحات المحاور الآتية:

  • المحور الأول: المسجد الأقصى ليس قضية فلسطينية، بل هو قضية أمة بأسرها:

إنّ اختزال المسجد الأقصى في كونه “قضية فلسطينية” هو تقزيمٌ لقضيةٍ عظيمةٍ تُلامس جوهر عقيدة الأمة ووجدانها، فليست القضية فيه جغرافيا محلية، أو حقوق وطنية، بل هو عقيدة ربانية؛ قبلة المسلمين الأولى، ومستقر مسرى نبينا ﷺ، ومبتدأ معراجه إلى السماء، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ (الإسراء: 1)

 الرسالة التفاعلية:

  • رفع الأصوات ضد الاعتداء فالسكوت خيانة، والصمت جريمة، والتغافل تفريط في العقيدة.  فأين صوت الأمة؟ أين منابرها؟ أين إعلامها؟
  • والعمل الثقيفي التوعوي في المسجد وتاريخه ومكانته ومكانه.
  • المحور الثاني: نفض الغبار عن جريمة اعتياد مشهد الاعتداء:

إن من أخطر ما ابتُليت به الأمة في زمن التقهقر الحضاري، والضعف والاستكانة، ألا تشعر بالجريمة، بل تألفها حتى تُصبح مشهدًا عاديًا في وعيها، وهذا ما يريد المحتل والغاصب والمهمين فعله في ضمير الأمة ووجداناه، فمن اعتاد المأساة فقد فعالية الصدمة والغضب الدافعة للتحرك، فأضحى من الأموات، لكنه افضوا لما فعلوا، وهو أركن إلى خوره فاعتاد أن يُظلم، أو يرى فعل الظالمين بأهله وإخوانه في الدين.

لقد أصبحنا نرى مشاهد القتل والقصف واقتحام الأقصى، واعتداء الاحتلال على المصلّين والمرابطين، ورفع أعلامه في باحات الأقصى، وكأنها أمامنا منظرًا اعتياديًا، هذا من الخذلان ومن تراكم الجريمة مع الجريمة.

فمن اعتياد المشهد جريمة تتسلل خفية إلى وعي أمة يخدرها الإعلام المتصهين، ويطوعها الإرجاف والنفاق، فتقتل روح النخوة والانتصار. فمن اعتاد المشهد فقد خان وشارك المحتل جرائمه، إن تكرار المأساة يبعث في النفس إلحاح النصرة، ويوجب على الأحرار النفير في التذكير.

إن الإعلام المقاوم لا يقاوم المحتل وحده، بل ينفض الغبار بكل الوسائل عن مشاهد الاعتياد للقتل والقاتل، وللمعتدي والمدنس، ويعيد للقضايا الأمة موضعها، وشعارها: عقيدة وكرامة، لا تقبل احتلالا وعدوان.

الرسالة التفاعلية:

علينا كسر مشاهد الاعتياد، والتحرك الفعال في الحديث عن قضايا الأمة، حتى لا يصبح اقتحام الأقصى لا يُحركنا، وقتل الأبرياء لا يلهب مشاعرنا، حين يكون الخطر انتقل من العدو إلى سلبية السكون التي تسيطر علينا، فإن لم نعلن معركة الوعي هزمنا من الداخل قبل العدو.

  • المحور الثالث: كيف ننهض بالنفير الإعلامي؟ (خطوات عملية)

ما هي أبزر الوسائل التي يمكننا استثمرها في النهوض بالنفير الإعلامي:

  1. التحشيد الرقمي المنظّم، وذلك من خلال:
  2. حملات هاشتاغات موحدة تحمل رسائل ذات مضمون واحد، وفي أوقات محددة.
  3. تنظيم العواصف الإلكترونية وهي التي تستثمر المواسم المختلفة لتبث رسائل مركّزة ومتكررة في هذه التوقيتات التي تؤثر في الناس إيجابًا.
  4.  الرسائل القصيرة المركّزة:
  5. إنتاج مقاطع فيديو قصيرة (30-60 ثانية) في أفكار محددة، وهي وسيلة فاعلة.
  6. تصميم صور وإنفوغرافيك توعوي في معلومات محددة ضمن برنامج طويل الأمد، وأفكار متراكمة.
  7.  تدريب الكوادر الإعلامية: من أهم الوسائل والتي ينتقل فيها العمل مع الهواية إلى الاحتراف:
  8. إعداد فرق إعلامية متنوعة المواهب، في السياسة، في القانون الدولي، في الجانب الإنساني.
  9. التدريب على معرفة قواعد بناء الرواية الإعلامية الغربية لتفكيكها والرد عليها بذكاء.
  • الترجمة والعمل باللغات الأجنبية: وهذا باب مهم له أثره الفعال، ونرى نتائجه قريبة منا:
  • ترجمة المحتويات المهمة إلى اللغات الحية.
  • التواصل مع الصحفيين والمؤثرين في العالم، لبناء دوائر فاعلة في التعاطف.
  • الإنتاج النوعي المؤثر:

لا بد من الوصول إلى مرحلة معرفة نوعية المحتوى المؤثر، والعمل عليه بما يراعي مختلف البيئات، ويحاكي واقعية الحياة لديهم، ويمكن أن يستثمر في ذلك: الأفلام القصيرة، وبودكاستات توعوية، ووثائقيات قضايا الأمة المختلفة..

الرسالة التفاعلية:

تتنوع الوسائل وتتعدد اختر لنفسك وسيلة تعمل من خلالها، ابدأ الآن ولا تنتظر، فلربما غيرك ينتظرك لينطلق معك.

  • المحور الرابعة: إنشاء لوبي إعلامي عابر للقارات

تبرز الحاجة الملحة في هذا العصر إلى التكتل، فالعالم لا يسير منفردًا بل في تكتلات، لأجل ذلك فإن فكرة إنشاء لوبي إعلامي عابرٌ للقارات، يتجاوز الأطر القُطرية وإلزاماتها، والجهود الفردية وعوائقها، نحو مشروع إعلامي موحد يخدم قضايا الأمة، مع سهولة الاتصالات اليوم أضحى هذا الأمر ممكناً.

                ما المقصود بلوبي إعلامي؟: اللوبي الإعلامي هو تكتّل من المؤسسات أو الأفراد مؤثرين وناشطين وإعلاميين، للتعاون في دعم قضية محددة، يوحد فيها النشر، ويركز فيها على الرواية، ويصنع منها التأثير، ويجلى فيها الحضور المتماسك حول هذه القضية.

 أهمية إنشاء هذا اللوبي:

  1. مواجهة الرواية الصهيونية عالميًا: فالاحتلال يمتلك أدوات إعلامية ضخمة، لا بد من صوتٍ موحّد يُقدّم الرواية الفلسطينية بلغة يفهمها العالم، مدعومة بالأرقام، والصورة، والقانون، والقيم الإنسانية.
  2. توسيع نطاق التأثير: وجود اللوبي يضمن وصول الرسالة إلى الناس أولًا، ثم صُنّاع القرار، ومنصات الإعلام الكبرى.
  3. تنسيق الجهود وتكامل الأدوار: فالمفترض في اللوبي أن ينهي حالة التشتت، ويجعل الجهود متكاملة، ويحقق بهذا أهدافًا متنوعة: كسر العزلة عن السائرين في هذا الطريق فلا يشعر أنه وحده، يمكن تبادل المواد المنتجة فتحفظ الجهود، وتتوزع فيه الأدوار فيتكامل العمل.
  4. الوقوف صفًا واحدًا في حرب المحتوى الذي تمارسه كثير من المنصات، فالانتشار الواسع، يصعب على المنصات خنق المحتوى وتقييده، ويُصبح من السهل إعادة نشره وتدويره.
  5. المحور الخامس: الفرص المتاحة اليوم: ما بعد طوفان الأقصى

يمثّل طوفان الأقصى حالة مفصلية تاريخية في تاريخنا المعاصر، إذ إنه منحنا فرصًا في غاية الأهمية في معركة الوعي. فما كشفته الحرب من جرائم الإبادة التي مارسها المحتل على أهلنا في غزة، مع ما شهدناه من تواطؤ إعلامي، وحالة من الصمود التي لم يعرف التاريخ المعاصر لها نظيرا، كل هذا حقق لنا فرصًا جديدة يجب علينا استثمارها بصورة ذكية فاعلة.

ولعل أبرز الفرص المكتسبة من الطوفان في النفير الإعلامي:

  1. صحوة الوعي الشعبي العالمي: لقد أحدث طوفان الأقصى وما تبعه هزةً عالمية في الوجدان الغربي العالمي، شاهدنا فيما عبر عنه الملايين في أوروبا وأمريكا، وفي الجامعات وغيرها من المؤسسات، حتى أضحت فلسطين رمزًا عالميًا للعدالة والمقاومة.
  2. تصدّع الرواية الصهيونية: انكشفت هشاشة الرواية الإسرائيلية أمام سيل الصور والتقارير الميدانية، ففي معركة الكيان مع إيران لم تفلح الروايات الصهيونية في صرف التعاطف العالمي معها، وهذا غير مسبوق.
  3.  بروز مؤثرين غربيين متضامنين: أزداد عدد المؤثرين الغربيين ممن يتبنى الرواية الفلسطينية.
  4. صناعة رجال الطوفان: من الفرص المهمة التي برزت في إثر الطوفان صناعة رجال الطوفان من رحم المعاناة وكان لهم الأثر البالغ في دعم الرواية الفلسطينية ومناهضة الرواية الصهيونية، وكان لهم الأثر البالغ في تقوية أعلام المقاومة، ومقاومة الإعلام. 

الرسالة التفاعلية:

هذه لحظات تاريخية قدمت لنا فرصًا حقيقةً في النفير الإعلامي، يجب ألا نفوتها.