د. منذر زيتون
قالوا: إن الغرب كان يستخدم ضدنا ما يعرف بالقوة المسلحة القائمة على البطش والقتل وصولاً لإخضاعنا نحو ما يريد، والآن يستخدم القوة الناعمة القائمة على الإرغام الطوعي بل والمتحول أحياناً إلى رغبة جامحة عندنا لتحقيق مآرب أعدائنا فينا، والطريقة الناعمة هذه أقل خسائر للخصم، وأضمن من حيث تحقق النتائج، وأدوم من حيث التأثير، وتتمثل القوة الناعمة في الغزو الثقافي، وفي نشر الشهوات وتقويض الأخلاق، ونشر العلمانية وتهميش الدين، وخلط المفاهيم، وغير ذلك كثير… بأسلوب ودي بطيء مركز.
لكنني أظن أن أكثر الأساليب شيوعاً في القوة الجديدة اليوم هو ما أسميه المصطلحات الناعمة، وهي الألفاظ التي ينشرها غيرنا فينا، ولا أريد أن أقول: أعداؤنا أو الغرب أو نحو ذلك حتى لا أتهم بأنني ممن يروجون لنظرية المؤامرة رغم إيماني بها كثيراً، والمصطلحات الناعمة هذه هي وقود القوة الناعمة اليوم برأيي، وهو أسلوب قوي أثبت نجاعته فينا كثيراً.
وطريقة عمل المصطلحات الناعمة تتلخص فيما يلي:
1- يتم أولاً الترويج لمصطلح يرمز إلى عملية اجتماعية أو سياسية يراد الخوض فيها أو تطبيقها أو إعادة تشكيلها، وتكون العناية كبيرة في اختيار مصطلح لا يلقى معارضة أبداً بل يكون الحرص في أن يلقى القَبول، ولأن الناس يقارنون الجديد بما لديهم من معارف وأعراف وقيم فإنهم وحينما لا يجدون تصادماً بين ذلك المصطلح الجديد وبين ما لديهم فإنهم لا يعارضونه أبداً، بل يبدؤون بالبحث عن مدى انسجامه بمعارفهم وقيمهم فيشعرون بالراحة عندها.
2- بعد ذلك تبدأ الخطوة التالية، وهي استخدام المصطلح المتفق عليه في معنى غير متفق عليه، في محاولة للإيعاز إلى الناس بضرورة ضبط معاني ذلك المصطلح في نفوسهم، وبمساعدة الإعلام المروج لكل شيء يبدأ الناس وتحت ضغط التكرار والتأكيد بتقبل المعنى الجديد شيئاً فشيئاً، خصوصاً عندما يربط الأمر بمكاسب مادية ومعنوية على مستوى الأفراد والخبراء والدول.
الخطورة تبدأ هنا، وذلك عند إبراز من يعتبرون قادة في المجتمعات المحلية ليتولوا هم الترويج للمعاني الجديدة تحت عناوين: الاعتراف بالواقع خير من إنكاره، والمعرفة خير من الجهل، وأول طريق حل المشكلات الحديث عنها، والعالم قرية صغيرة وما يواجه غيرنا يواجهنا، والقديم ليس مقدساً.. وهلم جرًّا، ويصبح الأمر أكثر خطورة عندما يتصدى للحديث عن المصطلح بمعانيه الجديدة ما يعرف برجال الدين، الذين يتحدثون وببراءة تامة عن الأمر بكل فخر واعتزاز على اعتبار أن الإسلام كان السباق لكل شيء حسن، وأن الإسلام ضد الانغلاق، وأن الإسلام يقبل الآخر، وأن الرفض والإرهاب ليس من الدين في شيء، وهنا يزج بالإرهاب وهو آخر تقليعة بعد أحداث 11 سبتمبر حيث أصبحت هذه المفردة تدخل في كل شيء في مناسبة وغير مناسبة لإثبات البراءة وكأن الإسلام متهم، وساعتها يلتقي الطرح الديني مع المعنى الجديد المراد منه، وإذا ما أراد شخص أن يناقش أو يمانع فسيقول له: الشيوخ أفتوها، أو الشيوخ حكوا فيها، هم أعلم منك وأنت (ليش) بتعارض.
3- تبدأ بعد ذلك الخطوة قبل النهائية، خطوة إعادة تشكيل الثقافة المحلية، والتي تتمثل في عقد الدورات والندوات والمحاضرات وكلها طبعاً بمعاونة الجهات الخيرية والداعمة و”الصديقة”، وغالباً ما يختار لتلك التكتلات الثقافية أماكن مميزة مرفهة من قاعات وفنادق، فيها الخدمة وفيها الطعام والشراب والبيئة الجميلة التي يحظى بها المشاركون ويحظون بما يقدم لهم فيها، وقد يردف الأمر بتقديم نفقات للمشاركين بدل سفر أو مواصلات أو مكافآت أو تعطيل عن العمل، وذلك من أجل أن يكون تقبل الأفكار أيسر، وطمعاً فيما سيأتي من خيرات على هذا النحو.
4- بعدها تأتي الخطوة الكبيرة والقائمة على المطالبة بتغيير القوانين والتشريعات لحمل الناس على العمل بالمقتضى الجديد، وأنه آن الأوان لتوقف القانون عن عدم معاقبة هؤلاء الذين يعملون خلاف ما يقتضيه الأمر… وثم… ثم يصبح تطبيق الحكم الجديد القائم على المعنى الجديد للمصطلح الجديد هو الصحيح.
ودمتم