15/10/2024
جاسم الشمري
يَذكر علماء وأطباء الجراحة التجميلية بأنها تخصص جراحي يتضمن العديد من العمليات الكبرى والصغرى، وتهدف لترميم أو إعادة بناء أو تغيير جزء من جسم الإنسان.
وقَسّم الجراحون جراحة التجميل إلى فئتين: الأولى هي «الجراحة الترميمية» التي تشمل الجراحة المجهرية، وجراحة اليد، وعلاج الحروق، والفئة الثانية هي (الجراحة التجميلية).
ولم تعد العمليات التجميلية مقتصرة على النساء بل ربما صار الرجال يفوقون النساء في بعض البلدان في ركضهم وراء عالم التجميل!
وغالبية المولعين بعمليات التجميل يسعون لتحسين مظاهرهم الجسدية عبر العمليات التجميلية التي دخلت لغالبية أعضاء الإنسان إن لم تكن جميعها!
والغريب أن عمليات التجميل قد دخلت لمجال خطير يمكن من خلاله إيهام السلطات وتزوير معالم وبصمات المجرمين.
وفي هذا الباب الغريب أعلنت السلطات الفلبينية يوم 10 تموز/ يوليو 2024 أن مستشفيات سرية في الفلبين تقوم بتغيير ملامح المجرمين لإخفاء هويتهم وتسهيل عمليات تهريبهم، وأن عمليات التجميل والتغييرات الجذرية في المظهر تستخدم لتغيير هوياتهم وتجنب القبض عليهم.
وبلا شك فإن هذه العمليات اللا قانونية تجري بطرق وأماكن سرية، مما يثير قضايا أخلاقية وقانونية ويطرح تساؤلات حول سبل مكافحة هذه الظاهرة وحماية المجتمع من المجرمين المتنكرين.
وهذا التطور الخطير يشير إلى أن هذه العمليات ستساهم في حماية المجرمين، وبقاء خطرهم في المجتمعات التي يتواجدون فيها بأشكال، وربما، بهويات جديدة!ومن هنا يفترض تشديد الرقابة على العمليات التجميلية الكبرى ويفترض أن تتم بموافقات رسمية وقانونية حتى يقطع الطريق على المجرمين والمتاجرين من أصحاب المستشفيات لإلحاق الضرر بالمجتمع!
ويبدو أن الجراحة التجميلية وصلت لميادين ومراحل مختلفة وبالذات في الميدان السياسي.والعمليات التجميلية في السياسة حقيقية وشكلية، أما الحقيقية فتهدف إلى تجميل المظاهر الشخصية للسياسي، وعائلته.
بينما العمليات التجميلية الشكلية فلها العديد من الصور والأشكال.
وأنا هنا لا أتحدث عن المكياج الإلزامي الذي يفرض على غالبية السياسيين والصحفيين قبل الظهور العام والتلفزيوني وإنما كلامنا عن العمليات التجميلية!
وتسعى العمليات التجميلية الشكلية إلى تجميل الكيان السياسي، أو الشخصية السياسية بصور وأشكال منمقة ولكنها مزيفة أمام الجمهور، وعبر جيوش إلكترونية، وثلة من المتملقين والمنتفعين!
وكذلك تحاول تلك العمليات قلب الحقائق، وتزوير الحاضر والماضي وسحق المستقبل لضمان التغول السياسي!
وتختلف أدوات عمليات التجميل السياسية وهي تبدأ من اختيار الملابس الباهظة الثمن، والعطور والنظارات الشمسية والطبية والساعات من أرقى الماركات العالمية، مرورا بالمواكب الرسمية الفخمة وغير الضرورية وربما لشخصيات لو ساروا لوحدهم في الطرقات لا أحد يتعرف عليهم إلا نادرا!
ومن بين الأدوات وسائل الإعلام «المتملقة والخاصة» التي تضيف الألقاب والأوصاف المزيفة، ويكون التركيز على ألفاظ التلميع أكثر من التركيز على فحوى الخطاب أو الكلام!
إن التجميل السياسي يقلب الهزيمة إلى نصر، والمجاعة إلى تخمة، والجهل إلى علم، والظلام إلى نور، والمآسي إلى رفاهية، والخراب إلى إعمار وبناء، وكأن واجبهم هو قلب الحقائق تماما مثلما تفعل العمليات التجميلية بقلب أشكال الناس وتغييرها وقلبها!إن الهدف الأسمى من التجميل السياسي استمرار تخدير الشعوب النائمة، والتغطية على الفشل في إدارة المؤسسات الرسمية، والاستمرار في تنفيذ المخططات التخريبية والإستراتيجية للقوى المالكة للمال والسلطات!
وهذه العمليات التجميلية تتحدث عن إرهاب المقاومة وتُجَمِّل إرهاب الاحتلال، وتُشَهِّر بالأصوات الداعية للخلاص من الظلم، وتُطَبِّل للقوى المُكمِّمة لأفواه الأحرار والمناضلين!ينبغي التحذير من خطورة «السحرة» العاملين في فرق التجميل السياسي لأنهم منافقون ينشرون السموم في قوارير العسل السياسي القاتل، وبالمحصلة تبقى الحالات السلبية والمرضية بلا علاج ناجع وفعال!لنحارب التجميل السياسي المتعلق بتزييف الوقائع والحقائق، والضارب للخير والنور والسعادة والحرية، والناشر للشر والظلام والتعاسة والعبودية!
نقلاً عن: