خاص هيئة علماء فلسطين
11/3/2025
د. منجد أبو بكر عضو هيئة علماء فلسطين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،،
فيما يتعلق باعتذار الشيخ عثمان الخميس غفر الله لنا وله، وقوله إنه ينصر المجاهدين وأهل غزة، ولكنه يقول بانحراف حماس كحركة سياسية.
لا أدري كيف لصاحب علم كالشيخ أن يفرق هذا التفريق ؟!
فحماس وحدة واحدة، سواء المجاهدين منهم أو السياسيين، وعامة قادتها السياسيون حفظة لكتاب الله، وأصحاب صلاة وصيام وقيام وعقيدتهم هي العقيدة التي يدرسها الشيخ عثمان، من كتاب التوحيد، وتربوا على ذلك، ويفهمون الولاء والبراء، ولديهم علماء ومفتون ومرجعيات شرعية، بل كان الشيخ العالم الدكتور عمر الأشقر رحمه الله، هو رئيس مجلس الشورى لديهم !
وأريد أن أذكر الشيخ بأن ما يفعله المؤمن من أمر لا ينعقد قلبه عليه، بل يكون اضطرارا أو بخطأ أو بسهو أو بغفلة أو وفق رأي شرعي ضمن القواعد الشرعية، فلا يقدح فيه؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) رواه ابن ماجه.
ومن كان له سابقة في الخير والدين، فلا يؤاخذ بخطأ أو باجتهاد ولو أخطأ في هذا الاجتهاد، فأيهما أشد وأكثر خطرًا وإثمًا، من اجتهد لمدح صاحب بدعة وضلالة، قاصدا نصرة دينه وأمته والمحافظة على أرضه وجهااده والدفاع عن مقدساته، أم من اجتهد بإفشاء سر المسلمين والتواصل مع “كفار أصليين” معادين للإسلام يتربصون به لمصلحة أهله وأقاربه؟َ!
أيهما أشد ؟
لا شك أن المصف سيقول إن الثاني أشد ضررا وأكثر إثما !!
فما بالك إذا كان الثاني هو الصحابي الجليل البدري حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه! والذي أرسل رسالة لكفار قريش يبلغهم بعزم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزوهم، ولك أن تتخيل ما لو وصلت تلك الرسالة لهم، كيف كانوا سيقابلون المسلمين ويوقعون الأذى بهم ! ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذر له، وقال -كما في الصحيحين: (لعل الله اطّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم). ومعناه: أن الله يوفقهم للطاعة، ويعينهم عليها؛ بحيث إنهم إذا أذنبوا، بادروا تلك الذنوب بالتوبة النصوح الماحية، فيأتون بأسباب المغفرة التي يستوجبونها بها، لا أنهم يسرفون على أنفسهم ما أرادوا ثم يغفر لهم.
فسابقة الخير (بدر) أهلتهم لمكانة كبيرة عند الله، وهكذا سابقة الجهاد لأهل الجهاد، تؤهلهم لأن لا نسيء بهم الظن، ولا نضع أنفسنا حكاما عليهم، وبالطبع هم بشر يخطئون ويصيبون، ويجب مناصحتهم، ولكن يجب أيضا معرفة قدرهم ومكانتهم.
وماذا لو علمت أن الصنف الأول هم أهل الجهاد سواء السياسي أو العسكري، فأهل السياسة حين يمتدحون إيران أو أحد أفرادها، إنما هم مضطرون لذلك -وقد بينوا هذا ودعوا العرب والمسلمين لدعمهم حتى يتركوا إيران ولكن بلا فائدة-، فهم يرون أن امتداح إيران والثناء على قادتها؛ ضروري لاستمرار حصولهم على الدعم منها، مع اعتقادهم الجازم بأن عقيدة أولئك القوم ليست صحيحة، وهم ينكرون ويكرهون قول من يقول من الشيعة بتحريف القرآن ووجوب الولاية، أو سب الصحابة وأمهات المؤمنين، علمًا بأن حزب الله وعلى لسان زعيمهم المقتول، أكدوا كما في مقابلة موجودة على النت، بأنهم لا يقولون بتحريف القرآن، ولا يسبون الصحابة وأمهات المؤمنين، وسواء قالها صادقا، أو “تقية” ولأجل الإعلام، فنأخذ قوله كما قاله، وأما إيران فمعلوم حالهم وأقوالهم، ولكن لم يسمح لهم أبدا أن يفتتحوا مركزا ثقافيا في غزة، وخرج بعض الأشخاص مرة من غزة -من فصيل آخر- وعادوا يحملون بعض التشيع، وأرادوا أن يمارسوا شعائر شيعية، فدخل عليهم القساميون وأنزلوا بهم عقابا شديدا، وأعلنوا بأنه لا يسمح أبدا بمثل هذه الممارسات.
ولذلك يا فضيلة الشيخ عثمان، انت لم تلق ما لقيه السياسيون في حماس من شدة وتعب وملاحقات وضغط وحرب وتضييق عليهم في كل الدول، ولم تعش ما عاشوه مع أهلهم والمعاناة الشديدة في كل حركة أو عمل، ولم تتعرف عليهم عن قرب، فهل تعلم أن من تسميهم حماس السياسية؛ خطباء وأصحاب علم، وانظر لحال إسماعيل هنية رحمه الله، والذي كان يؤم المصلين في غزة وغيرها، وكان يخطب الجمع، ثم نال الموت في سبيل الله نحسبه شهيد عند الله، وكان حافظا لكتاب الله، ومثله خالد مشعل حفظه الله، وكذلك الشيخ صالح العاروري رحمه الله وتقبله في الشهداء، والذي درس الشريعة، ونال الشهادة نحسبه والله حسيبه ثابتا مصابرا، وكلهم من أهل الصيام والقيام والذكر.
وقل مثل ذلك عن عامة القادة السياسيين في حماس، والله حسيبهم، فهل هؤلاء منحرفون ؟
فهل يقارن من يجلس للتدريس في المساجد والديوانيات مرتاحا مطمئنا آمنًا؛ مع من يقارع الأعداء ويواجه الصعاب والابتلاءات، ويقتل شهيدا طريدا ؟
وكذلك، فإن عامة الحكام في الخليج والدول العربية يثنون على إيران، ويشاركونهم مناسباتهم ويمتدحونهم، ومنهم الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير الكويت رحمه الله، والذي قال عن المرشد الإيراني خامنئي، بأنه ليس مرشد إيران فحسب، بل مرشد الأمة ! فما قولك في الشيخ وقد كان ولي الأمر في الكويت ؟!
وكذلك في كل الخليج، فاستقبال المسؤولين الإيرانيين والتقاط الصور معهم، والثناء عليهم، معلوم مشهور في الإعلام، فهل يبرر لهم بأن دولهم ضعيفة وتعامل إيران بـ “الحكمة”، أما حمااس فمطلوب منها أن تلعن إيران وتعلن البراءة منها ؟!!
فلنكن منصفين يا شيخ عثمان، لقد أخطأت في كلامك عن حماس، ليس لأن حماس فوق الخطأ والنقد، بل لأنك قلت كلاما غير صحيح، ولأنك لم تكن منصفا في وصفهم، ولم تعاملهم معاملة غيرهم، ولم تراع أن الظرف الآن هو حرب ضروس مع أشد أعداء الإسلام من الصهاينة والصليبيين والمنافقين، فكلامك طار به أعداء الإسلام من المنافقين واليهود والكفرة، وصار حجة على نقد حماس، وهذا بحد ذاته مانع لك أن تقع فيهم.
ولذا فإني أنصحك لله بأن تتراجع عن كل كلامك، وليس عن جزء منه، وأن تستغفر الله منه، وأن تشد العزم في نصرة حماس كلها، والذين هم وحدة واحدة لا فرق بين سياسي وعسكري وإعلامي، وأن تدعو الأمة لنصرتهم والاصطفاف خلفهم.
والله نعم الوكيل وهو الهادي لأقوم سبيل