3/1/2024
صلاح نجيب الدق
الحمد لله الذي أكمل لنا الدِّين، وأتم علينا النعمة، ورضيَ لنا الإسلام دينًا، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله العزيز الحكيم، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله تعالى بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فإن الشائعات ظاهرة من الظواهر الخطيرة التي تظهر في المجتمعات، وهو موضوع هام، فلا تكاد تشرق شمس يوم جديد إلا ونسمع بإشاعة في مكان ما، وتعتبر الشائعات من أخطر الأسلحة المدمرة للمجتمعات والأشخاص، فكم قتلت الإشاعة من أبرياء، حطمت من عظماء، وتسببت في جرائم، وقطعت من علاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، وكم هزمت الإشاعة من جيوش على مر التاريخ!
من أجل ذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بخطورة الشائعات، وآثارها، ووسائل القضاء عليها، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى الشائعات:
الشائعة: الخبر ينتشر ولا تثبُّتَ فيه؛ (المعجم الوسيط – جـ 1 صـ 503).
نشأة الشائعات:
الشائعات ليست وليدة اليوم، بل هي موجودة ومؤثرة في أغلب الحضارات والثقافات عبر التاريخ؛ لأنها أحاديث يومية يتناولها الناس، ولها أهداف وأغراض، ووسائل نقلٍ، حسب المجتمع والبيئة التي تسُود فيها، فبعض المجتمعات القديمة تنتشر فيها أمور السحر والخرافة؛ كالصين ومصر، وبعض المجتمعات تنتشر فيها الفلسفة؛ كاليونان، والإشاعة قديمة قِدَم الجنس البشري، ومنذ القدم عرَف رجال الدين ورجال السياسة ورجال الحرب الأقوال والأفعال التي تدفع الإنسان وتحركه؛ ففي مصر القديمة استخدم تحتمس الثالث الحيلة والخديعة والمفاجأة في حروبه، خاصة عند فتح يافا في فلسطين، وفي الصين القديمة استخدم الشائعات كثير من العرَّافين والعسكريين، وفي اليونان القديمة استخدموا الشتائم والتشهير للتأثير على الروح المعنوية للعدو، ولقد أدت الشائعة إلى موت سقراط، بتهمة أنه كان يفسد أخلاق الشباب في أثينا، ويدفعهم إلى التمرد والعصيان، ويعتبر المغول من أشهر من استخدم الشائعات في العصور الوسطى؛ فقد كانت الشائعات سببًا رئيسيًّا في انتصاراتهم؛ لِما أحدثته من رعبٍ في نفوس المسلمين؛ (إسهامات معلم التربية الإسلامية – لحسين عقيل صـ: 28: 26).
الفرق بين الدِّعاية والإشاعة:
الدعاية: عملية منظَّمة، هدفها التأثير في الرأي العام، ولم تظهر الدعاية إلا في أواخر القرن العشرين، بينما ظهرت الإشاعة منذ زمنٍ قديم، تكونت الإشاعة تبعًا لتوافر مجال العمل الملائم لها، وهو الجمهور، الدعاية عكس الإشاعة؛ فالدعاية تهدف إلى الخير، وأما الإشاعة فغالبًا ما تهدف إلى الشر؛ (أساليب مواجهة الشائعات – أكاديمية نايف العربية صـ 21: 20).
مصادر الشائعات:
غالبًا ما يكون أساس الشائعات أحد المصادر الآتية:
(1) خبر من شخص.
(2) خبر من جريدة.
(3) خبر من مجلة.
(4) خبر من إذاعة.
(5) خبر من تلفاز.
(6) خبر من رسالة خطية.
(7) خبر من شريط مسجل.
(8) خبر من شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)؛ (إسهامات معلم التربية الإسلامية – لحسين عقيل صـ: 36).
أنواع الشائعات:
تختلف الإشاعة بحسب اختلاف الشخص المنقول عنه، فتارة تكون الشائعة مدحًا، وتارة تكون ذمًّا، وتارة تكون خليطًا بين النوعين، وتارة تكون غريبة في سياق أحداثها، حتى تكون في عداد المستحيلات، لكن تلقُّف الناس وتناقلهم لها جعل المستحيل أمرًا ممكن الوقوع؛ (أخي، احذر الإشاعة – لعبدالعزيز السدحان صـ 9).
خصائص الشائعات:
يمكن أن نوجز خصائص الإشاعات في الأمور التالية:
(1) الإشاعة هي عملية نشر المعلومات، ونتائج هذه العملية.
(2) من السهل أن تنطلق الشائعات، وليس من السهل أن تتوقف؛ فالإشاعة تسير بسرعة انتشار النار في الهشيم، بل تسير بسرعة الصوت والضوء، عن طريق الأقمار الصناعية في الوقت الحاضر.
(3) قد تكون الإشاعة صادقة؛ أي: تحتوي المعلومات الواردة في الإشاعة على نواة الحقيقة.
ومثال ذلك: إشاعة حول زيادة رواتب الموظَّفين، واستقالة مسؤول، وارتفاع أسعار بعض المواد الاستهلاكية، التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية، أو النصر أو الهزيمة في بعض المعارك الحربية، وقد تتحقق في بعض الأوقات.
(4) قد تكون الإشاعة كاذبة، أو قد ترتكز على معلومات غير مؤكدة، أو عارية من الصحة.
(5) قد تكون الإشاعة صادقة وكاذبة في نفس الوقت، مثل ما تقوم به بعض الحكومات من تسريب أسماء محتملة وغير محتملة لشغل منصب معيَّن، وذلك بهدف معرفة مدى قبول الناس لهذه الشخصيات؛ فالجانب الصادق في هذه الإشاعة هو وجود شخصيات محتملة فعلًا لشغل هذا المنصب، والجانب الكاذب هو وجود شخصيات غير محتملة لهذا المنصب؛ (أساليب مواجهة الشائعات – أكاديمية نايف العربية صـ 19: 18).
أسباب ترويج الشائعات:
مروِّجُ الشائعة لا يخلو مراده من مقاصد عدة:
(1) تحقيق منفعةٍ للمشاع عنه:
ترديد الناس للإشاعة قد يكون بدافع الحرص على تحقيق فائدة للشخص أو للشيء المشاع عنه.
(2) الكراهية والانتقام من المشاع عنه:
قد يكون الدافع والمحرك لنشر الإشاعة وترويجها بين الناس إنما هو الكراهية من المشاع عنه، أو الانتقام منه بسبب شيء معين.
(3) الفضول:
الفضول من أسباب ترويج الإشاعات، وهذا حال أغلب المروِّجين للإشاعات؛ فإن إصغاء السامعين لحديثه وإشخاصَهم بإبصارهم إليه وتشوُّقَهم لسماع كل ما يقول – دافعٌ مِن أعظم الدوافع لنقل الإشاعة، هذا إن سلم من الزيادة في الكلام بهدف تشويق السامعين وتعلقهم بما يقول.
(4) قضاء الأوقات بذكر الشائعات:
من المعلوم المشاهَد: أن كل الحاضرين أو أغلبهم في المجلس يريد أن يشارك في الكلام والنقاش، ويرى السكوت نقصًا في حقه، فتراه يذكر هذه الإشاعة بقصد المشاركة في الحديث، بغضِّ النظر عما يترتب عليه من نقل هذه الإشاعة.
عوامل انتشار الشائعات:
(1) أهمية الموضوع عند الناقل والمنقول إليه، وهما أساس رواج الشائعات.
(2) درجة الوضوح أو الغموض المحيط بموضوع الإشاعة ذاتها، وتكون العلاقة طردية، إذا ارتفعت درجة الموضوع من الوضوح مع أهميته، كما تكون عكسية كلما ارتفع مستوى أحد العاملين وانخفض الآخر.
(3) مدى التطابق بين موضوع الشائعة والاهتمام الفكري أو العاطفي للأفراد والجماعات؛ فالرجال أكثر تصديقًا لشائعات الغَلاء، والنساء أكثر تجاوبًا مع ما يذاع عن الأزياء، وقِسْ على ذلك فئات المجتمع من عمَّال وموظفين وتجار وحرفيين وأدباء وغيرهم.
(4) مقدار الثقة بالناقلين تبعًا للصداقة والتآلف معهم؛ فالنتيجة طردية في المودة، وعكسية في الكراهية؛ (الإعلام الإسلامي للدكتور محمد محمود كالو صـ 11).
أخطار الشائعات:
تلعب الشائعات دورًا خطيرًا في مختلف البيئات، والمجتمعات الإنسانية، قديمًا وحديثًا؛ لذا فإنها تؤثر على الأمن والاستقرار في المجتمع، خاصة في فترات الأزمات والكوارث الطبيعية أو الإنسانية، وكلما زاد الغموض زاد حجم الشائعات وعظُم انتشارها، وتأخذ الشائعات أشكالًا مختلفة تبعًا للأوساط التي تنتشر فيها، وهي تهدِّد تماسك المجتمع وأمنه، وتحرِّك الانفعالات والعواطف لدى الجماهير، وتتنوع خطورة الشائعات مثل أهدافها وأغراضها، فلها أخطار سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية ونفسية، وتبدأ أخطار الشائعات من الفرد الذي يقوم بترويج الشائعة؛ فهو إنسان مهزوز الشخصية، يسعى من خلال الترويج للشائعات إلى تعويض جوانب النقص في شخصيته، وهو أيضًا يتحلى بصفة الكذب، ومعلومٌ خطورةُ الكذب في أي مجتمع، والشائعة لها القدرة على تفتيت المجتمع والصف والرأي الواحد، وتعمل على تضارب الآراء؛ فيصبح المجتمع الواحد والفئة الواحدة أمام الشائعات فئاتٍ متعددة، وتظهر خطورة الشائعات على عقل الإنسان، من خلال الأكاذيب والترويج للأفكار الهدامة، التي تجعل الإنسان أمامها في حيرة من أمره بين التصديق والتكذيب، وخطورة الشائعات أيضًا على الدِّين، بالتشكيك في أصول الدين وأحكام الشريعة، وبث الشبهات والتأويل المذموم، وتكمن أيضًا خطورة الشائعات في خَلْقِ عدم الثقة بين أفراد المجتمع وقيادته الفكرية والعلمية، وذلك من خلال التشكيك في النيات، حتى تخلو الساحة من القيادات العلمية، والسياسية، والاجتماعية التي يحترمها المجتمع، وخطورة الشائعات أيضًا على المال؛ لأن أي مجتمع يسود فيه الخوف من خلال بث الشكوك والشائعات، فهو مجتمع ساكن لا يتحرك ولا ينمو اقتصاديًّا؛ لأن المال والخوف لا يلتقيان، فالشائعات طالما حبست العقول، فكيف لا تحبس المال؟ وبذلك تتأثر مصالح المجتمع، ومن أخطار الشائعات على المجتمع ما يلي:
(1) تعمَل الشائعات على إرباك صانعي القرار، بالإبطاء أو التسرع في إصدار القرارات في بعض القضايا المهمة.
(2) تعمل الشائعات على إضعاف الجبهة الداخلية للمجتمع وتفكيكها.
(3) تعمل الشائعات على إشاعة الرُّوح الانهزامية، والتأثير على معنويات الشعب، أثناء الحرب، بإشاعة عدم فائدة المجهودات العسكرية.
(4) الشائعات لها أضرار فادحة على الأرواح والمعدات أثناء الحروب.
(5) الشائعات تخاطب قلب الإنسان وعواطفه؛ فهو يندفع معها دون وعيٍ أو عقل ضابط.
(6) الشائعات تثير روح الانقسام في صفوف المجتمع، أو تزعزع إيمانه بمبادئه وقيَمِه.
(7) الشائعات تسعى إلى خَلْقِ التوتُّرات داخل العمل الجماعي؛ لكي تعرقل الإنجازات؛ (إسهامات معلم التربية الإسلامية – لحسين عقيل صـ 44: 42).
التحذير من الشائعات وصيةُ ربِّ العالَمين:
حذَّرنا الله تعالى في كتابه العزيز من نقل الشائعات قبل التثبُّتِ مِن صِدقها ومصدرها.
(1) قال جل شأنه: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله) قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ﴾ [النساء: 83] إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحقُّقها، فيخبر بها ويفشيها وينشرها، وقد لا يكون لها صحة؛ (تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 365).
(2) قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 94].
قال الإمام السعدي (رحمه الله): يأمر تعالى عباده المؤمنين إذا خرجوا جهادًا في سبيله وابتغاء مرضاته أن يتبيَّنوا ويتثبَّتوا في جميع أمورهم المشتبهة؛ فإن الأمور قسمانِ: واضحة وغير واضحة؛ فالواضحة البينة لا تحتاج إلى تثبُّت وتبيُّن؛ لأن ذلك تحصيل حاصل، وأما الأمور المشكِلة غير الواضحة فإن الإنسان يحتاج إلى التثبُّت فيها والتبيُّن، ليعرف هل يُقدِم عليها أم لا؟ فإن التثبت في هذه الأمور يحصل فيه من الفوائد الكثيرة، والكف لشرور عظيمة، ما به يُعرَف دِين العبد وعقله ورزانته، بخلاف المستعجل للأمور في بدايتها قبل أن يتبين له حكمها، فإن ذلك يؤدي إلى ما لا ينبغي؛ (تفسير السعدي صـ 194).
(3) قال جل شأنه: ﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا * إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 148، 149].
(4) قال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72].
(5) قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6].
في هذه الآية المباركة وصف الله تعالى مروِّجي الشائعات بالفسق، وحثَّ الناس على التثبُّت والتبيُّن قبل قبول الخبر الكاذب.
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له؛ لئلا يحكم بقوله فيكون – في نفس الأمر -كاذبًا أو مخطئًا، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباعِ سبيل المفسدين؛ (تفسير ابن كثير جـ 13 صـ 144).
سبب نزول هذه الآية:
روى البيهقي عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيطٍ إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات، وأنه لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا ليتلقَّوْا رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لما حدث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضبًا شديدًا، فبينما هو يحدِّث نفسه أن يغزوَهم إذ أتاه الوفد، فقالوا: يا رسول الله، إنا حُدِّثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن يكون إنما رده كتاب جاءه منك لغضبٍ غضبتَه علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبِ الله وغضب رسوله، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتَبَهم وهَمَّ بهم، فأنزل الله عز وجل عُذرَهم في الكتاب، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]؛ (حديث حسن) (السلسلة الصحيحة للألباني حديث: 3088).
(6) قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
أمَرنا الله تعالى أن نتجنب الظن في المسلمين، والظن يأتي غالبًا عن طريق الشائعات، فيجب على الإنسان أن يُحسِنَ الظن بإخوانه، ولا يصدِّق كل ما يسمع حتى يتثبَّتَ.
قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): يقول تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثيرٍ من الظن، وهو التهمة والتخوُّن للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليُجتَنَبْ كثيرٌ منه احتياطًا؛ (تفسير ابن كثير جـ 13 صـ 155).
نبينا صلى الله عليه وسلم يحذرنا من الشائعات:
(1) روى الشيخانِ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان))؛ (البخاري حديث: 33/ مسلم حديث: 59).
(2) روى البخاري عن سمرة بن جندبٍ رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((رأيت الليلة رجُلينِ أتياني، قالا: الذي رأيتَه يُشَقُ شِدقه (جانب فمه) فكذَّاب، يكذب بالكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة))؛ (البخاري حديث: 6096).
(3) روى الشيخانِ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسَّسوا (التحسُّس: الاستماع لحديث القوم)، ولا تجسَّسوا (البحث عن العَوْرات)، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا))؛ (البخاري حديث: 5143 / مسلم حديث: 2563).
(4) روى البخاري عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن مِن أَفْرَى الفِرَى أن يُرِيَ عينيه ما لم ترَ))؛ (البخاري حديث: 7043).
قوله صلى الله عليه وسلم: (إن مِن أَفْرى الفِرَى) أفرى: أي أعظم الكذبات، والفِرَى جمع فِرية، قال ابن بطالٍ: الفِرْية: الكذبة العظيمة التي يُتعجَّبُ منها؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 12 صـ 430).
قوله صلى الله عليه وسلم: (أن يُرِيَ عينيه ما لم ترَ):.. معنى نسبة الرؤيا إلى عينيه، مع أنهما لم يرَيَا شيئًا، أنه أخبَرَ عنهما بالرؤية وهو كاذبٌ؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 12 صـ 430).
(5) روى الشيخانِ عن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البِرِّ، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدُق ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صِدِّيقًا، وإياكم والكذبَ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذِب ويتحرَّى الكذب حتى يُكتَب عند الله كذابًا))؛ (البخاري حديث 6094 / مسلم حديث 2607).
(6) روى الشيخانِ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة، ما يتبين فيها، يَزِلُّ بها في النار أبعدَ مما بين المشرق))؛ (البخاري حديث 6477/ مسلم حديث 2988).
قال الإمام النووي (رحمه الله): قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها في النار) معناه: لا يتدبرها ويفكر في قبحها، ولا يخاف ما يترتب عليها، وهذا كالكلمة عند السلطان وغيره من الولاة، وكالكلمة تقذف، أو معناه: كالكلمة التي يترتب عليها إضرار مسلمٍ، ونحو ذلك، وهذا كله حثٌّ على حفظ اللسان؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقُلْ خيرًا، أو ليصمُتْ))، وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نُطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلَّم، وإلا أمسَك؛ (مسلم بشرح النووي جـ 18 صـ 117).
(7) روى أبو داود عن أبي مسعودٍ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بئس مطيَّةُ الرجل: زعموا))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 4158).
في هذا الحديث ذم نبينا صلى الله عليه وسلم من لم يتثبت في نقل الأخبار.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): الأصل في زعم أنها تقال في الأمر الذي لا يوقَفُ على حقيقته؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 10 صـ 551).
قال الإمام المناوي (رحمه الله): قوله صلى الله عليه وسلم: (بئس مطية الرجل) المطية بمعنى المركوب، (زعموا) الزعم قريب من الظن؛ أي: أسوأ عادةٍ للرجل أن يتخذ لفظ زعموا مركبًا إلى مقاصده، فيخبر عن أمرٍ تقليدًا من غير تثبتٍ، فيخطئ ويجرَّب عليه الكذب؛ (انتهى كلامه) (عون المعبود للمباركفوري جـ 13 صـ 214).
إن الإخبار بخبرٍ مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين قبيح، بل ينبغي أن يكون لخبره سند وثبوت، ويكون على ثقةٍ من ذلك، لا مجرد حكايةٍ على ظن وحسبانٍ، وفي المثل: زعموا مطية الكذب؛ (عون المعبود للمباركفوري جـ 13 صـ 215).
قال الإمام الخطابي (رحمه الله): أصل هذا أن الرجل إذا أراد المسير إلى بلدٍ ركب مطيةً وسار حتى يبلغ حاجته، فشبَّه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم: زعموا كذا وكذا – بالمطيَّة التي يتوصل بها إلى الموضع الذي يقصده، وإنما يقال: زعموا في حديثٍ لا سند له ولا ثبت فيه، وإنما هو شيء حُكي عن الألسن على سبيل البلاغ، فذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان هذا سبيلَه، وأمر بالتثبت فيه والتوثق لِما يحكيه من ذلك، فلا يروونه حتى يكون معزيًّا إلى ثبتٍ، ومرويًّا عن ثقةٍ؛ (معالم السنن للخطابي جـ 4 صـ 140).
وقال الإمام الألباني (رحمه الله): في هذا الحديث ذم استعمال هذه الكلمة (زعموا)، وإن كانت في اللغة قد تأتي بمعنى (قال)، كما هو معلوم؛ ولذلك لم تأتِ في القرآن إلا في الإخبار عن المذمومين بأشياء مذمومة كانت منهم، مثل قوله تعالى: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ﴾ [التغابن: 7]، ثم أتبع ذلك بقوله: ﴿ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾ [التغابن: 7]؛ (سلسلة الأحاديث الصحيحة جـ 2 صـ 523).
(6) روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّثَ بكل ما سمع))؛ (مسلم حديث: 5).
في هذا الحديث نهانا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نتحدث بكل ما نسمع؛ حتى لا نكون سببًا في الشائعات ونشرها.
قال الإمام النووي (رحمه الله): هذا الحديث فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان؛ فإنه يسمع في العادة الصدقَ والكذب، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذَب؛ لإخباره بما لم يكن؛ (مسلم بشرح النووي جـ 1 صـ 75).
قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (بحَسْبِ المرء من الكذب أن يحدِّثَ بكل ما سمع)؛ (مسلم حديث: 5).
وقال عبدالرحمن بن مهدي (رحمه الله): (لا يكون الرجل إمامًا يُقتدَى به حتى يمسك عن بعض ما سمع)؛ (مسلم حديث: 5).
وقال مالك بن أنس (رحمه الله): (اعلَمْ أنه ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا أبدًا وهو يحدث بكل ما سمع)؛ (مسلم حديث: 5).
(7) روى الشيخانِ عن المغيرة بن شعبة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال))؛ (البخاري حديث: 1477/ مسلم حديث: 593).
قوله صلى الله عليه وسلم: (قيل وقال)؛ أي: حكاية أقاويل الناس وأحاديثهم، والبحث عنها، فيقول: قال فلان كذا، وقيل لفلانٍ كذا.
(8) روى أبو داود عن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال (عصارة أهل النار) حتى يخرج مما قال))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 3066).
دور اليهود في نشر الشائعات:
يجب أن نعلم أن اليهود هم أساس نشر الشائعات، يقول اليهود في بروتوكولات حكماء صهيون: إن الصحافة جميعها بأيدينا إلا صحفًا قليلة غير محتفل بها، وسنستعملها لبث الشائعات؛ حتى تصبح حقائق، وسنشغل بها الأميين (أي المسلمين) عما ينفعهم، ونجعلهم يجرون وراء الشهوة والمتعة؛ (الموسوعة الميسرة في الأديان جـ 1 صـ 523).
اليهود ينشرون الشائعات عن الله تعالى:
اعتاد اليهود نشر الكثير من الشائعات حول الله تعالى.
(1) قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾ [آل عمران: 181].
(2) قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64].
(3) قال جل شأنه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [المائدة: 18].
(4) قال سبحانه: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30].
(5) قال سبحانه: ﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111].
المشركون ينشرون الشائعات حول القرآن الكريم:
(1) قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 78].
(2) قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأنفال: 31].
نشر الشائعات عن الأنبياء:
قام المشركون بنشر الكثير من الشائعات حول أنبياء الله تعالى، وسوف نذكر بعضًا من هذه الشائعات:
(1) اتهم قوم نوح نوحًا بأنه يريد أن يكون زعيمًا عليهم، ثم أشاعوا عنه أنه ضالٌّ ومجنون.
قال سبحانه: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 59 – 61].
وقال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴾ [القمر: 9].
(2) أشاع قومُ هود صلى الله عليه وسلم عنه أنه قد أصابه الطيش.
قال سبحانه: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 65 – 67].
وأشاعوا عنه صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه قد أصيب في عقله.
قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾ [هود: 53 – 55].
(3) لقد اتهم فرعونُ وقومُه موسى وهارون صلى الله عليهما وسلم بأنهما ساحرانِ.
قال سبحانه عن قوم فرعون: ﴿ قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ﴾ [طه: 63].
(4) كانت الشائعات تشكِّكُ في عيسى صلى الله عليه وسلم وأمه الصديقة مريم ابنة عمران.
قال سبحانه: ﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 27، 28].
(5) تعرَّض نبينا صلى الله عليه وسلم لشائعات متعددة، فأشاع المشركون عنه أنه ساحر وكاهن ومجنون.
قال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ ﴾ [القلم: 51].
عقوبة نشر الشائعات:
أولًا: عقوبة شائعة القذف بالزنا:
القذف هو اتهام الغير بالزنا، بغير دليل شرعي، وهو محرم بإجماع المسلمين.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 23].
وذكَر الله تعالى حد القذف بقوله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4]، وثبَت أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد على القاذف بجلدِه ثمانينَ جَلدةً.
جعَل الله تعالى في هذه الآية الكريمة ثلاث عقوبات للذي يقذف الناس بغيرِ دليلٍ شرعيٍ:
إحداها: بدنية، وهي أن يجلد ثمانين جلدةً.
الثانية: أدبية، وهي أنه تُرَدُّ شَهادته دائمًا.
الثالثة: أن يكون فاسقًا ليس بعدلٍ، لا عند الله، ولا عند الناس؛ (تفسير ابن كثير جـ 10 صـ 171).
الحكمة في مشروعية حد القذف: المحافظةُ على أعراض الناس، والحد من انتشار الفاحشة؛ فإنه عندما يكثر الحديث بالقذف بالزنا تتعود القلوب ذكر هذه الجريمة، ويضعف إنكارها من القلوب، كما هو موجود في بعض الدول غير المسلمة، وهذا يدل على السبب الذي جعل الشريعة توقِع هذه العقوبة على القاذف بالزنا دون القاذف بالكفر، مع أنه أعظم منه، ثم إن الزنا أمر خفيٌّ قد يصدق وقوعه، بخلاف الكفر.
ثانيًا: عقوبة سب الناس:
حرَصت الشريعة الإسلامية على المحافظة على أعراض الناس من الشائعات، فقررت العقوبة التعزيرية، وجعلت ذلك يرجع إلى تقدير القاضي؛ (المغني لابن قدامة جـ 12 صـ 399).
ومن الأمثلة على ذلك: حبس الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحُطيئةَ الشاعر المعروف مِن أجل قوله الشعر في ذكر عيوب الناس وهجائهم؛ (بهجة المجالس لابن عبدالبر جـ 1 صـ 195).
ثالثًا: عقوبة الشائعات المؤثرة في حفظ أمن المجتمع:
أمرت الشريعة الإسلامية الناس باستشارة أهل الاختصاص في الشائعات التي لها علاقة بأمن المجتمع المسلم، بل جعلت ترك ذلك من اتباع خطوات الشيطان؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].
جاءت الشريعة بحرب شديدة ضد الشائعات المؤثرة في المجتمع من خلال إعطاء الحاكم حق النظر في إنزال العقوبة المناسبة على مثيري الإشاعات ومروِّجيها التي تضر بأمن الأمة، بل قد قال طائفة من العلماء بأن له الحق في قتلهم؛ انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 60 – 62]؛ (مقاصد الشريعة – لسعد بن ناصر الشثري صـ 27: 24).
روى مسلم عن عرفجة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من أتاكم وأمرُكم جميع على رجلٍ واحدٍ، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه))؛ (مسلم حديث: 1852).
قال الإمام النووي (رحمه الله): قوله صلى الله عليه وسلم: (يريد أن يشق عصاكم) معناه: يفرق جماعتكم كما تفرق العصاة المشقوقة، وهو عبارة عن اختلاف الكلمة وتنافر النفوس؛ (مسلم بشرح النووي جـ 12 صـ 242).
نماذج لبعض الشائعات وآثارها الخطيرة:
(1) شائعة إسلام أهل مكة.
بلغ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين خرجوا إلى أرض الحبشة، إسلامُ أهل مكة، فأقبلوا لما بلغهم من ذلك، حتى إذا دنوا من مكة، بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلًا، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوارٍ، أو مستخفيًا؛ (سيرة ابن هشام جـ 1 صـ 364).
ولقد تعرض بعضهم للتعذيب من أهل مكة.
(2) شائعة مقتل النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أُحُد:
في معركة أُحُد عندما أشاع الكفار: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قُتِل، أثَّرت هذه الإشاعة في كثير من المسلمين، حتى إن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال.
انتهى أنس بن النضر، عم أنس بن مالكٍ، إلى عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيدالله، في رجالٍ من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا ما بأيديهم، فقال: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: قُتِل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قُتل، كان أول مَن عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة كعب بن مالكٍ، قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المغفر، فناديت بأعلى صوتي: يا معشر المسلمين، أبشِروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أنصت، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به، ونهض معهم نحو الشِّعب، معه أبو بكرٍ الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالبٍ، وطلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام رضوان الله عليهم، والحارث بن الصمة، ورهط من المسلمين؛ (سيرة ابن هشام جـ 2 صـ 83).
(3) شائعة حُمَّى المدينة:
في عمرة القضاء أشاع المشركون أن المسلمين قد ضعُفت أجسامهم ضعفًا شديدًا بسبب حمَّى المدينة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرَّمَل (أي: الإسراع في المشي مع تقارب الخطى) عند الطواف والسعي؛ إظهارًا للقوة، وردًّا على شائعة المشركين.
روى الشيخانِ عن ابن عباسٍ، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، وقد وهَنَتهم (أضعفتهم) حمى يثرب، قال المشركون: إنه يَقدَم عليكم غدًا قوم قد وهنتهم الحمى، ولقُوا منها شدةً، فجلسوا مما يلي الحِجْرَ، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا (الرَّمَل: المشي السريع مع تقارب الخطى) ثلاثة أشواطٍ، ويمشوا ما بين الركنين؛ ليرى المشركون جَلَدَهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا”، قال ابن عباسٍ: (ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها، إلا الإبقاء عليهم “أي: الرفق بهم”))؛ (البخاري حديث: 1602 / مسلم حديث: 1266).
(4) شائعة طلاق النبي صلى الله عليه وسلم لنسائه.
روى مسلم عن عبدالله بن عباسٍ قال: حدثني عمر بن الخطاب، قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه، قال: دخلت المسجد، فإذا الناس ينكتون بالحصى (أي يضربون به الأرض كفعل المهموم المفكِّر)، ويقولون: طلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب، فقال عمر: فقلت: لأعلمن ذلك اليوم، قال: فدخلت على عائشة، فقلت: يا بنت أبي بكرٍ، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقالت: ما لي وما لك يا بن الخطاب؟ عليك بعيبتك (أي عليك بوعظ ابنتك حفصة)، قال فدخلت على حفصة بنت عمر، فقلت لها: يا حفصة، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والله، لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبُّك، ولولا أنا لطلقكِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبكت أشد البكاء، فقلت لها: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: هو في خزانته (المخزن) في المشربة (أي المكان الذي يشرب منه الناس)، فدخلت، فإذا أنا برباحٍ غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاعدًا على أسكفة (أي عتبة الباب) المشربة، مدلٍّ رجليه على نقيرٍ من خشبٍ (أي على شيء من خشب نقر وسطه) – وهو جذع يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدر – فناديت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إليَّ، فلم يقل شيئًا، ثم قلت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إليَّ، فلم يقل شيئًا، ثم رفعت صوتي، فقلت: يا رباح، استأذن لي عندك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئت من أجل حفصة، والله، لئن أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب عنقها، لأضربنَّ عنقها، ورفعت صوتي، فأومأ إليَّ أن ارقَهْ (أي اجعله يصعد)، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا (أي ورق يدبغ به) في ناحية الغرفة، وإذا أفيق (أي الجلد الذي لم يتم دباغه) معلق، قال: فابتدرَتْ عيناي (أي لم أتمالك أن بكيت حتى سالت دموعي)، قال: ((ما يبكيك يا بن الخطاب؟!))، قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوته، وهذه خزانتك! فقال: ((يا بن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟!))، قلت: بلى، قال: ودخلت عليه حين دخلت، وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول الله، ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهن، فإن الله معك، وملائكته، وجبريل، وميكائيل، وأنا، وأبو بكرٍ، والمؤمنون معك، وقلما تكلمت، وأحمد الله، بكلامٍ، إلا رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، ونزلت هذه الآية آية التخيير: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ [التحريم: 5]، ﴿ وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾ [التحريم: 4]، وكانت عائشة بنت أبي بكرٍ وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أطلقتهن؟ قال: ((لا))، قلت: يا رسول الله، إني دخلت المسجد والمسلمون ينكتون بالحصى، يقولون: طلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن؟! قال: ((نعم، إن شئت))، فلم أزَلْ أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه، وحتى كشر فضحك، وكان من أحسن الناس ثغرًا، ثم نزل نبي الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت، فنزلت أتشبَّث (أي مستمسكًا) بالجذع، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما يمشي على الأرض ما يمسه بيده، فقلت: يا رسول الله، إنما كنتَ في الغرفة تسعةً وعشرين، قال: ((إن الشهر يكون تسعًا وعشرين))، فقمت على باب المسجد، فناديت بأعلى صوتي: لم يطلِّقْ رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، ونزلت هذه الآية: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]؛ (أي: الذين يستخرجون تدبيره بفطنتهم وتجاربهم)، فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، وأنزل الله عز وجل آية التخيير؛ (مسلم حديث: 1479).
(5) شائعة حادثة الإفك:
قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 11 – 20].
(6) الشائعات قتَلَتِ الخليفة عثمان بن عفان:
كان عبدالله بن سبأٍ يهوديًّا، فأظهر الإسلام وسار إلى مصر، فقال: إن علي بن أبي طالبٍ هو أحق بالخلافة من عثمان، وعثمان معتدٍ في ولايته، فوجدت هذه المقولة صدى في قلوب بعض المصريين الذين كانوا ينقمون على عثمان بعض تصرفاته، ولما جاء الخوارج إلى المدينة خرج إليهم علي بن أبي طالب فقال لهم: ماذا ينقمون على أمير المؤمنين عثمان؟، فذكروا أشياء، منها: أنه حمى الحمى، وأنه حرق المصاحف، وأنه أتم الصلاة، وأنه ولَّى الأحداث الولايات وترك الصحابة الأكابر، وأعطى بني أمية أكثر من الناس، فأجاب عليٌّ عن ذلك: أما الحمى فإنما حماه لإبل الصدقة لتسمُنَ، ولم يحمِه لإبله ولا لغنمه، وقد حماه عمر من قبله، وأما المصاحف فإنما حرق ما وقع فيه اختلاف، وأبقى لهم المتفق عليه، كما ثبت في العرضة الأخيرة، وأما إتمامه الصلاة بمكة، فإنه كان قد تأهل بها ونوى الإقامة فأتمها، وأما توليته الأحداث فلم يولٍّ إلا رجلًا سويًّا عدلًا، وقد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيدٍ على مكة وهو ابن عشرين سنةً، وولى أسامة بن زيد بن حارثة، وطعن الناس في إمارته، فقال: ((إنه لَخَليقٌ بالإمارة))، وأما إيثاره قومه بني أمية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثر قريشًا على الناس، قال علي بن أبي طالب: والله، لو أن مفتاح الجنة بيدي لأدخلت بني أميةَ إليها؛ (البداية والنهاية لابن كثير جـ 174: صـ 179).
(7) شائعة قول الإمام البخاري بخَلْق القرآن وانصراف الناس عنه:
قال أبو أحمد بن عدي: ذكر لي جماعة من المشايخ: أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع الناس عليه، حسَده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخ نيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه، واجتماعهم عليه، فقال لأصحاب الحديث: إن محمد بن إسماعيل يقول: اللفظ بالقرآن مخلوق، فامتحنوه في المجلس، فلما حضر الناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال: يا أبا عبدالله، ما تقول في اللفظ بالقرآن مخلوق هو أم غير مخلوقٍ؟ فأعرض عنه البخاري، ولم يجبه، فقال الرجل: يا أبا عبدالله، فأعاد عليه القول، فأعرض عنه، ثم قال في الثالثة، فالتفت إليه البخاري، وقال: القرآن كلام الله غير مخلوقٍ، وأفعال العباد مخلوقة، والامتحان بدعة، فشغب الرجل وشغب الناس، وتفرقوا عنه، وقعد البخاري في منزله؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 12 صـ 454).
(8) شائعة فوائد التبغ:
كان جان نيكوت سفيرًا لفرنسا في البرتغال، وقد زرع التبغ في حديقة منزله مستهدفًا تزيينها بأوراق التبغ الجميلة وأزهاره الجذابة، وفجأة طارت الشائعات ببعض الفوائد الطبية لهذا النبات، وسَرْعان ما فشا وانتشر في أوربا كلها، وكانت تلك هي البداية الخطيرة لانتشار ظاهرة التدخين في جميع أنحاء العالم.
النيكوتين: هو المادة الفعالة المؤثرة في التبغ، وهو مادة سامة قاتلة، ويكفي منها خمسون ملليجرامًا للقضاء على أي إنسان في عدة ثوان، فإذا عرفت – أخي الكريم – أن نسبة ما يوجد منها في السيجارة العادية حوالي خمسة ملليجرامات، أدركت الموت البطيء الذي يتعرض له مدمن السيجارة؛ (الأدلة على حرمة التدخين – لإبراهيم محمد سرسيق – صـ 56).
وسائل القضاء على الشائعات:
يمكن القضاء على الإشاعات بعدة أمور، يجب على ناقل الإشاعة والمنقول إليه إتباعها:
واجبات ناقل الإشاعة:
(1) يجب على ناقل الإشاعة أن يتقي الله تعالى في نفسه وفي كل ما يقول أو يفعل.
(2) يجب على ناقل الإشاعة أن يتذكر أن الله تعالى سيحاسبه على كل كلمة يقولها.
قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار: 10 – 12].
وقال سبحانه: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
(3) يجب على ناقل الإشاعة أن يكون سليمَ القلب، فلا يستغل الإشاعة للتنفيس عن نفسه مما يجد في صدره من كراهية وحقد عن المنقول عنه؛ قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 235].
وقال سبحانه: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19].
(4) يجب على ناقل الإشاعة أن يتثبَّت في كل ما يقول، وأن يحذر من الزيادة في الكلام، وألا ينقل إلا ما كان متأكدًا من سماعه أو رؤيته حتى تبرأ ذمته.
(5) يجب على ناقل الإشاعة أن يكون مقصده من نقل الإشاعة التأكد من صحتها إلى المنقول عنه؛ فعليه أن يبين هذا لمن يستمع إليه؛ حتى يستنير بآرائهم حول هذا الخبر.
(6) يجب على ناقل الإشاعة أن يفرق بين المجالس التي يرتادها أو الجليس الذي قد يجالسه وقت حديث الإشاعة، فما كل مجلس يصلح، بل إن بعض المجالس تزيد في ترويج الإشاعة وعلى أوجه مختلفة، وهذه المجالس هي التي يحضرها السفهاء من الناس، وأولئك مضرتهم راجحة على منفعتهم.
فائدة: لكل مقام مقال.
كان الصحابة (رضي الله عنهم) يعرفون المقام الملائم لكل كلام.
روى البخاري عن ابن عباسٍ قال: كنت أقرئ رجالًا من المهاجرين، منهم عبدالرحمن بن عوفٍ، فبينما أنا في منزله بمنًى، وهو عند عمر بن الخطاب، في آخر حجةٍ حجها، إذ رجع إليَّ عبدالرحمن فقال: لو رأيت رجلًا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين، هل لك في فلانٍ (ألا أخبرك بما قال)؟ يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانًا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكرٍ إلا فلتةً (فجأة من غير تدبر، ووقعت من غير مشورة من جميع من كان ينبغي أن يشاور) فتمَّتْ، فغضب عمر، ثم قال: إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم، قال عبدالرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل؛ فإن الموسم يجمع رَعاع الناس وغوغاءهم (السفلة المتسرعون إلى الشر)، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك (يمنعون أصحاب الرأي من الناس أن يكونوا في المكان القريب منك عند قيامك للخطبة) حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالةً يُطيِّرُها (يحمل مقالتك على غير وجهها وحقيقتها) عنك كل مطيِّرٍ، وألا يعُوها (لا يحفظوها ولا يفهموها)، وألا يضعوها على مواضعها، فأمهِلْ حتى تَقدَمَ المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنَّة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكنًا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها، فقال عمر: أما والله – إن شاء الله – لأقومن بذلك أول مقامٍ أقومه بالمدينة؛ (البخاري حديث: 6830).
انظر – أخي الكريم – كيف أشار عبدالرحمن بن عوفٍ على عمر بن الخطاب بتأخير الكلام عن تلك القضية مع بالغ أهميتها وحساسيتها؛ درءًا للمفسدة التي يتوقع حدوثها، فأخذ عمر بن الخطاب بهذا الرأي السديد، فأخَّر كلامه حتى قدم المدينة.
(7) يجب على ناقل الإشاعة أن يحث المنقول لهم على التثبت والتأكد في نقلهم عنه؛ لأنه المصدر الأصلي لهم، وكل كلام يخرج منهم فمحسوب عليه ومنسوب له.
روى البخاريُّ عن ابن عباسٍ قال: قال عمر بن الخطاب: إني قائلٌ لكم مقالةً قد قدر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدَيْ أجلي، فمن عقَلها ووعاها فليحدِّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ألا يعقِلَها فلا أُحِلُّ لأحدٍ أن يكذِبَ علَيَّ؛ (البخاري حديث: 6830).
قال الإمام ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): قوله: (ومن خشي ألا يعقِلَها فلا أُحِلُّ لأحدٍ أن يكذب علي): فيه الحث على تبليغ العلم ممن حفظه وفهمه، وحث من لا يفهم على عدم التبليغ، إلا إن كان يورده بلفظه ولا يتصرف فيه؛ (فتح الباري للعسقلاني جـ 12 صـ 155).
(8) يجب على ناقل الإشاعة أن يسارع في استشارة أهل العلم في أمر هذه الإشاعة، وعليه أن يأخذ بمشورتهم؛ فإنهم أدرى بالمصلحة بحُكم عِلمهم وتجرِبتهم؛ (أخي، احذَرِ الإشاعة – لعبدالعزيز السدحان صـ 11).
أشار الله تعالى إلى هذا الأمر في كتابه العزيز، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].
قال الإمام السعدي (رحمه الله): (هذا تأديب من الله لعباده عن فِعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة، ما يتعلق بالأمن، وسرور المؤمنين، أو الخوف الذي فيه مصيبة عليهم: أن يتثبَّتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها، فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطًا للمؤمنين وسرورًا لهم وتحرزًا من أعدائهم، فعلوا ذلك، وإن رأوا ما فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرَّته تَزيد على مصلحته لم يذيعوه؛ ولهذا قال: ﴿ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]؛ أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة، وفي هذا دليل لقاعدة أدبية، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَن هو أهل لذلك، ويُجعَل إلى أهله، ولا يُتقدَّمَ بين أيديهم؛ فإنه أقرب للصواب وأحرى للسلامة من الخطأ، وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة فيُقدِم عليه الإنسان أم لا فيحجم عنه؟!؛ (تفسير السعدي صـ 190).
واجبات المنقول له الإشاعة:
(1) يجب على المنقول له الإشاعة أن يذكِّرَ الناقل بالله تعالى، وأنه محاسَب ومؤاخَذ على كل كلمة يلفظ بها.
(2) يجب على المنقول له الإشاعة أن يحث الناقل على التثبت وعدم التسرع في نقله.
(3) يجب على المنقول له الإشاعة ألا يبادر بتصديق الإشاعة فورًا، خاصة إذا لم تكن الأدلة والقرائن قائمةً أكمل قيام وأتمه.
(4) إذا كانت الإشاعة عن شخص معروف بالخير فينبغي أن تحمَل على المحمل الحسن، ويلتمس له العذر في ذلك، إذا كان للعذر مبرر شرعي صحيح، فإن لم يكن له مبرر فيما نسب إليه فعلى المنقول له أن يذكِّرَ الناقل بأن الواجب في هذه الحالة الستر عليه، مع نصحه وتوجيهه؛ حتى يستقيم الخلَل الذي أدى إلى وجود الإشاعة، لا يخلو الشخص الذي نسبت إليه الإشاعة من أمرين: إما أن يكون معلومًا أو مجهولًا، فإن كان الشخص معلومًا، فإما أن يكون من المشهود لهم بالخير والاستقامة، وخاصة العلماء، أو من عامة المسلمين، فعلى الإنسان أن يتقي الله ويمسك لسانه عن الخوض في أعراضهم، خاصة العلماء المشهود لهم بالخير وحسن الاعتقاد، وإن كان الشخص الذي نسبت إليه الإشاعة غير معروف بالخير، فليحذَرِ الناقل أن يتزيد عليه، حتى لو كان عدوًّا له؛ فإن هذا من الظلم والكذب؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]؛ (أخي، احذر الإشاعة – لعبدالعزيز السدحان صـ 14).
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخرًا لي عنده يوم القيامة: ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
نقلاً عن موقع الألوكة