خاص هيئة علماء فلسطين
4/6/2024
د. محمد همام ملحم
بسم الله الرحمن الرحيم
الأضحية من شعائر الله – عز وجل – ومن أعظم العبادات وأفضل القربات في يوم النحر، وقد جعلها ربنا عز وجل منسكا من مناسك هذه الأمة، قال عز من قائل: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}، وقد ارتبط تشريع الأضحية بالتضحية والابتلاء والثبات والفداء وذلك فيما بينه ربنا عز وجل في كتابه العظيم في قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام قال سبحانه:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}، وقد قدم أهلنا المجاهدون الصامدون الصابرون في غزة هاشم أعظم صور التضحية والثبات على البلاء والفداء في سبيل الله اقتداء بخليلي الله إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وهم ينوبون عن الأمة في معركتها مع أشد أعدائها ويقفون في خط الدفاع الأول سدا منيعا أمام أطماع الصهاينة المجرمين، ولذلك فأقل ما يجب أن يقدم لهم من أمة الإسلام إمدادهم بالمال والطعام والدواء والمأوى، ومن هذا القليل تقديم الأضاحي لهم وفي هذا جمع بين شعيرتين عظيمتين شعيرة الأضحية وشعيرة الجهاد بالمال في سبيل الله، وقد أمرنا ربنا عز وجل بإطعام البائس الفقير والقانع والمعتر من هذه الأضاحي، وهم أولى من أي بائس وأي فقير وأي قانع وأي معتر لأن بأسهم وفقرهم لم يكن إلا في سبيل الله ولم يكن إلا بسبب انتصارهم لدين الله وأوليائه ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم قال سبحانه: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} والبائس الفقير: المضطر المتعفف الذي ظهر عليه البؤس، وهذا هو حال أهل غزة العزة اليوم فهم العباد أولو البأس الشديد، لكنهم أصيبوا بالبؤس الشديد أيضا لخذلان الأمة لهم وتركهم يواجهون الصهاينة وأحلافهم من الدول العظمى وغيرها، وقال سبحانه: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} والقانع السائل المتعفف والمعتر الذي يتعرض للناس ولا يسألهم، وأهل غزة تعرض صور مجاعتهم واحتياجهم علينا عبر الشاشات ليل نهار، فأين أمة الإسلام منهم؟ وأين نحن من الموقف بين يدي رب العزة عندما يسأل كل منا ماذا قدم لهؤلاء المجاهدين الصامدين الصابرين.
وقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضوان الله عليهم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث من أجل أن يطعموا الدافة وهم قوم من فقراء البادية وردوا المدينة عشية عيد الأضحى، فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها: دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادخروا ثلاثا، ثم تصدقوا بما بقي»..فلما كان بعد ذلك..قال: «إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت، فكلوا وادخروا وتصدقوا»، قال الإمام الشافعي رحمه الله: “أُحبّ إن كانت في الناس مخمصة أن لا يدخر أحد من أضحيته، ولا من هديه أكثر من ثلاث؛ لأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – في الدافة، فإن ترك رجل أن يطعم من هدي تطوع أو أضحية فقد أساء”، ونحن نرى أمامنا أهلنا في غزة العزة وقد أصابتهم المجاعة وأطبق عليهم الحصار ودمر العدو بيوتهم وخيامهم، وكرر عليهم التهجير وقتل أبناءهم ونساءهم ورجالهم، كل ذلك بسبب مقاومتهم لهذا العدو المجرم فهم أولى وأحق بالإمداد والإطعام من إطعام الفقراء والمساكين بل ومن إطعام الدافة التي دخلت المدينة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
فلتجعل يا أخي المسلم أضحيتك لأهل غزة المضحين الصابرين المحتسبين، فأضحيتك لهم تبرئك وتجزء عنك، وتجتمع فيها سنة الأضحية وأجر التضحية والجهاد في سبيل الله، وقد أمرنا ربنا عز وجل بتعظيم شعائره وجعل ذلك علامة على تقوى القلوب، قال سبحانه:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: “تعظيمها: استسمانها واستعظامها واستحسانها، ولأن ذلك أعظم لأجرها وأكثر لنفعها”، فمن تعظيم شعائر الله أن يختار المضحي الأفضل والأحسن، وما يمكن أن يصل لأهلنا في غزة بشكل أسرع، فإذا أمكنت الأضحية في غزة فهذا أولى وأفضل وأعظم أجراً للمضحي، وإن لم تتوفر فكلما كانت أقرب وأسرع وصولا إليهم وأكثر لحما ونفعاً فهذا أفضل، ويكره للمضحي أن يبحث عن الأضحية الأقل ثمناً، بل الأصل أن ينفق في الأضحية ما يساوي ثمن الأضحية في بلده أو أكثر من ذلك.
والأضحية وإن كانت من شعائر هذا الدين إلا أنها من السنن المؤكدة عند جمهور الفقهاء ومن الواجبات عند الحنفية فهي أفضل من الصدقة عند جمهور أهل العلم، والجهاد بالمال في سبيل الله وتقديمه للمقاومين وأهليهم أولى وأعظم فضلا وأجرا من الأضحية لأنه فرض قطعي مجمع عليه، ومن لم يستطع تقديم الأضحية لهم فالواجب عليه أن يخرج من ماله ما يستطيع، وذلك من الجهاد في سبيل الله المتعين المفروض على كل مسلم يملك شيئا من المال.