18/1/2025
د. رمزي غالب كريّم، عضو هيئة علماء فلسطين – لبنان
تخشى إسرائيل من ” أفراح معركة الطوفان” بعد الإعلان عن إتفاق وقف إطلاق النار، ففي أروقة الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها يتوقعون أن تعُم الأفراح لما أنجزته معركة ” طوفان الأقصى” لدى الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، ولدى الشعوب العربيّة والإسلاميّة جمعاء.
وتكمن خشية الحكومة الإسرائيلية من “أفراح الطوفان” من نظرة الشعوب العربية والإسلاميّة لهذه المعركة، وما حققته من انتصار حقيقي مُؤقت على دولة إسرائيل، وممهد لانتصارات قادمة. فقد فقد الجيش الإسرائيلي هيبته وحالة الردع لديه، ذاك الجيش ” الذي لا يُقهر”، وضعفت قدراته أمام ضربات المقاومين في ” قطاع غزة”. وانعكاس ذلك صحوة للشعوب العربية والإسلامية، وإحياء لروح الجهاد والمقاومة، واستشعار واجب الأخوة الايمانية والنصرة للمسجد الأقصى وقضية فلسطين.
أضف إلى ذلك، ما حقّقه ” شعب غزة” من ثبات وصبر عظيم جميل، تلك البيئة الحاضنة الشعبية للمقاومة كانت الجدار والصف المنيع لحروب العدو الصهيوني المنوّعة، من حرب التجويع والمرض والفتن الداخلية وشق الصفوف والحرب النفسية، التي مارسها العدو عليهم طيلة فترة الحرب، لكنها لم تهزم شعب غزة الحاضن للمقاومة، الأمر الذي علّم الأمّة العربية والإسلامية دروسًا في ثقافة المقاومة والنصرة والثبات، وأهمية الشعوب ودورها في الثبات بالمعارك، واحتضان المقاومة.
” أفراح الطوفان “اليوم عمّت الداخلي الفلسطيني وبلدان العالم العربي والاسلامي، رغم الألم بفقد الأهل والأحباب في غزة، وحال الجوع والقهر والحرمان، وخذلان بعض بني جلدتنا، فمشهد الدمار الهائل في غزة شاهده العالم أجمع، والعدد الكبير من الشهداء (أكثر من 46 ألفاً ) والعدد في إزدياد، ويتوقع أن يرتفع العدد إلى 70 ألفاً بعد انتشال جثامين الشهداء من تحت الركام، وكان حديث الوسائل الاعلامية والصحفيين ومواقع التواصل.
أضف إلى أعداد الجرحى المقدر بنحو 120 ألفاً ، ولا إحصاءات دقيقة حتى تاريخه لعدد المفقودين والأسرى.
ابتهج أهل غزة فكانت أفراحهم في الشوارع والميادين الرئيسية، ومراكز الإيواء وخيام النازحين، وصدحت حناجرهم بالتكبير. وهتف المحتفلون باسم محمد ضيف، مُرددين “إحنا رجال محمد ضيف”، في إشارة إلى القائد العام لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري للمقاومة. وأكد الفلسطينييون على دعمهم الكامل للمقاومة الفلسطينية، وصمودهم أمام العدو الإسرائيلي، ثم ارتفعت الأعلام الفلسطينية في كل مكان، مرتقبين وقف نزيف الدماء والمعاناة، التي شهدوها بعد الحرب الدامية التي بدأت 7 أكتوبر عام 2023.
وأيضا، عمّت أجواء الفرح الضفة الغربية، وشارك العشرات في مسيرة خرجت وسط مدينة رام الله ، وتداول ناشطون على منصات التواصل مقاطع فيديو لمسيرات مركبات في مدينتي الخليل ونابلس . كما شاركت شعوب الأمّة العربيّة والإسلاميّة فرحة غزة، وخرج الناس في مدن عربية وإسلاميّة، من العاصمة الأردنية عمّان وُصولًا إلى موريتانيا وسط هتافات وأناشيد تحيي فصائل المقاومة. ووزع آخرون الحلوى على المارة، مرتدين الكوفية الفلسطينية، وكانت الهتافات: ” تحية لغزة الأبية”. كما شهدت عواصم عربية وقفات احتفالية شارك فيها العشرات حاملين صور المسجد الأقصى وأعلام فلسطين. وختاما كان التظاهر أمام مبنى القنصلية الإسرائيلية في إسطنبول، فرحا بإعلان الاتفاق وتنديدا بجرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية بحق الفلسطينيين .
” أفراح الطوفان ” تُجسّد وتُحي في الأمة وتذكرها بواجبها وأخوتها كما جاء في الآيات القرآنية الكريمة الجامعة في قول الله تعالى: ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ “.(التوبة:71) .
وفي الحديث المروي عن الإمام أحمد وأبو داود عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” : ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته”.