إعداد: الدكتور محمد عثمان شبير

   لقد عرفت الشيخ الدكتور (محمد نعيم) عبد السلام إبراهيم ياسين رحمه الله تعالى منذ أن كنت في مرحلة البكالوريوس بالجامعة الأردنية، وكان الشيخ رحمه الله تعالى قد أنهي مرحلة الدكتوراه في الفقه المقارن من جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة سنة: (1972م)، وكانت أطروحة الدكتوراه المقدمة لتلك الجامعة هي: نظرية الدعوى بين الشريعة الإسلامية وقانون المرافعات المدنية والتجارية، ولما طُبع الجزء الأول من تلك الأطروحة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أعطاني الشيخ نسخة، وطلب مني مراجعتها، وإبداء الملاحظات عليها، واستمرت صداقتنا منذ ذلك الوقت في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية بين أستاذ وتلميذ، وبعد أن تخرجت في كلية الشريعة سنة: (1973م) التحقت بالأزهر الشريف، وحصلت على الماجستير والدكتوراه من جامعة الأزهر سنة: (1980م) وعملت في جامعة الرياض لمدة سنتين، وبعد تلك الفترة التحقت بجامعة الكويت، وفي كلية الشريعة بالكويت التقيت بالشيخ، ومكثنا سوياً  ثماني سنوات، وكان الشيخ رئيساً لقسم الفقه المقارن الذي عُينت فيه، وفي أواخر سنة: (1990) حصل الغزو العراقي للكويت، ورجعنا إلى الأردن، وتم تعيننا في قسم الفقه والتشريع بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية، وأمضيت فيها (10) سنوات، وبعد ذلك كنا نلتقي في المؤتمرات والندوات الفقهية التي تعقد سنوياً، وكانت صداقتنا صداقة لله وللعلم، وتقوم على أساس التعاون على الخير والبر والتقوى، والمحبة في الله تعالى، وكان الشيخ رحمه الله نعم الأخ والصديق.

   وترجع أصول الشيخ ياسين رحمه الله إلى فلسطين، حيث ولد في قرية (سلفيت) بلد العلم والعلماء والفقهاء، في (11/6/ 1943م)، ومن الفقهاء الذين برزوا فيها ونُسبوا إليها: الشيخ مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله الشَّمْس السلفيتي الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي، فالسلفيتي نِسْبَة لقرية سلفيت، وهي من أَعمال نابلس، وأما الْمَقْدِسِي فنسبة إلى بيت المقدس، حيث َكَانَ يُقيم بِبَيْت الْمُقَدّس أَحْيَانًا، وأما الشَّافِعِي فنسبة إلى المذهب الشافعي؛ لأنه أحد أَصْحَاب الشهَاب بن رسْلَان الشافعي. وكَانَ الشيخ السلفيتي هذا فَقِيها مفننا انْتفع بِهِ جمَاعَة من تِلْكَ النواحي، وَسمع من التقي القلقشندي سنة: (859). (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، السخاوي، (9/ 129). ومن فقهاء سلفيت أيضاً: الشيخ شهاب الدَّين أحمد السلفيتي الحنبليُّ، وهو الإمام، الوَرعُ الزَّاهِدُ العالم. (شذرات الذهب، العِمَاد: (7/ 329)، تسهيل السابلة لمريد معرفة الحنابلة، صالح آل عثيمين. (3/ 1399).

   وكان الشيخ (محمد نعيم) رحمه الله يتحلى بالأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة أذكر منها: الإخلاص، والكرم، والتواضع، والزهد، والورع، والشجاعة الأدبية، والصلابة في الحق، والجهر به، حيث كان لا يخشى في الله لومة لائم. وفي إخلاصه يذكر تلميذه الدكتور نذير الصالحي: “كنت أجلس إليه، وكنت اتحدث عن كتبه ومؤلفاته، فذكرت كتاب الإيمان، ذلك الكتاب الذي طبق ذكره الآفاق، وتعلمه جلُ الخلق، وتلقاه الناس بالقبول، وترجم إلى معظم اللغات، سألت شيخي: ما سر هذا الكتاب؟ وما سر قبوله بين الناس؟ فأجابني: إجابة العالم العابد، وقال: أحسب أنني عندما كتبته كنت مخلصاً. وأنا: (الصالحي): أشهد لهذا العالم العابد بالزهد والورع، فما رأيت منه إلا حبا للعلم ولطلبته ولتحري الحق فيما يكتب”.

   وترك الشيخ رحمه الله بعد وفاته ثلاثة أبناء، وبنتاً صالحين يدعون له بالرحمة والمغفرة، وتتلمذ على يديه، ونهل من معين علمه، عدد غفير من طلاب العلوم الشرعية في المراحل المختلفة والتخصصات المتنوعة.

   كما ترك الشيخ ياسين علماً نافعاً يتمثل في الكتب المطبوعة التي كتب الله لها القبول بين طلبة العلم الشرعي والطبي والقانوني، ومن هذه الكتب: كتاب “الإيمان: أركانه، حقيقته، نواقضه”، مكتبة الأقصى- عمان، (1978م). وتضمن هذا الكتاب حقيقة الإيمان، وأركانه، ومعالم الكفر وأسبابه، ومداخله، وهو يحذر المسلمين من نواقض الإيمان وغير ذلك من الأمور الهامة، والكتاب مقسم إلى قسمين، القسم الأول: تناول فيه المؤلف أركان الإيمان وحقيقته، وفي القسم الثاني من الكتاب تناول فيه أسباب الكفر ومداخله. ومنها: كتاب “الجهاد: ميادينه، وأساليبه”، مكتبة الأقصى، عمان، (1978م). وحقيقة الجهاد في الإسلام، الكويت، دار الأرقم، (1984م). وكتاب “افتراءات حول غايات الجهاد”، الكويت، دار الأرقم (1984م). وأطروحة الدكتوراه: “نظرية الدعوى”، وزارة الأوقاف، الأردن، (1973م). وكتاب “الوجيز في الفقه الجنائي الإسلامي”، دار الفرقان، الأردن، (1982م). وكتاب “مباحث في العقل”، دار النفائس، الأردن، (2011م). كما يتمثل ذلك العلم في البحوث العلمية، والأوراق البحثية التي شارك بها في المؤتمرات الفقهية الدولية. وقد كان الشيخ (محمد نعيم) رحمه الله (أيقونة) تلك المؤتمرات، حيث كان غالبية المشاركين فيها ينتظرون تعقيباته العميقة الممزوجة بالنكات البليغة.  

   ومن مواقف الشيخ (محمد نعيم) رحمه الله الحكيمة التي يشهد له بها القاصي والداني:

1-يقف مع الحق، ويتحراه فيما يقول ويكتب، ولا يخشى في الله لومة لائم. ويشهد بذلك الدكتور الصالحي أحد تلاميذه، حيث يقول: ” وأنا أشهد لهذا العالم العابد… فما رأيت منه إلا حبا للعلم ولطلبته، ولتحري الحق فيما يكتب”.

2-يحب الخير لزملائه وأقرانه وتلاميذه، ويدعو لهم في جوف الليل بالاسم من قائمة الأسماء التي يحتفظ بها، كما شهد بذلك ابنه سعد، والدكتور الصالحي في عبارته السابقة. وقد علَّم تلاميذه أن يفعلوا ذلك. وممن حاز محبة الشيخ الصادقة: كاتب هذه الترجمة – كما أخبرني بذلك ابنه سعد-، وممن حاز هذه المحبة أيضاً: الدكتور علي أبو العز، حيث قال: ” تبدَّت لي إنسانيته الرائعة، وعفويته الحرة الصادقة؛ فدنوت منه، وتواصلت معه، وظفرت بأستاذ يحبني وأحبه، وأولاني ثقته وعنايته، ودعاني إلى زيارته، وأهداني بعض كتبه وأبحاثه، وأراد منحي «الموسوعة الفقهية الكويتية»، وقال لي: أنت أولى بالاستفادة منها، فأنا مدبر، وأنت مقبل!، ولكن اعتذرت حياءً من شدة عطفه، وفرط كرمه”.

  ولقي الشيخ ياسين رحمه الله ربه يوم الاثنين: (9/جمادى الآخرة/1444هـ=2/يناير/2023م). اللهم اغفر لأخي الدكتور (محمد نعيم): (أبي عمرو)، وارحمه، ونور قبره، ووسعه له، واجعله روضة من رياض الجنة، واحشره يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.