الإعداد السياسي الواجب والمسار

    

الحلقة 31

ضيوف الحلقة : المسؤول الإعلامي لهيئة علماء فلسطين الدكتور “حافظ الكرمي”،

والأستاذ صالح العاروري عضو المكتب السياسي لحركة حماس .

مقدم الحلقة: عمر الجيوسي

تاريخ الحلقة :……

المقدم عمر الجيوسي: السلام عليكم مشاهدينا في كل مكان وتحية خاصة باسم العاملين للعاملين على خطى صلاح الدين..

مشاهدينا نعيش هذه الفترة فشلاً سياسياً ونرى أنفاقاً كثيرة في مسار الإعداد السياسي، تجعلنا نسأل ما أثر هذا الفشل السياسي على إعداد الجيل سياسياً؟ وهل سينتج عنه خبرة ضخمة في إعدادنا السياسي؟

 صلاح الدين الأيوبي استخدم وسائل وأساليب عديدة اتسمت في بعض الأحيان بالشدة والحسم الفوري المباشر، وأحياناً بالحيلة والتدرج، وأحياناً بالإقناع والتأثير، لكن ما يميز إعداده السياسي أنه كان له مسار يرى في آخره هدفه.. القدس.

 مشاهدينا.. الفرنجة في زمن صلاح الدين ارتكبوا مجازر بشعة بحق المسلمين في القرى والمدن التي استولوا عليها، وشكلوا فرقا عسكرية خاصة مارست التخريب والقتل والسلب، وكذلك العصابات الصهيونية منذ العشرينيات فعلوا أكثر من ذلك، وأكملت وحدات الجيش الإسرائيلي حرب الإبادة، الغريب أطلقوا عليه جيش الدفاع.. مع أنه أكثر جيوش الأرض هجوماً وعدواناً، ويبقى السؤال في حالة الحروب الصليبية وفي حالة الحروب والمجازر الصهيونية.. ما هو إعدادنا السياسي المطلوب بعد ذلك؟

أليس من أهم أسباب الفشل السياسي الآن هو ضعف الإعلام السياسي الذي اتضحت أهميته هذه الأيام؟ وماذا لو عرفنا أن عشر مؤسسات من أصل اثنتي عشرة مؤسسة إعلامية يملكها يهود؟

مشاهدينا أليس ما يجري في الربيع العربي يثبت أن الإعلام أصبح السلطة الأولى قبل السلطة العسكرية وقبل السلطة السياسية؟

مشاهدينا.. الكنيسة أيام الحروب الصليبية كان لها دور سياسي والكنيس اليهودي كذلك له دور سياسي، والمسجد أيام تحرير القدس كان له دور في الإعداد السياسي للجيل ومازال.. لكن قاداتنا السياسيين لم ينطلقوا من المسجد ولم ينشأوا في قصور عاشت الانتصارات العسكرية والسياسية، بينما صلاح الدين الأيوبي نشأ وتربى بين أحضان أسرة أخذ فيها عن أبيه نجم الدين براعته في السياسة واكتسب من عمه شيركوه شجاعته في الحرب، فنشأ متشبِّعاً بالدهاء السياسي وبالروح الحربية.

مشاهدينا.. الإعداد السياسي -الواجب والمسار- هو عنوان حلقة اليوم ويصحبنا فيها المسؤول الإعلامي لهيئة علماء فلسطين في الخارج الدكتور “حافظ الكرمي”، ويصحبنا كذلك عضو المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ “صالح العاروري” أهلاً بكما ضيفين عزيزين على هذا البرنامج على خطى صلاح الدين..

شيخ صالح لو بدأنا مباشرة بجرأة وبصراحة وبشيء محدد، الذي يفهم طبيعة القضية الفلسطينية كما فهمها صلاح الدين الأيوبي يفهم ويصل إلى نتيجة، ويصل
إلى الحل، الآن وأنت عضو مكتب سياسي لأكبر حركة مقاومة داخل فلسطين، هل حددتم مسار المشكلة والحل؟

الأستاذ صالح العاروري : بسم الله الرحمن الرحيم.. كل قيادي يتصدر لقيادة العمل العام بالذات في المستوى الأول يعني قادة الدول والفريق الذي معهم يُطلب منه وضوح الهدف، ويعتبرون في التخطيط إذا كان الهدف واضح فقد قطعت نصف الطريق وبقي عليك النصف الآخر، والمشكلة يصبح هناك تشتت كبير وتضارب وتصادم وإخفاقات عندما الهدف غير واضح، إذا تبعوا وضوح الهدف أيضاً، وضوح آليات ووسائل تحقيق الهدف والمراحل وتتابعها وأنواع الحشد المطلوب من أجل تحقيق الهدف، تصبح نسبة النجاح عالية جداً، عندنا النقطة الأولى وهي وضوح الهدف ليس عليه غبار أبداً

المقدم: إذاً ما هو الهدف حتى نفهم شيء  بوضوح؟

الأستاذ صالح العاروري : نحن في حركة المقاومة الإسلامية هدفنا الواضح والمحدد هو إعادة الحق للشعب الفلسطيني ولهذه الأمة في هذه البلاد، غير منقوص، حقنا كاملاً لا يُنتقَص، نحن ندرك أن هذا يدرك لجهد كامل وإلى جهد الأمة كلها وإلى توحيد جهود الشعب الفلسطيني، ونحن مستعدون أن نسير في كل المسارات وحتى لو وصلنا إلى قناعة أن بالتوازن الحالي نحن غير قادرين على هزيمة الاحتلال في هذا الظرف، فهذا لا يدفعنا للتناقض مع هدفنا المركزي الواضح المحدد أنه لا مكان لأي كيان، لأي غريب، لأي غاصب على هذه البلاد وهي مكان لشعبها فقط، فهدفنا إعادة الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي إلى أصحابه غير منقوص هذا هدفنا.

المقدّم: يعني دكتور “محمد عمارة” المفكر المعروف له كتاب بعنوان “إسلامية الصراع” حول القدس وفلسطين، إذاً الآليات التي تحدثت عنها أنها واضحة هذا كلام جيد ويحتاج إلى عمل وجهد الأمة كما تفضلت كاملاً، لكن المسار هو حل إسلامي فقط؟

الأستاذ صالح العاروري : يعني ما هو المقصود بحل إسلامي؟ نحن من منطلق رؤيتنا الإسلامية المستندة إلى الدين والشريعة الإسلامية لا يجوز التنازل عن هذه الحقوق، لا يجوز، إذاً فالحل إسلامي من منطلق أن الإسلام لا يسمح بالوصول إلى حلول وسط مجحفة بحق أصحاب الحق، يجب أن يكون هناك عدالة في النهاية، هذه نقطة، النقطة الأُخرى أن الإسلام هو محرك لا أريد أن أقول أساسي أو قوي . المحرك الأساسي الحقيقي لهذه الأمة من أجل علاج مشكلتها الكبرى، وهذه أحد مشكلات ومعضلات الأمة الكبرى والإسلام هو المحرك المركزي القادر على علاجها، ثالثاً: التحدي الذي تقع فيه الأمة فيما يخص فلسطين، هو تحدي غير قابل للحل محلياً، وتاريخياً لابد أن تشترك الأمة بجهدها في حلِّه، وعليه فإن رؤيتنا الإسلامية تقول أن هذا الحق لا يُنتقص، الإسلام المحرك المركزي من أجل استعادة هذا الحق، ثالثاً يحتاج إلى جهد كل الأمة الإسلامية من أجل استعادة هذا الحق.

المقدّم: يعني هذه هي أهم نقطة وهي عنوان الحلقة “الواجب والمسار”، ربما تتميز بعض الحركات ومنها حركة حماس بأنه في مسار في هدف الذي تفضَّلت به وذكرته الآن، لكن هناك حركات وفصائل وجهات أو حركات إسلامية أو كذا هدفها اتجاه قضية القدس لحد الآن لم يتكلموا به، والأدبيات لم تنص عليه بعد، على كلٍّ نأتي إلى نقطة مهمة جداً ننطلق منها، الذين نظروا إلى القدس.. من الصليبين، من الصهاينة، من الحركات المجاهدة، من فتوحات عمر بن الخطاب، صلاح الدين، كلهم اختلط لديهم الديني بالسياسي، كيف ولماذا؟ وما هو الدافع ليختلط الدافع الديني بالسياسي؟ هل يصلح أن تحلِّق القضية الفلسطينية بتحريرها أو فتحها بجناح إما الديني أو السياسي؟

الدكتور حافظ الكرمي : يعني قضية فلسطين هي جزء من أرض الأمة الإسلامية، لكن مع كل ذلك هي فلسطين بشكل أساسي لها خصوصية، هذه الخصوصية أن فلسطين فيها أولى القبلتين وثالت الحرمين وقضية الإسراء وقضية المعراج، وعليها معارك فاصلة في التاريخ الإسلامي وبالتالي في هناك نظرة مختلفة، كل الأرض الإسلامية أرض المسلمين يجب أن إذا اُحتل منها شبر مسلمين وجب على المسلمين تحريرها، لكن هناك خصوصيات لبعض الأراضي، كما أنها خصوصيات لبعض الأشخاص فهم أنبياء وهم صالحون، هناك خصوصيات لبعض الأراضي فهي أراضي مقدسة أو أراضي لها ميزة خاصة، وكذلك أرض فلسطين، وبالتالي الصراع في الزمان الماضي والزمان الحاضر، أنا اقول لك الآن وأقول للمشاهدين.. حتى بعد أن يزول هذا الكيان وهو زائل.. بإذن الله تبارك وتعالى وقريباً، قد لا يكون حتى عند الناس ليتأملوا، نقول بعد فترة.. هو في فترة قصيرة إن شاء الله، سيزول هذا الكيان . لن ينتهي الصراع في موضوع فلسطين، هذا الصراع رسول الله صلى الله عليه وسلم ربطه بقيام الساعة، وبالتالي قال: “لا تقوم الساعة حتى تقاتِلوا اليهود، وأنتم شرقيُّ النهر وهم غربيُّه، لا تقوم الساعة حتى الدّجال يقوم…”

قصدي قضية الدين مرتبطة بالقضية ارتباطاً عضوياً، لا يستطيع أحد أن يفتكّْ، يعني حتى الآن الذي يقول أنّه صراع ديني وسياسي وما إلى ذلك، حتى هذا لا يستطيع أن يتحدث ويقول للشعب الفلسطيني أن المسجد الأقصى مثلاً ليس له قيمة بالنسبة له، وبالتالي ممكن أن يتنازل عنه مثل أي بقية أرض، لا يستطيع هو أن يتحدث عن بعض الأماكن في القدس المحتلة أو غيرها، بالتالي هذه عقد فيه حتى عند السياسيين، حتى عند الصهاينة أنفسهم، هم يتحدثون عن شبه الهيكل ويتحدثون عن أماكن مقدسة ويتحدثون عن دين وعن عقيدة، نعم.. هي باطلة في نظرتنا لكن هم يتحدثون عن الدين ويعبّئون أجيالهم بهذه العقيدة الباطلة، كما نحن ينبغي أن نعبّئ أجيالنا ونعدّهم بالعقيدة الصحيحة.

المقدم: نحن مازلنا نتحدث عن البعد الديني عند الصهاينة وقبلهم الصليبين وعند المسلمين في توجههم في اتجاه تحرير أو فتح القدس، سواء يحتلها أو يحررها، هو مسمّى.. في الأخير هو السيطرة على هذه المدينة.

الآن لديّ سؤال قصير لكن مهم جداً وجوابه قد يطول، وعلينا أن نرتّبه وبإجابة مختصرة ونعطيه وقت قليل جداً، عن دور الكنيسة ودور الكنيس ودور المسجد في الإعداد السياسي وبالتحديد في الإعداد السياسي للجيل.

الأستاذ صالح العاروري : الكنيسة في الحروب الصليبية، معروف أن شرارة الحروب الصليبية بدأت من الكنيسة، من البابا “أوربان”، الذي أخذ يتجول في أوروبا ويدعو إلى استنقاذ الأراضي في فلسطين من الاحتلال الإسلامي لها، والحقيقة أن المنطلق الديني في الحروب الصليبية كان المنطلق الأساسي، لأنه لو تتكلم عن موضوع الجانب الاقتصادي مثلاً -صحيح هو حاضر- لكن الاقتصاد الأوروبي وخصوبة هذه الأرض ليست بحاجة إلى فلسطين.

المقدم: لكن هم كانوا يعيشون مجاعة، مثقلين بالثلوج وعندهم مشاكل اقتصادية كبيرة، دعنا نتكلم بالدافع السياسي.

الأستاذ صالح العاروري : أنا رأيي وتحليلي تاريخياً أوروبا قدرتها في العصور الماضية على إنتاج الغذاء لأهلها أكثر من صحراء  منطقتنا، فالدافع الديني هو الأساس عندهم، في دافع سياسي لتمديد النفوذ للملوك والإقطاعيين إلى مناطق وممالك جديدة، في صراع داخل أوروبا، مثل صراع داخل منطقة فيتم عملية طرد لجزء منهم، فيُوجدوا لهم مناطق نفوذ أخرى، فالكنيسة كانت المحرك المركزي لحروب الصليبين.

نعم هناك أطماع لكن تأتي على هامش الموضوع، إذاً الدين في الحروب الصليبية كان المحرك المركزي، والدّين كان المحرّك المركزي الذي استطاع أن يجمع المسلمين من شتاتهم ومن بعدهم عن الدين، ويستردوا هذه المنطقة من الصليبيين.

المقدّم: اتفقنا بدنا بالإعداد السياسي وليس الديني.

الأستاذ صالح العاروري: الإعداد السياسي.. كانت الكنيسة لا تستطيع أن تقوم بعملية غزو، فاستطاعت أن تحشد ملوك أوروبا بدوافع شتى، دوافع دينية من خلال أنّ الشعوب هناك متعصبة للمسيحية وتسمع كلمة الكنيسة، فالكنيسة تعمل صفقة من خلال إخضاع هذه الشعوب لهؤلاء الملوك والإقطاعيين، وتمديد النفوذ السياسي والإقطاعي لهؤلاء الملوك في منطقة الشرق، بالمقابل الكنيسة تحقق مبتغاها الديني..

المقدم مقاطعاً: والكنيس الآن؟

الأستاذ صالح العاروري: الآن في هذا العصر الحديث، معروف أنّ اليهود عندما قرروا أنهم يريدون وطن قومي استندوا أولاً لفكرة أرض الميعاد، لأنه إذا قمت بتحليل الموضوع حتى تجمع الناس لفكرة، مستعدين أن يمشوا لها ويدفعوا لها ثمن، تحتاج أن تقنعهم بها، الآن إذا بدك تقول لليهود وطن قومي لليهود . اليهود ديانة.. والديانات ليس لها أوطان قومية، الديانة عابرة للحدود، الآن كيف تجمع الديانة مع وطن؟ والديانة لا علاقة لها بجينات يعني بني إسرائيل، فهم لجأوا لقصة أرض الميعاد، وجمعوا اليهود على أساس هذه أرض الميعاد، لكن حصل عند اليهود شيء.. الروّاد الأوائل للحركة الصهيونية استخدموا الدّين استخداماً، مثل عادة اليهود في القرآن الكريم، ربنا يتكلم عن اليهود -يأكلون به ثمناً قليلاً- أنهم “يشترون به ثمناً قليلاً”، هذه الرسالة العظيمة يستغلّوها لمكتسبات صغيرة، لذلك ربنا ضرب بهم مثال حمار يحمل أسفاراً، بالنسبة للحمار يعنيه ثقل هذه الأسفار على ظهره لا يعنيه ماذا بداخلها، بالنسبة لليهود استخدموا الدين اليهودي الذي يعتبروه أقدم إرث ديني للإنسانية، من أجل إنشاء وطن قومي، لكن مثل الذي قال أكذب الكذبة وأصدقها، بما أنهم رفعوا هذا الشعار ونظّموا له، بدأ ينشأ قطاع من الشعب اليهودي والمجتمع الصهيوني الذي جاء إلى فلسطين يؤمن بالفكرة حقيقةً، ويتسع هذا القطاع يوماً بعد يوم، اليوم القطاع العريض أول ما نشأت دولة الكيان والحركة الصهيونية كان المتديّنون عند اليهودّ كلها، وكان معظمهم إرث أوروبي لا ديني، الآن القطاع المتديّن والمتزمّت للدين والذي يجعل الدين جزء أساسي من الحياة، والذي يحكم نظرته السياسة من الجانب الديني، هذا القطاع هو الأغلب في المجتمع اليهودي في إسرائيل، فالدين عند اليهود مُحرِّك كامل من أجل تحقيق أهداف استعمارية وقومية.

المقدم مقاطعاً: يعني كونك عشت هناك في فلسطين.. هناك الكنيس، نحن ندخل المساجد ونرى دور المسجد في إعداد الشباب والأنشطة المعروفة لدى الجميع يعني، المسلمين وغير المسلمين، والمسجد بطبيعته نشيط مجتمعي، لكن الكنيس.. كنت تلاحظ مثلاً أنّ داخله يوجد حركة ويوجد طلّاب علم، توراة؟

الأستاذ صالح العاروري: الآن هذا الوضع مختلف عن كل العالم، يعني كيف نتكلم نحن في تاريخنا.. المسجد كان فيها مئات الحلقات وتدريس والجامع الأزهر وغيره، الآن عند اليهود موضوع الكنيس ليس مبنى قائم بذاته يدخلون فقط يصلون ويخرجون، الآن الكنيس هو مجمّع فيه مدارس، فيه سكن داخلي، فيه حاخامات مقيمين هناك، له اوقاف ومتبرعين واستقلالية دينية، الآن الكنيس هكذا، وفرض المتدينين من خلال زيادة نفوذهم بالدولة موازنات لهذا الأمر، ولذلك يزداد الآن و بشكل كبير أعداد المتدينين.

المقدم: إذاً السياسيين عند الكيان الصهيوني أُعِدُّوا في الكُنُس؟

الأستاذ صالح العاروري: ليس كل السياسيين..

المقدم: في منهم ليبيراليين..

الأستاذ صالح العاروري: الطبقة الأولى التي أنشأت الدولة ولمدة عشرين سنة وثلاثين سنة كانت طبقة عِلمانية، الحاصل الآن أنّ الطبقة المتدينة تتغلغل وتصعد، في الجيش مثلاً لم يكن هناك متدينين أبداً، كانوا لا يجنّدون، وبالتالي كل الجيش كان عبارة عن مؤسسة علمانية يسارية يهودية، الآن بدأوا يدخلون الجيش ويصعدون، الآن موجودون في هيئة الأركان العليا، قبل خمسة أو ست سنوات دخلها أول جنرال يلبس القِبّاعة أو طاقية المتدينين، فهم الآن يصعدون، في الوزارات موجودين، في الحكومات موجودين، في الأجهزة الأمنية موجودين، يعني الدولة تنصبغ بالصبغة الدينية الآن صعوداً.

المقدم : تهويد.. على كلٍّ تأخرنا عليك دكتور حافظ اعذرنا، في نفس النقطة إذا كان لك تعليق أو مشاركة حول دور الكُنُس، دور الكنيسة المسيحية أيام الحروب الصليبية أو الكُنُس أيام الصهاينة والاحتلال ودور المسجد في الإعداد السياسي فقط.

الدكتور حافظ الكرمي : في الإعداد السياسي الموضوع طويل جداً، لكن في موضوع الكنيسة، والكنيسة كانت محرِّك أساسي في الحروب الصليبية، وواضح أن شرارة الحروب الصليبية كانت تنطلق من البابا الذي هو رأس الكنيسة، هو الذي أطلق الحرب الصليبية الأولى، ثم إنَّ الكنيسة الغربية تبنتها بشكل أساسي، وأصبحت الكنيسة هي التي تجمع الناس وتصيح بهم أو تصرخ بهم ليتوجهوا إلى الأرض المقدسة من أجل تطهيرها من الكفار، هذه الروح التي سرت في أوروبا بشكل أساسي، نعم هناك ناس خرجوا لأنهم كانوا قطّاع طريق، هناك هاربين أحكام، هناك من خرجوا لأنه صار عفو عليهم، واحد محكوم إعدام.. أذهب للأرض المقدسة طهرها من الكفار وأموت هناك!

واحد راح حرامي سارق بدو يروح على الأرض المقدّسة يحصل على لقب نبيل أو فارس، يوجد دوافع.. لكن بشكل أساسي كانت الكنيسة تعدّ وترسل وتشجّع، طبعاً بتنسيق مع السلطة الحاكمة، الآن الدور الكنسي الموجود.. إذا أتيت إلى الاحتلال الصهيوني في فلسطين ستجد هناك جيل يتربى في داخل المدارس الدينية الكهنوتية التوراتية، اسمها مدراس توراتية، ليس فقط كنيسة، الكنيسة جزء بسيط منها.. مكان مصلّى، لكن الذي تحدث عنه الشيخ صالح يوجد هناك مجمعات ضخمة..

المقدم: الفرق نحن ندخل المسجد خمس مرات، أما هم مرّة بالأسبوع بموجب الصلاة يعني. اليهود أيضا خمس مرات ؟

الأستاذ صالح العاروري: اليهود ثلاث مرات في اليوم ويسكنون هذه المجمّعات.

الدكتور حافظ الكرمي : هذه الأماكن أخي ليست فقط عبارة عن مكان للصلاة، هي مكان يأتي إليه شباب صغار في سن مبكرة يعيشون فيه، ينقطعون للدراسة والتدريب والتأهيل، كل أنواع الإعداد، الإعداد النفسي والإعداد الروحي، كل الأساطير التي يتحدثون فيها في التلمود وفي التوراة المزوّرة وما إلى ذلك تُعبَّأ فيها نفوسهم وعقولهم، وإن هذه الفكرة العامة أصلاً لهذا الكيان هي فكرة دينية، قصة إسرائيل، قصة أرض الميعاد وغير ذلك من القصص، فنحن نتحدث عن كنيسة كانت تعد في الحروب الصليبية ونتحدث عن كنيس الآن يُعدّ كذلك قادة في الكيان الصهيوني فأين المسلمون الذين يتخرجون من المساجد؟! هذا السؤال..

المقدم: خلينا نأتي للجانب السياسي، بطريقة التعاطي معه، لإنسان نشأ مثل صلاح الدين في المسجد الأقصى، أو مثل القادة المقاومين الآن نشأوا في المسجد، صلاح الدين الأيوبي كان في التعامل السياسي مرن، وكان أحياناً يتعامل بالحسم الفوري وبشدّة وأحياناً كان بالتدرج، وأحياناً كان يعمل منشآت خاصة اجتماعية ودينية ومدارس للتغيير يعني أقصد، تغيير البلاد ليس بالأمر السهل، يلزم مؤسسات كاملة يلزم خبرة سياسية تراكمية إلى آخره، أو نبقى نرفع شعار “ولنصبرنَّ على ما آذيتمونا” والإصلاح وإلى آخره.

الآن سؤالي ما هي الأساليب التي يدعو إليها الأستاذ صالح العاروري للتغيير في التعاطي، خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي؟

الأستاذ صالح العاروري: ممكن اختزالها في نشر العلم والوعي، الإسلام والاهتمام بقضايا الأمة الكبرى، والاستعداد للتضحية من أجلها، والاستعداد للانضمام للخطوات الحيوية من أجل إنجاز هذه الأهداف يرتكز على الوعي، ولذلك الأنظمة مثلاً الاستبدادية الفاسدة الموجودة حالياً في معظم بقاع العالم العربي والإسلامي تركّز على التجهيل، لتزداد نسبة الأمية في العصر الحديث، مع كل وسائل المعرفة الحديثة نسبة الأمية تزداد، لأنه أسهل أن تُغيّب الإنسان الجاهل الذي ليس لديه وعي بواقع وأُفق مستقبل يتطلع إليه، وظيفتنا نحن ومهمّتنا توعية الناس، والرسول عليه الصلاة والسلام كان هذا على سلّم أولوياته، كان هو بنفسه الذي يعطي الدفعات المركزية للتوعية في مكة، كان في بيت دار الأرقم، لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمارس عملاً فق، علاقات وسياسة، كان يقوم بعمل تعبوي، توعية من أجل أن يكون هناك نواة صلبة تستطيع حمل المشروع، صلاح الدين الأيوبي ومن قبله آل زنكي ومن قبلهم السلاجقة بدأوا نظام التعليم النظامي، هذا الذي حمل مشروع إعادة الأمة إلى هويتها الحقيقية وإلى فكرها الحقيقي، والابتعاد عن الخزعبلات والبدع والتشيع والمذاهب الضالة المضلّة التي نشأت في الأمة، هذه المدارس خرّجت أجيال كانت قادرة أن تحمل معهم مشروع نهضة الأمة، فصلاح الدين تمكن -ليس بشخصه- من تغيير الضلالات التي أوجدتها الدولة الفاطمية في مصر وشمال إفريقيا وبلاد الشام والحجاز لمدة سنين طويلة، من خلال جيش من الناس الذين مروا في عملية التعليم والتعبئة والتوعية.

المقدم: بدي أسألك أستاذ صالح عن التعبئة والتوعية عن الوعي العام لأن هناك في  وعي سالب في المثقفين، لكن أنت نشأت أو عشت فترة طويلة من عمرك في السّجن، وكان لك إعداد سياسي خاص فيك، والدكتور حافظ له كلام كثير في الوعي كنّا قد تكلمنا به قبل الحلقة.

الآن سأبدأ معك دكتور حافظ في موضوع الوعي لكن اسمح لنا بفاصل صغير ونعود إليكم..

مشاهدينا.. انتظرونا بعد الفاصل…

المقدّم: من جديد نرحب بكم مشاهدينا في هذه الحلقة على خطى صلاح الدين.

دكتور حافظ كنّا نريد التكلّم عن مشروع أو موضوع الوعي وهو كمشروع للأمة في الإعداد السياسي.

الدكتور حافظ الكرمي : أنا أعتقد أن نشر الوعي السياسي من أهم وسائل أو أهداف الإعداد السياسي للأمة، نحن نستطيع أن ندخِل نخبة في إعداد سياسي مكثف..

المقدّم مقاطعاً: المجتمع مازال يخاف من كلمة سياسة.. هناك الكثير من الناس..

الدكتور حافظ الكرمي : نعم، من خلال أدوات وورش ومعاهد وجامعات ودراسات.. إلخ، لكن مجموع المجتمع نحن نريد أن ننشر من أجل أن نعدّه سياسياً، أن ننشر فيه الوعي السياسي الذي يجعل الشباب والأجيال الجديدة تعرف حقوقها وواجباتها تجاه شعبها وأمتها، ثم نعمّق روح الانتماء في هذه الأجيال من خلال هذا الوعي، روح الانتماء للأمة، روح الانتماء للشعب، روح الانتماء للأرض، هذه المعالم التي فُقدت، ثم تنمية الروح الجماعية وليست الأنانية الفردية، هذا هو الوعي المطلوب، لكن هذا الوعي أعتقد أن له معايير ينبغي أن نعرفها، هذه المعايير هي البعد دائماً، عندما أربي الشباب المسلم أو الشباب الفلسطيني، أربيهم على أن ينشروا الوعي بينهم، أُعمّق الانتماء، وكذلك تنمية الروح الجماعية بحيث لا تصبح هناك روح فردية، أعتقد أنه سيكون عندي جيل قادر على أن يبتعد في أحكامه عن الأحكام المطلقة والعاطفية والغوغائية أحياناً في التفكير.

المقدم: أنت تعيش في بريطانيا وفي بريطانيا أكيد هي سيدة في هذا المجال، ما الفرق بين الوعي السياسي عندهم، وفي بلادنا التي كما ذكرت قبل قليل يعني بعض البلدان العربية تخاف من كلمة سياسة  وسياسي أصلاً يعني؟

الدكتور حافظ الكرمي : أقول لك الفرق في كلمة واحدة مهمّة جداً، الفرق في “الحريّة”.. فرق كبير جداً في مجتمع كما تقول يخاف من السياسة وكلمة السياسي ثمّ يقول لك لعن الله السائس والمسوس وما إلى ذلك.. كل هذا الكلام.. هناك حرية عندما تعطي الشعب حريته ويخرج من طور الاستبداد المقرون دائماً بالفساد، فأنت ستخرج شعباً يستطيع أن يدافع عن نفسه، يعني مثلاً أنت سألت عن موضوع الغرب، لا يمكن للسياسي في الغرب -السياسي يحاول.. ترى السياسي في كل الأحوال؛ البراغماتي والميكافيللي.. يحاول أن يلعب ويحاول.. لكن عندما يكون الوعي -الشعب واعي- يستطيع أن يعيد السياسي إلى المربع مباشرةً، إلى الأمّ مباشرة، وعندما يكون السياسي كما يقال السياسي يلعب يخرجه -الشعب- فورا، أنا بذكر حادثة واحدة في موضوع الوعي، كان في المجتمع في بريطانيا مثلاً، كان هناك الحرب على العراق وكان المجتمع البريطاني بأغلبيته ضد حرب العراق..

المقدم: الأغلبية.

الدكتور حافظ الكرمي : الأغلبية.. وأخرجوا مظاهرات ضخمة -مليونين وثلاثة مليون- في داخل الشوارع؛ يوجد وعي؛ أنه لماذا لتجرونا وراء الحروب مع “بوش”، لم يردّ على ذلك “توني بلير” وركب رأسه وراح على الحرب، ما الذي حدث؟

الذي حدث.. لأن الشعب واعي في الانتخابات التي تليها، الحزب الذي كان يقوده بلير خسر مئة مقعد مباشرةً وهذا كان كارثة بالنسبة لحزب..

المقدم مقاطعاً: دكتور إذاً تركيزك -بدقيقة واحدة- أن الفارق هو الحرية.

الدكتور حافظ الكرمي : الاستبداد يمنع الإبداع، وكذلك الفساد يمنع الإبداع ويمنع الوعي، إذا أردنا أن نوعّي شعوبنا فلا بد من حرية وأن يكون الشعب معه..

المقدم: مع وجود ناس في مجتمعاتنا يكرهون الحرية، أصلاً هم ليسوا حكام ولكن هم تعودوا على العبودية ومنافعهم، أريد أخد تجربة مغايرة والاستثناءات بالشعب الفلسطيني كثيرة.. في تجربة ضيفنا الفاضل الأستاذ صالح العاروري، (18) سنة في السجن ومع ذلك عضو مكتب سياسي، كيف يتشكل وعي سياسي ويعدّ الأسرى أنفسهم، رغم أنه لا يوجد حرية، ولكن الحرية في السجن يمكن أن تكون أحسن من بعض الدول العربية.

الأستاذ صالح ضاحكاً: بالقطع أحسن، تعليق صغير على المعادلة التي تفضّل فيه الدكتور عن موضوع الحرية والإبداع، يوجد منظومة معروفة، أي نهضة تحتاج لاقتصاد، الاقتصاد يحتاج إلى استثمار -يعني الناس تستثمر الذي في جيبها وليس فقط الخارج يستثمر- وحتى أستثمر في مجتمع وأعمل أحتاج إلى الاستقرار، والاستقرار لا يبنى إلا على الحرية، والحرية بتجبلك لنا خيارات المجتمع، وبالتالي بتحافظ عليها، فهي حرية.. استقرار.. استثمار.. نهضة، ولا يمكن أن تكون بدونها.

الآن كل محاولات النهوض عندنا، وكل خطط الخمسية والعشرية تفشل بالدول العربية لأن الأساس الأول وهو الحرية ليس مقبول عليهم، في موضوع تجربة السجون -تجربة الاعتقال- إسهام في تطوير الوعي السياسي.

المقدم مقاطعاً: عشان نستوعب معك.. ما رأيك أن تعطينا فكرة.. ما هو التشكيل السياسي في السجن، واضح أنه يوجد حكومات وشعب وكل شيء بالسجن.

الأستاذ صالح العاروري : السجن هو امتداد للحالة المقاوِمة للاحتلال، أي الشعب الفلسطيني يقاوم الاحتلال، هناك نساء تقاوم إذاً يوجد هناك نساء في السجون، هناك أطفال تقاوم إذاً هناك أطفال في السجون، هناك شيوخ كبار يقاومون إذاً يوجد شيوخ في السجون، هناك شباب يقاومون إذاً هناك شباب في السجون، هي امتداد.. هي من قلب المجتمع، يعني دعنا نقول فلذة كبد الشعب الفلسطيني يذهب للسجون.

المقدّم: إنهم يسجنون المقاومين والسياسيين أصلاً.

الأستاذ صالح العاروري : هناك تداول، أي يخرجون من السجون ثمَّ يعودون إليها، وهناك من يستشهد ويغادر هذا الواقع صُعُداً، يعني يرتقي.

المقدّم مقاطعاً: كيف تنمّون أنفسكم، يعني التنمية السياسية؟

الأستاذ صالح العاروري : داخل السجون ميزة الوضع أنّ هناك نسمّيها -صفوة- نُخبة وطنية، القاسم المشترك عندهم هو ليس وحدة الرؤى السياسية، ولا الفكرية، هناك شيوعيين بالسجن وإن كان عدد قليل طبعاً، وهناك إسلاميين وهناك علمانيين.

المقدم مقاطعاً: ولكن الأغلبية من “فتح”؟

الأستاذ صالح العاروري : لا.. تراوحت، في فترات كانت الأغلبية حماس وفي فترات كانت الأغلبية فتح، يعني مرّت فترات طويلة الأغلبية كانت حماس وفترات طويلة أيضاً الأغلبية فتح.

فالقاسم المشترك للناس الموجودون في السجن هو الإحساس بالمسؤولية، أي أنا أعيش في بيتي وعندي أسرتي ولي مستقبلي، وأستطيع أن أعيش كما يعيش المواطنون في كل العالم، ولكن عندي قضية لا أستطيع التخلّي عنها، إحساسي بالمسؤولية تجاهها يدفعني لمقاومة الاحتلال، مقاومة الاحتلال بكل الأشكال.

هناك أخوة سياسيين يقاومون، مقاومتهم بالسياسة، ويجلسون بالسجون سنوات طويلة، هناك الاعتقال الإداري أي الاعتقال بدون محاكمة، لدينا إخوة تجاوزوا الآن (12) سنة اعتقال إداري دون محاكمة.
المقدّم مقاطعاً: مثلاً هو (6) أشهر أم كم؟

الأستاذ صالح العاروري : هو ست أشهر ويمدد ست أشهر، يوجد إخوة مجموع اعتقالاتهم الإدارية تجاوزت ال (12) سنة.

المقدّم: هذا ما تسمّوه إخفاء قسري أم غيره؟

الأستاذ صالح العاروري : لا ليس إخفاء، هذا اعتقال بغير محاكمة.

المقدم: يوجد أشدّ إذاً.

الأستاذ صالح العاروري : الآن أعضاء في المجلس التشريعي هؤلاء، وزراء في الحكومة، رؤساء بلديات، أنا القسم الذي أُطلق سراحي منه آخر مرة في سنة /2010/م ، كان قسم للمعتقلين الإداريين، كانت صفوة الشعب الفلسطيني موجودة فيه، أي فيه وزراء، فيه أعضاء برلمان، فيه رؤساء بلديات، أساتذة جامعات، قضاة، أئمة مساجد، علماء، كان يَدخل قيادة مصلحة السجون -قيادة الاحتلال على القسم، فيدخلوا في وقت الجلسات..

المقدم مقاطعاً: جلسات ماذا؟

الأستاذ صالح العاروري : جلسات يومية.. جميع الأخوة.. والجلسات اختصاصية، هناك دورات يتعلمون القانون، وهناك من يتعلم الصحة العامة، وهناك من يتعلم أحكام التجويد، وهناك من يتعلم الجغرافية وهناك من يتعلم اللغات، لأن هناك عند أصلاً صفوة المجتمع، فجاء رئيس مصلحة السجون وأنا كنت مسؤول الأسرى هناك، فقال: ماذا يفعل هؤلاء؟ قلت له يتعلمون.

المقدم مقاطعاً: بالعبري كلّمك؟

الأستاذ صالح العاروري : طبعاً نعم، فقال: من يعطيهم؟ فقلت: امشي معي لأفرجيك.. فكانت الحلقة الأولى هناك أخ يدرّس عن القانون الدولي، قال من هذا الذي يدرس ؟ قلت هذا رئيس قسم الدراسات العليا لكلية الحقوق في جامعة النجاح، وهو بروفيسور بالقانون، فقال: وهذا ماذا يفعل هنا؟ قلت له اِسأل جماعتك، اِسأل المجرمين خاصّتك الذين يحضرونهم.

وأخ يدرّس دورة صحة عامة، فقال: من هذا؟ فقلت: هذا رئيس بلدية جنين، طبيب وكان رئيس نقابة الأطباء وهو موجود هنا.

فكل الموجودين نوعيات من صفوة المجتمع، ممكن أن يكون شخص غير مثقّف ولكنّه واضح أنه شخص مسؤول أيضاً بشكل شخصي عن مصير الشعب الفلسطيني، ولذلك بداخل السجون.. صحيح يوجد ظروف قاسية وغير طبيعية وليس من الطبيعي أبداً أن يُسجن الإنسان لسنوات طويلة معزولاً عن عالمه، لكن نحن نعرف أن الحياة عندنا قاعدة، أي الحياة هي المقاومة، إذا توقّفْتَ عن المقاومة توقّفْتَ عن الحياة، أي مثل الجسم إذا توقفت عن مقاومة الفيروسات الغازية تفقد مناعتك وتموت، وعندنا.. عقلك إذا توقف عن مقاومة رغبة المحتلّ في هزيمتك في وعيك الداخلي.. أنت تموت..

ولذلك نحن نصرّ أن هؤلاء الناس يطلعوا أكثر قدرة على مقاومة الاحتلال، ومسلّحين بما هو أفضل بكل مجالات الحياة لمقاومة الاحتلال، لذلك هناك فعلاً عمق سياسي في الاهتمام بالذات، والسجن فرصة، لأن الإنسان يحتاج إلى خلوة قد تطول أحياناً، لكن يصل إلى مرحلة التأمل والتعمق في الدراسة، وتتاح لنا مراجع وكتب ونحتكّ بإخواننا الذين يأتون إلى السجون.
المقدم مقاطعاً: هناك أناس كثيرون تخرجوا في السجن وحصلوا على الدكتوراه.
الأستاذ صالح العاروري : نعم، وهناك متابعات دقيقة، ويخرج الناس من السجن خبراء بشأن العدوّ، ويعرف عدوك ، يتقن لغته ، يلي من السجن يعرف عدوّه كويّس.

المقدم: لا أدري إن كان لديك تعليق دكتور حافظ.. ولكن سؤالي طالما كثيراً كنت أتكلّم في موضوع الوعي السياسي  لو تخيّلناّ أمة بِلا وعي سياسي، والآن يوجد جهل سياسي بلا شكّ في أمّتنا، لا يعرفون قيمة وأهمية تحرير القدس وسيادة الأمّة، وأن نعيش مثل بقية الأمم في كرامتنا وحريتنا ووجودنا على الخريطة التاريخية.

سؤالي بالتحديد: ما آثار غياب الوعي السياسي؟

الدكتور حافظ الكرمي : حقيقةً عندما يغيب الوعي تغيب البوصلة، يصبح هناك عدم توازن، يصبح هناك فقدان للوزن والتوازن ويصبح هناك أمّة تائهة.

في لحظة من اللحظات تُوفيَّ الرّسول صلى الله عليه وسلم، القائد والملهِم، قالوا كنا كغنم مَطِيْرة في ليلةٍ شديدةٍ مظلمة، هذا عندما يتوه الشخص. عندما يبطل الواحد. عندما يغيب الوعي تصبح الأمّة كغنم مطيرة -الغنم المطيرة هي التي تمر عليها وكل واحد يصبح بجهة مختلفة- وبالتالي عندما يغيب الوعي أول مخاطر هذا الغياب هو الفوضى الفكرية التي تشهدها الأمّة، يصبح هناك مشارب مختلفة، فوضى، لا يوجد هناك وحدة واحدة، لا وحدة فكرية، لا وحدة في الرؤية لهذه الأمّة، لا وحدة حتى في تحديد العدوّ من الصديق، ليس هناك أي نوع من إمكانية أن يقرأ الإنسان، عندما يغيب الوعي لا يقرأ حتى بشكل صحيح المعادلة، كيف تكون الأمة قادرة على الانتصار، أمة قادرة على الإبداع، أمة قادرة على الإنتاج؟ عندما يكون هناك نوع من تحديد لهذه الاتجاهات، عندما يكون هناك استقراء للأحداث الموجودة حولها، سواء كان أحداث سياسية، أحداث اقتصادية، تستطيع أن تستغلّ هذه الأحداث وتسخّرها من أجل أن تقوّي نفسها ومن أجل أن تدافع عن نفسها وغير ذلك، ثم غياب الوعي يؤدي إلى الوقوع في التناقض ثم التناحر ثم التقاتل ثم الضعف ثم التلاشي.

المقدم: وهذا جزء كبير منه حاصل الآن..

الدكتور حافظ الكرمي : إذا ركزنا على موضوع فلسطين، أهم شيء يقوم به الاحتلال الصهيوني ما هو؟ هو محاربة الوعي في شعب فلسطين، وبالتالي عندما يتحدث الشيخ صالح أنهم أخذوا رئيس قسم كذا من جامعة كذا.. وهذا مؤثر فكرياً وهذا مؤثر في الجهاد.. وهذا مؤثر في دراسته.. لماذا؟ من أجل تغييب الوعي.. وهذه أهم المخاطر، عندما يغيب الناس الواعيين، “يصبح الناس فوضى لا سُراة لهم، -إذا ساد جُهّالهُم ، ولا سُراة إذا جُهَّالهُم سادوا” ؛ فنحن عندما يغيب أصحاب الوعي الفكري، القادة الفكريّون الذين يبثّون الوعي الفكري  عند ذلك تصبح الأمّة بلا هدف وبلا رؤية وبلا قيادة، فيكثر التنازع ويكثر التناحر ويكثر الخلاف والفوضى وما إلى ذلك.

المقدم: على كلٍّ نريد أن نسأل عن شريحة محددة، هي أغلبية ربّما في السجن الذي أعدَّكم سياسياً، ونضجت تجربة كثير من الناس في فلسطين مغيّبين في السجن.

الشباب في عهد النبيّ صلى لله عليه ووسلم أوصلَ بعضهم لأن يكون قائداً لأولي النهى والخبرة والتقوى من أصحاب السّبق في الإسلام، كان قائدهم شاب مثل أسامة وغيره، طبعاً نحن ندرك أهمية نضوج الشباب والسياسيين، والكل بدأ ووجهته والتركيز على الجامعات والجيل الجامعي، كيف نستثمر موضوع الشباب في الجامعات وفي تجاربك تجربةً سابقة، حتى في السجون بالنسبة لفلسطين كانت تُستثمَر شريحة الشباب، حدثنا عن ذلك.

الأستاذ صالح العاروري: هو في فلسطين عملياً، يعني الفترات التي اندمج فيها كمية أو قسم كبير من الشباب أو شباب الشعب الفلسطيني في حمل همّ القضية، هي الفترات التي كانت ناجحة وناضجة ومتطورة وأمكَنَ تحقيق أهداف، فالشباب في كل المجتمعات هم الكتف الذي تتكئ عليه الأمّة حقيقةً في كل شيء، يعني عقل الشباب هو العقل القادر على متابعة التطورات الحديثة والتفوق فيها، وهو القادر على الحفظ وهو القادر على السهر، وجسم الشباب هو القادر على تحمّل الأعباء أيضاً والضغوط، وعلى بذل جهود أكبر، فالإنسان مع التقدم في العمر تتأثر قدرته العقلية وقدرته الجسدية، ولذلك الأم التي لا تستغل الشباب ثم تُشْرِكهم في مهامها الكبرى تَخسَر مخزونها الأساسي، في فلسطين.. الانتفاضة الأولى كانت معروفة.. كانت بدأت انتفاضة حجارة الأطفال، يعني المشاركة بدأت من سنّ الطفولة، وامتدت لكلّ المراحل، لكن الشباب في قلب هذه المرحلة استطاع أن يُنهض الشعب الفلسطيني كله في مقاومة الاحتلال، وفي الانتفاضة الثانية معظم الاستشهاديين والمجاهدين كانوا من الجامعات ومن هنا ومن هنا، ومن السجون أيضاً، ويذهبون للسجون ثم يخرجون منها، الشباب طاقة هائلة، كل الأمم تستغلها استغلال حسن، يعني مثلاً الكيان الصهيوني يجنّد..

المقدّم مقاطعاً: ما رأيك.. نحن نريد أن نسمع الأمثلة، وعندي سؤال آخر على الشباب، ولكنه يبدو قد حان وقت الفاصل من فترة، نعود لك ونعود للمشاهدين مع أمثلة أخرى، مشاهدينا نلتقي بعد فاصل إن شاء الله..

من جديد نرحب بكم مشاهدينا.. على خطى صلاح الدين بصحبة المسؤول الإعلامي لهيئة علماء فلسطين في الخارج الدكتور حافظ الكرمي، وبصحبة عضو المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ صالح العاروري.

كنت تتكلم عن الشباب وقاطعناك.. كنت تتحدث عن أمثلة ونريد أن نضيف عليها، وسؤال آخر تحدثنا عنه أنه إذا كان الجهاد ذروة سنام الإسلام، والشباب هم الدينامو الذي يحرك الإعداد السياسي وصولاً إلى التحرير والجهاد إلى آخره، كم تحاول حكومات غربية وعربية وصهيونية أن تعطل هذا الدينامو؟

الأستاذ صالح العاروري: أنا كنت أتكلم عن مثال عند العدو الكيان الصهيوني والإسرائيلي ، وكيف يستغلّ طاقة الشباب في كل المجالات، في المجال العسكري مثلاً.. يجنّدون كل من يبلغ الثامنة عشر من عمره، يذهبون به إلى الجيش، الجيش عندهم ليس مؤسسة قتالية فقط، هو مؤسسة الأسرة، يعني فيه تعليم، وفيه تاريخ، وفيه جغرافيا، وفيه تَوراه..

المقدّم مقاطعاً: راتبه يظل مستمر؟

الأستاذ صالح العاروري : خلال فترة وجوده في الجيش نعم يُدفع له مرتّب، لكن التجنيد الإلزامي هذا الذي هو لمدة ثلاث سنوات، من سن ثمانية عشر إلى الواحد والعشرين، كل شاب عند الكيان يقضي هذه الفترة في الجيش، الجيش هو الذي نجح في إيجاد كينونة..
المقدم مقاطعاً: ذكوراً وإناثاً تقصد؟

الأستاذ صالح العاروري : ذكوراً وإناثاً، الإناث إذا تزوجت تُعفى، والمتديّنة لا تخدم، أما البقية يخدمون في الجيش.

الآن هذه المؤسسة عندهم تأخذ هذا الجيل، فتصهره بالرؤية المتفق عليها صهيونياً، نظرتهم تجاه العرب، نظرتهم تجاه فلسطين، نظرتهم تجاه تاريخهم، تجاه تطلعاتهم، تجاه ما يسمّونه الكوارث التي حلت بهم، وضرورة حماية الشعب من الكوارث التي يمكن أن تحل به، هذا يتكوّن داخل الجيش، الآن في هذه الثلاث سنوات تكون هذه الطليعة المقاتلة الشاب الذي عمره بين (18) و(21) عنده استعداد يندفع في القتال بلا حدود، ليس وراءه أعباء يفكر بها كثيراً، ثم عقله متفتح، تستغرب أنه يتحول إلى قائد دبابة، إلى ضابط كبير، إلى مسؤول عن منطقة، لأنهم يعطونه مسؤوليات.

الآن هذا الإعداد يكون بين الكيان لجيل الشباب، ثم بعد ذلك حتى لو ترك الجيش يعود إليه كل سنة شهر، كل سنة يجب أن يعود شهر.

عبر التاريخ بالمقدار الذي أنت تستغلّ هذا الجيل، وبقَدَر ما تحمّله من مسؤوليات، وتعطيه واجبات وتحسسه بمسؤوليته، بالمقدار الذي يتحوّل إلى قادر على تحمّل هذه المسؤوليات وهو متفوّق عليها أيضاً، أحياناً أنا أرى بعض الظواهر المتخلّفة، الذي عمره خمسة وعشرين سنة يقول لك هذا ولد لا نقدر أن نعتمد عليه، بينما السلطان محمد الفاتح استطاع أن يفتح القسطنطينية وعمره واحد وعشرين سنة، يستغرب الناس، أسامة بن زيد كان تسعة عشر سنة وكان قائد جيش فيه شيوخ الصحابة، السبب أنه في إعداد صحيح، يخلي هؤلاء الناس يشاركون في هموم الأمّة، ويحسّون بمسؤوليتهم تجاهها، والوعي عندهم يسبق عمرهم، فيتحول في هذا السنّ أنه يستطيع أن يتحمل هذه المسؤولية وأكثر، في الغرب الآن يستطيع واحد أن يصبح رئيس للولايات المتحدة الأمريكية عمره أربعين سنة أو اثنين وأربعين سنة، يقدر أن يصبح رئيس لأكبر دولة في العالم، نحن لدينا ظاهرة أحياناً فعلاً أنه بيقضّيها أنه عمره صغير وجاهل لسنّ معيّن بعدين يصبح كهل لا يصلح لشيء، فيضيع عمر الناس هكذا، نحن بحاجة لنستغلّ طاقة هذه الأجيال، في الجوانب العملية فالآن هم الأقوى على التنفيذ، وفي الجوانب التطورية والعلمية من خلال أن يكون لديهم الوعي والفهم والمسؤولية، وهم يصبحون فعلاً جيش متحرك، طاقة هائلة لا يمكن الوقوف في وجهها في تحقيق أهداف الأمّة.

المقدم: خَطَرَ في بالي أسئلة كثيرة جداً وأنت تتكلم، لكنّي لا أريد أن أظلم الوقت وأوزّعه بالتساوي.

دكتور حافظ إذا لديك تعليق على الشباب، أو دعني أسأل سؤالي مباشرة، خلينا نحكي بالإعداد السياسي المطلوب، والأستاذ الدكتور صالح ذكر جوانب كثيرة، لكن بدنا نشوف أين الخلل؟ أو نقارن بين حروب السبعة وستين والثمانية وأربعين في إعداد الصهاينة سياسياً، ثم في الحروب الأخيرة كان يوجد تراجع فيها، هل صاحَبه تراجع في الإعداد السياسي منهم لذلك خسروا في الحروب؟ ماهي نقاط القوة والضعف في الإعداد السياسي لدى اليهود؟

الدكتور حافظ الكرمي : أقول أولاً إذا رجعنا للتاريخ قليلاً في موضوع الصهاينة وإعدادهم في عام /1948/، هذا لم يكن وجوده في تلك اللحظة، هو وليد اللحظة، يعني هذا الجيل لم يظهر فجأة عام /1948/ وبعدين عمل احتلالاته، يوجد إعداد مسبق حصل حتى قبل أن يصلوا إلى فلسطين، هذا الإعداد كان منه جانب سياسي كبير جداً، وكان جانب عسكري، وبالتالي هم شاركوا في الحرب العالمية الأولى وشاركوا بالحرب العالمية الثانية..

المقدم مقاطعاً : بهدف؟

الدكتور حافظ : بهدف أن يدرّبوا شبابه، يريدون شباباً قادر على تحمل المسؤولية سياسياً وعسكرياً ويقود المرحلة القادمة، وبالتالي إذا جئنا بين قوسين لما يسمى بـ “جيل التأسيس عند الكيان الصهيوني”، نجد أن هذا كان ضابط في الجيش البولندي، وهذا كان ضابط في الجيش ال… ، هذا كان ضابط في الجيش البريطاني، هذا كان جنرال لا أعرف في أي حرب حارب.. أو في غير ذلك ، أو كان سياسيّاً في قصر كينغ دام ستريت، يعني ستجد أن هناك إعداد سياسي واضح قبل ذلك ومنذ أن أُعطُوا وعد بلفور عام /1917/، كان عندهم (30) سنة وهم يعدّون كوادرهم وشبابهم من أجل أن يصلوا إلى اللحظة التي وصلوا في /1948/، لكن بالمقابل كان في عندنا نحن  في المنطقة العربية يوجد نوع من التجهيل -الجهل السائد في المنطقة- وبالتالي..

المقدم مقاطعاً : ولكن أيضاً في بعض العرب طُلِبَ منهم أن يقاتلوا في الحرب العالمية الأولى والثانية مع الجيش الإيطالي وغيره..

الدكتور حافظ الكرمي : نعم ولكن من غير هدف، يعني كان يقاتل فيه بعض اليمنيين مع جيش بريطانيا، كان يقاتل بعض المغاربة مع جيش فرنسا، لكن من غير هدف، هم أفراد وذهبوا يقاتلون، أخذوهم المستعمرين وذهبوا يقاتلون معهم كخدمة ومن غير هدف، ولكن كان هناك جهات صهيونية تعدّ هؤلاء الشباب وبالتالي انتصروا.

الآن.. أنت تقول لي لماذا بعد ذلك فشلوا في بعض الحروب.. أولاً أنا أعتقد أن الذي حصل في الحروب في عشرة سنوات أو ست عشرة سنة الماضية أن الصهاينة لم يستطيعوا أن يكسبوا في العشر سنوات أو ثلاث عشرة سنة الماضية -حرباً- كما كانوا يكسبونها سابقاً، وحاولوا.. ضربوا.. وآذوا.. وقتلوا.. لكنهم في لبنان أو في غزة أو في المعارك المختلفة، لم يستطيعوا لماذا؟

أنا أعتقد أن التطور الذي حصل هو تطورين.. التطور الأول أن القادة المؤسسين بدأوا ينقرضوا، جاء جيل جديد أكثر استرخاء عند الكيان الصهيوني، أكثر تعلقاً بمباهج الدنيا وزخارفها، في المقابل خرج جيل جديد في الشعب الفلسطيني وفي الشعوب العربية والإسلامية، هذا الجيل الجديد بدأ ينتمي لدينه ولوطنه، ويعدّ نفسه ويستعد، يوجد إعداد عسكري وإعداد علمي وإعداد.. وإعداد.. وإعداد..

بدأت المعادلة تختلّ، هو الآن الكيان الصهيوني يضرب غزة لكنه لا يستطيع أن ينتصر في معركة، يستطيع أن يستخدم آلته الجهنمية في القتل لكنه لا يستطيع أن يحقق أهداف سياسية، كل هذا نتيجة هذان التطوران، التطور الأول أنه هو في جيله الثاني الذي أتى بعد جيل التأسيس أصبح في ضعف كبير جدا  في الانتماء للمؤسسة، ويوجد جيل لدينا بدأ يخرُج قادر على المواجهة وقادر على المقاومة وقادر على التطوير وقادر على أن يضرب تل أبيب عندما تُضرب غزة.

المقدم : في نفس السياق لكن سياسياً وليس عسكرياً، لو تبيّن لنا نفرق بين طريقة إعداد إنسان سياسي يصبح يقود الكيان الصهيوني ويصل إلى سدة الحكم، ما هي المراحل التي يمر بها؟ وكيف يعدّونه؟ وكيف نحن نفاجأ بالسياسيين الموجودين؟ أو هل فعلاً يوجد خطة إعداد للسياسة ضمن مؤسسات سياسية محددة؟

الأستاذ صالح العاروري : الكيان الصهيوني أخذ المدرسة الغربية في إدارة شأنه الداخلي، ولذلك تنشأ بُنَى نَقابيّة وحزبية وفكريّة تعبّر عن حقيقة المجتمع، وأخذ بآليات العمل الديمقراطي في داخل المجتمع والقضاء المستقلّ، وبالتالي القيادات التي تنشأ في المجتمع الصهيوني من داخله تعبر عن حقيقة المجتمع الصهيوني، لأن الآليات المتبعة والحريّات المتاحة للناس تسمح بالتعبير عن المجتمع تعبيراً حقيقياً في قيادته، وعشان هيك  في هذه المؤسسات الحقيقية والراسخة لا يوجد أحد يمكن له أن يمرّ انقلاباً، أو يمرّ مرور البرق، أو يأتي على طبق من ذهب للناس، أو يأتي وراثةً، سيرث عرش إنجلترا عاقلاً أو مجنوناً لا يوجد، لأنه هو معروض على مجتمع في اللحظة التي يشوفه أنه لا يمثّلهُ ينْزله .

المقدم : إذاً ملخص الكلام قلت إن الإنسان يمر أولاً بالنَّقابات ثمَّ بأحزاب ثمَّ بآليات العملية الديمقراطية؟

الأستاذ صالح العاروري : ملخص الكلام أنه يمر بكل طبقات المجتمع، تمتحنه كل طبقة، وعملية مغالبة داخلية للطرق السياسية والديمقراطية والمؤسساتية، حتى يصل إلى قيادة هذا المجتمع من يمثّلها.

المقدّم: طيب وعندكم في الحركات الإسلامية والمقاومين؟

الأستاذ صالح العاروري : الآن الحركات الإسلامية من بين المجتمع العربي والإسلامي، أنا رأيي وأقول.. أنه ربما تكون الوحيدة، قد يكون هناك البعض الآخر التي أيضاً التطور القيادي فيها سواءً كان الفكري والعلمي أو السياسي، أيضاً يمر بمراحل طبيعية، لأنه لدينا مؤسسات ولدينا بنى حقيقية، وأنا أقول إنه لا مجتمع ينهض من دون أن تكون هناك كتلة مركز، وأنا أؤكد أن كتلة المركز أصبحت موجودة، رأيت أحد الأسئلة أنه أين نحن؟ نحن قطعنا جزءاً أساسياً، وهو أنّ كتلة المركز التي لديها رؤية واضحة ومحددة ومرتكزة إلى دين هذه الأمة وتصوراتها وفلسفتها، موجودة، وهي كتلة الإسلاميين، والتطور في داخلهم لأفرادهم وقيادتهم طبيعي، ولذلك لاحظ العالم جميعاً في كلّ التجارب التي سمحت أن تعبر فيها الشعوب العربية والإسلامية عن ذاتها بحريّة، اختارت هذه الكتلة، التي تثبت أنها موجودة، الآن هي تواجه المؤامرات، لكن لا أحد ينافسها أو يزاحمها على هذا المكان، وهذه المكانة التي أوجدتها محتّم عليها أن تنتصر وتقود هذه الأمّة.

المقدم : تمام.. في المقدمة دكتور حافظ قلنا يوجد إعداد سياسي خاص يكون في ظلّ المجازر والمذابح التي ارتكبها الصهاينة منذ العشرينيات وربما حتى في الحروب العالمية، وقبل ذلك الفرنجة أيضاً ارتكبوا مجازر وقتل وسلب وتخريب وحرق إلى آخره، هناك إعداد سياسي إذاً خاص بهذه المجازر.

الدكتور حافظ  الكرمي : نعم، أولاً حتى نحدد مراحل كيف تمرّ الأمّة، أولاً يوجد أمّة مغيّبة لا وعي لها، فتصبح هناك نوع من الأحداث والمجازر، وحصل هذا في التاريخ.. كيف اُحتُلّت بغداد، فيصبح هناك نوع من الصدمات، نوع من المجازر، نوع من الابتلاءات، الأحداث العظيمة، في هذه اللحظة تنتقل هذه الأمة إلى مرحلة في الإعداد تُسمّى مرحلة الإحساس، تبدأ تشعر أنه يوجد مشكلة، من مرحلة الإحساس تبدأ تتلمس طريقها يُسمّوها مرحلة الإدراك، بعد الإحساس مرحلة الإدراك، تُدرك إنه يوجد عدو، ويوجد احتلال، ويوجد مقاومة، ويوجد أرض تُنتهك وأعراض، وكذا.. بعدين هو يخرج من مرحلة الإدراك لمعرفة المعرفة، يصبح يمتلك معلومات، حول العدو، حول الوسائل، حول الطرق، وفي المرحلة الرابعة التي قلنا فيها في العشر سنوات الماضية إن الشعب الفلسطيني ومقاومته بدأ في اللاوعي في العشرينات وفي الثلاثينات، ثم مرحلة الإحساس -الحروب التي مرت بها عشرين ثلاثين سنة-  ثمّ الإدراك ثم المعرفة، الآن نحن في مرحلة العمل، ومرحلة العمل تعني أنه المعلومات التي اُمتلكت، المهارات التي حيزت طيلة الفترة الماضية، الآن ننطلق فيها من أجل العمل وتحقيق هذه المعلومات إلى واقع حقيقي بتحرير أرضنا والوصول إلى أهدافنا بكنس هذا الاحتلال من بلادنا.

المقدم : يعني هذا ترتيب جميل وهرمي ومدروس الذي تفضلت فيه، لكن معنا نصف دقيقة، من خلال خبرَتُك في المكتب السياسي لحركة حماس، يعني ما هي رسالتك إلى دوائر التوجيه السياسي إلى الإعداد السياسي بشكل عام؟ يعني خلاصة خبرتك في السنوات التي مرت.

الدكتور حافظ الكرمي  : بمقدار ما ننجح في نقل الشعور بالمسؤولية لكل أفراد مجتمعنا، فلسطيني وعربي، في مقدار ما ننجح . وجعلهم يؤمنون به، وجعلهم يتحركون لتحقيقه بمقدار ما نتقدم في قضيتنا، القضية ليست نُخبة تعمل لوحدها منفصلة عن المجتمع، القضية قضية مجتمع يتشارك مع هذه النُخبة القائدة ويؤمن بها وتؤمن به، فيتم حلّ المشروع، ونحن إن شاء الله لدينا قِطَاع عريض من شعبنا ومن أمتنا وسيستطيع إن شاء الله حمل هذه القضية، وهذا هو السبب في التقدم في المواجهات مع الكيان الصهيوني في السنوات الأخيرة.

المقدم : هذا ما سمح به الوقت مع ضيفين عزيزين، جزاكم الله خير، إن شاء الله هذه الحلقة بميزان حسناتكم وحسنات الفريق العامل على خطى صلاح الدّين، وباسم المشاهدين نشكر ضيفينا الأستاذ صالح العاروري عضو المكتب السياسي لحركة حماس، والمسؤول الإعلامي لهيئة علماء فلسطين بالخارج الدكتور حافظ الكرمي، وباسم فريق البرنامج أيضاً نشكركم مشاهدينا على أمل اللقاء في حلقة قادمة، هذه تحياتي “عمر الجيوسي” السلام عليكم ودمتم في أمان الله.

لمشاهدة جميع حلقات برنامج (على خطى صلاح الدين):

https://www.youtube.com/playlist?list=PLH5y7ZzK7PCBHWfVeDLcBGgcf0t5ou2de