إصدار

مركز معراج للبحوث والدراسات التابع لهيئة علماء فلسطين

ومركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم

تقديم

العلامة البرفسور الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

والشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو   رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا وعضو الأمانة العامة لاتحاد علماء المسلمين ورئيس المجلس الاستشاري لهيئة علماء فلسطين

تحرير

الدكتور محمد همام ملحم  والدكتور  فادي كاظم الزعتري

لتحميل ملف Word + pdf لهذه المقالة المحكمة:

https://drive.google.com/open?id=1n5r7P4VkjQIE5L0U5l9PQtYOvu3Pqdpv&authuser=mail%40palscholars.org&usp=drive_fs

لتحميل ملف Word + pdf لكامل كتاب (ندوة صفقة القرن .. رؤية شرعية وقراءة استراتيجية):

https://drive.google.com/drive/folders/1r2-BGQF0Y5IXWzFDRP3goka9jrfh_rW9?usp=sharing

بسم الله الرحمن الرحيم 

كلمة التحرير

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا وينبغي له، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

  فقد مرت القضية الفلسطينية منذ بدايات القرن التاسع عشر الميلادي بالعديد من الخطط الاستعمارية والمؤامرات الدولية والمشاريع الاستيطانية، وبعد اشتداد ساعد الانتفاضة الفلسطينية في أواخر القرن العشرين ظهرت مشاريع التسوية المتلاحقة، وفي الوقت نفسه برزت مشاريع التطبيع والتحالف بين هذا الكيان المسخ وبعض الأنظمة العربية والإسلامية، وكان من أخطر تلك المؤامرات، مشروع صفقة القرن الذي أعلن عنه من قبل الإدارة الأمريكية في عامي 2019 و2020 بشقيه الاقتصادي والسياسي، هذا المشروع الذي يهدف إلى التمكين الاستراتيجي الكامل للكيان المحتل في المنطقة والإقليم من أجل ضمان أمنه، وتحقيق هيمنته وسيادته، هذا وإن كان قد بهت بريقه بعد مجيء إدارة جديدة للبيت الأبيض، لكن المتابع للأحداث يرى بوضوح السعي الحثيث في هذه الأيام لتنفيذ بنود وأجندات هذه الصفقة بمسميات مختلفة من قبل كل من الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني وعدد من الأنظمة المطبعة والمتحالفة معه.

  وقد تواصلنا في مركز معراج للبحوث والدراسات التابع لهيئة علماء فلسطين مع مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم في اسطنبول من أجل القيام بدور علمي في بيان حقيقة هذه الصفقة وأهدافها ومآلاتها، بالإضافة إلى بيان الواجبات المطلوبة من الأمة والهيئات العلمية والعلماء والأفراد في مواجهة هذه الصفقة وتداعياتها، واتفقنا على عقد ندوة دولية علمية تحت عنوان صفقة القرن، رؤية شرعية وقراءة استراتيجية.

  وقد عقدت هذه الندوة العلمية على مدار يومين كاملين بتاريخ 23- 24/ صفر/ 1442هـ، الموافق  10- 11 / 10/ 2020م، وقد شارك فيها ما يقارب 30 باحثاً، من عدد من البلدان، وتكلم في الجلسة الافتتاحية عدد من كبار العلماء على رأسهم رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين العلامة البرفسور أحمد الريسوني، وقد كانت كلمته حول الرؤية الشرعية للتطبيع، والعلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا، ورئيس المجلس الاستشاري لهيئة علماء فلسطين، حيث تناول في كلمته المعلوم من الدين بالضرورة في القضية الفلسطينية، وسعادة البرفسور الدكتور سامي العريان رئيس مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية، وفضيلة الدكتور نواف تكروري رئيس هيئة علماء فلسطين.

وقد قامت اللجنة العلمية المشكلة من المركزين باستكتاب الباحثين وعقد الندوة، حيث قام بأعمالها كل من البرفسور الدكتور سامي العريان رئيس مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية، وكاتب هذه المقدمة والدكتور محمود النفار من مركز معراج للبحوث والدراسات، وقامت لجنة التحرير والمراجعة بإجراءات المراجعة والتأكد من نسب الاستلال والتحكيم العلمي للبحوث والأوراق المقدمة، وقد قام بأعمال لجنة التحرير كل من كاتب هذه السطور نيابة عن مركز معراج للبحوث والدراسات والدكتور فادي الزعتري من مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية، وشارك الأخ ياسر القادري الباحث في مركز معراج للبحوث والدراسات في المراجعة والتدقيق والتحرير. وقد بلغ عدد البحوث التي اجتازت التحكيم ثمانية بحوث، وهي البحوث التالية:

  1. صفقة القرن وسياسة الأمر الواقع للدكتور أحمد الحيلة.
  2. أصول الصّراع مع الحركة الصهيونية والمبادئ الاستراتيجيّة لطبيعته وكيفية انتهائه، للأستاذ الدكتور سامي العريان.
  3. صفقة القرن في ضوء القانون الدولي للدكتور سعيد الدهشان.
  4. المسلمات الشرعية التي تنقضها صفقة القرن (إسلامية الأرض، والسيادة عليها، وحق المقاومة) للدكتور محمد سليمان الفرا، والدكتور يونس محيي الدين الأسطل.
  5. صفقة القرن والتأصيل الشرعي لحق العودة للدكتور نواف تكروري.
  6. مفاسد التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني من خلال وثيقة صفقة القرن دراسة تأصيلية مقاصدية، للدكتور محمد همام ملحم، والدكتور محمود النفار.
  7. واجبات الأمة تجاه صفقة القرن المزعومة للدكتور عطية عدلان، والدكتور حاتم عبد العظيم.
  8. دور المؤسسات العلمائية في مواجهة صفقة القرن.. خطة عمل للدكتور مسعود صبري.

مع العلم بأنه كانت هنالك مشاركات قيمة جدا من قبل عدد آخر من الباحثين لكن لم تتوفر فيها بعض الشروط المطلوبة، وبشكل خاص الشرط المتعلق بالحد الأدنى من عدد الكلمات.

هذا وإننا في اللجنة العلمية لهذه الندوة المباركة نشكر كل من كان له دور في نجاح الندوة وإخراج بحوثها ومادتها بهذه الحلة القشيبة ابتداء من أعضاء اللجنة العلمية والعلماء الأجلاء والباحثين الكرام الذين شاركوا في هذه الندوة، وانتهاء بأعضاء لجنة التحرير والمراجعة.

نسأل الله العلي القدير أن يتقبل منا جميعا هذا العمل وأن يجعله حجة لنا لا علينا وأن ينفع به، اللهم ولك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

                                                                                  د. محمد همام ملحم

عضو اللجنة العلمية للندوة ولجنة تحرير الكتاب

————————————————————————————

كلمة فضيلة الدكتور نواف تكروري

رئيس هيئة علماء فلسطين

22/8/ 2022م الموافق 24 محرم 1444ه

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..

فإن كيد الأعداء بهذه الأمة لن ينتهي ما تعاقب الليل والنهار، وما وجدوا حيلة لذلك ﴿وَقَدۡ مَكَرُوا۟ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ﴾ [إبراهيم ٤٦]، ﴿وَلَا یَزَالُونَ یُقَـٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ یَرُدُّوكُمۡ عَن دِینِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَـٰعُوا۟﴾ [البقرة ٢١٧]، وما لأطماعهم ومؤامراتهم أمد تنتهي إليه. وتأتي صفقة القرن كحلقة من حلقات هذا الكيد، وجولة من جولات العدوان المتجدد، وما دامت أمتنا على ضعفها وهوانها على ذاتها، فلن تكون على الناس إلا هينة.

           إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها                هوان بها كانت على الناس أهونا

وقد صدقت العرب إذ قالت: أنت حيث تضع نفسك.

فقضية فلسطين؛ وهي أحد أبرز صور العدوان والظلم لا على الشعب الفلسطيني وحده، بل على الأمة جمعاء في أطهر بقاعها وأعز ما لديها، وعلى البشرية في فطرتها وقيمتها الإنسانية.

وهذه القضية قد تعددت صور العدوان والتآمر عليها منذ أكثر من قرن وربع القرن، منذ مؤتمر بازل ومحاولة اقتطاعها من الدولة العثمانية لإقامة دولة لليهود على ثراها الطهور، ومن يومها إلى اليوم وقعت هذه القضية تحت سلسلة من الخداعات والتضليلات والاعتداءات العسكرية والسياسية، لا من الغاصبين الصهاينة فقط، بل من الدول الكبرى التي دعمت وساندت العدوان الصهيوني، وفي مقدمتها بريطانيا ابتداءً، ثم الولايات المتحدة الأمريكية التي ما عرفت النزاهة ولا العدالة بشأن هذه القضية مطلقاً منذ نشأتها، وإنما شكلت تحالفاً  وثيقاً مع الصهيوني المعتدي.     

ولعل من آخر حلقات هذا الانحياز، بل من أخطرها، هو ما عرف بصفقة القرن والتي قامت على أساس إثبات الرواية والرؤية الصهيونية للقضية، وجاءت لتمنح العدو الصهيوني ما تعذر حصوله عليه في حروبه الماضية وفي مفاوضاته، ففكرتها  تقوم على أساس الاعتراف بالقدس موحدة عاصمة لكيان الغصب، وإسقاط حق العودة للشعب الفلسطيني، وجعل مقدسات المسلمين وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك تحت سيادة الكيان الغاصب، وتقضي لهذا الكيان حتى بما يناقض القرارات الدولية القاضية بخروجه من الأراضي التي احتلها عام 1967م، وتجريم المقاومة وحشد القوى العالمية لمحاربتها.

 فقد منحته هذه الجريمة المسماة “صفقة القرن” بضم أجزاء واسعة في الضفة الغربية وكل مدينة القدس حتى ما احتل منها في عام 1967م، وجاءت لتفرض هذا الكيان على أنه جزء من المنطقة، بل سيداً لها وتحت يديه بلاد المسلمين وأموالهم ومياههم وأيديهم العاملة، فينتفع منها ويترك لأهلها الفتات.

ولا شك أن هذه الجولة من المؤامرات جاءت لتستهدف القضية من أصولها، وانتزاعها من أيدي أهلها بقرارات رسمية، بل مشاركات عربية، ممنين المنطقة بالازدهار والعيش الرغيد كذباً وزوراً.

وإننا في هيئة علماء فلسطين، وبالأخص قسم البحوث والدراسات المتمثل بمركز معراج للبحوث والدراسات، رأينا أن من واجبنا جمع كلمة العلماء على إيضاح هذه الصفقة، ومخاطرها، والتعريف بمراميها السياسية، وموقف القانون الدولي منها، وبالتأكيد البيان الشرعي المفصل لحقيقتها وحكمها، والواجب تجاهها، فكانت هذه الندوة التي عقدت بالشراكة مع مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية التابع لجامعة صباح الدين زعيم، والتي شارك فيها ثلة من العلماء والباحثين الشرعيين والسياسيين والقانونيين، الذين أصّلوا وأوضحوا حقيقتها وموقعها القانوني وأحكام الشرع فيها، فكشفوا اللثام عن هذه الجريمة، وأبانوا طبيعتها العدوانية الشرسة، وبثّوا الوعي وسلّطوا الضوء على ما يجب على المسلمين بكل طبقاتهم وفئاتهم ومواقع وجودهم، من تفاعل وتحرك ومواجهة لهذه الصفقة الجائرة، وأكد الباحثون على خطر هذه الصفقة، والتي امتازت بالوضوح الذي لا يقبل الريبة والشك في سوء ما تنطوي عليه وتهدف إلى تحقيقه..

فجزى الله خيراً إخواننا في مركز معراج  ومركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية على ترتيب هذه الندوة العلمية الشاملة التي تناولت هذه الصفقة بكل تفصيلاتها وأبوابها ومخاطرها وأدلة اعتراضها وعدوانيتها وما ينبغي على الأمة في التعامل مع مثل هذه الصفقة المشؤومة، وكيف أنها باب جديد من أبواب العدوان وأنها تتجاوز في عدوانيتها حدود فلسطين إلى البلاد التي يعيش فيها الكثير من أبناء فلسطين، بمحاولات فرض التوطين عليهم حيث وجدوا، أو حيث ترتب أمريكا وتفرض على البلاد استيعابهم لإراحة اليهود من صمودهم ومطالبتهم بالعودة.

ولا شك أن الجهود لا بد أن تتضافر في مواجهة هذه الاعتداءات، وأن سبيلنا هو جهاد مبرور يذيق العدو وبال أمره ويصد اعتداءاته، لا سيما بعد أن رأينا خوره عندما تكون المواجهة حقيقية.  

وختاماً جزى الله السادة العلماء والأخوة الباحثين خيراً على جهدهم وبحوثهم القيمة، ونسأل الله أن تكون في ميزان حسناتهم، وأن ينفع بها، فتكون تسليطاً للضوء على حقيقة هذه المؤامرة المسماة “بصفقة القرن”، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

————————————————————————————

كلمة البروفيسور الدكتور سامي العريان

مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية CIGA بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الإخوة الكرام.. الإخوة العلماء الأجلاء..

في الحقيقة نحن في غاية الفخر والاعتزاز أن نكون من المنظمين والراعين لهذه الندوة، مع إخواننا في هيئة علماء فلسطين، ومركز معراج للبحوث والدراسات.

أنشئ مركز دراسات الإسلام والشؤون العالمية CIGA من حوالي أربع سنوات -وهذه هي السنة الرابعة لنا- ونحن في حقيقة الأمر لدينا رسالة، وهذه الرسالة هي إجراء أبحاث وتحليلاتٍ لتثقيف العامة وصانعي السياسات وتدريب الخبراء واقتراح أي أفكار نحو بناء هذه الأمة، وفهم الأحداث التي تؤثر على العالم الإسلامي، وعلى تطوير المجتمعات الإسلامية. هذه الرسالة بالنسبة إلينا هي رسالة مقدسة، فلا بد أن يكون هناك نفر من هذه الأمة يستطيعون أن يفكروا ويعطوا عصارة تفكيرهم وجهدهم لإعادة تشكيل هذه الأمة من جديد بعد أن تناهشها الأعداء.

في هذه الندوة سنتناول القضية الفلسطينية، والقضية الفلسطينية بالنسبة إلينا هي قضية الأمة العربية والإسلامية المركزية، ذلك في نضالها وجهادها وسعيها لإرساء هويتها الحضارية، وتخطيط وحدتها السياسية ضد الذين دخلوا في عمقنا وفي مركزنا حتى يبقوا هذه الأمة ضعيفة ومقسمة ومنهكة بالتبعية والتجزئة والتغريب.

 لقد جاءت صفقة القرن ليس فقط كغطاء وإنما كنهاية أو لإنهاء هذا الصراع حسب ما يرونه. القضية الفلسطينية بالنسبة إلينا هي الميزان والبوصلة والمسطرة التي يمكن أن نقيس بها انتماء من ينحازون إليها إلى الأمة، والذي يبيعها أو يخونها أو يتآمر عليها يكون قد وضع نفسه في خانة الأعداء وانحاز إليهم ولم ينحز إلى الأمة وعقيدتها أو حضارتها أو حاضرها أو مستقبلها.

نرحب أيها الإخوة الأعزاء وأيها العلماء الأجلاء بكل المتحدثين في هذه الندوة، ونحن عندنا في الحقيقة باقة رائعة من العلماء والخبراء الذين سيتحدثون عن أمور مختلفة فيما يخص صفقة القرن وكيفية مواجهتها من ناحية شرعية كما من ناحية استراتيجية سياسية، والخروج ببرنامج عمل لمواجهة مثل هذه الصفقة التي أسميها (سرقة القرن).

نرحب بالعلامة الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونحن في غاية السعادة والفخر والاعتزاز بوجوده معنا، لأنه يمثّل الآلاف من علماء المسلمين والذين يدعوهم دائماً لأخذ دورهم في هذه القضية المركزية. كذلك نرحب بالعلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو وهو علمٌ معروف ما شاء الله من أعلام هذه الأمة من محيطها إلى محيطها. نرحب بجميع الحضور في هذا البرنامج الذي يهدف إلى صياغة فهم استراتيجي وأصولي وشرعي في التعامل مع هذه الصفقة أو هذه السرقة، والأهم من ذلك أن نخرج غداً ببرنامج عمل لمواجهتها ودحضها والانتصار عليها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

————————————————————————————

كلمة فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني

رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الرؤية الشرعية للتطبيع

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول ﷺ

حضرات السادة الأفاضل أصحاب الفضيلة، السادة العلماء والرؤساء لهذه الهيئات المباركة التي تنظم هذه الندوة، السادة العلماء والمفكرون من كل أنحاء العالم المشاركون في هذه الندوة، أيها السادة المتابعون في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التطبيع كما لا يخفى على حضراتكم هذه الكلمة (المفردة) هذا المصطلح ينطوي على مغالطات كثيرة، وربما نحتاج وأهم شيء من الناحية الشرعية والقانونية أو من أي ناحية أن نكشف ما المقصود من هذا التطبيع عند من يطبقونه وعند من يمارسونه، مِن هؤلاء الأعراب الذين بدأوا يتهافتون ويتساقطون هنا وهناك.

فإذاً التطبيع كما نراه وكما نشاهد مجرياته ينطوي على عدة أعمال يجب تفكيكها ويجب بيانها لكي نعرف ما هو هذا التطبيع.

أولاً أشير إلى أن التطبيع على درجات، مضت علينا أنماط من التطبيع سابقاً، ولكن التطبيع الجديد هو أسوأها وأرذلها وأقبحها وأشدها ضرراً. فإذاً هناك أنواع من التطبيع مرت لا أتحدث عنها، نحن نتحدث اليوم عن هذه الموجة الجديدة من التطبيع التي تتزعمها نيابة عن العدو الصهيوني وعن المحتضن الأمريكي دولة الكيان الإماراتي، ويحاولون زج بعض الدول الهشة والمتذبذبة. فإذاً هذا هو التطبيع الذي نتحدث عنه، أي النموذج الذي جرى وتم التوقيع عليه مؤخراً بين الكيان الإماراتي والكيان الصهيوني، هذا التطبيع ينظر إليه من الناحية الشرعية ومن الناحية الفكرية في الحال والمآل، لأن الأحكام الشرعية ينظر إليها من خلال الحال والمآل،

فقد يكون للحال شأن، ولكن النظر في مآلاته يعطيه درجة أخرى ويعطيه شأناً آخر، وإلا فالتطبيع بجميع أشكاله محرم وخيانة وخذلان وغدر، ولكن هذا طبعاً حين النظر في حاله ليعرف حقيقته، لأن المآل مستقبح عند الذين يقدمون على هذه الخطوات وعند من يخططون لها وعند من يسعون لها.

في الحال يحقق هذا التطبيع ما يلي:

أولاً: يجعل الاحتلال لفلسطين شيئاً مقبولاً وطبيعياً ومعترفاً به وكأنه لم يكن، وفي ضمن فلسطين مدينة القدس والمسجد الأقصى بالإضافة إلى الأراضي السورية واللبنانية المحتلة حتى الآن. إذاً هذا التطبيع يؤدي إلى الاعتراف بكل هذه الخطوات التي تمت منذ سبعين سنة احتلال بالقوة وبالجيوش وبالدعم الغربي؛ فإذاً التطبيع يتضمن طي صفحة اغتصاب وطن عربي إسلامي، هو فلسطين، واغتصاب عدد من الأراضي حول فلسطين، والاعتراف بهذا الواقع والتعامل معه وكأن شيئاً لم يكن، وكأننا كنا مخطئين حينما رفضنا هذا الاعتراف منذ سبعين سنة. فالتطبيع بدل أن يجرّم المجرمين المحتلين الذين غصبوا أرضنا، يجرّم الذين لم يعترفوا بإسرائيل ويعتبرهم مخطئين ومتطرفين ومبالغين.

ثانياً: هذا التطبيع يتضمن التغاضي عن التشريد الذي تعرض له ملايين الفلسطينيين عن وطنهم وأرضهم، لأنه قد يقع أحياناً الاحتلال دون أن يُطرد أحد من بلده، لكن الآن هذا احتلال إحلالي، كما قال الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله: “إنَّ الصهيونية فكرة استعمارية ذات صفة إحلالية”.[1] فإذاً على الذين يطبعون أن يعلموا أنهم يمارسون التأييد والترسيم والشرعنة لهذا العمل.

هذا الاحتلال شرد الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم وأوطانهم. وتعلمون أول مسوغ وأول تعليل لمشروعية الجهاد والقتال في الإسلام هو إخراج الناس من أرضهم وديارهم. فإذاً واقع تشريد الملايين من الفلسطينيين والواقع يراه الجميع ويعرفه الجميع وما من دولة في العالم إلا ووصل إليها عدد من هؤلاء المشردين المطرودين من ديارهم.

فالمطبعون يتنازلون ضمنياً أو صراحة عن حق هؤلاء وعن الظلم الذي لحق بهم وعن حق عودتهم إلى وطنهم وديارهم وعن حق تعويضهم، وعن الأضرار التي لحقت بهم أجداداً وآباءً وأبناءً وأحفاداً إلى الآن.

ثالثاً: هذا التطبيع يتضمن اعترافاً للعدو باستيلائه على الممتلكات، فالاستيلاء على الممتلكات قبل قيام إسرائيل منذ الثلاثينيات والأربعينيات، ولكنه عرف موجة عارمة من الاستيلاء على الأراضي وعلى المنازل وعلى القرى الفلسطينية وعلى المزارع الفلسطينية بعد ذلك وما زال هذا العمل قائماً إلى الآن. فالتطبيع من الناحية الشرعية معناه اعتراف بهذه السرقة، وبهذا الاغتصاب، وبهذا الاستيلاء، وبهذا الغصب لكل هذه الممتلكات التي أخذت من الفلسطينيين منذ عشرات السنين، وما زال الأمر مستمراً، ويمكن لمن أراد أن يطلع على شهادة من العدو نفسه، النظر في الكتاب الذي عرّفت به بعض المواقع الإعلام مؤخراً[2]، والذي يتحدث عن نهب ممتلكات العرب في حرب الاستقلال من الزاوية الإسرائيلية، لأن الكاتب إسرائيلي يهودي وهو المؤرخ آدم راز الذي صدر عن (دار كرمل) الذي صدر بالتعاون مع معهد أبحاث “عكيفوت” الذي يعنى بالكشف عن كواليس النكبة ووثائقها وموادها وعن أرشيفها، والكاتب يحمل مسؤولية ظاهرة السلب والنهب واستمرارها ما بعد النكبة إلى رئيس وزراء الكيان الصهيوني  الأول بن غوريون، الذي قال خلال اجتماع للجنة المركزية لحزب “ماباي”[3] الذي أسس الدولة العبرية “اتضح أن معظم اليهود لصوص.. أقول هذا عن قصد وببساطة، لأن هذا للأسف صحيح”[4]،  فالسرقة جناية، والاغتصاب جناية، والمصادرة بأي شكل من الأشكال جناية، فهذه الحقوق (منازل ومزارع وأراض) صارت بأيدي الصهاينة، وهي بغير حق وبغير سند، فالحق لا يسقط بالتقادم، ولن يسقط ما دام له مطالب، فالاعتراف والتطبيع معناه تجاوز عن كل هذه الاختلاسات والسرقات التي ما زالت مستمرة إلى الآن.

والتطبيع كذلك يقتضي ويتضمن صراحة أو ضمناً التغاضي عن الجرائم والمجازر والاغتيالات والانتهاكات بحق الأفراد والمجموعات، وهذه المجازر كان يقتل أحياناً في المجزرة الواحدة الآلاف، كمجزرة صبرا وشاتيلا، ومجزرة كفر قاسم، ومجزرة مخيم جنين، ومجازر الحروب على غزة، وغيرها من المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بجيشها وجنودها وقطعان مستوطنيها، وما زالوا يمارسون ذلك ويقتلون في الشوارع وعلى الحواجز الأمنية وفي المدن  والقرى، فالتطبيع يقتضي طي صفحة هذه الجرائم والمجازر والاغتيالات تماماً بل ويقتضي نسيانها كليا وكأنها لم تكن.

وإن هذا التطبيع يؤدي إلى إسقاط مبدأ قانوني وشرعي لا اختلاف فيه بين اثنين من البشر، وهو عدم الإفلات من العقاب، والآن أهم شعار ترفعه المؤسسات والمحاكم الدولية هو عدم الإفلات من العقاب، وإذا كان عدم الإفلات من العقاب يتعلق بقتل بعض الأفراد، أو سجن بعضهم وتعذيبهم وما إلى ذلك فكيف بالذي حل بالشعب الفلسطيني وهو أكبر تعذيب، و أكبر قتل في التاريخ المعاصر، وربما في التاريخ كله، فملايين من الفلسطينيين تعرضوا لجرائم الطرد من الوطن، فتشريد الناس وإخراجهم من أوطانهم جريمة والاستيلاء على أرضهم جريمة والمجازر التي ارتكبت هناك على مدى تاريخ الكيان الصهيوني كلها جرائم، ولا يسقط مبدأ الإفلات من العقاب، لكن هذا التطبيع يسقط كل هذه الجرائم ويطويها، ويريد أن يعاقب الضحايا وليس المجرمين.

والتطبيع معناه كذلك أن يُمَد عمر هذا الاحتلال بحيث لا ينتهي، ويُمد عمر القتل والجريمة والحرب دون توقف، هذا التطبيع لن يدفع العدو للبحث عن أي حل، وقد أصبح الآن أمراً واقعاً، وقد قال رئيس وزراء العدو: لم يبق أي مانع من الاستيطان والمستوطنات بلا عدد ولا حد بالآلاف أو عشرات الآلاف، فهذا التطبيع يمد عمر هذا الاحتلال، ويمد عمر الحرب على الشعب الفلسطيني، ويمد عمر الحرب على الدول والشعوب المجاورة، بالإضافة إلى ذلك فإنه خذلان وخيانة وغدر للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة، وهو أيضاً خزي وذل للقائمين به.

هذا يتحقق في الحال، وأما في المآل فإن  التطبيع يعمق ويمد بعمر المآسي الفلسطينية كلها التي ذكرت بعضاً منها، فهو انضمام إلى العدو، الخطاب الإعلامي للمطبعين والخطاب الديني المزور لهم، والخطاب السياسي للمسؤولين الإماراتيين وغيرهم من المطبعين هنا وهناك أصبح معادياً للفلسطيني؛ لأنه فلسطيني، أصبحت المقاومة الفلسطينية إرهاباً، ويعتقل أصحابها، ومن ينتسبون إليها بأي شكل من الانتساب، ولو كان انتساباً قولياً، يعتقلون ويحاكمون؛ فإذاً التطبيع يقلب المسألة ويحول العدو إلى صديق وحليف وحبيب، ويحول الشعب الفلسطيني ومنظماته وقادته إلى مجرمين منبوذين، هذا ما يفعله التطبيع، وهذا ما يريده المطبعون. كذلك هذه الدول المطبعة وبشكل خاص النظام الإماراتي يضغط على الأنظمة المهترئة والهشة لتهرول نحو التطبيع، ويضغط على غيرها من الأنظمة لتنكمش وتسقط، وبالتالي يؤدي ذلك في المآل إلى تمزيق الصف العربي، فهذا انشقاق بعد انشقاق، هذا انشقاق يدفع الرشاوى ويمارس الضغوط لينشق الآخرون، لأنه لا يريد أن يبقى في الجريمة وحده، يريد من يستأنس بهم، ويستشهد بهم، ويسعى ويبذل كل ما في جهده. الإماراتيون وحلفاؤهم في المنطقة والعدو الصهيوني والداعم الأمريكي، كلهم يعملون على تخريب ما تبقى من العمل العربي المشترك الرسمي على ضعفه وهزاله، والآن كما ترون جامعة الدول العربية كأنها انتهت رسمياً؛ اعتذرت ست دول رسمياً عن مجرد رئاستها لأنها تعرف أنها ستترأس على السراب، الجامعة العربية أصبحت سراباً من الناحية الرسمية، أما من الناحية الفعلية فقد حصل هذا منذ زمن بعيد، فإذاً هذا تخريب لما تبقى بقاءً رمزياً من العمل العربي المشترك وتصفية له، وهؤلاء الآن الذين يصفون الجامعة العربية الآن بما فيها من علات هم الذين صفوا كذلك مجلس التعاون الخليجي، وهم الذين بثوا الشقاق في المنطقة كلها فأصبح الشقيق عدواً لشقيقه وعدواً لحليفه الحقيقي وهكذا، وكذلك يسعون إلى قلب الحقائق والمشاعر، فالآن الغرام باليهود والصهاينة وإسرائيل والاعتذار لهم، والزيارات والسهرات الفنية، هذا كله يريد قلب الحقائق وقلب المشاعر حتى لا يبقى عند الناس أي كراهية للظلم والظالمين، وحتى يصبحوا كارهين لإخوانهم ولأشقائهم. هذا كله يتطلب مضاعفة الجهود من الشعوب ومن العلماء ومن المخلصين وممن بقي لهم قدرة على مواجهة هذا المد الجارف لهزيمته ولإيقافه عند حده ولكي تنقلب هذه المحاولات البئيسة إلى نصر وقوة جديدة للشعب الفلسطيني وللقضية الفلسطينية، وبالله تعالى التوفيق وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.   

————————————————————————————

    كلمة فضيلة الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو

رئيس مركز تكوين العلماء في موريتانيا وعضو الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس المجلس الاستشاري لهيئة علماء فلسطين

المعلوم من الدين بالضرورة في القضية الفلسطينية

الحمد لله وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

   فإن من المعلوم من الدين بالضرورة: أن الظلم حرام، وأنه  لا يقبل بأي وجه من الوجوه، حرمه الله على نفسه وجعله محرماً بين عباده فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: 40]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: 44]، وقال: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46]، وجعله محرماً بين عباده كما في الحديث القدسي الصحيح: “يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا”.[5]

   ولا شك أن هذا الاحتلال وكل ما نشأ عنه داخل في نطاق الظلم بتعريفه الشرعي الصحيح، فلذلك من المعلوم من الدين بالضرورة تحريم الظلم، بل وذلك في جميع الديانات السماوية، وفي جميع القوانين الوضعية، وفي جميع أعراف البشر، فلا يمكن أن يأتي يوم من الأيام يكون الظلم فيه مباحاً، ولا أن يكون الظلم فيه محموداً ممدوحاً، هذا لا يمكن أن يقع في حال من الأحوال، بل هو إجماع بين الإنس والجن والخلائق جميعاً، وهو مقتضى الوحي المنزل ومقتضى العقل ومقتضى الفطرة ومقتضى القوانين التي اتفق عليها البشر والأعراف التي تعارفوا عليها. فالظلم محرم في جميع الديانات السماوية، وفي جميع القوانين الوضعية، وفي جميع أعراف البشر.

  ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن فلسطين أرض إسلامية، وأن سكانها من المسلمين، وهم من الدولة الإسلامية ومن رعاياها، وأن في فلسطين مقدسات إسلامية من المعلوم من الدين بالضرورة تقديسها، وبقاؤها تحت الحكم الإسلامي، ومن هذه المقدسات المسجد الأقصى، وهو أكبر أسير في هذا اليوم، فمن المعلوم من الدين بالضرورة أن المسجد الاٌقصى الذي تحدث الله عنه في كتابه وبارك فيه وحوله وأسرى إليه برسوله ﷺ وجمع له به الأنبياء، وعرج به منه إلى السموات العلى وما فوقها، وأنه هو المسجد القائم الآن في مدينة القدس في فلسطين، ومن أنكر شيئاً من ذلك فقد كفر كفراً أكبر، مخرجاً من الملة لأن هذا من المعلوم من الدين بالضرورة، وهذا المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى، وهو ثالث المساجد التي قال عنها الرسول ﷺ: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد”[6]، وهو كذلك ثالث هذه المساجد من ناحية الفضل والتضعيف في الصلاة.[7]

   ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن الجهاد لرفع الظلم وإغاثة المستضعفين أمر واجب على المسلمين جميعاً، أوجبه الله تعالى في كتابه وقال فيه: ﴿وَمَا لَكُمۡ لَا تُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ وَٱلۡمُسۡتَضۡعَفِینَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَاۤءِ وَٱلۡوِلۡدَا⁠نِ ٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَـٰذِهِ ٱلۡقَرۡیَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِیࣰّا وَٱجۡعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِیرًا، ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱلطَّـٰغُوتِ فَقَـٰتِلُوۤا۟ أَوۡلِیَاۤءَ ٱلشَّیۡطَـٰنِۖ إِنَّ كَیۡدَ ٱلشَّیۡطَـٰنِ كَانَ ضَعِیفًا﴾ [النساء 75- 76]، ومن المعلوم من الدين بالضرورة في هذه القضية: أن المعتدين فيها الذين جاؤوا من أطراف الأرض ولم يكن لهم بها وجود ولا سكن ولا لآبائهم من قبلهم ولا لأمهاتهم، وليست معهم جنسية فلسطينية، ولا لهم وجود في هذه الأرض طيلة القرون الماضية كلها، إنما جاؤوا وجيء بهم وجمعوا من أطراف الأرض لإقامة هذا المسلسل من القتل والخراب والتدمير.

    ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن التاريخ الإسلامي يتعاوره إحسان وإساءة فإذا أحسن المسلمون مُكّن لهم، وإذا أساؤوا سُلِّط عليهم العدو، وهذا من سنن الله الماضية المعلومة منه سبحانه، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَتِلۡكَ ٱلۡأَیَّامُ نُدَاوِلُهَا بَیۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِیَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَیَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَاۤءَۗ وَٱللَّهُ لَا یُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِینَ﴾ [آل عمران ١٤٠].

  ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن إنقاذ الأسرى واستخراجهم من أيدي العدو من الفرائض الواجبة التي تجب أولاً على حكام المسلمين، وإن عجزوا عنها أو تخاذلوا، فيجب على الأمة كلها، وإن تخاذلوا، فيجب على كل فرد فيها بما يستطيع سواءً كان ذلك بجهده أو بماله أو بوقته أو بلسانه أو بما يستطيعه من كل قوة هو قادر عليها.

  وكذلك من المعلوم من الدين بالضرورة: صدق الأخبار النبوية وقد أخبر رسول الله ﷺ بأمور تقع في هذه الأرض، منها حرب التحرير التي يطهر بها المسجد الأقصى ويحرر، ويهزم بها اليهود، ومنها الحرب التي تكون بين المسلمين والمسيح الدجال، وهذه الحرب يقود فيها المسلمين المسيح عيسى بن مريم، ويقاتل المسيح الدجال ويقاتل اليهود معه، وقد تجمعوا على المسيح الدجال من مشارق الأرض ومغاربها، وعلى مقدمته سبعون ألفاً من يهود أصبهان على رؤوسهم الطيالسة[8]، فيقتلهم المسلمون، حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر يهود[9]، ويتمكن المسيح بن مريم من قتل المسيح الدجال فيدركه بالرملة من باب اللد فيقتله، وهذا كله مما ثبت عن رسول الله ﷺ من الأخبار الصحيحة المتواترة.

 ومن المعلوم بالضرورة: أن هذه الأرض كانت أرض الهجرة الأولى؛ هجرة أبينا إبراهيم عليه السلام، عندما هاجر من العراق إلى الشام، وقال: إني مهاجر إلى ربي، وهي كذلك الهجرة في آخر الزمان، كما قال رسول الله ﷺ: “إنها تكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم إلى مهاجر إبراهيم”.[10]

وكذلك من المعلوم من الدين بالضرورة: أن هذه الأرض أرض رباط وجهاد إلى يوم الدين فهي مباركة، باركها الله سبحانه وتعالى، ولا تختص البركة فيها بالمسجد الأقصى ولا بمدينة القدس بل بكل تلك القرى والمدن، ولذلك قال الله تعالى في قصة أهل اليمن: ﴿وَجَعَلۡنَا بَیۡنَهُمۡ وَبَیۡنَ ٱلۡقُرَى ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا قُرࣰى ظَـٰهِرَةࣰ وَقَدَّرۡنَا فِیهَا ٱلسَّیۡرَۖ سِیرُوا۟ فِیهَا لَیَالِیَ وَأَیَّامًا ءَامِنِینَ﴾ [سبأ ١٨]، وقال: ﴿سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ﴾ [الإسراء ١]، وما حوله هو فلسطين وقد باركها الله وبارك أرضها، فهي على صغرها متسعة لكثير من السكان ولكثير من الشعوب والأمم، وهي كذلك بركة بالعبادة، فالعبادة فيها مضاعفة، وهي بركة في المال والرزق فأهلها مرزوقون برزق الله سبحانه وتعالى وبالبركة التي جعل الله فيها، وهي كذلك أرض الرباط والجهاد إلى يوم الدين، وكذلك البركة في سكانها وعمارها، فسكانها دائماً جبارون، والجبارون معناه الأقوياء الذين لا ينحنون ويركعون ولا يذلون، فإن الله سبحانه وتعالى فطرهم على ذلك، فالعرب الأوائل الذين سكنوا فلسطين وهم من أربع قبائل أصولهم من لخم وجذام وعاملة وغسان وبعد ذلك جاء الأوزاع، وجاء النبيط وهم من العرب أيضاً من المناذرة وغيرهم، كل أولئك العرب الذين سكنوا تلك الأرض قديماً عرفوا بهذه الشجاعة والنخوة والقوة، وفي ذلك قالت بنو إسرائيل لموسى عندما أخبرهم أن الله أمرهم أن يدخلوا تلك الأرض:  ﴿قَالُوا۟ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنَّ فِیهَا قَوۡمࣰا جَبَّارِینَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِن یَخۡرُجُوا۟ مِنۡهَا فَإِنَّا دَ ا⁠خِلُونَ﴾ [المائدة ٢٢]، وعندما فتح المسلمون هذه الأرض أصبح من المعلوم من الدين بالضرورة أن هذه الأرض التي فتحت وكانت غنيمة للمسلمين؛ فقد اتفق الصحابة رضوان الله عليهم وحصل الإجماع على وقفها فبقيت وقفاً كلها بمساجدها وبكل ما فيها، فهي وقف بقرار أمير المؤمنين الذي هو الممثل الشرعي لهذه الأمة كلها في ذلك الوقت وهو أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب بن عمرو بن نفيل، وقد رأى هو والمهاجرون والأنصار أن تكون هذه الأرض وقفاً على المسلمين باقية لم يقسموها بين المجاهدين والمقاتلين كما هو الأصل لأن الله سبحانه قال: ﴿وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَیۡءࣲ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ..[الأنفال ٤١]، ولكن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على أن هذه الأرض تبقى وقفاً ولا تقسم بين المجاهدين.

 ومن المعلوم من الدين بالضرورة: أن موالاة الأعداء الظالمين الغاصبين من الكفر الأكبر المخرج من الملة وأن التطبيع المعاصر ليس كالتطبيع الماضي، فالتطبيع الماضي كان وضعاً للسلاح مع قوم كانوا يتقاتلون وهو طبعاً خيانة وظلم، لكن التطبيع المعاصر إنما هو دخول في المشروع الصهيوني وموالاة لأهله وانخراط فيه بالكلية، كما قال الله تعالى في أهله: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡیَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰۤ أَوۡلِیَاۤءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۚ وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ، فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ [المائدة٥١-٥٢]، وبين الله سبحانه أن الدخول في هذا المشروع ورفض الولاء والبراء الذي هو عقيدة من عقائد المسلمين مناف للإيمان بالله ورسوله وبالكتاب الذي أنزل على رسوله، قال تعالى: ﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ (78) كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ (79) تَرَىٰ كَثِيراً مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ (80) وَلَوۡ كَانُواْ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِيِّ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيراً مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ (81) لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَاناً وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ﴾ [سورة المائدة: 78- 82].

 وإن من الواجب على الأمة أن تعرف عدوها من صديقها وأن تعرف أحوال أعدائها، بأي حال من الأحوال هم، فإن الله سبحانه وتعالى بين أن الظلم في هذا الأمر قسمان: ظلم المحتلين المعتدين الغاصبين، وظلم الموالين لهم كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا یَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِینَ قَـٰتَلُوكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِیَـٰرِكُمۡ ﴾ [الممتحنة ٩]، وهؤلاء هم الغاصبون المحتلون الصهاينة، ثم قال: ﴿وَظَـٰهَرُوا۟ عَلَىٰۤ إِخۡرَاجِكُمۡ﴾ وهؤلاء هم المتصهينون من العرب والمساعدون على هذا المشروع.

اللهم ولك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] انظر: المسيري، الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية: دراسات في بعض مفاهيم الصهيونية والممارسات الإسرائيلية،  بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، ١٩٩٠، ص 17.

[2] انظر موقع الجزيرة نت، https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/10/6

[3] هذا اختصار لاسم الحزب المطول وهو حزب عمال أرض إسرائيل وكان برئاسة بن غوريون.

[4] انظر موقع الجزيرة نت، https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/10/6

[5] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، حديث رقم (2577).

[6] حديث متفق عليه، له روايات عديدة: منها رواية أبي هريرة رضي الله عنه أخرجها البخاري في صحيحه،  كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، حديث رقم :1189 ، ومسلم في صحيحه في كتاب الحج باب لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد، حديث رقم 1397.

[7] وردت أحاديث عديدة في فضل وتضعيف أجر الصلاة في المسجد الأقصى، منها حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله ﷺ أيهما أفضل: مسجد رسول الله ﷺ، أو مسجد بيت المقدس، فقال رسول الله ﷺ: ” صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن ألا يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا – أو قال: خير من الدنيا وما فيها” أخرجه الحاكم في المستدرك ج4/ ص 554، وهو حديث صحيح.

[8] ورد ذلك في الحديث الذي يرويه أنس بن مالك رضي الله عنه في صحيح مسلم وغيره، أنّ رسول الله ﷺ، قال: يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً، عليهم الطَّيَالِسَة.، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب في بقية أحاديث الدجال، حديث رقم 2944.

[9] ورد ذلك في عدد من الأحاديث منها حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه الذي أخرجه ابن ماجه في سننه، قال: خطَبَنا رسول الله ﷺ، فكان أكثر خطبته حديثاً حدّثَناه عن الدجّال، وحذّرَناه،.. وفيه : “قال عيسى عليه السلام: افتحوا ، فيُفتح، ووراءه الدجّال، معه سبعون ألف يهوديّ، كلّهم ذو سيفٍ مُحلّى وساجٍ. فإذا نظر إليه الدجّال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً. ويقول عيسى عليه السلام: إنّ لي فيك ضربةً لن تسبقني بها، فيُدركه عند باب اللدّ الشرقيّ فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء ممّا خلق الله يتوارى به يهوديّ إلّا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابّة ـ إلّا الغرقدة، فإنّها من شجرهم، لا تنطق ـ إلّا قال: يا عبد الله المسلم، هذا يهوديّ فتعال اقتله”. كتاب الفتن، باب بَابُ فِتْنَةِ الدَّجَالِ، وَخُرُوجِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ، وَمَأْجُوجَ”. كتاب الفتن، باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم وخروج يأجوج ومأجوج، حديث رقم 4077، وهو حديث حسن.

[10] أخرجه الحاكم في المستدرك بهذه السياقة ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يرويه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعا. ج4/ ص 556، حديث رقم 8558.