{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ}

إعداد: جازية مصطفى بن نواري

ضمن المادة: مستقبل بيت المقدس في القرآن والسنة 

إشراف الدكتور: محمد همام ملحم

مقدمة:

وصف الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الأمة المسلمة  بأنها خير أمة أخرجها للناس؛ ذلك لأنها امتثلت أمر الله سبحانه واتّبعت رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقامت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحققت الإيمان بالله وحده مع الإخلاص والطاعة له في كل ما أمر سبحانه، وبين الله عز وجل أن الخيرية لهذه الأمة مشروطة بالعبادة الخالصة لله وحده و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي نفس الآية  ذكر سبحانه سبب انهزام بني إسرائيل في الماضي والمستقبل وهو عدم الايمان والتصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فلو آمنوا لاستحقوا الخيرية التي ظفرت بها الأمة الإسلامية. [1]

ولقد بشر الله  سبحانه الأمة المسلمة بأنها منصورة على اليهود ، وأنهم لن يستطيعوا إيذاء المسلمين إلا أذى معنويا و ضررا يسيرا ، لا يصل إلى هدم كيان الأمة ولكن جعل هذا أيضا مشروطا بالإيمان بالله والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف.[2]

وبعد أن كشفت الآية ١١١من سورة آل عمران، حقيقة المستقبل المظلم لليهود في قتالهم مع المسلمين بأنهم منهزمون لا محالة وإن قاتلوا سيولون الأدبار ثم لا ينصرون، أتت الآية بعدها لتؤكد انهزامهم، وذلهم وجبنهم في قتال المسلمين واستحقاقهم للعقوبات الإلهية بسبب جرائمهم المستمرة.

فما هي جرائم اليهود التي استحقوا بها غضب الله وذلتهم وانهزامهم؟ وإذا كانت الذلة والمسكنة مضروبتان عليهم فكيف استطاعوا إقامة كيانهم في فلسطين وأصبحوا ظاهرين على المسلمين؟

خطة البحث  :

المبحث الأول: عقاب الله المستحق لليهود

      المطلب الأول:  العقوبة الأولى،  ضرب الذلة 

      المطلب الثاني: استثناء ذلة اليهود وهزيمتهم

      المطلب الثالث: العقوبة الثانية والثالثة، غضب من الله ومسكنة

المبحث الثاني: جرائم اليهود التي استحقوا بها العقوبة

       المطلب الأول: الجريمة الأولى، الكفر بآيات الله

       المطلب الثاني: الجريمة الثانية، قتل الأنبياء

       المطلب الثالث: الجريمة الثالثة، العصيان والاعتداء

الخاتمة

المبحث الأول: عقاب الله المستحق  لليهود

المطلب الأول: العقوبة الأولى،  ضرب الذلة  

يقول الله تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ}[3]

 يبين الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية العقوبات التي عاقب بها اليهود بسبب كفرهم وعصيانهم وأول هذه العقوبات هي الذلة.

{ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا..}

أصل الضرب في كلام العرب يرجع إلى معنى التقاء ظاهر جسم بظاهر جسم آخر بشدة، يقال ضرب فلان بيده الأرض إذا ألصقها بها[4]وكذلك ضربُ الذلة على اليهود أي أنها أصبحت ملاصقة ملازمة لهم لا تفارقهم، والذي ضربها عليهم هو الله الحكيم[5].

والذلة هي الخضوع، والخضوع نوعان خضوع محمود وخضوع مذموم، أما الأول فهو خاص بالمسلمين، ومثال ذلك خضوع الابن وذله لوالديه { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[6]، وخضوعالمؤمنلربه كما في قوله {.. فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ..}[7]. أما الخضوع المذموم وهو الاخضاع بالإكراه لذليل استحق الذلة وهو مثال اليهود في هذه الآية.[8]

جعلت الذلة ملازمة لليهود وأثبتت عليهم في المكان والزمان لا تفارقهم سواء كانوا مستضعفين مضطهدين مطرودين مشتتين في بقاع الأرض، أو كانوا مسيطرين متمكنين حاكمين كما هم في أرض فلسطين[9]، لأن “أينما” ظرف مكان وزمان مع شرط، “ثقفوا” هو فعل الشرط وجواب الشرط محذوف.. فيمكن أن تقول” أينما ثقفوا أذلوا”

أما “الثقف” فهو الإمساك بالشيء بقوة وحزم فلا يفلت من اليد[10]، وثُقِفُوا بمعنى وجدوا، أو ظفر بهم. يقال: ثقفه أى صادفه أو ظفر به أو أدركه ومنها سمى الأسير ثقافا[11] وكثيرا ما نجد الثقف في القرآن مرتبط بالأعداء و وجوب قتلهم كما في قوله تعالى: { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}[12] وفي قوله: {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}[13]

وقوله : {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا}[14]

وفي ربط مع الآية السابقة نجد تأكيدا على أن اليهود أذلاء لا يُنصرون، إاذا ثقفهم المسلمون قتلوهم وهذا يشمل كل  زمان[15]

المطلب الثاني: استثناء ذلة اليهود وهزيمتهم:

{.. إلا بحبل من الله وحبل من الناس..}

الحبل هو المدد، وحبل الله إلى بني إسرائيل إنما هو حبل امهال لهم لذلك كان حرف الجر “من” فهو حبل منه سبحانه وليس حبله، عكس الآية السابقة في سورة آل عمران (الآية ١٠٣)، التي كانت أمر من الله تعالى للمسلمين بالإمساك بحبل الله في قوله: {واعتصموا بحبل الله جميعا {فهنا الحبل هو المدد والانقاذ الممدود من الله الى الأمة الإسلامية  وهو القرآن والسنة[16]

أما حبل الله الممتد إلى اليهود هو إرادته ومشيئته المطلقة، وقد رفع عنهم الذله فترة قصيرة فهو الذي شاء ان تكون لهم دولة في فلسطين فهذا حبل قصير سرعان ما ينقطع و يعودون إلى ذلتهم وانهزامهم، لذلك وجب علينا كمؤمنين أن نستشرف المستقبل بهذه الآيات القرآنية ونكون على يقين أن حبلهم مقطوع وهم راجعون الى ذلهم مهزومون[17]

أما حبال الناس الممتدة إلى اليهود اليوم فهي كثيرة، وهي نفسها الحبال التي استخدمها اليهود في إنشاء دولتهم المزعومة، بما فيهم الحبل الأوروبي وأهمه الحبل الانجليزي والفرنسي الذي كان لهما الفضل الكبير في تمكين اليهود في أرض فلسطين، والحبل الأمريكي الذي ضمن به اليهود استمرارية دولتهم بعدها باعتبارها أقوى دول العالم.[18] والحبل الروسي والشيوعي عموما الممتد لليهود أيضا منذ إنشاء دولتهم والذي كان يمدها بالعنصر البشري من خلال الهجرة إلى أرض فلسطين.[19]

ولا يمكن أن ننسى الحبل العربي الممتد إلى اليهود من الحكومات العربية تطبيعا وتخابرا مع دولة الكيان الصهيوني[20]

ومن هذا الاستثناء يتضح لنا أن اليهود ليست لهم قوة ذاتية، وأن قيام دولتهم لم يتحقق الا بحبل الناس ووجودهم واستمرارهم في أرض فلسطين مرهون باستمرار هذه الحبال، فإن قطعت غلبوا وعادوا إلى ذلهم ومسكنتهم.[21]

وقطع هذه الحبال الممتدة إلى اليهود لا تكون إلا باعتصام المسلمين بحبل الله، والاتحاد ونبذ الفرقة والعمل والاجتهاد[22]

المطلب الثالث: العقوبة الثانية والثالثة، غضب من الله  ومسكنة

 ذكر الله عقوبتين إضافيتين أنزلهما بهم جزاء كفرهم وتعديهم لحدوده فقال تعالى:

{.. وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}

 باؤوا أي رجعوا، ولا نجد هذه الكلمة “بآء” إلا موصولة بشر أو خير[23] ، وهي بالشر موصولة أكثر، عكس كلمة “آبى” وهي بنفس المعنى والتي تكون غالبا موصولة بالرجوع المحمود  مثال قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} الرعد ٢٩ وقوله:{ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ{ الرعد٣٦  وقوله: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} ص٤٠

أما اليهود فقد باؤوا من شتات وتيه في الأرض لآلاف السنين وعادوا إلى غضب الله، ويذكر سبحانه وتعالى سبب استحقاق اليهود لغضب الله، وهو أنهم كفروا بجميع آيات الله الشاهدة على وحدانيته وعلى صدق رسله  ومعجزاتهم [24].

 كما أن عودتهم إلى أرض فلسطين وتأسيس كيانهم فيها أيضا هو من غضب الله، وهو مستمر إلى أن تقوم الساعة وفي سورة البقرة نجد في قوله “باؤوا بغضب على غضب” دليلا على أن أول غضب كان بسبب كفرهم بأنبيائهم وقتلهم، والغضب الثاني بعد مجيء الإسلام وكفرهم أيضا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاربتهم لدين الله، وما يفعلونه اليوم من قتل للأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين يؤكد ذلك.[25]

والمسكنة من السكون، ومنها أخذ لفظ المسكين لأن الهم قد أثقله فجعله قليل الحركة لما به من الفاقة والفقر، والمراد بها في الآية الكريمة الضعف النفسي الذي يستولى على الشخص فيجعله يحس بالهوان مهما تكن لديه من أسباب القوة. والفرق بينها وبين الذلة أن الذلة تجيء أسبابها من الخارج، أما المسكنة فهي تنشأ من داخل النفس نتيجة بعدها عن الحق، واستيلاء المطامع والشهوات وحب الدنيا عليها.[26] لذلك نجد أن المسكنة ضربت عليهم دون استثناء لأنها أمر ذاتي في النفس، عكس الذلة التي كانت باستثناء “حبل من الله ” و “حبل من الناس” فهي خارجية وقد يأتي غيرهم فيمنحهم العزة.[27]

المبحث الثاني: جرائم اليهود التي استحقوا بها العقوبة

المطلب الأول: الجريمة الأولى، الكفر بآيات الله

وبعد ذِكر عقوبات اليهود، يأتي ذِكر الأسباب التي جعلتهم أحقاء بهذه العقوبات من لله تعالى، وأولها الكفر فقال:  

{ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله..}

واسم الإشارة “ذلك” يعود إلى تلك العقوبات العادلة التي عاقبهم الله بها بسبب كفرهم وفسقهم.[28]

و “آيات الله” يراد بها الأدلة الكونية الشاهدة على وحدانية الله تعالى وربوبيته وعظمته، ويراد بها أيضا تلك النصوص التي تشتمل عليها الكتب السماوية، بما فيها الآيات القرآنية، ويراد بها الأدلة الشاهدة على صدق الرسل (المعجزات)[29]، وحسب سياق الآية فإن المقصود هنا بالآيات هو الآيات القرآنية الدّالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم التي كفر بها هؤلاء[30]وإن كان اليهود قد كفروا بجميع الآيات المذكورة[31] لذلك جاء خبر الفعل الماضي “كانوا” بالمضارع  “يكفرون” ليكون دليلا صريحا على أن هؤلاء هم كفار وكفرهم مستمر، وجريمة كفرهم هي أعظم جرائمهم وأساس الجرائم الأخرى كلها[32]

المطلب الثاني: الجريمة الثانية، قتل الأنبياء:

{.. ويقتلون الأنبياء بغير حق..}

أما جريمة بني إسرائيل الثانية فهي قتلهم أنبياء الله بغير حق، وقال سبحانه وتعالى بغير حق مع أن قتل الأنبياء لا يكون بحق ابدا، و ذلك لتبيين بشاعة وعظم جرمهم. [33]

وذهب بعض العلماء إلى أن قوله سبحانه قتلهم الانبياء بغير حق لأن شريعتهم تحرم القتل عموما، أي أنهم لم يستندوا إلى أي حق في قتلهم [34]،  كما يدل قوله تعالى:{ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}[35]

وهذه جريمة شنيعة لم يفعلها غير اليهود من بني إسرائيل، فكانوا يقتلون الأنبياء بعد أن يأتوهم بالبينات المعجزات، و في حديث لابن مسعود رضي الله أن بنو إسرائيل كانت تقتل في اليوم ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بقلهم من آخر النهار![36]

و أتت هذه الكلمة أيضا “يقتلون” بصيغة المضارع، لتكون معجزة أخرى من الله على صدق القرآن، لأن موت رسول الله كان سببه السم الذي وضعته اليهودية في الشاة كما جاء في حديث أنس بن مالك، وكان اتفاقا مع يهود آخرين لقتل خاتم النبيين، كما والكلمة بصيغة المضارع تدعو المسلمين إلى استحضار مشهد قتل الأنبياء حتى يكون دافعا قويا لقطع دابر هؤلاء الكفرة المجرمين.[37]

المطلب الثالث: الجريمة الثالثة، العصيان و الإعتداء

{.. ذلك بما عصوا و كانوا يعتدون..}

تمثلت جريمة اليهود الثالثة في العصيان والاعتداء كما في قوله تعالى: {ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ}، والعصيان هو الخروج عن طاعة الله والاعتداء على حدود الله التي حددها لعباده [38]

 يستفاد من الآية أن تجاوز حدود الله المشروعة يؤدي إلى الانتقال من صغير الذنوب إلى كبيرها، لأن اليهود عندما استمروا في المعاصي أصبحت قلوبهم أشد قسوة من الحجارة كما وصفهم الله وانكسرت المثل العليا أمام شهواتهم فكذبوا بآيات الله واتبعوا أهواءهم وقتلوا أنبياء الله ومن جاءهم بالهدى[39]

والحكمة من تكرار اسم الإشارة في هذه الجريمة “ذلك”، هي تمييز المشار إليه والحرص على معرفته وتبيينه، وبذلك يكون العصيان والاعتداء سببين آخرين لضرب الذلة والمسكنة واستحقاق لغضب الله[40]

وخاطب الله بني إسرائيل الذين كانوا في وقت رسول الله بجرائم آبائهم السابقة لحكم عديدة أهمها أنهم يعتبرون شركاء في المعصية لأنهم لم ينكروا المعاصي التي ارتكبها أسلافهم، وأيضا لأنهم كانوا يُزكّون أنفسهم ويزعمون أن لهم الفضل على  رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه، فبين الله سبحانه أنهم ليسوا أهل الصبر ومكارم الأخلاق، وإذا كانت هذه حالة أسلافهم الذين يفترض أن يكونوا أرفع منهم، فكيف الحال بهم، كما أنه خاطبهم بنعم الله على آبائهم لأنها تشملهم وتعمهم[41]

الخاتمة:

   بشر الله سبحانه وتعالى المسلمين في سورة آل عمران بأن اليهود مغلوبون منهزمون أذلة في قتالهم مع المسلمين، وأن أكثر الضرر الذي يمكن أن يلحقوه في أمتنا هو أذى معنوي إلا أنه سبحانه  جعل شرط تحقيق النصر على هؤلاء هو أن نكون أمة مؤمنة بربها حق الإيمان، متبعة لهدي محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان لليهود أن يقيموا كيانهم على أرض فلسطين ويطغوا  لو أن المسلمين  تمسكوا بدينهم  واتبعوا أوامر الله، ومن يقرأ التاريخ يجد أن مد “حبل الناس” إلى اليهود كان في أشد مراحل ضعف الدولة العثمانية الإسلامية، حيث كان المسلمون في حالة شتات وفرقة وبعد عن الدين وتعاليمه، متبعين للشهوات وسموم الغرب التي كان ينفثها على الأمة الواحدة حتى يتمكن  من وحدتها.

فإذا أردنا قطع الحبل الممدود إلى يهود وتحقيق النصر والعزة، وُجب علينا الاعتصام بحبل الله، والتوبة إليه، وأن نبدأ بإصلاح أنفسنا، وأن نكون ربّانيين، دعاة للخير، نهاة عن المنكر، متحدين نابذين كل سبل الفرقة، تلك أوامر الله لنا إن امتثلنا لها، أتى وعده الحق بالنصر لا محال..

قائمة المراجع و المصادر:

  1. القرآن الكريم
  • محمد سيد الطنطاوي ، التفسير الوسيط
  • د. صلاح الخالدي، حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، منشورات فلسطين المسلمة، ط٢،لندن 1990
  • د. صلاح الخالدي، حلقات فقه تأويل القرآن الكريم، الحلقة 65، 66
  • محمد متولي الشعراوي،  برنامج تفسير القرآن ، تفسير الآية ١١٢_آل عمران _
  • الإمام  ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، الجزء الأول، الطبعة الأولى ، دارابن الهيثم، القاهرة، مصر،٢٠٠٥  
  • عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ط١، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ٢٠٠٢ .

[1]  انظر محمد سيد الطنطاوي ،  تطبيق  لتفسير الوسيط، الآية ١١٠_ال عمران

[2]  انظر محمد سيد الطنطاوي ،  تطبيق  التفسير الوسيط، الآية ١١١_ آل عمران

[3] القرآن الكريم، آل عمران، الآية ١١٢

[4] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، تطبيق تفسير الوسيط، الآية ١١٢_آل عمران

[5]  أنظر، صلاح الخالدي، حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، ص١٢٤_١٢٥

[6] القرآن الكريم، الآية ٢٤_الاسراء

[7] القرآن الكريم، الآية ٥٤_ الأعراف

[8] أنظر، صلاح الخالدي، محاضرة فقه تأويل القرآن الحلقة 65 من سورة آل عمران

[9] أنظر، صلاح الخالدي، حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، ص ١٢٥

[10] أنظر، صلاح الخالدي، محاضرة فقه تأويل القرآن، الحلقة65

[11] أنظر، محمد سيد الطنطاوي تطبيق التفسير الوسيط، الآية ١١٢

[12] القرآن الكريم، الآية _البقرة

[13] القرآن الكريم، الآية ٢_ الممتحنة

[14] القرآن الكريم، الآية ٩١_ النساء

[15] أنظر، صلاح الخالدي، برنامج فقه تاويل القرآن الحلقة 65

[16]  أنظر، الخالدي، برنامج فقه تأويل القرآن الحلقة 65

[17] صلاح الخالدي، آيات قرآنية حول القضية الفلسطينية، ص١٢٦، منشورات فلسطين المسلمة، ط٢، لندن ١٩٩٥

[18] صلا الخالدي، آيات قرآنية حول القضية الفلسطينية، ص ١٢٧

[19] صلاح الخالدي، آيات قرآنية حول القضية الفلسطينية، ص ١٢٨

[20] أنظر، صلاح الخالدي،  ايات قرآنية حول القضية الفلسطينية،  ص ١٢٨

[21] أنظر، صلاح الخالدي، آيات قرآنية حول القضية الفلسطينية،  ص١٢٩

[22] أنظر، صلاح الخالدي، برنامج فقه تاويل القرآن،  الحلقه  65

[23] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، تطبيق التفسير الوسيط  

[24] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، تطبيق التفسير الوسيط

[25] أنظر، صلاح الخالدي، فقه تأويل القرآن الحلقة 65

[26] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، تطبيق التفسير الوسيط

[27] أنظر، الشيخ محمد متولي الشعراوي، برنامج تفسير القرآن الشعراوي، الآية ١١٢ _آل عمران

[28] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، تطبيق التفسير الوسيط

[29] أنظر، ، محمد سيد الطنطاوي، تطبيق التفسير الوسيط

[30] أنظر، الخالدي، برنامج فقه تأويل القرآن الحلقة 66

[31] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، تطبيق التفسير الوسيط

[32] أنظر، الخالدي، برنامج فقه تأويل القرآن الحلقة 66

[33]  أنظر، الخالدي، برنامج فقه تأويل القرآن الحلقة 66

[34] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، تطبيق التفسير الوسيط

[35] القرآن الكريم، الآية ٣٢_ سورة المائدة

[36] انظر، الإمام ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ص١٣٦_١٣٨، ج١، ط١، دار الهيثم للطباعةْ القاهرة، مصر ، ٢٠٠٥

[37] أنظر،الخالدي، حلقة فقه تأويل القرآن الحلقة 66

[38] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، تطبيق تفسير الوسيط  

[39] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، المرجع نفسه

[40] أنظر، محمد سيد الطنطاوي، المرجع نفسه  

[41]  أنظر، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص٥٣_٥٤ ، ط١، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر. بيروت، لبنان، ٢٠٠٢