ما الحكم الفقهي فيما يسمى بـ (الدين الإبراهيمي) ؟
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وعلى آله وأصحابه ‏‏أجمعين، أما بعد:‏
فقد كثر ذكر عبارة “الدين الإبراهيمي” في الآونة الأخيرة على ألسنة بعض الساسة الغربيين؛ وفي ‏‏وسائل الإعلام، ويقصدون بها الخلط بين الإسلام دين الله الحق وبين اليهودية والنصرانية بزعم أنَّها كلها ‏‏تنتسب إلى أبي الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام.‏
والمقصود من الترويج لهذه البدعة المنكرة: إيجاد أرضية لتطبيع ديني تدعم التطبيع السياسي، ‏وأن ‏تكون مرتكزاً فكرياً سياسياً؛ يساند القبول بوجود دولة للكيان الصهيوني في فلسطين؛ وإقرارهم ‏على ما في ‏أيديهم من المقدسات المغتصبة حتى أطلقوا على اتفاقيات التطبيع التي وقعتها حكومات ‏الإمارات والبحرين ‏والسودان مع الكيان الصهيوني اسم “اتفاق إبراهام”!‏
ولذلك أصبح المصطلح مُفردةً مشتركة في خطاب رؤساء أمريكا عند حديثهم عما يُسمَّى بـ(صفقة ‏‏القرن). ‏
وهكذا يجلُّ الخطب، ويفدح الأمر، وتنتقل الفتنة إلى أصل الدين! ويُرَاود أهل الإسلام على ترك ‏دينهم ‏الحق إلى الباطل المحض.‏
وإزاء ما يُروَّج له مما يسمى الدين الإبراهيمي، ويخادع به المسلمون، فقد أصدرت ‏الجهات ‏العلمية البيان التالي:‏
أولاً: أجمع المسلمون في كل عصرٍ وجيلٍ مَشرقًا ومَغربًا على أنه بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله ‏دينًا ‏سوى الإسلام، الذي أنزله على خير الأنام. قال تعالى: (‌وَمَن ‌يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ ‏‏وَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ) [آل عمران: 85].‏
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلا ‏نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ ‏يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ». [أخرجه مسلم من حديث أبي ‏هريرة].‏
وهذا المحكم الثابت من دين الله تعالى يتعرض اليوم مع جملة أخرى من الثوابت المعلومة من ‏الدين ‏بالضرورة لعاصفة شديدة؛ تَشُنُّها قوى الشر والعدوان من صهاينة اليهود والأمريكان ‏وحلفائهم، وذلك ‏عبر ابتداع هذا الدين الجديد الذي يريدون فرضه.‏
وإن طاعة يهود وأوليائهم في أمر الدين الإبراهيمي الكفري خروجٌ من ملة الإسلام الخاتم، الناسخ ‏لكلِّ ‏شريعةٍ سبقته، وهو أعظم فتنة في الدين!‏
ثانيًا: إنَّ لخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام مكانةً خاصة بالنسبة لهذه الأمة، فهو القدوة ‏والأسوة ‏التي أُمِرت باتباعها: {قُلۡ ‌صَدَقَ ‌ٱللَّهُۗ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفا} [آل عمران: 95]، {ثُمَّ أَوۡحَيۡنَآ ‏إِلَيۡكَ أَنِ ‏ٱتَّبِعۡ ‌مِلَّةَ ‌إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفاً} [النحل: 123]، وأَوْلَى الناس بإبراهيم وموسى وعيسى وسائر النبيين ‏هم المسلمون ‏الذين آمنوا بهم إجمالًا وتفصيلًا؛ قال تعالى: {إِنَّ ‌أَوۡلَى ‌ٱلنَّاسِ بِإِبۡرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا ‏ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ ‏ءَامَنُواْ} [آل عمران: 68]. والانتساب إلى إبراهيم عليه السلام ليس بالادِّعاء، وإنما ‏بالاتباع والاقتداء.‏
ثالثًا: منذ بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم وعداوة يهود وسائر المشركين لم تَفْتُرْ، ولم تهدأ، ولن تهدأ! قال تعالى: {‌لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَة لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ} [المائدة: 82] وقال سبحانه: {وَلَن ‏‏‏‌تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم} [البقرة: 120]. وليس لتلك العداوة من غايةٍ أو نهايةٍ ‏إلَّا ‏فتنة المسلمين، ورِدَّتهم عن الإسلام! قال سبحانه: {‌وَلَا ‌يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ‏‏ٱسۡتَطَٰعُواْ} [البقرة: 217].‏
رابعًا: إن الأمة المسلمة اليوم تواجه كيدًا عالميًّا، وسعيًا إجراميًّا لتبديل دينها، واختطاف ‏إسلامها، ‏وتحريف عقيدتها، والعبث بثوابتها الشرعية والفكرية، وما بدعة الدين الإبراهيمي إلا حلقة ‏في هذا العبث.‏
والواجب على المسلمين عامة والعلماء خاصة السعي بكل سبيل لاستبانة سبيل المجرمين، ‏وفضح ‏كيد الماكرين من الصهاينة والصليبيين؛ قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ وَلِتَسۡتَبِينَ ‌سَبِيلُ ‏‏‏‌ٱلۡمُجۡرِمِين} [الأنعام: 55].‏
خامسًا: إن الصهاينة اليوم يتهيؤون للسعي للسيطرة على العالم العربي -بعد أن تنفَّذوا في ‏العالم ‏الغربي- من خلال محاور متعددة:‏
منها: أن تصير عقائدهم مقبولة بين المسلمين عَبْر ما يسمى بـ (الدين الإبراهيمي)، وعمل مخطط ‏سياحي ‏يمر بدول متعددة بزعم أنه مسار إبراهيم عليه السلام. ‏
ومنها: عودة اليهود الذين اغتصبوا فلسطين إلى البلاد التي خرجوا منها في العالم العربي ليصبحوا ‏‏مواطنين، أو طابورًا خامسًا لليهود المغتصبين في تلك البلاد!‏
سادسًا: إنَّ مَعقدَ الولاء وآصرةَ التآخي هي الإيمانُ والإسلامُ؛ قال تعالى: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ‏‏‌إِخۡوَة} ‏‏[الحجرات: 10]. وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلمونَ تتكافأُ دماؤهُم ويسعى بذمَّتِهم أدناهُم ويردُّ ‏‏عليهم أقصاهُم وهم يدٌ على من سواهم» [أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد بنحوه من حديث علي بن ‏أبي طالب]. ‏
‏‏والذين يخدعون أمتهم بمسايرة من يروج للأخوَّةِ الإنسانية بديلاً عن أخوَّةِ الإيمانِ والإسلامِ، إما ‏‏سُذَّج مُستغفلون أو ضالُّونَ مُضِلُّونَ ليسوا في دعوتهم المستأجرةِ على شيء!‏
سابعًا: إنَّ العلماء يعلنون للحكام وعموم المسلمين أنَّ الدخول في هذا الدين، والترويج له، ‏والسير في ‏مساراته المتعددة ردَّةٌ عن الإسلام، وكفر بجميع المرسلين، وخيانة لأمانة هذا الدين. والله ‏تعالى يقول: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ‌لَا ‌تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} [الأنفال: ‏‏27].‏
‏ وعلى العلماء في كل بلدٍ ومصرٍ أن يقوموا بواجبهم المنوط بهم في حماية عقيدة المسلمين ‏وشريعتهم، ‏وحفظ ثوابتهم، وإنكار هذه البدع الكفرية.‏
قال تعالى: {وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ ‌مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ ‏وَرَآءَ ‏ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنا قَلِيلاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ} [آل عمران: 187].‏
ونداؤنا لأهل الإسلام جميعاً أن يكونوا على يقظة مما يحاك بهم ويدبر لهم، نداؤنا لأهل الإيمان ‏أن ‏استمسكوا بالإسلام واعتصموا بالعروة الوثقى، ولقنوا أولادكم الحقّ وعلموهم الاعتصام بحبل الله ‏المتين.‏
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الثلاثاء، 27 جمادى الآخرة 1442هـ / يوافقه: 9/2/2021م
الهيئات العلمية الموقعة على البيان: ‏
رابطة علماء المسلمين.‏
رابطة علماء أهل السنة.‏
رابطة علماء إرتريا.‏
مركز تكوين العلماء بموريتانيا.‏
هيئة علماء فلسطين.‏
ملتقى علماء فلسطين.‏
جامعة دار العلوم بزاهدان – إيران.‏
هيئة علماء المسلمين في لبنان.‏
مجلس الدعاة – لبنان.‏
جمعية أمجاد – لبنان.‏
مركز محكمات للبحوث والدراسات- إسطنبول.‏
مؤسسة بيّنات للتأصيل- إسطنبول.‏
ملتقى دعاة فلسطين.‏
دار الإفتاء الليبية.‏
هيئة علماء ليبيا.‏
رابطة علماء أهل السنة بالعراق.‏
هيئة علماء المسلمين في العراق.‏
رابطة علماء فلسطين بغزة.‏
رابطة علماء فلسطين في لبنان.‏
جمعية الاتحاد الإسلامي للدعوة والتعليم الشرعي.‏
رابطة علماء المغرب العربي.‏
الاتحاد السوداني للعلماء والأئمّةِ والدّعاة (إسعاد).‏
رابطة الدعاة بالكويت.‏
رابطة علماء آسيا.‏
رابطة العلماء السوريين.‏
هيئة علماء الكورد في سورية.‏
المجمع الفقهي العراقي.‏
رابطة الدعاة الإندونيسيين (‏IKADI‏).‏
الهيئة الدائمة لنصرة القدس وفلسطين في لبنان ‏
التجمع الإسلامي في السنغال.‏
مجلس علماء العراق.‏