في هذه الأيّام المباركة من شهر رمضان يتعرّض مسرى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لخطر وجوديّ يتهدّد الأمة الإسلاميّة جمعاء في ثالث مقدّساتها مكانةً بعد الحرمين الشريفين؛ فتُطرَح بعض التساؤلات على سبيل الحرص حينًا ولكنها تُطرح على سبيل التشغيب والتّثبيط وإثارة الوهن أحيانًا كثيرة؛ فالعدوّ لا يألو جهدًا في وضع العراقيل أمام المرابطين والمدافعين عن الأقصى المبارك بجنوده تارةً وبالعملاء تارةً وبتجنيد السّفهاء وأرباع المتعلّمين للنصوص الشرعيّة بطريقةٍ باطلة خدمة لإرادة الباطل تاراتٍ عديدة، وفي هذه العجالةِ توضيحٌ لبعض المسائل وإجابةٌ عن بعض الاعتراضات.

الاعتكاف في المسجد الأقصى رباطٌ واجبٌ لا محض شدّ رحالٍ مندوب

إنّ مما تجدرُ الإشارة إليه في هذه الأيّام المباركة أنّ شدّ الرّحال إلى المسجد الأقصى المبارك والذهاب إليه للرّجال والنّساء والكبار والصّغار لا يندرج فقط تحت عنوان شدّ الرّحال المأخوذ من حديث النبيّ صلى الله عليه وسلّم الذي أخرجه البخاريّ ومسلم: “لاَ تُشَد الرحَالُ إِلا إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هذَا، وَالمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى”.

وإنّ شدّ الرّحال على عظمته ومكانته ليسَ هو المعنى الرئيسيّ الأوّل الذي ينطبق عليه ذهاب المسلمين اليوم إلى المسجد الأقصى المبارك فالحشود التي تنطلق إلى الأقصى المبارك إنّما يندرج فعلها تحت إطار الدّفع الواجب والسير إلى المسرى دفاعًا عنه ورباطًا فيه وجهادًا في سبيل الله تعالى ردًّا للعدوان وهذا مقامه الشرعيّ أرقى من مقام شد الرحال.

شدّ الرحال للمسجد الأقصى في هذه الأيام المباركة بل على مدار أيام العام دفاعًا عنه وحفاظًا عليه، وهذا الوجوب يشمل الجميع رجالًا ونساءً شبابًا وشيوخًا كلٌّ بقدر وسعه وبما يستطيع أن يفرغ من أيام عمره لهذه الغاية العظيمة والواجب الذي ينبغي أن ينبري له أهله.فإنّ مقام الفريضة أعظم من مقام النافلة؛ وبيان ذلك أن الأمر إذا كان له وصفان أحدهما أعلى والآخر أدنى فإن الأدنى يدخل في الأعلى حكمًا؛ فالتوصيف الشرعيّ للذّهاب والاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك هو الرباط الذي يندرج في طياته وتحت لوائه معنى وحكم شد الرحال.

وكذلك فإنّ معنى الاعتكاف يذوب داخل هذا الرباط ويدرك المرء برباطه في المسرى الأجرين معا؛ أجر الرباط وأجر الاعتكاف.

صلاة المرأة في الأقصى رباطٌ وجهادٌ لا محض صلاة

كذلك الأمر فيما يخص شأن النساء وذهابهن إلى المسجد الأقصى فإنه لا يرِد عليه البحث في باب أيهما أفضل أن تصلّي المرأة في المسجد أم تصلي في البيت؟ أم أنّ الأفضليّة لصلاتها في مسجد حيّها أو في المسجد الأبعد أو المسجد الأقصى أو المسجد النبوي؛ فعلى أهمية هذه الأوصاف ومراعاتها ومراعاة اختلاف العلماء فيها، غير أنّ الذي ينطبق على شد الرحال للنساء إلى الأقصى المبارك هو تمامًا ما ينطبق على شد رحال الرجال إليه؛ فهو سفر وذهاب من أجل الرباط والدفاع عن المسجد الأقصى المبارك والجهاد في سبيل الله تعالى لمواجهة عدوان الصهاينة.

وخلاصة القول:

إن الإجابة عن بعض الاعتراضات التي ترد على ذهاب النساء إلى المسجد الأقصى وأنه ليس له أفضلية؛ لأن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجد حيها أو مسجد حيها أفضل من المسجد الأبعد وهكذا، هو أنّ سفرها وخروجها ليس في هذا الإطار أصلًا، ولا يوزن بهذا الميزان وإنما يوزن بميزان الجهاد والرباط الواجب، وينطبق عليه اتفاق الفقهاء على أن شد الرحال والنفير حين العدوان المتوقع – فضلا عن الواقع – يجب على الجميع رجالًا ونساء؛ فالاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك قائمة وواقعة والتهديد بحقه دائم ومستمر وبالتالي فإنّ شعبنا ومن يستطيع من أبناء أمتنا مستنفر جميعه للذهاب إلى المسجد الأقصى وأجره هو أجر الرباط والجهاد للرجل والمرأة على حد سواء.

الاعتراض على الاعتكاف في الأقصى بدعوى وقوع مخالفاتٍ شرعيّة.

أما ما يتم إثارته من القول: إن هناك اختلاطًا بين الرجال والنساء، وهناك ارتكابٌ لبعض المخالفات الشرعيّة أثناء الاعتكاف في المسجد الأقصى ومحاولة ثني النساء عن الرّباط فيه نتيجة ذلك؛ فإنّ القاعدة العامة تقتضي أنه عندما يعترض الفعل المندوب أو الواجب ويختلط فيه أمر مكروه أو محرم لا ينبغي علينا القول بمنع الفعل المندوب أو الواجب لوجود هذا الخلل، وإنما يجب علينا أن ننهى عن موضع الخلل لا عن كل الفعل.

وكذلك الأمر هنا فلو افترضنا وقوع مخالفاتٍ شرعيّة كما يقول البعض؛ ولو كان هناك اختلاط أو كشف بعض العورات فعندئذ ينبغي أن ننبّه إلى نقاط الخلل لا أن نذهب للمناداة بإلغاء الفعل المشروع فكيف إن كان هذا الفعل واجبًا شرعيًّا؟

فعندما يذهب الناس إلى الحج ـ على سبيل المثال ـ فإننا نرى أن بعض النساء تقوم جهلًا منها بالكشف عن ذراعها وعن ساقها أو عن شعرها فهذه مخالفة؛ فهل يُعقل أن نقول لها: لا تحجي!! سواء في ذلك أكان حج نافلة أم حج فريضة، ولكن نقول لها: حجّي وحافظي على الستر، وحافظي على عدم الاحتكاك والاختلاط المباشر مع الرجال.

ومثل ذلك أيضًا ما يحدث من اختلاطٍ ومخالفاتٍ شرعيّة في بعض الجامعات؛ فلا أحد يقول: إنّ الواجب الشرعيّ هو إيقاف التعليم للرّجال أو النساء بل ينبغي العمل على إزالة المنكرات والمخالفات الشرعيّة مع الحفاظ على حق الجميع في التعليم الجامعي.

وكذلك هو الحال في الرباط في الأقصى المبارك؛ فهل نقول للمرأة: لا تأتي للرباط والدفاع عن الأقصى لأن هذا المجيء يوقعك في بعض التجاوزات؟ بالطبع لا، وإنما ننبه إلى هذه التجاوزات فقط ولا يجوز أن نجعلها مانعًا من القيام بالواجبات أو المندوبات.

وختامًا..

نخلص إلى ضرورة ووجوب شدّ الرحال للمسجد الأقصى في هذه الأيام المباركة بل على مدار أيام العام دفاعًا عنه وحفاظًا عليه، وهذا الوجوب يشمل الجميع رجالًا ونساءً شبابًا وشيوخًا كلٌّ بقدر وسعه وبما يستطيع أن يفرغ من أيام عمره لهذه الغاية العظيمة والواجب الذي ينبغي أن ينبري له أهله.

د. نواف تكروري – رئيس هيئة علماء فلسطين