دراسة ميدانية وصفية في الكتَاتيب الجزائريّة

(2017م/2018م-1439ه/1440ه)

                                               مولياط بن حليمة  

                                        جامعة أحمد زبانة ، غليزان – الجزائر

 مُلخص البحث:                              

      يَهدف هذا البحث إلى إبراز وظيفة الكتاتيب في المحافظة على الهويّة العربيّة الإسلامية ومكانتها الإستراتجية في دعم الأهداف البيداغوجية للمدرسة الابتدائية في المراحل الأولى لتمكين المتعلمين من اكتساب المهارات اللّغوية المستهدفة، كالسماع، والقراءة، والكتابة(الخط والإملاء) ومن حيث برنامج المحفوظ من القرآن الكريم بما يتناسب والبرامج التَّعليمية، ومناهجها المتَّبعة في الكتاتيب وإظهار أصالتها العربية الإسلامية فيكون بذلك التَّكامل والتَّفاعل بينها وبين المدرسة النّظامية للوصول إلى هدف إعداد الإنسان الصَّالح الّذي يقوم بتكاليف الخلافة في الأرض مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً  قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾  [سورة البقرة:30].

    كما تسعى هذه الدّراسة الميدانية إلى اكتشاف بعض الأهداف الخاصة بالأنشطة التّعليمية التي يتضمنها    المنهاج التربوي الجزائري وقد حقَقها التعليم الكُّتابي بامتياز. وهذا من خلال الاستبيان الذي قمت به.خاصة على مستوى: القراءة، والكتابة، والإملاء، وبرنامج السُّور المقرَّرة للحفظ من القرآن الكريم. على أن أتطرَّق في البحث الثاني إن شاء الله إلى مُستويات التَّكامل والتَّفاعل مع ذكر مُستويات التَّبَاين كما هي في واقع الكتاتيب الجزائرية.

الكلمات المفتاحية:

 الكُتَّاب، الهوِّية العربية الإسلامية، منهجية التّعليم، المدرسة القرآنية، القّيم الأخلاقية، النّظام التّعليمي.

The summary of the research:

    This research aims at highlighting the role of schools in preserving the Arab Islamic identity besides its effective role in supporting school pedagogic goals in the early stages to enable learners to acquire the target language skills; listening, reading and writing.

The Holy Quran in accordance with the educational programs, and its methods used in the education of generations, and the extraction of educational methods that highlight the advantages of the Koran in showing the authenticity of the Arab Islamic, so the integration and logical interaction between them and the regular school to reach the goal of a good human preparation, who is responsible for the costs of the succession in the earth, according to the saying of the Almighty When your Lord said to the angels: ‘I am placing on the earth a caliph, ‘ they replied: ‘Will You put there who corrupts and sheds blood, when we exalt Your praises and sanctify You? ‘ He said: ‘I know what you do not know. ‘

This field study also seeks to discover some of the objectives of the educational activities in the Algerian curriculum and have been achieved by written education with distinction. This is through my questionnaire, especially at the level of reading, writing, dictation, and the program of the fence scheduled for conservation from the Holy Quran. On the second research, God willing, I will refer to the levels of integration and interaction with the mentioned levels of variation as they are in the reality of the Algerian writing.

key words:

the Ketub ,Arab Islamic identity, methodology of education, Quranic school, ethical values, educational system.

مقدمة البحث:     

    يُعدُّ الاهتمام بالطُّفولة من أعظم المعايير الّتي يُقاس بها تحضر الأمم، وتَقدُّم الشُّعوب، فهي مرحلة هامّة في حياة الإنسان وهذا ما توصّلت إليه البحوث النّفسية التّربوية من أنّ مرحلة النمو الممتدّة ما بين الرّابعة والسّادسة من العمر مرحلة حرجة في نمّو شخصية الطّفل وتطورها ففيها تُبنى الأُسس الأُولى للشّخصية وتقام.         

      ومن الّذين درسوا هذه المرحلة جان بياجيه الذي تمثل في دراسته المقاربة.”السيكولوجية والبيولوجية والمنطقية.بمعنى أن جان بياجيه قد ركّز في مختلف دراساته على تبيان كيفية تطور التّفكير عند الطّفل عبر مجموعة من المراحل العمرية المختلفة، وكيف يُحقّق نوعًا من التَّوازن من خلال التّفاعل البنيوي التّكويني بين الذّات والموضوع أو بين الذّكاء والبيئة.

   هذا،وقد تمّثل جان بياجيه الملاحظة العلمية المنظّمة في تجاربه العلمية حين رصدِه لمختلف المراحل الّتي كان يمرّ بها طفله.كما استرشد أيضًا بتعاليم فلسفة كانط الألماني، حينما بيّن بأنّ الطّفل في تعلُّمه لا يعتمد فقط على حواسه، بل يشغّل أيضاً قدراته العقلية و الفطرية و المنطقية في اكتساب المعرفة، وبالتّالي، يعرف مجموعة من العمليات المنطقية البديهية، مثل السّببية، والزمان، والمكان، وديمومة الأشياء…  

       وقد حدد أربع مسائل نفسية وتربوية هي:المرحلة الحسّية الحركية وتمتد من لحظة الميلاد حتى السّنة الثّانية ومرحلة ما قبل العمليات، وتبتدئ من السّنة الثاّنية إلى السّنة السّابعة، ومرحلة العمليات المادية أو الحسّية، وتبتدئ من السّنة السّابعة حتى السّنة الحادية عشرة، ومرحلة التّفكير المجرّد، وتبتدئ من السّنة الثّانية عشرة إلى بداية فترة المراهقة. ويعني هذا أنّ الطّفل في تعلُّمه ونموه العقلي والجسدي ينتقل من مستوى المحسوس إلى مستوى المجرد.” [1]

     من خلال ما سبق يمكننا القول أنّ هذه المرحلة تتميّز بإمكانات كبيرة للتّعلم إذا استُغلت استغلالا فعّالاً وهادفاً فالطّفل يتأثّر بالوسط الاجتماعي والتّعليمي الّذي ينمو فيه والمتمثّل في الأسرة وخدمات التّربية التّحضيرية (الرّوضة) و(الكتاتيب) وقد بيَّنت نتائج البُحوث المقارِنة أنّ الأطفال الّذينَ استفادوا من التَّحضيري أو الكتاتيب قَبل الالتحاق بالمدرسة الابتدائية هم أسرع نُموًا وتطورًا كمًّا وكيفًا من غيرهم الذين لم يَلِجُوا المؤسّستين المذكورتين في القدرات العقلية وفي التّواصل والتّفاعل مع الغير.

   وهذا ما ذهب إليه أحمد أوزي، في كتابه (سيكولوجية الطفل) إلى تحديد مجموعة من المراحل النّفسية للطّفل هي مرحلة المهد من الولادة إلى سن الثّانية، ومرحلة الطُّفولة المبكّرة من السّنة الثّالثة إلى السّنة الخامسة، ومرحلة الطفولة الوسطى من السّنة السّادسة إلى السّنة التّاسعة، ومرحلة الطُّفولة المتأخرة من السّنة التّاسعة إلى السّنة الثّانية عشرة. [2]

     والّذي يهُمّنا من هذه المراحل النّفسية هي المرحلة الثّانية، وهي مرحلة الطُّفولة المُبَكّرة الّتي تبدأ من السّنة الثّالثة إلى السّنة الخامسة وهي المرحلة العُمرية الّتي غالباً ما يلتحق فيها الطِّفل بالكُتّاب أو الرّوضة. وهذا يعني تبنِّي بيداغوجيا تعليمية كفائية متنوعة فعّالة ونشيطة، يُستعمل فيها أدوات التعلُّم الأساسية، وتأثير هذا الوسط التّعليمي في حياة الفرد يُعتبر القاعدة الأساسية الّتي تقوم عليها، حيث أنَّ عملية التّنشئة مرتبطة بفعالية العملية الترّبوية ومدى وعي المربِّي بالقواعد الّتي ترتكز عليها،  ومدى وُضُوحها في ذهنه وكيفية التَّعامل معها في الوسط التّربوي للوصول إلى التّربية والتّنشئة المثلى الَّتي تُحقق إشباع حاجات الفرد وحاجات المجتمع، وتحقق معها الطمأنينة والسّكينة وسعادة الدّارين  الدُّنيا والآخرة. وهذا ما يطرح مسألة الاهتمام برعاية الطفل وتنشئته كأمر حيوي تتَّضح على ضوئه معالم المستقبل وضمن هذا السياق تعمل الدُّول العربية والإسلامية على إعداد الأجيال تربويًا وعلميًا يتوافق وتجديد مناهجها وتغيير طُرق عملها ونسق إدارتها لمواكبة التقدّم العلمي والمعرفي الذي أحدثته التكنولوجيا الجديدة وتسارع وتائر العولمة، وتعتبر دولة قطر العربية الإسلامية أنموذجاً يُقتدي به، وهذا بفضل سياستها الراشدة وتبنيها مشروع (رؤية قطر الوطنية 2030) وممَّا جاء فيه: “تهدف دولة قطر إلى بناء تعليمي يُواكب المعايير العالمية العصرية ويُوازي أفضل النُّظم التّعليمية في العالم. ويُتيح هذا النّظام الفرص للمواطنين لتطوير قدراتهم و يُوفِّر لهم أفضل تدريب ليتمكّنوا من النّجاح في عالٍم مُتغيّر تتزايد متطلّباته العلمية. كما يشجّع هذا النّظام التّفكير التّحليلي النّقدي و يُنمِّي القدرة على الإبداع و الابتكار ويؤكّد على تعزيز التّماسك الاجتماعي و احترام المجتمع القطري و تراثه، ويدعوا إلى التعامل البنّاء مع شعوب العالم. ولدعم النّظام التَّعليمي المنشود تطمح دولة قطر لأن تكون مركزاً فعاّلاً للبحث العلمي و النشاط الفكري.” [3]  

  ونظرًا لأهمية مُؤسّسات التَّنشئة الاجتماعية ودورها التَّكاملي في بناء شخصية الفرد وكيانه الاجتماعي، سوف نتعرض في بحثنا هذا إلى أبرز مؤسّسة خاصة بالتّنشئة الاجتماعية حيث تختلف تسميتها من قُطرٍ عربي إلى آخر، في الشام والعراق وشمال أفريقيا تُدعى بالكتاتيب(المدارسُ القرآنية) وفي السُّودان تُعرف بالخلاوي وفي فلسطين وغزة تسمى مراكز تحفيظ القرآن.

المنهج المتبع:

وقد اعتمدت في هذا البحث على المناهج الآتية:

 أوَّلاً-المنهج التَّاريخي: وقد وظّفت فيه طريقة تسمح بجمع معلومات عن حقائق وأحداث ماضيه وفحصها والتأكد من صحتها وكذا ترتيبها، وتتبع الحدود الثقافية والتاريخية للكتاتيب العربية منذ نشأتها إلى يومنا هذا.

 ثانيا-المنهج الوصفي: عمدت إلى وصف الكتاتيب الجزائرية والوقوف عند الخدمات التي تُقدِّمها هذه الأخيرة للمدرسة النِّظامية، ومحاولة نقل مظاهر التأثير والتأثّر بين المؤسستين.

 ثالثا-المنهج الإحصائي التحليلي: اعتمدت فيه على دراسة تقويمية إحصائية. مُحاولاً الإجابة على الإشكالات التالية:

  – ما المنهج المتَّبع في التَّعليم القرآني بالكَتاتيب الجزائريّة؟

  – وماهي الأُسُسُ التَّربوية الَّتي يعتمدها مُعلّمو القرآن الكريم؟

  – وهل يمتلك شُيوخُ الكَتَاتيب طريقةً تتحقّق بها تعليميةُ القرآن الكريم ؟

  – وما هي الأساليب المعتمدة عند الشَّيخ في تعليم أبجدية اللُّغة العربية؟

  – وأخيرا ًكيف يُقَوَّمُ طفل الكتاتيب؟

  ضبط الدَّلالة:

       لُغةً: يقول ابن منظور في لسان العرب عن معنى كَتَبَ: الكِتْبَةُ “اِكْتِتَابُكَ كِتَابًا تنسخه. ويقال : اِكْتَتَبَ فلانٌ فلاناً ؛ أي سأله أن يكتب له كتابا في حاجة، واسْتَكْتَبَهُ الشّيء؛ أي سأله أن يَكْتُبَهُ لَهُ، وقيل كَتَبَهُ : خَطَّهُ، واكْتَتَبَهُ  استملاه “[4].

وفي التّنزيل قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾   [سورة الفرقان:5]

“والمكَتِّب المعلّم، وقال اللّحياني : هو المكَتِّبُ الّذي يُعلّم الكتابة،  وقال الحسن : كان الحجاج مُكْتِبًا بالطائف يعني مُعَلّمًا، ومنه قيل: عُبَيْدٌ المُكتِّبُ لأنّه كان معلّما. والمكْتَبُ موضع الكُتَّابِ، والمكْتَبُ والكُتَّاب: موضع تعليم الكتابة والجمع الكتاتيب والمكاتب…” [5]

الدَّلالة الاصطلاحية:

    الكُتَّابُ أو ما يُصطلح عليه (الجامع) :”مؤسَّسة صغيرة تتم بمبادرة من جماعة تحرص على أن يتلقَّى أبناؤهم المعارف الأوّلية الضّرورية، ويعتمد المعلِّم فيها على آباء التلاميذ”[6]، “والكُّتابُّ بضم الكاف وتشديد الباء هو موضع تعليم الكتابة والجمع الكتاتيب واسْتَعْمَل أحياناً ابن سحنون كلمة( مَكْتَب) عوض لفظة كُتَّاب “[7] فالكُتَّابُ موضع الكتابة والمكان الذي يتلقَّى فيه الصِّبيان العلم ويجتمعون فيه لحفظ القرآن الكريم قراءةً وكتابةً ويتلقَّون فيه مبادئ الدِّين الإسلامي واللّغة العربية وبعض العلوم الأخرى. وتختلف التَّسمية باختلاف البيئة والمحيط،  ففي مناطق من القطر الجزائري مثلا نجد مسميات عديدة كالمسيد في الجزائر العاصمة و(الجامع) في ولاية تيارت وضواحيها. ويُعَرِّف الغزالي الكتاتيب بأنَّها “مراكز صغيرة،  قاعة واحدة مليئة بعشرات المستويات تضم تقريبا مائة صبي بين الرّابعة والسّادسة عشر كل منهم عاكف على اللّوح الّذي يكتب فيه أو يقرأ منه” [8] وقد تكون مُلحقة بمسجد كبير،  قال الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح والتّربية في الجزائر في هذا الشأن :”إنّ التّعليم المسجدي في قَسَنْطِّينَة كان مُقتصراً على الكبار ولم يكن للصّغار إلاّ الكتاتيب،  فلمّا يسّر الله لي الانتساب للتّعليم سنة ألف وتسع مائة وثلاثة عشر جَعلتُ         من جُملة دُروسي تعليم صغار الكتاتيب القرآنية بعد خروجهم، فكان ذلك أوّل عهد للناس بتعليم الصِّغار”[9].

      والكتاتيب هي جمع كُتَّاب وهو: “مكان للتّعليم الأساسي كان يُقام غالبًا بجوار المسجد لتعليم القراءة والكتابة والقرآن الكريم، وشيء من علوم الشّريعة والعربيّة، والتّاريخ، والرياضيات… وهو أشبه بالمدرسة الابتدائية اليوم” ويُديرها معلّم يُعْرَفُ بعدّة أسماء حسب كلّ منطقة وكل قطر وهي : سيّدنا بمصر العربية، والفقيه بولاية تلمسان الجزائرية  والمطوع أو المطوّعة أو الملاّ بدولة قطر العربية الإسلامية، والطّالب بولاية تيارت الجزائرية، والشّيخ والمُؤدّب وهي أسماء كلّها تُبجِّل هذا الرجل.

 لمحة تاريخية عن نشأة وتطور الكتاتيب:

      تؤكِّد الشواهد التَّاريخية والواقعية أنّ التّعليم عند المسلمين بدأ في وقت مُبكِّر، فالمتصفح للسَّيرة النَّبوية يجد بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم أوّل مدرسة لنشر تعاليم الدّين الإسلامي والدّليل في قوله تعالى:”وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ” (الشعراء:214)فقد كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يتلقّى ما يُوحى إليه من ربّه فيحفظه ويعيه ويُحَفِّظْهُ لأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين بعد ذلك كان الشّرف لدار “الأرقم بن الأرقم “… وكان النّبي صلى الله عليه وسلم يجتمع بمن أسلم سِرّا في هذه الدّار فيتلوا عليهم آيات القرآن الكريم ويعلّمهم شرائع الإسلام”[10]، وهذا امتثالًا لقوله عزّ وجل: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [ سورة العلق:1-5]وهو أوّل ما أُنْزِلَ من الذِّكر الحكيم.

     والمستقرئ للتّاريخ الإسلامي يرى أن فكرة إنشاء الكتاتيب بدأت في وقت مُبكِّر وبالتّحديد في العام الثاني للهجرة النَّبوية ونُشوء الدّولة الإسلامية، وهذا ما تُوضِّحه الرواية المشهورة عن الرّسول r “حين جعل فداء بعض الأسرى ممّن يعرف القراءة و الكتابة منهم، أن يُعلّم عشرة من أطفال المسلمين، ويكون هذا فداءً له، وهذا تصرفٌ رائعٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم له دلالة عظيمة على عناية الإسلام بالتّعليم، فهذه أوّل حادثة من نوعها في تاريخ البشرية، فلم يُعرف أنّ فاتحاً منتصراً قبله صنع مثل هذا الصّنيع.” [11] وفي هذا يقول يوسف القرضاوي :”الرَّائع هنا أنّ هذا النّبي الأُمّي في هذه الأُمّة الأُمِّية أوّل من مجّد القلم وعمل على إشاعة الكتابة ومحو الأُمّية بين أتباعه بكل السُّبل.” [12]ومن خلال ما سبق نستنتج أن النّبي صلى الله عليه وسلم قد بيّن لنا أنّ الكتابة والقراءة هما السّبيل لمعرفة الأُمور الغائبة وما لها من فضلٍ ومنافع عظيمة، لأنَّ بها تُضبط الأُمور وتُدوّن العلوم والحكم وتُعرف أخبار الماضين وأحوالهم وسيّرهم ومقالاتهم،  ولولاهما ما استقام أمر الدّين ولا الدّنيا.

     لقد توسَّعت فكرة الكتاتيب في عهد الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث “أمر ببناء بيوت المكاتب ونَصَّب الرِّجال لتعليم الصبيان وتأديبهم، وكانوا يسردون القراءة في الأسبوع كُلّه. فلمّا فتح عمر الشّام ورجع قافلا للمدينة تلقاه أهلها ومعهم الصبيان، وكان يوم الأربعاء، فظلوا معه عشية الأربعاء ويوم الخميس وصدر يوم الجمعة فجعل ذلك لصبيان المكاتب وأوجب لهم سنّة للاستراحة، ودعا على من عطّل هذه السنة. ثم اقتدى به السّلف في الاستراحات المشروعة إلى يومنا هذا.”   [13]

     إنَّ الكتاتيب هي أبسط مدارس عرفها التّاريخ عند المسلمين الفاتحين وهذا الاعتراف نجده عند المستشرق ” ريس ” وممّا جاء في كتاباته ما يلي: “… ويظهر أنَّه قد وُجدت منذ فجر الإسلام، أمكنة كانوا يجتمعون فيها لاستظهار القرآن وتدارسه ولا شك في أن هذه المواضع، كانت كالمدارس الأوليّة يتعلّمون فيها مبادئ القرآن وأصول الكتابة العربية…”[14] لقد انتشرت الكتاتيب انتشارا كبيرا ومبكّرا في العواصم والمدن الإسلامية فما من قرية فتحها المسلمون إلّا وأسَّسوا فيها كُتّابا لتعليم الصبيان.

الكتاتيب في الجزائر:

      أدرك الاحتلال الفرنسي أن انتشار اللّغة العربية يُشكِّل خطرًا على وجوده في الجزائر الإسلامية، ويقضي على مخطّطاته الهادفة إلى فَرْنَسة الجزائريين فحاول القضاء على أصالتهم وعمل على محاربة اللُّغة العربية بشتّى الوسائل ومختلف الأساليب للحدِّ من تعلُّمها وانتشارها وكان من جملة هذه الإجراءات إصدار القانون المعروف بقانون : ” 24 كانون الأول / ديسمبر 1904 والّذي ينصُّ على عدم السّماح لأيّ معلّم مسلم أن يتولّى إدارة مكتب لتعليم اللُّغة العربية بدون رخصة يمنحه إياها عامل الولاية – العمالة – أو قائد الفيلق العسكري ويُعدُّ فتح مكتب بدون رخصة اعتداء على حدود القوانين الخاصّة بالأهالي المسلمين”[15] وأمام سياسة التّجهيل الّتي كانت تطبّقها فرنسا من أجل محو الشّخصية الوطنية الجزائريّة الّتي لم تزد الشعب الجزائري إلّا قوّة،  وكانت الكتاتيب بديلا لحالة التّجهيل الّتي مارسها الاحتلال، وآلية من آليات المقاومة الأهلية للتّمسك بجانب من الهويّة العربية الإسلامية، حيث عملت على تلقين أبناء المجتمع أبجدية اللُّغة العربية، وتحفيظهم شيئا من القرآن الكريم وبُغية كسر هذا الصُّمود الّذي أظهره الشّعب الجزائري لجأت فرنسا إلى حيلتها الخبيثة من خلال إصدار تعليمات من بين ما جاء فيها: “أنَّه لا يجوز لمكاتب التّعليم العربية أن تفتح أبوابها لِلأولاد الّذين هم في سن التّعليم أثناء ساعات العمل في المدرسة الفرنسية، وذلك في القرى التي تبعُد ثلاث كيلومترات عن المدرسة الفرنسية “[16]، وهذا ما يعكس القناعة التي رسخت لدى الاستعمار الفرنسي من أنّ تعليم القرآن الكريم في مكاتب الشُّيوخ ينُافس الثقافة الفرنسية المفروضة ما جعله يُضمّن قانونه الفقرة الأخيرة محاولةً للحدّ من نشاط التّعليم في المسجد والكُتّاب، وحتى يُرغِم التلاميذ على التوجه إلى المدارس التّابعة له والّتي أظهر الأهالي عزوفاً عن تعليم أولادهم فيها لما تُشكّله من خطر يهدِّد دينهم ويضرب أصالتهم، ولم يقف الاحتلال عند ذلك الحدّ بل سعى لوضع مجموعة من العراقيل تحولُ أمام منح رخصة التّعليم،  فكان على المعلم – الشّيخ – التعرُّض لمواقف صعبة والرضوخ لشروط مهينة يلتزم بتنفيذها نصًّا وروحًا في كُتّابه حتّى يحصل على رخصة التّعليم القانونية وكانت تلك الشروط تنص على ما يلي: [17]

  -1-” اقتصار التّعليم على تحفيظ القرآن الكريم لا أكثر.

  -2-عدم التّعرُض بأي وجه كان إلى تفسير الآيات القرآنية، وخاصّة تلك الّتي تحض على الجهاد في سبيل الله وتدعو                           إلى محاربة الظُّلم والاستبداد.

  -3-استبعاد تدريس تاريخ الجزائر، وتاريخ العرب المسلمين، وجغرافية الجزائر والبلاد العربية.

  -4-استبعاد الأدب العربي بجميع علومه، والامتناع عن تعليم المواد العلمية والرياضية . “

     إنّ للقرآن الكريم مكانة عظيمة جدًا في قلوب الجزائريين والجزائريات لما ورد في ذلك من أحاديث نبوية تحثُّ المسلمين على صرف العناية إلى خدمته، ومن جُملة الأحاديث الشّريفة نذكر على سبيل المثال قوله صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ [18] ولهذا يحرصُ الآباءُ على تعليم صغارهم القرآن الكريم منذ سن مبكّرة ونجد ذلك في الأرياف خاصّةً، فلا يكاد الصّبي يبلغ الرّابعة من عمره حتى يأخذه والده إلى المدرسة القرآنية التّابعة للمسجد لحفظ الذّكر الحكيم، ويتّخذه بعضهم كتعليم تحضيري للمدرسة ويكتفون بتحفيظ أبنائهم ما تيسّر لهم من السّور القرآنية القصيرة قبل بلوغهم سنّ السّادسة، ودخولهم الرّسمي إلى المدرسة النظامية، بينما يتَّخذه بعضهم غاية في حدِّ ذاته ولا يقبلون بما دون حفظ أبنائهم القرآن كاملاً لا تنقص منه آية بل يحفظونه كما أُنزل وبرسمه العثماني، وتنتشر في الجزائر ثلاثة أنواع من مدارس تحفيظ القرآن الكريم وهي: كالآتي:

النوع الأول :(وكان يسمى في العصر العبّاسي كُتَّاب حُكومي )

      المدارس القرآنية التّابعة لوزارة الشُّؤُون الدّينية وتقع داخل المساجد لا يفصل بينهما إلاّ جدار، وذلك تجنُّباً لإزعاج المصليين من طرف الصِّبيان، فقد فصل الجزائريون منذ البداية بين الكُتَّاب والمسجد وأمروا المعلّمين بألاّ يعقدوا حلقةً للتّحفيظ في المسجد، وفي هذا قال أبو العبَّاس الونشريسي في معياره: “لم يجعل الله المساجد لتُكتسب بها الأرزاق،…والواجب على تلك أهل البلدة أن يمنعوا مساجدهم من مثل هذا، وآباء الصبيان في حرج من هذا، ليس ينفرد بالحرج المعلّم وحده، فيوعظ المعلّمون وآباء الصبيان ليخرجوا من المساجد إلى بقاع يصلح فيها التكسُّب ولا يضرٌّ بالمسلمين فإن كان المعلّم أبى فليُنزع الصبيان من عند آباءهم وإن اعتصم المعلم بأحد فليس يعصمه إلاّ ظالم”[19]، وتعكس هذه الفتوى تأكيد الفقهاء الجزائريين على وظيفة الكُتَّاب وضرورة إنشائه خارج المسجد حتى يبقى هذا الأخير للعبادة وللرّاشدين من طلبة العلم.

النَّوع الثاني:

       الكتاتيب (المدارس الحُرَّة) وتنتشر بكثرة بالأرياف يفتحها شُيوخ حفظة للقُرآن الكريم في بُيوتهم أو بجوارها وتتميّز بتواضع بنائها وبساطتها الشَّديدة، ويتلقَّى الشُّيوخ أُجورهم الشَّهرية من التَّلاميذ وهي لاتخضع للقانون أو للضرائب ولا تتطلب رخصةً لفتحها، ولقد شاع هذا النوع بكثرةٍ في عهد الاحتلال الفرنسي رداً على سياسة التجهيل التي اعتمدتها فرنسا بحق الشعب الجزائري لمنع تشكُّل الوعي لديه، وساهمت هذه المدارس بفعالية في حفظ الإسلام والقرآن واللُّغة العربية وإفشال مخطط فَرْنَسة الشَّعب الجزائري طيلة 132 سنة من الاحتلال (5 يوليو 1830- 5 يوليو1962)وبعد الاستقلال، واصلت رسالتها الحضارية، وتخرَّج منها آلاف الأئِمَّة فضلاً عن تأهيل تلاميذها الذين تلقوا فيها «تعليما تحضيريا» لمزاولة حياتهم الدراسية الرسمية بنجاح كبير، وعادة ما يحتل طلبتُها المراتب الأولى في المدارس الرَّسمية ويتفوَّقون على أقرانهم الذين تلقوا تعليمًا تحضيريًا عصريًا، كما يتميَّز طلبة الكتاتيب بالتَّمكُن التَّام من اللُّغة العربية بقواعدها ونحوها وصرفها ويكتسبون ثروة لغوية كبيرة، وقد أمدَّت الكتاتيب الجزائرَية بالآلاف من المدافعين عن اللَّغة العربية الذين يواصلون الآن رسالة المجاهدين والشهداء في الوقوف بوجه الأقلية الفرنسية بالجزائر. ويبلغ عدد الكتاتيب حالياً 2344 كُتّابا تضم 2348 قسمًا، ويدرس فيها 85488 تلميذًا ويُؤطرها 2533 مُعلمًا.
     والمُلاحظ أنَّ وظيفة الكتاتيب تراجعت منذ عقدين تقريباً مقارنة مع فترة الستِّينيات والسَّبعينيات، فأغلق الكثير من الكتاتيب أبوابَه لأسبابٍ عديدة، منها وفاة عدد معتبر من «الشيوخ» المؤسِّسين لها واتَّجاه تلاميذهم الذين حفظوا القرآن على أيديهم إلى العمل في المدارس القرآنية الرَّسمية التَّابعة لوزارة الشؤون الدِّينية لضمان تلقي رواتب منتظمة على الأقل.” [20]

 النوع الثالث:

     يتعلق بالزوايا الصوفية التي يخصِّص بعضُها فضاءً لتحفيظ الأطفال والمريدين للقرآن الكريم، ويبلغ عددُ الزوايا المعنية 328 زاوية وتضم 15563 طالباً من بينهم 4322 طالبة، وتضمن الزوايا النظام الداخلي لـِ 8366 طالبًا تابعًا لها. ويمكن إضافة «المعاهد الحرة» للقرآن والعلوم الدينية إلى الأنواع السابقة من المدارس، وعددها 9 مدارس منها 3 بولاية غرداية بالجنوب الغربي للجزائر، بيد أنها تتميَّز عنها بأنها مُوجَّهة للكبار وتُدرِّس أيضًا مختلف العلوم الدِّينية لتأهيل طلبتها للإمامة مستقبلاً. وعُمومًا يبلغ العدد الإجمالي للمدارس القرآنية بمختلف أنواعها في الجزائر 5246 مدرسة تقوم بتحفيظ كتاب الله لنحو 288 ألف طالب. ولا تتوافر إحصائيات عن عدد المُتخرِّجين فيها من الذين حفظوا القرآن كله أو أغلبه أو نصفه، ولكن الأكيد أنهم يعدّون بعشرات الآلاف.
     وخلافاً للكتاتيب والزوايا، فإن فتح مدرسة قرآنية في مسجد أو في محيطه الوقفي، يتم بموجب قرار من وزير الشؤون الدينية الذي يُحدِّد تسميتها وموقعها، ويسند مُهمَّة إدارتها إلى إمام المسجد عادةً، ويتولىَّ هذا الأخير تعيين معلم القرآن للتَّلاميذ من الذين تتوافر فيهم صفات الكفاءة وحفظ القرآن كله والحِلم وسعة الصدر، وتتكفَّل الدَّولة براتب المعلم ومصاريف صيانة المدرسة والتجهيز وتساعدها المؤسسات الخيرية في التمويل، كما يوجّه جزءٌ من رصيد أموال الزّكاة إلى تمويل المدارس القرآنية، وهي تجربة جديدة استحدثتها الوزارة منذ سنوات قليلة.[21]

 منهج التّعليم القرآني في الكتاتيب الجزائريّة:

          لقد فصّل العلاّمة عبد الرحمان بن خلدون تفصيلاً واضحًا في بيان منهج أهل  إفريقية والمغرب في تعليم القرآن الكريم حيث تناول ذلك في معرض مقارنة منهج الأمصار الإسلامية في تعليم الولدان فقال :” أمّا أهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط، وأخذهم أثناء المدارسة بالرّسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه؛ لا يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم،  لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا من كلام العرب، إلى أن يحذق فيه أو ينقطع دونه  فيكون انقطاعه في الغالب انقطاعًا عن العلم بالجملة، وهذا مذهب أهل الأمصار بالمغرب ومن تبعهم من قرى البربر أمم المغرب، في ولدانهم إلى أن يجاوزوا حدّ البلوغ في الشّبيبة وكذا في الكبير إذا راجع مدارسة القرآن بعد طائفة من عمره، فهم لذلك أقوَمُ على رسم القرآن وحفظه من سواهم”. [22]

     ولعلّ هذا المنهج الذي ولّد خصوصية ضبط القرآن على حساب اللِّسان لدى المغاربة عموماً،  والجزائريين خصوصا حيث ظهر فيهم ” القصور عن ملكة اللّسان جملة،  وذلك أن القرآن لا ينشأ عنه في الغالب ملكة لما أنّ البشر مصرفون عن الإتيان بمثله، فهم مصرفون لذلك عن الاستعمال على أساليبه والاحتذاء بها “[23].

      لقد أبدى العلاّمة عبد الرّحمان ابن خلدون استحسانه بالمنهج الذي اقترحه القاضي أبوبكر بن العربي في تعليم القرآن الكريم رغم انتقاده لطريقة المغاربة وعدم إمكانية تطبيقها في أرض الواقع لما اكتسبته الطّريقة القديمة من الانطباع والرّسوخ في منهج الجزائريين في تعليم القرآن. حيث نجده يقول: “ولقد ذهب القاضي أبوبكر ابن العربي في كتاب رحلته إلى طريقة غريبة في وجه التّعليم وأعاد في ذلك وأبدا،  وقدّم تعليم العربية والشِّعر على سائر العلوم كما هو المذهب الأندلسي. قال: “لأنّ الشِّعر ديوان العرب، ويدعوا إلى تقديمه، وتقديم العربية في التّعليم ضرورة، ثم ينتقل منه إلى الحساب فيتمرّن فيه حتى يرى القوانين ثم ينتقل إلى درس القرآن فإنه تيسير عليه بهذه المقدمة. ثم قال: ويا غفلة أهل بلادنا في أن يُؤخذ الصّبي بكتاب الله في أوامره،  يقرأ ما لا يفهم وينصب في أمر، غيره أهم عليه منه. [24]» رغم النّقد الكبير الّذي وُجه إلى طريقة تحفيظ الصِّبيان القرآن دون فهم إلاّ أنّ الجزائريين مازالوا لحدِّ الساعة يتّبعونها إيماناً منهم أنّ البركة تحصل للمُتعلِّم عند حفظه لبعض سور القرآن القصار.

     أمّا ابن باديس رحمه الله رائد النّهضة في الجزائر، ورئيس جمعية علمائها فقد كان منهجه مُستمدًا من كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتّضحُ هذا جليًا في أقواله وأفعاله ومن خلال ممارساته اليومية في حلقات الدّرس، والكتاتيب والمدارس والنّوادي والأسواق، فقد كان حريصًا على إعداد جيل يُنقذ الشعب الجزائري من مخاطر التَّغريب والتَّجهيل والتَّجنيس وأن يدل أبناءه على موردهم الصافي، فينهلوا من القرآن والسُّنة وتراث الإسلام أزكى العلوم وأطيب المعارف وأجمل الآداب، حيث نجده يقول :”إنَّ أبناءنا هم رجال المستقبل، وإهمالهم قضاء على الأمّة إذ يسُوسُها أمثالهم  ويحكم في مصائرها أشباههم….ونحن ينبغي هنا أن نُربيّ أبناءنا كما علّمنا الإسلام، فإن قصَّرنا فلا نلُومَنَّ إلاَّ أنفُسنا، ولكن واثقين أنّنا نبني على الماء ما لم نُعِدَّ الأبناء بِعُدَّةِ الخُلق الفاضل، والأدب الدّيني الصحيح “[25] وبذلك تُحصّن الشّخصية الجزائرية المسلمة في عقيدتها وأفكارها، ووجدانها ولغتها وآدابها فبدى لنا متأثراً إلى حد كبير بالطريقة الأندلسية في التدريس وإصلاح التعليم،  وهذا ما صرح به الشيخ محمد البشير الإبراهيمي واصفاً الطّريقة التي اتّفقا عليها لتربية النشء…وكانت الطّريقة التي اتفقنا عليها أنا وابن باديس في المدينة، في تربية النشء هي: ألا نتوسع له في العلم، وإنما نربِّيه على فكرة صحيحة، ولو مع علم قليل، فتمّت لنا هذه التجربة في الجيش الذي أعددناه من تلامذتنا. “[26]

     أما بالنِّسبة لمحتوى المنهج فيقول عنه ابن باديس :”تشتمل الدُّروس على التفسير للكتاب الحكيم وتجويده  وعلى الفقه في المختصر وغيره، وعلى العقائد الدينية، وعلى الآداب والأخلاق الإسلامية، وعلى العربية بفنونها كالمنطق والحساب وغيرهما.” [27] ويظهر ذلك جلياً في النشاط الواسع المكثف الّذي قام به الرجل في مجالات التعليم والكتابة والصحافة بإنشاء المدارس والجرائد المختلفة، وفي مجال التفكير بمحاربة الجمود الصوفي، والدعوة إلى الإيمان بعد الاستدلال والاقتناع، ونبذ التواكل والحث على الاعتماد على النفس، حيث نجده نقول :

شعب الجزائر مُسلــم             وإلى العروبـة ينتسب

من قال :حاد عن أصله        أوقال مات فقد كـذب

أو رام إدماجاً لـــــــــــــــــــــــــــه           رام المحال من الطلــب

يا نشءُ أنت رجاؤنــــــــــــــــــــا         وبك الصباح قد اقترب

        خذ للحياة سلاحـهـــــــــــا            وخض الخطوب ولا تهب [28]

      لقد ارتبطت حركية التّعليم بالجزائر منذ عهد قديم بتعليمية اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم،  وتشمل هذه الظّاهرة التّعليمية حقلا خصبا لدراسة تعليمية اللغة العربية وطرق التدريس في الجزائر العميقة في التاريخ القائمة أصلا على التلقين والحفظ مسلكاً ومنهجاً بيداغوجياً. لقد تم دخول القرآن الكريم إلى القطر الجزائري مع الفاتحين الأولين وتلقاه الناس بالسّماع والحفظ، وأخذه الخلف عن السّلف كاملا غير منقوص بسوره وآياته وحروفه،  بل بخطِّه العثماني الخاص به فتعلّمه الصِّبيان حسب الطّريقة الّتي تلقوه بها،  إن التَّعليِم الكُتّابي كغيره يتمحور التّفكير فيه حول ثلاثة أقطابٍ رئيسية هي :

• القطب النفسي ويخص المتعلِّمين.

• القطب المعرفي المتعلق بالمعارف المطلوب تدريسها.

• القطب البيداغوجي ويهتم بالمعلِّم.

   ـــ فماهي الأساليب والطرق المعتمدة في النِّظام الكُتَّابي؟وماهي الوسائل التعليمية ؟

   ـــ وماهي وظيفة المعلم(الشيخ)؟وما هي شروط اختياره لهذه المهمَّة النَّبيلة ؟

   ــــ وماهي المعارف المطلوب تدريسها؟

وسأحاول الإجابة عن هذه الأسئلة:

   أولاً: المعلِّم : ويُعرف باسم الفقيه أو السّيد أو الشّيخ حسب كل منطقة وهي أسماء كُلّها تبجِّل هذا الرجل،  فهو الأب الرُّوحي للتّلاميذ ورجل العلم الذي تُشد إليه الأبصار، وهو عند عموم الشّعب الجزائري أرفع منزلة فهو الطبيب والرّاقي الذي يعالج الدّاء ويدفع البلاء،  وقد يُؤتمن على الأسرار والودائع،  فهو الرّجلُ المطاع ومحل احترام وتقدير من قبل الجميع،  الغني منهم والفقير وهو المستشار الدِّيني والاجتماعي،  يحل المشكلات ويعالج الخصومات ويعقد قِران الزّواج،  يحضى باحترام كبير وتفضيل وطاعة تامة وتميُزه هذا ليس في الجزائر فقط بل في كل مجتمع مسلم،  ومما جاء في رواية الأيام للدكتور طه حسين عن هذا الرجل قوله :”… وكان يضع لذلك شروطاً ويُطالب بحقوقه.. فكم لسيدنا على الأُسرة من حقوق “[29]  أما أُجرة الشيخ أو الفقيه ما لم يكن تابعاً لوزارة الشؤون الدِّينية فتتكفَّل بها جماعة المسلمين بعد اتّفاق يكون قد تمّ بينهما. وقد جاء هذا في معيار أبي العباس الونشريسي حيث نجده يقول :”… ويتفق هذا المعلم مع أباء الطلاب على أجرٍ معين،  فإن كثر عنده عدد الطُّلاب،  فله أن يُشرك معه معلِّماً آخر،  أو غير واحد من المعلِّمين… وإذا تكرّم عليه آباء الصِّبيان في عاشوراء والأعياد بشيء من العطاء قبله،  وذلك حسب جاري العادة،  وقد كان فاشيا في بلاد المغرب الأوسط والأقصى تقديم الشمع للمعلِّم في ميلاد النّبي صلى الله عليه وسلم كما كان فاشيا في البوادي أخذ الزُّبدَ،  يجعل له على كل بيت مخضة زُبدٍ ويُسمُّونه خميس الطالب”[30] أمّا لباس معلّم القرآن المعروف والمشهور في كل منطقة جِلباباً وسِروالاً فضفاضاً،  ولا يُقبل بدون عمامة،  وإلى جانب الشَّيخ يوجد شخص يسمَّى العرِّيف وهو أحد تلاميذ الكُتَّاب بلغ الحُلم يقوم بمساعدة المعلِّم على تأدية واجبه،  ومن مهامه المحافظة على الهدوء عند غياب الشَّيخ وتبليغه عند رُجوعه،  كما ينادي على المتعلِّمين الّذين يطلبهم الفقيه للتَّسميع ولا يقتصر دور معلم القرآن على تعليم الأطفال القراءة والكتابة وحفظ القرآن،  بل يحرص على تنشئتهم النّشأة الصالحة وغرس الأخلاق الحميدة في نفوسهم،  والمبادئ الفاضلة والعادات السّليمة والقيّم الإسلامية،كما كان معلِّم الكتاتيب يقوم بمراقبة الصِبيان خارج حجرة الدَّرس ويحثّهم على العمل بما تعلّموا ويشعرهم بأنهم يتميزون عن غيرهم في تصرفاتهم وسلوكياتهم،  وهذا كله تقديساً لما يحملونه من كلام الله العزيز الحكيم،  كما يُطالبهم بالمحافظة على سُمعة الكُتّابِ الذي ينتمون إليه.

   ثانياً: إنتخاب المعلِّمين:

   كان الأجداد ـــ رحمهم الله ـــ يتحرّون جُهدهُم في انتخاب من يتولّى تعليم صبيانهم، فلا يختارُون إلى هذه المهمّة إلاّ من تقرّر عندهم حسنُ أخلاقه وتوفرت فيه خصال رشيدة جمّة، منها الاشتهار بالاستقامة، و العفاف، والعدالة، مع الخبرة التّامة بالقرآن وعلومه.

    “قال الشيخ الصالح أبو إسحاق الجبنياني المتوفى سنة 379 هــ ،وكان ممّن يُعلّم اليتامى وأبناء الفقراء احتسابا لوجه الله الكريم وابتغاء مرضاته لا تعلّموا أولادكم إلاّ عند رجلٍ حسن الدّين، لأنّ دين الصبي على دين معلِّمه. ” [31] 

ومن واجبات المعلم ما قاله ابن سحنون : ” وكان السّلف ــ رحمهم الله يشترطون مع ذلك على المعلِّمُ أن يتخلَّى عن كلّ شئ للتّعليم، وأن لا يشتغل بغير صناعة التّعليم، وأن يُعمّر أوقات فراغه بالنَّظر فيما يعود على تلاميذه بالنَّفع و الفائدة في تعليمهم، و مراقبة غدوّهم و رواحهم وإعلام أوليائهم عن مغيبهم بلا عذر، وحجروا عليه اتخّاذ العريف يقوم مقامه ما لم يكن في مرتبته العلميّة و أخلاقة المرضية، بحيث يكون المؤدّب منقطعا بنفسه تمام الانقطاع للتَّدريس والتَّربية حتّى أنّهم منعوا عليه عيادة المرضى و تشييع الجنائز.” [32] وفرضوا عليه المساواة التَّامة في تعليم أبناء الأشراف و الفقراء لا فرق بين الفقير و الغنِّى، بل هما سواسية في ذلك قال الإمام سحنون:” يجب العدل في التَّعليم، ولا يُفضَّل فيه بعضهم على بعض ولو تفاضلوا في الجعل إلّا أن يبيِّن ذلك لوليِّه في عقده و يكون تفضيله في وقت غير وقت تعليمه للصّبيان.” [33] وهو ما نُسمِّيه اليوم بالدّروس الخصوصية .

   ثالثاً: الأسس التّربوية في التعليم الكتابي:

     إنّ مهمة كل تربيّة هي إيصال ونقل القيّم الّتي اختارها المجتمع لنفسه، والكتاتيب الجزائريّة لا يمكنها أن تَشُذّ عن هذه القاعدة، ومن هذا المنطلق، فإنَّ من أولى أولوياتها ما يأتي:

   ـــــ “الحفظ الجيّد للقرآن الكريم و الحديث النّبوي الشريف .

   ــــ تنمية شعور المتعلِّم بالانتماء إلى الدِّين الإسلامي و الاعتزاز بمصادره.

   ـــــ تزويد المتعلم بالمعارف الخاصة ببعض العبادات و الشعائر الدّينية و تعويده على ممارستها و لو لم تكن مفروضة عليه في هذا السّن.

   ــــ تنمية القيم الإسلامية في المعاملات اليومية .

   ــــ تعزيز المعرفة بوحدانية الله و ترسيخها في نفوس المتعلّمين .

   ـــــ تنمية المعارف المتعلقة بالعبادات و السّلوكيات و السّيرة النّبوية والقيّم الأخلاقية وكيفيّة ممارسة بعض الشعائر الدّينية”[34]

     وعلى العموم الكتاتيب تستمد معارفها من رُوح الإسلام و مصادر التّشريع، المتمثّلة في:

القرآن الكريم والسّنّة النبويّة الشَّريفة، بما يُحقّق تربية شاملة، من خلال التوازن بين الرّوح و الجسد و بين أعمال الدّنيا والآخرة، و تّفتحاً على العصر من دون إخلال بالمبادئ الإسلامية وروح مقاصد الشريعة.

  أ/- مراعاة الفروق الفردية: كان الشيوخ يطبِّقون مبدأ الفروق الفردية بين المتعلمين: فمنهم من كان يُكلّف بحفظ سورة قصيرة ومنهم من كان يُكلّف بحفظ ربع ومنهم بحفظ نصف وغالبية الطّلبة مطالبون بحفظ الثُّمن وذلك من بداية الأسبوع إلى نهايته وهذا حسب استعداداتهم وقدراتهم العقلية.

 ب/- استخدام مبدأ الثواب والعقاب: يستخدم معلم الكتاتيب مبدأ الثواب والعقاب حيث أوضحت الدراسة أنَّ الشيخ كان يُعاقب المتعلِّمين، وكان يستعمل العصا الفلقة وكذلك الضّرب على اليدين أو مسك الأذنين كما أنّهم يستخدمون التوبيخ واللّوم والتّأنيب، يحكي فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله عن طفولته فيقول : “عندما كنت صغيراً وتعلمت القرآن الكريم وحفظه في اللَّوح وبسبب قراءتي الخاطئة ل:(حم – عسق ) أخطأت في القراءة فضُربت ضرباً شديدا ًمن مُعلّمي ومساعده العرِّيف.” [35] وكانوا يعتقدون أن الضّرب يجلب منفعة للمتعلّمين ويجعلهم حريصين على الحفظ.

    وفي هذا المقام يقول محمد الغزالي: “… ومن بين الحين والحين تسمع استغاثة مضروب لم يُحسن الأداء ، يتوجع من لذعة العصا، والآباء يوصون المعلّمين بألاّ تأخذهم شفقة في التّعليم والتّأديب، فعصا الفقيه من الجنة كما يقولون….”[36]  وقد أثبت علم التربية الحديث وعلم النفس والاجتماع أنّ العقاب الجسدي(الضرب) مضرة بالطفل وهو أنواع منها: الضرب، والتهديد، والجزر، والصُراخ في وجه الطفل. وفي هذا يقول أحد الباحثين: ” العقوبة البدنية في اعتقادي لا تكون أبدًا صواباً، فالخفيف منها يُحدثُ قليلاً من الضرر من غير أن ينفع، وإني مقتنع بأنّ الشَّديد منها يُولّد القسوة والوحشية.” [37] وفي التراث نجد العلّامة ابن خلدون تحدّث عن الشدّة على المتعلمين و ما تُحدثه من مضرة بهم حيث يقول: “وذلك أن إرهاف الحدّ في التّعليم مُضر بالمتعلّم سِيما في أصاغر الولد،  لأنّه من سوء الملكة، ومن كان مَرباهُ بالعسف والقهر من المتعلّمين والمماليك أو الخدم سطا به القهر وضيّق عن النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحُمِل على الكذب والخبث، وهو التّظاهر بغير ما في ضّميره، خوفًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلّمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له عادة وخلقا، وفسدت معاني الإنسانيّة التي له من حيث الاجتماع والتمرُّن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه أو منزله، وصار عيالا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل . “[38] لقد شاع في الأوساط التربوية أن غالبية معلمي الكتاتيب ليست لديهم أدنى فكرة بعلم النفس التربوي الذي أصبح شرطا من الشُّروط الأساسية للالتحاق بمهنة التّعليم في الدُّول المتقدمة، وإن كانت الكتاتيب قد اتُهمت بإهمالها بصفة كاملة نفسية الطفل من حيث قدراته العقلية والجسمية واستعداداته وميولاته وإن كان ما يقولونه صحيحا فذلك عيب العصر كله، فلم يكن يعرف في الحقبة الزمنية القديمة الّتي عايشتها الكتاتيب أن الطفل ينفرد بشخصية تميزه عن غيره ولم يكن علم النفس يُطبق في المؤسسات التّربوية إلاّ عندما استقلّ عن الفلسفة وأصبح علما قائما بذاته.

  رابعاً: البعد البيداغوجي في أنشطة الكُتَّاب:

     من الصعب إيجاد تعريف محدد للبيداغوجيا، وذلك راجع إلى ارتباط المصطلح بمصطلحات مجاورة له، وبصفة عامّة تعني مجموع طرق التّدريس ” إنها حقل معرفي، قوامه التّفكير الفلسفي والسيكولوجي، في غايات وتوجهات الأفعال والأنشطة المطلوبة ممارستها في وضعية التربية والتّعليم على الطّفل و الرّاشد” [39]

وبناءً على ما سبق يحق لنا أن نتساءل عما يلي :

  • هل يمتلك شيوخ الكُتَّاب طريقةً يتحقّق بها تعليمية القرآن الكريم؟
  • وما هي الوسائل التّعليمية التي يعتمدونها في تحسين عملية التّعليم والتّعلم؟         

أ/- الطّريقة : أدرك المربُّون منذ زمن بعيد أهمية الطُّرق التّربوية فحاولوا ابتداع طرق جديدة للتّدريس أكثر فاعلية وأكثر نجاحا وإنّه من يرجع إلى تاريخ التّربية يلاحظ أن هذه المحاولات في طرق التّدريس تحتل جُزءًا هامًا منه، ويُعد علم النفس عامة وعلم النفس التّربوي خاصة الذي كشف وحفّز على تعدد طرق التّدريس لتتلاءم مع الخبرات المختلفة وتُؤدي الأهداف المرجوة.                                                                                                                       

       ــــ فما هي أنواع الطُرق التَّربوية المعتمدة في الكتاتيب؟

   للإجابة على هذا الإشكال توجَّهتُ إلى أحد خرّيجي الكتاتيب المدعو (أحمد ابن طاهر) وهو من الذين حفظوا القرآن على عدة مشايخ وهو إمام خطيب ومُعلِّم قرآن مُتطوع (بمسجد الكوثر الواقع ببلدية البخاتة بدائرة مغنية ولاية تلمسان)،  ومحاورته في الثّامن من شهر أوت ألفان وسبعة عشر في المسجد السابق ذكره، وقد دامت المقابلة ساعة    ونصف، ثمَّة تبيَّن لي أنّه ليست هُناك طرائق مُحدَّدة مُجمعٌ عليها؛ بل كان ذلك يرجع إلى اجتهادات الشيوخ أو المعلِّمين ( لِكُلِّ شيخ طريقه) ولكن في الغالب كان التّعليم يبدأ جماعيا بحيث يكتب المتعلم ما تيسَّر من الذِّكر الحكيم يُمليه الشيخ مُشافهة على التلميذ الذي استوعب الحروف وحذقَ في مهارة الكتابة وأتقن قواعد الإملاء وغالباً ما يكتب ثُمناً ويُؤمر المُتعلّم بحفظه وذلك بعد قراءته أمام الشّيخ عدة مرّات حتى يتأكّد من سلامة النُّطق واحترام الوقف،  فإذا حفظه تُمحى اللّوحة ويكتب الثُّمن الذي يليه حتى يبلغ الحزب الأول،  مع التركيز على الوِرد- الورد بكسر الواو وتعني النصيب من الشيء _ والوردُ في القرآن وهو النّصيب اليومي من قراءة القرآن الكريم، بقراءة جماعية كل مساءٍ يوم الأربعاء أما للأطفال الصغار حَدِيثي الالتحاق بالكُتّابِ فإنّ الشّيخ يقرأ الآيات الأولى من السور القصار ويُردد بعده الصبيان واحداً واحداً وذلك حتى يتأكّد من سلامة النطق ومراعاة مخارج الحروف،  وكما أخبرنا الفقيه أحمد كما يُسمُّونه أهل ذلك البلد، أنّ الشّيخ يطلب من المتعلّم المُتميّز أن يراجع مع زملائه الأقلّ منه حفظاً وفهماً، كأسلُوب يُسهِّل على الدّارسين الاستيعاب وتوصيل المعلومات بيُسر لهم، وهذا ما يعرف حديثا (تعليم الأقران) وذلك في قراءة الرّاتب، وعلى أيِّ حال فإنَّ المعلِّمين اعتمدوا في تعليمهم للقرآن الكريم من خلال مُراجعة عملية الحفظ والاستظهار دون فهم كلمات القرآن الغريبة.

خامساً: واقع تعليمية القرآن في الكتاتيب:

     عندما يحضر الطفل لأوّل مرّة إلى الكُتُّاب يقدم له الشّيخ لوحة أو يأتي بها معه، فيطلب منه أن يطليها بالطين ثم يتركها تجف في الشمس أو أمام الموقد في فصل الشتاء، ثم يحضر المتعلّم بين يدي الشيخ أو يجلس على يمينه فيقوم بتسطير اللوحة بلوحة مثلها، وبعد ذلك يشرع في كتابة الحروف أ، ب، ت، ث…. بواسطة قلم مصنوع من أجود القصب دون استعمال الصمغ(الحبر المصنوع بطريقة تقليدية) وذلك بالضغط على القلم الذي يترك أثاراً على اللّوحة المطلية بالطِّين ثم يقوم المتعلِّم بتتبع الأثر لكتابة الحروف مستعملاً الحبر وفي الجهة الثانية من اللوحة يقوم الشيخ بكتابة سورة الفاتحة ثم يبدأ في تلقين هذه السورة جُملةً ليحفظها سماعاً بدون تهجين وبدون فهم، فإذا ما حفظها في أسبوع أو أسبوعين،  يمحوها بماء طاهر في مكان نظيف لا تدوسه الأقدام ثم تُدهن بالصَّلصال وبعد أن تجِّف تُسطَّر، ويكتب له سورة النّاس للحفظ بالتّلقين وبالسّماع وهكذا صعوداً مع المصحف. 

    أما حروف الهجاء فتبقى مُسجَّلة في تلك الجهة لمدة أشهُر حتَّى يحفظها التِّلميذ عن ظهر قلبٍ  فيحفظها أولاً بأسمائها : ألفٌ  باءٌ،  تاءٌ… حتى آخر حرف ثم ينتقل التلميذ إلى نُطقها بالعامية : اللّيف ما ينقطش(بدون نقط) البا وحدة من تحت… الخ.  ثم ينتقل التلميذ إلى معرفة صور الحروف وأشكالها، ومعرفة وجه الشَّبه بينهما وبين بعض الأدوات المحسوسة الَّتي يشاهدها التلميذ في محيطه، الألف مثل العصا…الخ،  كما سنبينه في الجدول المرفق،  بعد أن ترسخ الحروف في ذهن التلميذ يُطلب منه أن يكتبها بدون حركات ثم تأتي المرحلة الثالثة يتعرَّف فيها التلميذ على الحركات البسيطة الضمة،  الفتحة،  (الكسرة بِ) (فتحة بَ )

( فتحة ثَ)، وهكذا مع الحروف، وفي المرحلة الرّابعة يتعرف التلميذ على المد: با، بو، بي، وفي المرحلة الخامسة يتعرّف التلميذ على التنوين، أما المرحلة السّادسة فيأتي دور التهجي، يُهَّجي المتعلِّم الكلمة التي يمليها عليه المعلّم فيُعدّد حروفها  ويرجع عند كل حرف يُريد كتابته إلى الحروف المرسومة على اللّوحة، فيُسجّل الحرف المعني بصورته وحركته وينقطه إذا كان يحمل نُقطاً وهكذا….

خلاصة القول أن الطّريقة التّربوية التّعليمية الّتي كانت مُتّبعة في الكتاتيب هي قديمة وجدت مع هذه المؤسسات فهي تتم بالتّعلم وذلك بكتابة الحروف الأبجدية وحفظها حرفاً حرفاً؛ أي بالطّريقة الجُزئية ثم الانتقال إلى الطّريقة الكليّة. 

سادساً: أسلوب المعلم في تعليم أبجدية اللُّغة العربية: يستخدم مُعلّمو الكتاتيب عدّة طرق تتكامل فيما بينها في تعليم أبجدية اللُّغة العربية، يبدأ بتقديم الحروف إلى التِّلميذ، وذلك على النحو الآتي: [40]

الحرفالنطقتحفيظ للترسيخأوصاف الحرف
أألفلا ينقطمطيرق – تصغير مطرق
بباءنقطة من تحت (أسفل)أثينا
تتاءنقطتين من فوقثنينة
ثثاءثلاث نقط من فوقثنينة
ججيمنقطة من تحتمخيطف
ححاءلاشان عليه أي (لانقط عليه)مخيطف
خخاءنقطة من الفوقمخيطف
ثثاءثلاث نقط من فوقثنينة
ججيمنقطة من تحتمخيطف
ححاءلاشان عليهمخيطف
خخاءنقطة من الفوقمخيطف
دداللاشان عليهبوجناحين
ذذالنقطة من الفوقبوجناحين
رراءلاشان عليهمعرق
ززاينقطة من فوقمعرق
ططاءلاشان عليهبوقرن-بوقارون
ظظاءنقطة من فوقبوقرن – بوقارون
ككافلاشان عليهبوجناح واحد
للاملاشان عليهمعرق واحد
مميملاشان عليهدوويرة
ننوننقطة من الفوقمعرفة
صصادلاشان عليهمزود
ضضادنقطة من الفوقمزود
ععينلاشان عليهفم الديب
غغيننقطة من الفوقفم الديب
ففاءنقطة من الفوقام رقيبة
ققافاثنين من الفوقبورقيبة
سسينلاشان عليهتلاث سنينات
ششينتلاث نقط من الفوقتلاث سنينات
وواولاشان عليهام كرشتين
ههاءلاشان عليهمعرق – بوطيطة
لالاملاشان عليهبوقحيحة
يياءنقطتين من تحتمكورة معرقة
ءهمزةلاشان عليهمردودة

      وبمجرد الانتهاء من هذه الطّريقة السابقة الذكر تكون الحروف قد رسخت في أذهان التلاميذ طبقا لقدرات الاستيعاب لدى كل تلميذ يشرع المعلم في تدريسها مرتبطة بموضوعات وصور محسوسة من بيئة التلميذ وهذا يُمكّنه من إيجاد علاقة بين الصور الحسية التي يعرفها خلال اللّعب والحياة اليومية العادية وصور الحرف المطلوب منه تعلُّمه.

سابعاً: الوسائل المستعملة في الكتاتيب الجزائرية:

   إن الوسائل المستعملة في الكُتّاب الجزائرية بسيطة وزهيدة التّكاليف، يُمكن العثور عليها في البيئة المحلية بسهولة،  كما أن التّعليم الكُتّابي لا يتطلّب نفقات تسيير هامّة، فهو بذلك اقتصادي من النّاحية المادّية، من حيث التّجهيز والتّخطيط فعادة ما يجلس التلاميذ على حصائر مصنوعة من الدِّيس، أو على مقاعد خشبية لا تكاد ترتفع إلّا بسنتمترات على سطح الأرض، وهذا قد فرضته الحالة المزرية والفقر الذي كان يعاني منه جٌلّ الشعب الجزائري في عهد الاحتلال الفرنسي وقد دفعته الحاجة إلى اختراع وسائل بسيطة كما قيل (الحاجة أُمُّ الاختراع).

   وهذه الوسائل هي: اللّوحة، والحبر، والقلم، وأدوات المحو المتمثلة في الصلصال المتواجدة بكثرة في محيط التلميذ، إلّا أنّ متطلبات التّطور المستمر ومواكبة العصر الحديث أدّى إلى إدخال بعض الوسائل الحديثة على المدارس القرآنية  حيث أُدخلت تكنولوجيا الاتصال مثل الحواسيب، السبورات، والطّاولات، والأقلام الصوفية الملونة، والألواح البلاستيكية المسطّرة… الخ، وهذا كلّه من أجل دعم الأهداف البيداغوجية للمدرسة في المراحل الأولى لتمكين التلاميذ من اكتساب معارف لغوية ودينية عبر ترقية هذه الكتاتيب من حيث الوسائل والبرامج، ودفعها لاعتماد الطرق التعليمية الحديثة وتكييف برنامجها التحفيظي إلى برنامج بيداغوجي يخدم حاجيات التلميذ المعرفية دون خروجها عن إطارها الديني والأخلاقي.

ثامناً: التَّقويم في الكتاتيب:

   يؤدي التقويم وظائف كثيرة في أغلب جوانب الحياة الاجتماعية، فما من عمل إلا ويصاحبه التقويم، غير أن وظيفة التقويم في المجال التربوي أكبر، إذْ يفيد في معرفة عناصر القوة والضعف، وإلى أي مدى وصلت العملية التربوية من النجاح في تحقيق أهدافها لتتضح الرؤية التي على ضوئها تحدّد المسارات التربوية مستقبلا، ومن هنا يعدّ التّقويم نشاطا هاما من النشاطات التربوية، التي ينبغي أن نوليها عناية كبرى لأنه جزء لا يتجزأ من الحياة الرشيدة.

   تعتمدُ الكتاتيب على أُسلوب التّلقين كوسيلة للتّعليم والتّوجيه ونقل المعارف، ويتولى الشٌّيوخ دور المُلقِّن في حين يتولى الأطفال دور الملقَّن، يعرض المعلم من خلالها الأفكار والمفاهيم، وتتم عملية التَّقييم بالكتاتيب من خلال الحفظ والاستظهار دون فهمه لكلماته الغريبة وهذا ما أشار إليه ابن خلدون عن القاضي أبوبكر إذ يقول :” ويا غفلة أهل بلادنا في أن يأخذ الصبي بكتاب الله في أوامره يقرأ ما لا يفهم وينصب في أمر،  غيره أهم عليه منه”[41]  كما أن مشايخ الكُتّاب يعتبرون الخطأ تقصيرا من طرف المتعلم يتوجب عليه العقاب بالضّرب والتّأنيب ومنع الصبي من اللّعب وقد يبقيه المعلم في الكُتّاب بعد خروج أقرانه ويطالبه بتكرار ما كتب له على اللوح حتى يرسخ له .  

منهجية الدراسة الميدانية :

      بعدما قُمت بتحديد موضوع دراستي وإشكاليات بحثي وصياغتي لفرضياته، ودراسته دراسة نظرية كان من الواجب عليَّ التأكد من صحة أو خطأ هذه الفرضيات، ولا يتحقق هذا إلا إذا قمت بدراسة الجانب الميداني الذي يمدني بمعطيات تساعدني في الإجابة عن تساؤلات طبقت من خلالها استبيان وزعته على المعلمين والهدف المرجو من كل هذا معرفة رأي الأساتذة، الذين يُدَرِّسُون في الابتدائي عن مدى قوة أو ضُعف أطفال الكتاتيب في النشاطات التي تُقدَّم لهم وما مدى سعي مُتعلِّمو الكُتَّاب في تحصيل مهارات اللُّغة العربية، ومن أجل هذه الدِّراسة وحتى تكون النّتائج أكثر دِقةً لزَّم عليَّ إتباع منهجية علميّة سليمة ومنظمة حيث اعتمدت على وسائل وتقنيات وأدوات تُلاؤم موضوع دراستي ، أضف إلى ذلك اختيار العيّنة المناسبة لهذه الدراسة ، وكذا مكان وزمان الدراسة ، بعد ذلك قُمت بتحليل وتفسير النتائج المتحصل عليها من خلال الاستبيان، وهذا بعد معالجتها إحصائيا، غير أنَّ المقام لا يتَّسع لعرض كافة النتائج الّتي أسفَر عنها الاستبيان، لذلك سأكتفي بأهم نتائج تقويم بعض النشاطات، وارتأيت في الأخير أن أُقدّم مجموعة من الاقتراحات لعلّها تُفيد وتساعد من يعمل بها.

1-منهج الدراسة :

     لقد اعتمدت في دراستي لهذا الموضوع على المنهج الوصفي الذّي يَهدف إلى وصف وتحليل موقف أو مجال معيّن  حيث أنَّ هذا المنهج لا يكتفي بالوصف والتَّحليل فقط بل يتعدّى ذلك فهو يُحلّل ويُفسّر ويقارن ويهدف إلى التعرف على الواقع كما هو ، بالإضافة إلى المنهج الإحصائي الذي يأخذ جانباً من هذه الدّراسة حيث اعتمدت عليه في بناء جداول إحصائية وتنظيم النتائج والعمليات الحِسابية .

2- مكان وزمان إجراء الدِّراسة:

إنّ الدراسة الحالية المتمثلة في معرفة واقع طفْل الكتاتيب في المدرسة الابتدائية حسب وجهة نظر المعلمين لها حدود زمانية وحدود مكانية :

3-المجال الزمني:

       شرعت في إنجاز هذه الدراسة بداية شهر أكتوبر 2017م، واستغرقت الدراسة المكتبية وتجميعها إلى غاية شهر ماي 2018م.وبعد أن تمّت الإجراءات الضّرورية من أجل التطبيق ميدانيًا مع الجهات المعنية (مدير الابتدائية، ومعلمو المدرسة)، وبعد تحديد مواعيد التطبيق شرعت في العملية في 25 ماي 2018م حيث قُمت بالدّراسة الاستطلاعية للمُؤسّسة، والتلاميذ والمعلمين واستغرقت الدِّراسة أسبوعاً ثم شَرعت في تطبيق الاستمارة وجمع البيانات الميدانية وأنهيتها في أواخر شهر جوان 2018م.

4- المجال البشري :

     شملت الدراسة تلاميذ ابتدائية(آيت مولود سعيد الداخلية بلدية سي عبد الغني ولاية تيارت)الذين يُتابعون تعليماً كُتّابياً بالمدرسة القرآنية المسماة (الحاج الطاهر) وفي نفس الوقت يتابعون دروسهم بالمدرسة النّظامية.

والعيِّنة الثَّانية مُعلِّمو المدرسة .

 فالمدرسة التَّربوية موضع الدّراسة هي من أهم المؤسَّسات بالولاية من حيث عدد التلاميذ.

5- أداة الدراسة :

     إنَّ أهم مرحلة من مراحل البحث العلمي هي مرحلة جمع المعلومات والبيانات، وتختلف طرق ووسائل جمع المعلومات باختلاف الموضوع المراد دراسته، ويتحدَّدُ استعمال الوسيلة المناسبة لأَيِّ دراسة على ضوء أهدافها وفروضها ومنهجها.

     وقد اعتمدت في بحثي هذا كوسيلة لجمع المعلومات والبيانات المتعلقة بالموضوع على الاستمارة التي تعد إحدى وسائل البحث العلمي المستعملة على نطاق واسع، خاصة في البحوث التربوية.

ويمكن تعريف الاستمارة كالآتي :

” مجموعة من الأسئلة المرتبة حول موضوع معين يتم وضعها في استمارة ترسل للأشخاص المعنيين بالبريد أو يجري تسليمها باليد تمهيدا للحصول على أجوبة للأسئلة الواردة فيها “[42]

6- حجم عيينة الدراسة وكيفية اختيارها :

      بلغ عدد أفراد عيِّنة الدّراسة 14 معلما ومعلّمة ، أما عن عدد المتعلّمين 462 متعلِّماً موّزعين على كل الأطوار الدراسية منهم 73 مُتمدرس بين الكُتّاب والمدرسة النظّامية .

  الجدول01: توزيع مجموع تلاميذ المدرسة بما فيهم أطفال الكتاتيب.

السنواتالتربية التحضيريةالسنة الأولىالسنة الثانيةالسنة الثالثةالسنة الرابعةالسنة الخامسةالمجموع
الذكور124769466229264
الإناث133142464223197
المجموع24781119210442462

المصدر: مدير المدرسة

الهدف من هذا الجدول دراسة إحصائية لمتعلمي المدرسة.

الجدول 02 : توزيع أطفال الكتاتيب من حيث الجنس.

الجنسالتكرارالنسبة المئوية
ذكور3142.46%
إناث4257.53%
المجموع73100%

الهدف منه: معرفة عينة التلاميذ الذين يتابعون تعليماً كُتَّابياً، بعد خروجهم من المدرسة الإلزامية وفي أيام العطل عدا يوم الجمعة فهو استراحة للجميع

01-عرض نتائج الاستبيان الأول وتحليلها: من خلال نتائج الجدول نُلاحظ أن عدد الإناث يُمثل 42% أكثر من الذكور و هذا نابع من رغبة الأُسر الجزائرية في تعليم بناتهنَّ تعليماً دينياً نابعاً من هويتنا العربية الإسلامية.

 الجدول 03: معرفة مدى سعي مُتعلّمو الكُتَّاب في تحصيل اللُّغة العربية وأدائها والتحدث بها.

 التكرارالنسبة المئوية
نعم73100%
لا0000%
المجموع73100%

الاستنتاج: من خلال الجدول يَتّضح أن 100% من الأساتذة مُتَفِقُون أن طفل الكتاتيب مُتمكن من المهارات اللغوية و ذلك أن التعليم الكُتّابي يُقدم خدمةً للتَّعليم النِظامي حيث أنه يُساهم في إكساب المُتعلّم كفاءاتٍ يَسعى المنهاجُ المدرسي إلى تحقيقها نذكُر منها:

  ـــــ القدرة على القراءة الإجمالية.

  ــــ النُطقُ الصَّحيِح للأصوات و الحروف.

  ــــ إدراك حدود الكلمات و الجمل.

  ــــ التّمييزُ السّريع بين الحروف المتشابهة شكلاً و المختلفة لفظاً.

الجدول04: معرفة مدى حفظ طفل الكُتّاب للسُّور القرآنية المقررة في مرحلة التعليم الابتدائي.

 التكرارالنسبة المئوية
نعم73100%
لا0000%
المجموع73100%

الاستنتاج:                                                                                                                           كما هو ملاحظ من خلال الجدول أن كل الأساتذة مُتفقون على أن تَلاميذ الكتاتيب يلتحقون بالمدرسة النظامية وقد حفظوا كل السُّور القرآنية المُقررة في منهاج التربية الإسلامية وهي:(سورة الفاتحة، الإخلاص، النّاس، الفلق…) وهذا ما يمنح للأستاذ وقتاً كافياً كي يَتفَرَّغ للمُتعلِّمين الذين لم يسبق لهم حفظ السُّور المطلوبة، خاصةً و أنَّنَا نُعاني في الجزائر من الاكتظاظ(أربعون تلميذ في الفوج الواحد)

الجدول 05: معرفة مدى تحكم طفْل الكتاتيب في نشاطي الخط والإملاء.

 التكرارالنسبة المئوية
نعم7298.63%
لا011.36%
المجموع73100%

الاستنتاج:                                                                                

1ـــــــ على مستوى الخط: من خلال قراءتنا للجدول نلاحظ أن تِلميذ الكُتّاب يَلِجُ المدرسة النظامية وقد تجاوز بعض الصُعوبات الّتي تُعيق تُعلُّمه نذكر منها على سبيل المثال:

  ــــ مسك القلم بطريقة صحيحة.

  ــــ كتابة الحروف منفردة و متصلة في كلمات.ـ                                                                                                                 

  ــــ تميز الحروف و رسمها بشكل يحقق المقروئية.

  ــــ الكتابة على السطر، واحترام أوضاع الحروف و اتجاهاتها.

2 ــــ على مستوى الإملاء:

    إنّ التّعليم الكُتّابي يُولي اهتماماً بالغاً لنَشاط الإملاء، وهذا نابعٌ من قداسة القرآن الكريم، حيث يُطلبُ من المتعلم أن يَكتب الكلمات كما تُملى عليه أو كما هي موجودة في المصحف الشّريف فقد تجده يكتب الهمزة على الواو في كلمة المؤمنون وإذا سألته لماذا كتبتها هكذا؟ فهو لا يعرف القاعدة الإملائية ولكنه يُطبِّقها حفظاً.  

الاستنتاج العام:                                                          

ومن جملة النتائج التي توصلت إليها من خلال هذا البحث:

  -تحفيظ القرآن الكريم له أثرٌ بالغ في استقامة اللّسان واللُّغة والبيان، زيَّادة عن استقامة الجسد والرُّوح.

  -الكتاتيب تُكسب الطفل المعايير والقيم الخلقية وتجعله قادراً على التفاعل مع أكثر قضايا حياته اليومية المعاصرة.

  -إمكانية الاستعانة بالكتاتيب في دعم الأهداف البيداغوجية للمدرسة النظامية في المراحل الأولى لتمكين المتعلِّم من اكتساب معارف لغوية و دينية.

      التَّوصيات المقترحة:

من الاقتراحات التي رأيتها قد تُساهم في رفع مستوى الكتاتيب وجعلها في مُستوى التَّحدي وحتىَّ تضمن مكانةً مرموقةً بين المؤسَّسات التَّربوية الأخرى مايلي:

 1ــــ مراعاة الجانب التنظيمي من حيث الحجم الزمني والعطل…

 2 ـــ العناية بالكتاتيب والاطِّلاع على واقعها.

 3 ــــ ترقية الكتاتيب من حيث الوسائل والبرامج، ودفعها لاعتماد الطرق التَّعليمية الحديثة.

 4ــــ بناء برامج تعليمية للكتاتيب تتعامل مع مجالات علمية وتربوية أخرى، تخدم كل الجوانب المتعلقة بالمتعلم(المجال العقلي والوجداني والبدني ).

 5 ــــ الاهتمام بتكوين المعلمين القائمين على هذه المهمة خاصَّة في علم النفس التربوي، والَّذي يكاد يكون مُنعدماً في الكتاتيب رغم الحاجة الماسَّة إليه حتَّى نفهم ذلك الكائن الصَّغير البريء.

 6 ـــــ ضرورة إتِّباع طرق التَّدريس الحديثة الّتي تعتبر التِّلميذ طرفًا إيجابيًا في عملية التّعليم والتعلُّم.

 7ــــ الاهتمام بالوسائل التَّعليمية والتكنولوجية الحديثة لإثراء العمليَّة التّعليمية توفيرًا واستخدامًا، لاسيما السَّمعي بالتَّحديد.                                                                                                                            

       خاتمة

لاشك أن المناهج التعليمية ظلَّت ومازالت الركن المتين في اهتمامات الأمم الفكرية، والتّربوية، ولما كانت المَعرفة تُشكل الهدف الأهم اختلفت سُبل تبليغها لاختلاف القناعات، حيث تعددت النظريات وكثرت المقاربات عناية منها بأطراف العملية التعليمية/التَّعلُمية .

     هذا وقد تَبنَّت الكتاتيب مُقاربة التَّدريس بالمحتوى حَيث تُعَبِّر هذه البيداغوجيا عن اجتهاد يخص تبليغ المعرفة للمُتعلِّم، إذ تُراهن على قيمة التَكديس المعرفي من خلال إحاطته بالمضامين و الموضوعات، و المباحث مادامت المعرفة غاية متأصّلة في الفِكر شِعَارها:

ــــ من حَفِظ المتون حاز الفُنون.

ــــ احفظ إنَّ كُل حافظٍ إمام.

من خلال هَذين الشِعارين نستخلص أن هذه المقاربة تَرتكز على الحفظ والاستظهار وترسيخ القدرات في نفس المتعلم وصقلها بالمِرانِ والدُربَةِ والتكرار.

ومن المعرُوف أن النظام التربوي الإسلامي القديم كان يعتمد على العقل والنقلِ من جهة، ويستعين بالحفظ و الحوار من جهة أخرى، ولا ننسى بأن مَلكة الحفظ ضَرورية لبناء معارفنا، وقد ركّزت ثقافتنا القديمة على هذه الملكة الأولية والأساسية فأنجبت لنا علماء موسوعيين سَاهموا بشكلٍ كَبير في ميادين شَتَّى، كالغزالي، وابن سينا، وابن رشد        وابن خلدون، وابن رشيق القيرواني…

ولكن هذا لا يمنع من مُسايرة ما استجد من المناهج والتصورات والنظريات، والتكيف السَريع مع ما أُستُحدث من معلومات و أفكار، كالانفتاح على العَوالم الرقمية، والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة.

     وعليه فإنّ إعداد جيل مُثقف واع ومُؤمن بدوره وبقضايا أُمَّته هو السَّبيل للنَّجاح والبقاء، والقدرة على التَّنافس في هذا العالم المتغير لن يتأتَّى إلاّ بصياغة مناهج نابعة من تراثنا، وثقافتنا، وهويتنا العربية الإسلامية حتى يتحقق ما نبتغيه ونُحصّن أجيالنا القادمة، ونهيئها لِتَحمُّل مسؤوليتها كاملة اتجاه أُمَّتها ودينها ولغتها.

      والحمد لله الذي وفّقنا إلى هذا العمل وأعاننا على انجازه فما كان فيه من الصّواب فبتوفيق من الله وما كان فيه من الزَّلل فمن نفسي. 

قائمة المصادر والمراجع:

  1. ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن على: لسان العرب، دار صادر، ط1، بيروت-لبنان-2000م.
  2. أبو العباس أحمد بن يحي عبد الواحد الونشريسي، المعيار المعرّب والجامع المغرّب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب، تخريج جماعة من الفقهاء بإشراف الدكتور محمد حجي، دار الغرب الإسلامي ، بيروت، 1401 ه 1981م.
  3. أحمد الخطيب: الثورة الجزائرية، دار العلم للملايين، بيروت – لبنان -، د ط، سنة 1958م.
  4. أحمد أوزي: سيكولوجية الطفل، مطبعة دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء –المغرب-ط3، 2012م.
  5. البخاري، أبوعبد الله محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان-،ط02.1981م.
  6. برتراند رسل: في التربية، ترجمة سمير عبده، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت – لبنان – ، د ط.
  7. بسام العسلي: جهاد الشعب الجزائري، دار النفائس، بيروت –لبنان-،(د.ط)،2009م.
  8. جميل حمداوي: التصورات التربوية الجديدة ،دار أفريقيا الشرق، د ط،2014م.
  9. رابح تركي: الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح والتربية في الجزائر،ط3، 1981م.
  10. عبد الرحمن بن خلدون: المقدمة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،  بيروت لبنان(د.ط) ،1401ه.
  11. عمار بوحوش: مناهج البحث العلمي وطرق إعداد البحوث، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1999م.
  12. محمد الغزالي: سلسلة من مذكرات المشاهير، دار الموعظة للنشر والتوزيع، (د.ط)،2014م.
  13. محمد سحنون،  آداب المعلمين، تحقيق :حسني عبد الوهاب، ط2 ،تونس، 1972م.
  14. محمد عبد الحي الكتاني الإدريسي الحسني، نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية تحقيق عبد الله الخالدي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت  – لبنان- ،ط2.
  15. محمد قباني: السيرة النبوية والخلافة الراشدة، دار الأصالة، الجزائر، ط:01، 2010م.
  16. محمد يوسف القرضاوي: كتاب الرسول والعلم، دار الصحوة، القاهرة، ط 2، 2001م.
  17. مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا، دار الورّاق المكتب الإسلامي، ط 1، 1998م.
  18. مصطفى محمد حميداتو: عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الدوحة- قطر-، ط1، 1997م.
  19. وزارة التربية الوطنية، اللجنة الوطنية للمناهج،  مديرية التّعليم الأساسي، الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، طبعة 2016م.

المجلات والدوريات

  • آثار ابن باديس:الشهاب،ج8، غرة شعبان 1354ه، نوفمبر 1935م.
  • زائد مصطفى: المؤسسات القديمة بالجلفة الجزائر، المجلة الثقافية، العدد: 93.  رمضان 1406ه.
  • محمد عيسى: رسالة المسجد، السنة الخامسة، العدد الخامس، ذو القعدة 1428ه، نوفمبر 7200م.

المواقع الالكترونية

  • http://abdo-math.blogspot.com/2010/12/blog-post_15.html
  • https://www.mdps.gov.qa/ar/qnv1/Pages/default.aspx

الهوامش:                                                                

لتحميل جميع أعداد (مجلة المرقاة المحكمة) بنسخة Word + pdf :

https://drive.google.com/drive/folders/1ZDoZNZFySzrdmILoMtn-pZ0no9Lbh7VU?usp=sharing



[1] – جميل حمداوي: التصورات التربوية الجديدة،دار أفريقيا الشرق،د ط، 2014م ،ص30،29.

[2] – أحمد أوزي: سيكولوجية الطفل، مطبعة دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء –المغرب-، ط3، 2012م ، ص94.

[3] – تميم بن حمد آل ثاني ، رؤية قطر الوطنية 2030م ، الأمانة العامة للتخطيط التنموي ، الدوحة ، قطر ،تموز 2008،ص10.        https://www.mdps.gov.qa/ar/qnv1/Pages/default.aspx

[4] – ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن على:لسان العرب، دار صادر، ج13، ط1، 2000م، بيروت-لبنان-، مادة -كتب-حرف (ك، ل)، ص18.

[5]– المصدر نفسه:ص 18.

[6]  – محمد عيسى: رسالة المسجد، السنة الخامسة، العدد الخامس، ذو القعدة 1428، نوفمبر ،7200م، ص09.

[7]  – محمد سحنون،  آداب المعلمين، تحقيق :حسني عبد الوهاب، ط:2 تونس 1972م،  ص48.

[8]  – محمد الغزالي: سلسلة من مذكرات المشاهير، دار الموعظة للنشر والتوزيع، (د.ط)،2014م.ص07.

[9]  – رابح تركي: الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح والتربية في الجزائر، ط:03، 1981م.ص79.

[10]  – محمد قباني: السيرة النبوية والخلافة الراشدة، دار الأصالة، الجزائر، ط:01، 2010م.ص28.

 [11]  – المرجع نفسه:ص58.

[12]  – محمد يوسف القرضاوي: كتاب الرسول والعلم، دار الصحوة، القاهرة، ط 2،2001م. ص40.

[13]   – محمد عبد الحي الكتاني الإدريسي الحسني، نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية تحقيق عبد الله الخالدي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم، بيروت- لبنان،ط2،ج2،ص200.

[14]  – مصطفى السباعي: من روائع حضارتنا، دار الورّاق المكتب الإسلامي، ط1، 1998م، ص88.

[15]  – بسام العسلي: جهاد الشعب الجزائري، دار النفائس، بيروت- لبنان-(د.ط)،2009،ج:03،ص599.

[16]  – المرجع نفسه :ص599.

[17] – المرجع نفسه: ص599.

[18]  – البخاري، أبوعبد الله محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان-،ط:02.198.

[19] – أبو العباس أحمد بن يحي عبد الواحد الونشريسي، المعيار المعرّب والجامع المغرّب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب،تخريج جماعة من الفقهاء بإشراف الدكتور محمد حجي، دار الغرب الإسلامي ، بيروت،ج7، سنة 1401 ه 1981م،ص:36.

[20] -https://www.alittihad.ae/article/40877/2009

[21] – https://www.alittihad.ae/article/40877/2009

[22] – عبد الرحمن بن خلدون:المقدمة،  بيروت لبنان(د.ط)، ص:556.

  [23]  – المصدر نفسه: ص:755.

[24]  – المصدر نفسه: ص:558.

[25]  – آثار ابن باديس:الشهاب،ج8، غرة شعبان 1354ه، نوفمبر 1935م، ص36.

[26]  – مصطفى محمد حميداتو: عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الدوحة- قطر- ط1، 1997،ص:136.

[27]  – المرجع نفسه: ص137.

[28]  – أحمد الخطيب: الثورة الجزائرية، دار العلم للملايين، بيروت – لبنان -، د ط، سنة 1958م، ص:125.

[29]  – طه حسين: الأيام، بيت الحكمة، ط1،سنة2013، ص22.

[30]  – أبو العباس أحمد بن يحي عبد الواحد الونشريسي، المعيار المعرّب والجامع المغرّب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب،ج7،ص:162.

[31]  – محمد ابن سحنون:آداب المعلمين، تحقيق حسن الحسني عبد الوهاب ومحمد العروسي المطوي، ط3،سنة 1392ه1972م،دار الكتب الشرقية،تونس، ص:47.

[32]  – المرجع نفسه:ص:49.

[33]  – المرجع نفسه:ص:49.

[34]  – وزارة التربية الوطنية، اللجنة الوطنية للمناهج، مديرية التّعليم الأساسي، الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، طبعة2016، ص144.

[35]  – محمد متولي الشعراوي: معجزة القرآن الكريم، دار الهدى، (د.ط)،2004،ص:9.

[36]  – محمد الغزالي: سلسلة مذكرة المشاهير، دار الموعظة للنشر والتوزيع، د ط، 2014،ص:07.

[37]  – برتراند رسل: في التربية، ترجمة سمير عبده، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت – لبنان – ص: 125.

[38]  – عبد الرحمن ابن خلدون: المقدمة، ص: 558.

[39]  – http://abdo-math.blogspot.com/2010/12/blog-post_15.html

[40]  – زائد مصطفى: المؤسسات القديمة بالجلفة الجزائر، المجلة الثقافية، العدد: 93.رمضان 1406ه، ص:14

[41]  – عبد الرحمان ابن خلدون: المقدمة،ص:558.

[42]  – عمار بوحوش: مناهج البحث العلمي وطرق إعداد البحوث، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1999م، ص:66.