أ. د. محماد رفيع

ملخص البحث:

                يروم هذا البحث اكتشاف مفهوم فقه الواقع في مشروع نظرية المنهاج النبوي لعبد السلام ياسين، وذلك من وجهين اثنين: الوجه النظري برصد الأصول النظرية التي يستند إليها مفهوم فقه الواقع، والوجه التطبيقي من خلال تتبع القضايا العملية التي بناها الأستاذ ياسين على فقه الواقع، فجاء البحث بعد المقدمة وقبل الخاتمة مؤسسًا على مدخل مفاهيمي خصصته لدراسة المفاهيم المؤسسة للموضوع، من قبيل فقه الواقع، ونظرية المنهاج النبوي، وعبد السلام ياسين، وعلى مبحثين اثنين: أحدهما: في المعالم النظرية لفقه الواقع، والثاني: في المعالم التطبيقية لفقه الواقع.

                وقد توسلت في بناء هذا الموضوع بمنهج علمي جمع بين استقراء المادة العلمية من مختلف كتابات الأستاذ ياسين ابتداء, ومن مظان أخرى تبعية، بالإضافة إلى نصوص الوحي كتابًا وسنة، وبين تحليل مضامين تلك المادة وتعليل قضاياها ومقارنتها أحيانا بغيرها، وتركيب ذلك في سياق التصور العام للموضوع، مع توثيق النقول والشواهد وتخريج الآيات وعزو الأحاديث في الهوامش.

الكلمات المفتاح: فقه الواقع، نظرية المنهاج النبوي، عبد السلام ياسين.

مقدمة:

                إذا كان مسمى الواقع ذلكم الوعاء المكاني المتحرك في الزمان بمكوناته الطبيعية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية الذي يحتضن الإنسان فردًا وجماعة؛ فإنه من جهة أخرى منتهى الخطاب الشرعي للإنسان، ومجال تحقق مقاصده ومقتضى أحكامه، وذلك تحقيقًا لأصل خلود الشريعة، إذ الواقع محل الحكم ومناطه، فلا يتم امتثال مقصود الخطاب الشرعي دون تنزيل مقتضياته في دنيا الناس على الوجه الذي يحقق للمكلفين مصالحهم ويدرأ عنهم المفاسد إن حالًا أو مآلًا، وهذا ما يستدعي لزومًا الإحاطة علمًا بخصوصيات الواقع المراد تنزيل الخطاب الشرعي عليه, وإدراك أحوال أهله, والعوامل المتحكمة في هذا الواقع الداخلية والخارجية, وتمييز أوجه المصلحة من أوجه المفسدة في العاجل أو الآجل إلى غير ها من أوجه الدراية بالواقع التي تمثل  المقدمة النظرية في تنزيل الأحكام الشرعية بتعبير الإمام الشاطبي.

                لذلك نستطيع أن نقرر أن نجاح مشاريع معالجة الواقع؛ تغييرًا وتجديدًا وإصلاحًا؛ متوقف على حسن استيعاب الواقع بمختلف تضاريسه ونتوءاته، وعلى هذا الأساس تتفاوت تجارب مشاريع النهوض الحضاري التي تتوالى على الأمة نجاحًا أو إخفاقًا.

                ومن مشاريع التغيير الحضاري التي برزت في السنين الأخيرة مشروع الأستاذ عبد السلام ياسين الذي صاغه في نسق علمي عملي تفصيلي متكامل ينعت أكاديميًا بنظرية المنهاج النبوي، نحاول من خلال هذه الورقة مساءلة الأستاذ ياسين رحمه الله عن موقع فقه الواقع في مشروعه، وذلك بحثًا عن معالم نظرية وتطبيقية لهذا الفقه.

وقد جاءت تفاصيل القول في هذا الموضوع منتظمة في سلك مدخل ومبحثين اثنين بعد المقدمة وقبل الخاتمة.

مدخل: دراسة المفاهيم المؤسسة للموضوع

                خصصت هذا المدخل لبيان ثلاثة مفاهيم مركزية انبنى عليها البحث وانتظمته، منها:

أولًا: فقه الواقع

ويقصد بفقه الواقع جملة معارف وحزمة خبرات يتوقف عليها تنزيل الحكم الشرعي من اقتضائه الأصلي إلى اقتضائه التبعي، وهو فقه محل النص ومناطه، وهو ما يذكره بعض الأصوليين[1] في شروط الفتوى تحت مسمى “معرفة أحوال الناس”، ويسميه الشاطبي: “اجتهاد تحقيق المناط”[2]، وأصبح يطلق عليه الآن فقه الواقع[3] والاجتهاد التنزيلي[4]، وقد تحدث ابن القيم عن أهمية فقه المناط في معارف المفتي فقال: “ولا يتمكن   المفتي  ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه, واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن و الأمارات والعلامات حتى يحيط به علمًا, والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع”[5].

ثانيًا: مشروع نظرية المنهاج النبوي

                نقصد بمشروع نظرية المنهاج النبوي ما أثله الأستاذ عبد السلام ياسين من مشروع فكري متكامل لتغيير واقع الأمة أفرادًا وجماعة من أجل تحقيق مقصدين اثنين: أحدهما: إحساني, وهو الارتقاء بالفرد بالتربية الإيمانية عبر مدارج الإيمان إلى مرتبة الإحسان، وثانيهما: استخلافي, وهو التمكين للأمة في التاريخ وسيادة الحضارة الإسلامية في العالم خدمة للبشرية[6]، وذلك من خلال نقل الأمة من الفتنة والتخلف إلى مرقاة الإيمان والتمكين، ومن واقع التجزئة إلى أفق الوحدة, ومن نظام الجبر إلى دولة الخلافة الثانية، وذلك على أساس الخصال العشر وشعب الإيمان[7].

                وفي الجملة فنظرية المنهاج النبوي تشكل عصارة تجربة واجتهاد وتأمل وتألم الأستاذ ياسين عبر سنين عددًا قضاها وهو يقلب ويفحص بلغات مختلفة مختلف النظريات الفكرية والفلسفية والعلوم المعرفية والتجارب البشرية والمعارف الإسلامية وتاريخ الحركات الإسلامية، وغيرها من المصادر المتعددة والمتنوعة لنظرية المنهاج النبوي.

ثالثًا: عبد السلام ياسين[8]:

هو عبد السلام بن محمد بن عبد السلام بن عبد الله بن إبراهيم ولد عام (1347ه) الموافق ل(ـ1928م)، تخرج في معهد ابن يوسف الذي كان يدرس فيه كبار علماء المغرب بعد أربع سنوات من الدراسة، عمل في سلك التعليم لمدة (20) سنة تدرج خلالها في مجموعة من المناصب التربوية والإدارية العالية، ومثل خلالها المغرب في عدد من الملتقيات البيداغوجية الدولية.

بعث بنصيحة إلى ملك المغرب السابق الحسن الثاني سنة (1974م)، وهي عبارة عن رسالة في أكثر من مائة صفحة سمّاها “الإسلام أو الطوفان”، وقضى على إثرها ثلاث سنوات وستة أشهر سجنًا دون محاكمة.

صدر له من مؤلفات ما يربو عن الأربعين في قضايا متنوعة مع وحدة الموضوع، من أمهات كتبه: المنهاج النبوي تربية وتنظيمًا وزحفًا، وكتاب تنوير المؤمنات وكتاب الإحسان, وكتاب العدل, وكتاب نظرات في الفقه والتاريخ، وكتب أخرى منها ما هو في قضايا فكرية وسياسية، ومنها ما هو  في قضايا فلسفية، ومنها ما هو جملة كتب تنظيرية مندرجة تحت دولة القرآن، ومنها دواوين شعرية.

المبحث الأول: المعالم النظرية لفقه الواقع في مشروع عبد السلام ياسين التغييري

                يتأسس فقه الواقع في المنظومة الفكرية للأستاذ ياسين على جملة أصول منهجية متناسقة تشكل في مجموعها المعالم النظرية لفقه الواقع عند الرجل، نوردها على النحو الآتي:

المعلم الأول: تحكيم كليات قرآنية في فقه الواقع

يرى الأستاذ ياسين أن  فقه واقع الأمة المعاصر لا يتأتى إلا إذا استند إلى مرجعية القرآن الكريم تأصيلًا لمعارفه وتسديدًا لمناهجه ونتائجه، لذلك ألفيناه يلتمس من القرآن الكريم كليات معيارية تستجيب لمطالب القرآن التي يراها الأستاذ غائبة في واقع الأمة المسلمة واختفت في وقت مبكر من تاريخها، ومطلوبة لمستقبلها، وهو ما مكن الرجل من الوضوح المنهجي في مراجعته لواقع الأمة، وهي كليات ثلاث: العدل والإحسان والشورى[9]، فعلى أساسها يراجع واقع الاجتهاد الفقهي، يقول: “أمام القرآن وهو يحكم نسائل تلك التجارب وذلك الاجتهاد عما فعل العدل الذي أمر الله عز وجل به في القرآن ؟ وأنى سارت الشورى وصارت ؟ وأيّةً سلك الإحسان ؟ ماذا فعل كل أولئك في فقه هذا المذهب وسلوك تلك الطائفة واستبداد ذلك السلطان”[10].

فبقدر ما يمكن الاعتماد المنهجي لهذه الكليات المعيارية من النفاذ المباشر لعمق الإشكالات في واقعنا المعرفي بقدر ما يساعد على الإبصار الشمولي لأثر تلك الكليات في تموجات الواقع التاريخي حضورًا وغيابًا، يقول الأستاذ ياسين: ” إن ارتفعنا بإزاء القرآن وقارنَّا بأهل القرآن يبدو لنا المسلمون الذين عانوا من بعدهم ما عانوا واجمين تحت ظلة أظلمها ذهاب الشورى، وكدَّرها انعدام العدل، وسوَّدها استتار أهل الإحسان وهروبهم من الميدان”[11].

المعلم الثاني: الربط بين القضايا وسياق واقعها

لما كان المنتج المعرفي الإسلامي ثمرة تفاعل جهد بشري مع نصوص الوحي في الواقع الزماني والمكاني وفق مقاصد وإرادات وإكراهات، كان المدخل الصحيح لفهم مضامين هذا التراث واستيعاب قضاياه أن يدرس في سياقه التاريخي الذي أنتج فيه، لذلك أصر الأستاذ ياسين على الربط المنهجي بين التراث المعرفي الاجتهادي وإطاره التاريخي بملابساته وأسئلته وقضاياه، خلافًا لمن ألف دراسة معارف التراث مجردة من سياقها التاريخي، وكأنها معارف أنتجت خارج الواقع.

                فالأستاذ ياسين حرص على إبراز الواقع البئيس والظرف الخطير الذي عاشه علماء السلف وقاومه بعضهم بفقه العزيمة والاختيار وصانعه آخرون بفقه الترخص والاضطرار؛ لأن الكل مدفوع عن دائرة الشأن العام ” فإن أبدى المجتهد رأيه في ” السياسة الشرعية ” فإنما هو آمر بالمعروف ناه عن المنكر من خارج وفي حدود لا ينبغي أن يتعداها” [12]، وهي الظروف التاريخية الاستثنائية التي تلت الانقلاب الأموي على الحكم الإسلامي، وتطورت سوءًا مع الزمان وازدادت قتامة مع الأحداث، فآل الأمر بعد طول مقاومة ومصابرة حسب الأستاذ ياسين إلى انحباس الإنتاج المعرفي بإعلان انسداد باب الاجتهاد نهاية القرن الرابع الهجري[13].

المعلم الثالث: اعتبار حال الزمان وأهله

                تستند مراجعة الأستاذ ياسين لواقع الأمة إلى اعتبار حال الزمان وأهله، وهو أصل معتبر في تنزيل الأحكام الشرعية على مناطاتها الجالبة للمصلحة والدافعة للمفسدة في الزمان والمكان والحال تحقيقًا لمقصود الشارع، فليست النفوس في قبول الأعمال الخاصة على وزان واحد كما يقول الشاطبي في حق آحاد الأمة[14] فما بالك إذا تعلق الأمر بمجموع الأمة.

                والأستاذ ياسين إنما انطلق في مشروعه التغييري من واقع حال الأمة وإشكالاته الكبرى ومطالبه الكلية؛ تغييرًا وإصلاحًا من أجل الانتقال به من درك الفتنة تحت الحكم الجبري إلى التمكين الحضاري تحت الخلافة الثانية على منهاج النبوة، فجاءت مراجعاته بعيدة عن المقاربات النظرية المجردة، ومرتبطة بما يجيب عن أسئلة الزمان الحاضر التي منها انطلق أصلًا في مشروعه التقويمي.

                وقد أفصح الأستاذ ياسين بوضوح تام عن أصل اعتبار حال الزمان في منهج مراجعاته إلى جانب الأصل الشرعي حين قال: “نرجع إلى تأصيلاتهم ناظرين إليها من إزاء القرآن والسنة، ناظرين إليها أيضًا من زاوية واقعنا وظروفنا”[15]، ومقتضى القول بمراعاة الواقع وظروفه الانطلاق من إشكالاته وأسئلته في النظر إلى تراث السلف تثمينًا وترتيبًا؛ ذلك أن “ما عشناه من نكبات احتلال القدس وخذلان حكام الجبر للأمة بما منعوها من توحيد جهودها لتجاهد عدوها، وبما بددوا من أرزاق، وبما والَوا الكفار وضحوا بالمقدسات؛ ليحتفظوا بالسلطان مهما تمزقت الأمة وافترقت وأُهينت، كل ذلك يلح على ضميرنا لنعيد النظر فيما رتبه علماؤنا من قبلنا في حديثهم عن مقاصد الشريعة “[16].

                فهذه الإشكالات الكبرى والأسئلة القلقة التي يفرزها واقع الأمة تدلل على الفروق الكبيرة بين الزمن الحالي والزمن الماضي الذي أنتج فيه التراث العلمي موضوع المراجعة، فإذا اختلفت الأسئلة ومقاصد القول اختلفت الأجوبة لزومًا، فلزم بهذا المقتضى أن تجري المراجعة على وفق مطلوب الواقع[17].

                وهذه الفوارق بين الزمانين جعلت الأستاذ ياسين يدرك أن المقاربة الجزئية لأسئلة الزمان الماضي لا تسعف كثيرًا في مقاربة أسئلة الزمان الحاضر؛ نظرًا لبساطة تلك الأسئلة وتعقد وتشابك هذه، فتعين أن يكون النظر كليًّا في التماس مطلوب الواقع، يقول الأستاذ: “نحن في زماننا نقدر أن ما ضاع منا كثير  وأن ما بقي آيل إلى ضياع إن لم ننهض للطلب؛ طلب الإسلام كله، طلب الإيمان بشعبه، طلب الخلافة على منهاج النبوة، طلب الشورى والعدل والإحسان.”[18].

المعلم الرابع: مراعاة التدرج في التنزيل

                اعتبر الأستاذ ياسين التدرج أصلًا كونيًّا وشرعيًّا ومبدأ فطريًّا، فقد قرر الله في ناموس كونه أن النتائج لا تحصل قبل مقدماتها, وأن الحصاد لا يكون قبل مطر الشتاء وشمس الربيع، كما أن الاستجابة لدعوة الله لا تكون قبل المعاناة والصبر والزمان في تاريخ الأنبياء والرسل عليهم السلام[19].

فالأخذ بالتدرج في تنزيل أحكام الشريعة من مقتضيات مراعاة حال النفوس؛ لأن إفطام الناس عن مألوفهم أمر شاق عليهم يقتضي لزوم التدرج كما فعل سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- بأهل مكة قبل أن يكون للإسلام سلطان، لذلك اتخذ الأستاذ ياسين التَّؤُدَة بمعناها الاستراتيجي الواسع خصلة من الخصال العشر التي تأسس عليها مشروعه الموسوم بـ “المنهاج النبوي تربية وتنظيمًا وزحفًا”،  وهي فضيلة بين رذيلتين متناقضتين وهما: التسويف والعجلة، وأكد الأستاذ أن اعتماد أصل التدرج في مرحلة التأسيس يقتضي لزومًا اعتماده في مرحلة إعادة البناء، قال: “وما وَسِعَ أمةَ الإسلام في مرحلة بنائها الأول يسعُها، بل لا يسعُها غيره، في مرحلة إعادة بنائها. تدرجت النبوة والخلافة الأولى بالناس من جاهلية سائبة لإسلام متمكن، وكذلك تتدرج إن شاء الله الخلافة الثانية بالمسلمين من غثاء شتيت إلى وحدة قائمة، ومن إيمان بالٍ خَلَقٍ إلى إيمان متجدد، ومن كَمٍّ قاعد إلى جند مجاهد”[20]، وتلك هي الأصول المنهجية التي اعتمدها الأستاذ ياسين على نحو مترابط في مراجعاته وتقويمه لواقع الأمة الإسلامية.

المبحث الثاني: المعالم التطبيقية لفقه الواقع في مشروع عبد السلام ياسين التغييري

                لما كان مدار الكلام في المبحث السابق على الأصول النظرية لفقه الواقع عند الأستاذ ياسين، آثرنا إتمامًا للموضوع وبيانًا لثمرته في التنزيل أن نتتبع جملة قضايا تطبيقية واقعية أعمل فيها الأستاذ عبد السلام ياسين نظره الفقهي تفسيرًا وتعليلًا ومعالجة، حتى نتلمس من خلال مجموع تلك القضايا المعالم التطبيقية لفقه الواقع عند الأستاذ ياسين.

المعلم الأول: الترتيب الأولوي للمقاصد حسب مطلوب الواقع

يرى الأستاذ ياسين أن ما قرره علماؤنا في ترتيب مقاصد الشريعة لا ينفصل عن مراعاة واقع أمتهم يومئذ، فما كان محفوظًا قائمًا من المقاصد كلًا أو جزءًا مما يخشى عليه الجناية من جانب العدم؛ تنادوا إلى حفظه والتشبث به، مصداقًا لوصف النبي r لتسلسل نقض عرى الإسلام حين قال: “فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها”[21]، فما تحدث أهل المقاصد عن ضرورة إعادة كلية الشورى الضائعة استغناء بوحدة الشوكة القائمة في دار الإسلام زمنئذ وإن تحولت هذه الشوكة لاحقًا إلى مجرد وحدة رمزية بعد تفكك كثير من الأمصار[22].

                وهذا ما جعل الأستاذ ياسين يلح في الدعوة إلى إعادة النظر “فيما رتبهعلماؤنا من قبلنا في حديثهم عن مقاصد الشريعة “[23]، انطلاقًا من متطلبات واقع الأمة ومستقبلها؛ انسجامًا مع أصله المنهجي في مراجعاته للتراث[24]، وإلا فترديد ما رتبه العلماء وفق إكراهات زمانهم ومتطلباته دون فحص ومراجعة,ردة منهجية وسقوط معرفي، يقول الأستاذ: “نكون إن ردَّدنا اجتهادات من سبقونا بالإيمان -غفر الله لنا ولهم- بدون أن نحدد لأنفسنا مطالب أو نرسم لأنفسنا خططًا؛ أحط من الانحطاط”[25]، لذلك كله ألفينا الرجل يدعو إلى ترتيب مقاصدي أولوي على النحو الآتي:

                المقصد الأسمى:

إن المقصد الأسمى الذي ينبغي إعلاؤه وجعله ينتظم ما سواه في نظر الأستاذ ياسين “هو أن يكون الدين كله لله، وأن لا تكون فتنة في الأرض، وأن يدخل الخلق جميعًا في طاعة الله؛ ليحققوا الغاية التي من أجلها وجد العالم. ﭐﱡﭐﱣ  ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱠ (الذاريات 56 )[26]، فالتمكين للدين في الأرض وانتفاء الفتنة بين الخلق هو ما يُمَكِّنُ الخلق من معرفة الله وعبادته، والتعبير عن هذا المقصد بهذه الكيفية وبهذه الصيغة فيه أصالة قرآنية واضحة مبنى ومعنى، فقد تكرر في كتاب الله تعالى هذا المقصد، كما في قوله تعالى: ﱡﭐ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﱠ (الأنفال: 39)، وقوله تعالى:ﭐﱡﭐ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭﱮﱠ ( البقرة: 193).

                مقصد وحدة الأمة:

                لا شك أن وحدة الأمة مقصد شرطي إذا ما قورن بمقصد التمكين للدين والعبودية الاختيارية لله، ذلك أن الأمة المخاطبة بالاستخلاف في الأرض ليست أمة متناثرة أفرادها, مجزأة أوطانها، وإنما هي أمة متماسكة على قاعدة قول الله تعالى: ﭐﱡﭐ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱠ (آل عمران: 103)، وقوله تعالىﭐﱡﭐ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔﱠ ( الأنبياء: 92)، ومتلاحمة كما وصفها النبيr في قوله: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”[27]، ولهذا الإلحاح الشرعي على وحدة الأمة، ولضياع هذه الوحدة في التاريخ، أصر الأستاذ ياسين على إحياء هذه الفريضة العظمى في الأذهان حتى ييسر الله قيامها في الأعيان، فقال: “وحدة دار الإسلام -بيت الإسلام- ضرورة ملحة وواجب شرعي وأمل عزيز على الأمة “[28]؛ لأنه السبيل لاستعادة القوة للأمة ” ولا قوة إلا بوحدة المسلمين ؛ عربًا ثم عربًا وعجمًا, ولا بقاء في عالم التكتلات لكيان هزيل”[29].

                وما يؤكد ضرورة هذه الوحدة ورفعها إلى مصاف الأولوية المقاصدية العظمى عند الأستاذ حال واقع الأمة الممزق ثقافيًا والمشتت جغرافيًّا والمستباح دوليًّا[30]، وهو حال يختلف عن حال الأمة يوم تحدث علماؤنا عن المقاصد دون أن يلحوا على مقصد الوحدة” فهم كانوا يعيشون وحدة شعوب جمعها الإسلام لا تكاد تشعر بالتفرقة التي فرقتها الإمارات السَّيْفية، واللغة والسحنة والقطر. لم يكن يقدح في وحدتهم تلك وجود خلافات مذهبية يعيشون صراعاتها الكلامية أو العنيفة داخل إطار الوحدة لا خارجه”[31]، فهي وحدة قسرية مخرومة القواعد التي بنيت عليها الوحدة زمن النبوة والخلافة الراشدة من شورى وعدل وإحسان ولم تدم سوى ثلاثين سنة[32].

                وبمقتضى أصل وحدة الأمة, واعتبارًا بمآلها التاريخي يلح الأستاذ ياسين على أن الوحدة المقصود بناؤها ” لا تكون إلا بالحكم الشوري الضامن وحده أن يسود العدل والإحسان”[33]، لكن هذا المقصد العزيز يتوقف تحقيقه في نظر الأستاذ ياسين على مقاصد شرطية دونها، وهي دولة الخلافة التي تمثل الإطار العام الناظم للوحدة، لذلك سماها الأستاذ أبا المقاصد[34] كما سمى وحدة الأمة أم المقاصد[35]، ثم تدرج إلى الوسيلة الشرطية لتحقيق المقصدين وتنفيذهما ممثلة فيما سماه ” إنشاء جماعة منظمة تكون دعوة وتؤسس دولة الخلافة “[36]، وذلك “على صيغ تدريجية حسب الإمكان”[37].

المعلم الثاني: مراجعة صيغة المقاصد

                بحث الأستاذ ياسين موجب قول علماء المقاصد بصيغة الحفظ للمقاصد الضرورية، وذلك قولهم: حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسل وحفظ المال، فوجده راجعًا إلى حال الزمان الذي عاشوه، إذ كان لهم حينئذما يحفظ من كيان مستقل له حرمته “وفي ظله كانوا يحتضنون ما تبقى متماسكًا من عرى الإسلام”[38]، كما أنهم كانوا متحررين من أي ضغط حضاري، فقد كانوا يتكلمون “من موقع استعلاء حضاري. لم يكن أمامهم أي تحد معنوي يصول عليهم بتفوق أنموذجه؛ لذلك كان حفظ ما عندهم غاية سُؤْلهم”[39]، لكن واقع الأمة الآن في نظر الأستاذ ياسين يختلف تماما عن ذلكم الواقع التاريخي، فقد ضاع من الأمة الكثير مما كان يحرص العلماء على حفظه، فيلزم بمقتضاه اختلاف أحكام علاج هذا الواقع، والتماس المناسب الملائم لحاله، فاقترح الأستاذ -على هذا الأساس- التعبير بصيغة الطلب بدلًا من صيغة الحفظ؛ لأنما ضاع منا كثير, وأن ما بقي آيل إلى ضياع إن لم ننهض للطلب؛ طلب الإسلام كله، طلب الإيمان بشعبه، طلب الخلافة على منهاج النبوة، طلب الشورى والعدل والإحسان”[40].

                فلما كان الأمر كذلك كان الأولى في نظر الأستاذ أن نعبر عن مقاصد الشريعة في صيغ مطلبية لا حفاظية، فنقول : مطالب الشريعة هي كذا وكذا”[41]، ثم تصنف هذه المطالب حسب الأستاذ تصنيفًا أولويًّا مترابطًا ومتكاملًا بما يفضي إلى “توفير الضرورات البدنية والنفسية والاجتماعية للعبد حتى يتفرغ العبد للجهاد إلى ربه في سبيل ربه”[42]؛ لأن الترتيب الأولوي للمقاصد في نظر الأستاذ يختلف من زمان إلى زمان؛ لارتباطه بمطالب الأمة ومصالحها على الأرض جلبًا أو دفعًا، فقد يتاح لنا الآن من مطالب ما كانت أبوابه موصدة في عصور الابتلاء القدري بالعض والجبر حسب تعبير الأستاذ[43]، كما أن الكثير مما كان مسلمًا محفوظًا بوجه ما غائب مفقود الآن وجب على الأمة طلبه.

                ولهذا المقترح المقاصدي سلف يسنده من كبار أهل الفن المؤسسين، هو الإمام الجويني الذي تفاعل بفكره المقاصدي مع واقع زمانه الذي تنخره عوامل الإفساد فاقترح التعامل مع واقع الزمان بثنائية الطلب والحفظ: “طلب ما لم يحصل وحفظ ما حصل “[44]، وهو ما يدل على أن زمان الجويني فيه مصالح حاصلة وجب حفظها، وأخرى غائبة لزم طلبها، وبذلك يكون مقترح الأستاذ ياسين امتدادًا لمنهج الجويني لكن في صيغة متجددة مناسبة لمقتضى واقع جديد غابت فيه معظم مقاصد الشريعة التي يتعين طلبها، يقول الأستاذ ياسين مفسرًا مقترحه “ولنتتبع تقسيمهم لمقاصد الشريعة لنكتشف في كل موقع دعوا إلى حفظه مضيعة يجب علينا طلبها, ولينفتح لنا باب الفهم لمطالب أخرى لم تخطر لهم على بال؛ لأنها في نظرهم كانت حاصلة “[45].

المعلم الثالث: مراجعة الاجتهاد في ضوء الواقع المعاصر

من القضايا التي فصل فيها الأستاذ ياسين القول مراجعة وتقويمًا في ضوء الواقع المعاصر الاجتهاد، وذلك من وجوه متعددة، نورد منها ما يأتي:

أولًا: مراجعة الاجتهاد من حيث منهجه

لاحظ الأستاذ ياسين أن الاجتهاد الأصولي قائم في مجمله على النظر الجزئي لاستنباط الأحكام الجزئية لأسئلة جزئية نابعة مما عاشه الناس من إسلام فردي قرونًا عديدة، يقول: “كان الاجتهاد فيما مضى قضية فردية، كان إسلام المكلفين فرديًّا تحت مظلة شوكة الإسلام، فتطابق اجتهاد المفتي والقاضي مع اهتمام المسلمين كل في خويصة نفسه أو مشاكله في دوائر محصورة “[46]، أما ما يقتضي النظر الكلي من القضايا الكبرى كإدارة الدولة والمال العام وتسيير الجيوش؛ فمدفوع عنها المجتهد مقصي عن دائرتها، فإن أبدى رأيه في ” السياسة الشرعية ” فإنما هو آمر بالمعروف ناه عن المنكر من خارج, وفي حدود لا ينبغي أن يتعداها “[47].

وهذا المنهج الجزئي في الاجتهاد لا يقوى وحده في نظر الأستاذ ياسين على استنباط الإجابة العلمية الكلية المطلوبة الآن وبعد الآن لما يطرح من أسئلة كلية، وعلى “تغطية الفضاء الواسع للمقاصد الشرعية، من حيث كونها مطالب لإنشاء أمر تلاشى, والدفاع عن حوزة استبيحت، ومن حيث مناط التكليف الجماعي في الدعوة، ومن حيث سيادة الدعوة على الدولة، أي سيادة القرآن على السلطان لا العكس”[48]، لذلك وجب إتمام وإصلاح الاجتهاد في نظر الأستاذ باعتماد النظر الكلي لداعيين اثنين:

أحدهما:داعي الواقعالذياستفحل “وتفاقمت مشاكله، وأمعن في الشرود عن الدين، وتجاوز كل ما ورثناه من فقه حتى أصبح مناط الأحكام فيه لا يكاد يبين”[49]، فأصبحت الأسئلة التي تتطلب الإجابة في نظر الأستاذ من قبيل: “من أين نمسك الواقع لندخله في حوزة الشرع؟, كيف نراوده؟, كيف نرغمه؟, كيف نتدرج إلى تطويعه ؟ “[50]، وهي أسئلة كلية لا ينفع معها النظر الجزئي، فالعلة، كما يقول الأستاذ: سياسية اجتماعية اقتصادية كلية[51] تقتضي بالضرورة أحكامًا كلية تناسب مناطاتها.

ثانيهما: داعي الشرع إلى استئناف الاجتهاد فيما نص عليه إجمالًا لبيان تفاصيله فيما يلائم الزمان والمكان والموضوع، فما نص عليه الشرع تفصيلًا معدود محدود، وغيره مما وردت أصوله وكلياته واسع ممدود، يقول الأستاذ ياسين: “لو جمعنا النصوص الواردة في القرآن والسنة بخصوص تنظيم الحكم والشورى، وبخصوص اختيار الإمام وتوزيع السلطة، وبخصوص شكل الحكومة لَما وجدنا ما يُشَكِّلُ نظرية سياسية جاهزة منغلقة. إنما نجد الخطط الرئيسة الواضحة التي تمنعنا من التيه أو التردد، وتترك لنا مجالًا لنجتهد لكل عصر فيما يَصْلُح به أمرُنا “[52]، خصوصًا وأن ” مجال العقل أوسعُ وأبعدُ مدى فيما لم يرِدْ فيه نص خاص”[53].

                وما يصلح به أمرنا في عصرنا في نظر الأستاذ ياسين الاجتهاد المؤسس للتصور العام ” للحكم الإسلاميّ، والاقتصاد الإسلاميّ، والحل الإسلاميّ لمشكلات المجتمعات المسلمة في إطار الشريعة، وفي أفُقِ المستقبل، وعلى نطاق الإنسانية جمعاء “[54].

                فالاجتهاد المعاصر المؤسس على النظر الكلي في نظر الأستاذ ياسين إنما ينبني على المرجعية العليا للاجتهاد التي يعتصم بها أن يزل ممثلة في “كتاب الله وسنة نبيه، وقياسِ العقل التقيِّ المتخصص، وإجماعِ علماء الأمة المتحررين من ربقة الحكم الجبري “[55]، ثم ينطلق هذا الاجتهاد في التماس ” مصلحة الأمة عبرَ وقائع تتجدد وتتعقد، لا نهايةَ لتنوعها “[56]، بناء على أن الشريعة في نظر الأستاذ ليست مجرد نصوص لفظية, وإنما هي مصلحة كذلك في ظلها يجتهد المجتهد،قال: “الشريعة هي المصلحة, وفي حدودها يجتهد العقل[57].

ثانيًا: مراجعة الاجتهاد في شروطه

                يرى الأستاذ ياسين أن الشروط التي وضعها علماء الأصول لتأمين أصل الاجتهاد، منها ما هو ثابت مستمر الصلاحية يتعين اعتبارها في استئناف الاجتهاد المعاصر، ومنها ما هو جزئي ينبغي توسيعه؛ ليتوافق وطبيعة تحديات الاجتهاد المعاصر، ومنها ما كان مسلمًا مضمرًا عند علماء الأصول القدامى وجب إبرازها الآن.

إظهار الشرط التربوي في الاجتهاد

                شرط الاجتهاد المركزي الذي ينبني عليه ما سواه من الشروط هو الشرط التربوي الإيماني الذي كان مسلمًا عند علمائنا قبل هذا الزمان، يقول الأستاذ ياسين: “كانت عدالة العلماء وتقواهم وإيمانهم بالله رب العالمين واعتصامهم بشريعته أمرًا مسلمًا[58]، ولذلك لم يفصل علماء الأصول في حديثهم عن شروط الاجتهاد سوى عن الشروط المعرفية[59]، أما الشرط التربوي فكانت الإشارة إليه عرضًا كما نجد عند الجويني في قوله: ” الإجماع المنعقد من حملة الشريعة من أهل الثقة والإيمان”[60] لكن موجب إبراز هذا الشرط في وقتنا أقوى في نظر الأستاذ ياسين، حيث يقول: ” في زماننا كثر المنافقون عليمو اللسان، لذلك نسبق شرط أن يكون المجتهدون الشوريون المتشاورون من أهل الإيمان والإحسان. لا نأخذ إيمانهم أمرًا مسلمًا حتى نعرف ذلك عنهم ببرهان الصدق نقتضيه منهم على محك الأيام والأحداث والصبر على الجهاد “[61].

                فهذه التحديات المستجدة في وقتنا التي تواجه الاجتهاد نقضًا والشريعة هدمًا، جعلت الأستاذ ياسين يواجهها بما يكشف عن زيف أدعياء الاجتهاد بقوله: “أول شروط الاجتهاد التقوى, وهي خوف الله، والعَمَلُ المخلص الصادق مع الله. يجتهد المتقي ومعه مؤهلات العلم فيخطئ ويصيب”[62]، وهو شرط لا يعرف ولا يقبل غيره في المجتهدين في تاريخ الاجتهاد، إذ لا يتصور صدور الاجتهاد إلا من تقي[63].

فليس حديث الأستاذ عن الشرط التربوي في الاجتهاد إذن مجرد صد ظاهرة التآمر على الشريعة، بقدر ما هو حديث عن الأساس الضامن للاجتهاد بأن ينتج العلم النافع، مصداقًا لقول الله تعالى: ﭐﱡﭐ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﱠ ( فاطر:28 )، وهذا ما يبرزه بوضوح حين قال: “فمشاركة القلب بنورانية التوبة والاستغفار وذكر الله -عز وجل- والافتقار واللَّجَأِ إليه، وقرعِ بابه الكريم مشاركةٌ حاسمة في اجتهاد العقل. بل العقلُ الذي لا يفيضُ عليه القلبُ المستنيرُ بنور الإيمان والإحسان يبقى في ظلمة العقلانية، أسيرًا في يد الهوى، طريحًا في غياهب الغفلة والعياذُ بالله”[64].

تكميل الشروط المعرفية في الاجتهاد         

                يرى الأستاذ ياسين في الشروط المعرفية التفصيلية التي اتفق عليها الأصوليون ما زالت صالحة شرط تكميلها بما يقتضيه الاجتهاد المعاصر من إدراج تلك الشروط التفصيلية في سلك كليات مطلبية[65]، وهذه الشروط المتفق عليه عند الأصوليين كما ذكر بها الأستاذ هي العلم بالكتاب والسنة والناسخ والمنسوخ وقضايا الإجماع وبلسان العرب وعلم أصول الفقه[66]، وهي مؤهلات المجتهد الفرد الذي يجتهد للقضايا الفردية، والمطلوب أن نتحدث عن الشروط المؤهلة للاجتهاد المعاصر؛ لأن تلك الشروط لو اجتمعت في نظر الأستاذ ” في رجل لما استطاع في عصرنا أن يحيط بالوسائل الضرورية لتحقيق المقاصد الشرعية. يلزمه فقه دقيق بهذه المقاصد, وهي قد التبست في العقول وفترت في النيات وغابت في الواقع. كيف يصوغها مطالب, كيف يوقظ الأمة النائمة, كيف يُكَوِّنُ حزب الله, كيف يربيه, كيف يزحف به إلى بناء الدين ثم حفظه,” من جانب الوجود وجانب العدم” دعوة ودولة”[67]، وهي شروط معرفية كلية متكاملة تؤهل المجتهد لاستنباط ومعالجة ما الأمة في أمس الحاجة إليه.

شرط العضوية الدعوية

                ينفرد الأستاذ ياسين في حدود علمي باشتراط العضوية في الدعوة إلى الله في المجتهد، ويقصد بذلك أن يكون المجتهد مهتمًا بأمر أمته, وحريص على شريعة ربه والدعوة إليها، وذلك دفعًا لسلبية العالم المجتهد الذي لا يكترث بحال أمته ولا يتفاعل مع همومها ولا يحرص على مستقبلها، يقول: “لابد أن يكون أهل الاجتهاد من أهل الدعوة، من صميمها، ممن يحيون بها، ويتنفسون روحها، ويحملون همها، ويغضبون على “الاختلال الواقع والمتوقع فيها”. إن كانوا أصحاب أوراق وكراريس ونصوص وتجريد وتقليد، إن كانوا عقولًا تدور على ألسنة عليمة والقلب فارغ فلن يكونوا إلا طامة أخرى تأتي على الدين “من جانب العدم”[68].

                ولما كانت الدعوة إلى الله تنبني على منهج في العلم والمعرفة، كانت صورة هذه الدعوة الآن في العالم مدارس دعوية متعددة، يفترض في العالم المجتهد الداعية أن يكون على رأس واحدة من هذه المدارس، لذلك ربط الأستاذ هذا الشرط بالانتماء لجماعة دعوية من باب تحصيل حاصل عند العلماء الذين يعملون بعلمهم، فقال: ” العضوية في جماعة من جماعات الدعوة، ثم جماعة المسلمين الموحدة العالمية، جاد الله لنا بها بكرمه، شرط في المجتهدين أهل الشوري والعدل والإحسان “[69].

شرط الحرية في الاجتهاد

                إن جلالة منصب الاجتهاد ومكانته في الشريعة وأثره في حاضر الأمة ومستقبلها لا يصح أن يشتغل أهله في غير أجواء من حرية القول في دين الله والفعل في أمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله ألزمهم البيان للناس ونهاهم عن الكتمان في قوله تعالى: ﭐﱡﭐ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋﱠ (آل عمران: 187)، وألزم الأمة قصدهم بالسؤال فيما لا يعلمون في قوله تعالى: ﭐﱡﭐ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱠ ( النحل:43).

                كما أن انتفاء شرط الحرية في الاجتهاد زمن العض والجبر قاد الاجتهاد إلى الانحصار في عمومه في القضايا الفردية وإنتاج فقه الاضطرار بتوسع كبير في القضايا السياسية، فكان لا بد من التركيز على حرية الاجتهاد والبحث عنها في نظر الأستاذ ياسين، حيث يقول: “حريةُ الاجتهاد تبقى حلْمًا إن بقي الحكمُ في أيْدٍ غيرِ معترفة بأنَّ الحكمَ ليس إلا لله، ومُسْتبدةٍ بالكلمة والقرار، غيرِ مستعدة لإشراك أحد من علماء الأمة فيه”[70]، لذلك رأى الأستاذ في التحرر من سلطان الإكراه شرطًا أساسًا في الاجتهاد المعتبر والإجماع المعتمد[71].

ثالثًا: مراجعة الاجتهاد في صيغته

                من نقائص الاجتهاد القديم في نظر الأستاذ ياسين صيغته الفردية التجزيئية التي لا تقوى الآن على الإجابة عن أسئلة الزمان المتشابكة المعقدة التي تقتضي معارف مختلفة ومهارات متنوعة؛ لأن “مشاكل العصر، وتشعب مهماتنا، ومخلفات النقل، واختلاف الإرادة والعقل، لا ينهض لها مجتهد واحد ولا أفراد مجتهدون. لا بد من اجتهاد جماعي[72]. لا بد من مجلس للاجتهاد”[73]، لمجابهة ما يطرح علينا الآن من إشكالات “ناشئة ومتأثَرَة بعواملِ الاقتصاد، والاجتماع، والابتكار العلمي، وتقارُب الزمان والمكان بما حدث من وسائل المواصلات،وانشطار العالم إلى دول مستكبرة وأخرى مستضعفة، والتَّنَافس على الهيمنة العالمية…”[74].

                لذلك فالأمثل للزمان وللموضوع في نظر الأستاذ ياسين” أن يجتمع أفذاذ علماء الأمة كلها من كل الأقطار لهذا الاجتهاد”[75]، على شرط أن يكون مجموع معارف ومؤهلات أعضاء مؤسسة الاجتهاد مزدوجة ومتكاملة، فيها المعرفةبما هو مطلوب شرعًا في المطلق، وما هو ممكن في واقع متحرك مشتبك معقد[76]، وهذا يقتضي أن يكونإلى جانب التخصصات الشرعية من تفسير وحديث وفقه وأصول؛ خبراء في “جميع مجالات الحياة؛ ليساعدوا رجال الشريعة على تحقيق مناط الأحكام، وابتنائها بالصيغ الصالحة للتطبيق بما يؤدي للمصلحة”[77].

رابعًا: مراجعة الاجتهاد في تحقيق المناط

                إذا كان تحقيق المناطات في الاجتهادات السابقة تتم بخبرات فردية لوقائع جزئية في أجواء من بساطة الحياة؛ فإن تحقيقها الآن يتطلب معارف شتى؛ نظرًا لتعقد وتشابك المناطات، مما يستدعي في تحقيق المناط المعاصر خبراء في مختلف التخصصات “يحددوا لنا مآل أمرنا المرجوَّ. فالأصلُ الاجتهاديُّ مثلًا القائلُ بأن الضروراتِ تبيح المحظورات يفتح ذريعة للترخص أو التشديد…. والاقتصادي الخبير يفسر لنا أن إغلاق مصارف الربا قبل تهيييء نظام مصرفي إسلاميِّ يهدد القومة الإسلامية بخطر محقَّق، فيُفتي المجتهدون بأن يبقى التعاملُ بهذه المصارف ريثما تبدل، بناء على تقدير الاقتصادي الذي بيَّن وجه الاضطرار”[78].

                وبناء على ما تقدم يقرر الأستاذ ياسين أن القضايا الكبرى المنتصبة الآن أمام الاجتهاد الفقهي لا ينفع معها غير الاجتهاد الجماعي ذي التخصصات العلمية المتنوعة؛ لأن من يجهل الواقع المتنوع المتداخل المتشابك الممتنع لا يكون قادرًا على الاجتهاد[79].

خاتمة

                في ختام هذا البحث المركز الموجز، أورد ما خلصت إليه من نتائج علمية على النحو الآتي:

  • إن مشروع نظرية المنهاج النبوي للأستاذ ياسين مؤسسة على نوعين من المعارف: معارف الوحي تأصيلًا, ومعارف الواقع تنزيلًا، فاكتملت للرجل الرؤية الاستراتيجية في تغيير الواقع, ومعالجة قضاياه وإدارة إشكالاته من مداخل متعددة.
  • تجلت المعالم النظرية لفقه الواقع في مشروع الأستاذ ياسين الفكري في معالجة الواقع بمعيار القرآن، وتفسير القضايا وفق سياقها التي اقتضاها، ومراعاة حال الزمان المعاصر وأهله في تلمس أوجه المصلحة، والأخذ بأصل التدرج في تغيير الواقع ومعالجة إشكالاته.
  • من القضايا التطبيقية التي أسهم الأستاذ ياسين في مراجعتها وتجديدها انطلاقًا من منهجه في فقه الواقع الدرس المقاصدي من حيث ما تقرر لدى العلماء من ترتيب لمقاصد الشريعة، ومن حيث صيغة الحفظ في التعبير عن تلك المقاصد، ثم أصل الاجتهاد الذي راجعه من حيث منهجه وشروطه وصيغته وإعماله في تحقيق المناط.

والحمد لله رب العالمين

ثبت المصادر والمراجع

  • البخاري أبو عبد الله، الجامع الصحيح دار الكتب العلمية بيروت ط. جديدة بدون رقم ولا تاريخ.
  • بوعود أحمد، فقه الواقع: أصول وضوابط سلسلة كتاب الأمة القطرية، عدد 75 السنة 2000م.
  • البيهقي في السنن الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مكة المكرمة: دار الباز، 1994م.
  • بيهي سعيد، التأصيل الشرعي لمفهوم فقه الواقع القاهرة، الدار العلمية للنشر والتوزيع، طبعة1، بدون تاريخ.
  • الترتوري، الحسين، فقه الواقع دراسة أصولية فقهية، دراسة بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة عدد 34.
  • جحيش، بشير بن مولود، الاجتهاد التنزيلي، سلسلة كتاب الأمة رقم 93، قطر، وزارة أوقاف.
  • الجويني عبد الملك، أبو المعالي، غياث الأمم في التياث الظلم، تحقيق فؤاد عبد المنعم ومصطفى حلمي، الإسكندرية: دار الدعوة/1979م، وتحقيق احمد عبد الرحيم السايح وتوفيق علي وهبة، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، ط 1/2011م.
  • ابن حنبل في مسنده، من حديث أبي أمامة الباهلي، بتحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1999م.
  • مسلم، أبو الحسين بن الحجاج، الجامع الصحيح ، منشورات المكتب التجاري بيروت بدون تاريخ ولا رقم الطبعة.
  • موسوعة سراج إصدار 2.1/2012م، في الموقع الالكتروني: http/www.yassine.net
  • ابن عقيل، أبو الوفاء علي، الواضح في أصول الفقه، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ.
  • ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق عصام الدين الصبابطي، القاهرة: دار الحديث، طبعة 2006م.
  • الشاطبي، أبو إسحاق، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، دار الكتب العلمية بيروت، طبعة 2003م.
  • وورقية عبد الرزاق، الاجتهاد التنزيلي في ضوء الكليات المقاصدية، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط1/2003م.
  • ياسين عبد السلام،
  • المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ط 2/1989.
  • نظرات في الفقه والتاريخ المحمدية: مطبعة فضالة، ط1/1989م.
  • العدل الإسلاميون والحكم، البيضاء: مطبعة الأفق، ط1/ 2000م.
  • إمامة الأمة، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط1/ 2009م.
  • تنوير المومنات، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط1/2003م.
  • الشورى والديمقراطية البيضاء: مطبوعات الأفق، ط1/1996م.

[1] – ينظر أبو الوفاء، علي بن عقيل، الواضح في أصول الفقه، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط1، 1420هـ 5/461، 463، وابن القيم، إعلام الموقعين 4/152.

[2] – ينظر الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، دار الكتب العلمية بيروت، طبعة 2003م، 4/64.

[3]– صدر في الموضوع كتاب فقه الواقع: أصول وضوابط للدكتور أحمد بوعود في سلسلة كتاب الأمة القطرية، كما صدر في طبعة أخرى عن دار السلام بالقاهرة، وفقه الواقع دراسة أصولية فقهية لحسين الترتوري، دراسة بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة عدد 34، ص 71، والتأصيل الشرعي لمفهوم فقه الواقع لسعيد بيهي، القاهرة، الدار العلمية للنشر والتوزيع، طبعة1، بدون تاريخ.

[4] – صدر في الموضوع من سلسلة كتاب الأمة كتاب الاجتهاد التنزيلي لبشير مولود جحيش، والاجتهاد التنزيلي في ضوء الكليات المقاصدية للدكتور عبد الرزاق وورقية عن دار لبنان للطباعة والنشر، بيروت.

[5] – ابن القيم، محمد بن أبي بكر بن أيوب – إعلام الموقعين عن رب العالمين، دار الكتب العلمية، لبنان، 1991م 1/69.

[6] – ينظر ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي ص11 وص15.

[7] – الخصال العشر هي عشر وحدات وزع عليها الأستاذ ياسين شعب الإيمان السبع والسبعين الواردة في الحديث برواية مسلم، وتشكل هذه الخصال المنظمة وفق خطة تربوية تنظيمية جهادية لبنات مشروع نظرية المنهاج النبوي.

[8] – تنظر تفاصيل السيرة العلمية والدعوية لعبد السلام ياسين في موسوعة سراج إصدار 2.1/2012م، وفي موقعه الإلكتروني: http/www.yassine.net

[9] – ينظر ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 18 و 19 و 23 و 32، المحمدية: مطبعة فضالة، ط1/1989م.

[10] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص33.

[11] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص95.

[12] – ياسين عبد السلام، المرجع السابق ص 72.

[13] – ينظر ياسين عبد السلام، العدل الإسلاميون والحكم، البيضاء: مطبعة الأفق، ط1/  ص 66.

[14] – ينظر الشاطبي أبو إسحاق، الموافقات 4/71.

[15] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 109.

[16] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 52.

[17] – ينظر ياسين عبد السلام، إمامة الأمة ص 213- 214، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط1/ 2009م.

[18] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 96.

[19] – ينظر ياسين عبد السلام، العدل الإسلاميون والحكم ص 156.

[20] – ياسين عبد السلام، المرجع السابق.

[21] – ابن حنبل في مسنده، من حديث أبي أمامة الباهلي، بتحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1999م، وانظر كذلك البيهقي في السنن الكبرى، في شعب الإيمان، باب في التمسك بما عليه الجماعة، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مكة المكرمة: دار الباز، 1994م.

[22] – ينظر ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص77.

[23] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق 52.

[24] – ينظر المعلم الثالث في المبحث الأول.

[25] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 83.

[26] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 52.

[27] – مسلم في الجامع الصحيح، كتاب البر والصلة والآدب، باب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ، والبخاري في الجامع الصحيح، كتاب الأدب، بَاب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ، وغيرهما.

[28]– ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص47.

[29] – ياسين عبد السلام، في الاقتصاد ص239.

[30] – ينظر ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 77.

[31] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 96.

[32] – ينظر ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص76.

[33] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 78.

[34] – ينظر ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص109.

[35] – ينظر ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص77.

[36] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص109.

[37] – ياسين عبد السلام، في الاقتصاد ص 239.

[38] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص54، وينظر ص95.

[39] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص98.

[40] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 96.

[41] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 54.

[42] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 102.

[43] – ينظر ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص108- 109.

[44] – الجويني أبو المعالي، غياث الأمم في التياث الظلم، تحقيق فؤاد عبد المنعم ومصطفى حلمي 1/148، الإسكندرية: دار الدعوة/1979م.

[45] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 96.

[46] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص72.

[47] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق.

[48] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 82.

[49] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص72.

[50] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق.

[51] – ينظر ياسين عبد السلام، تنوير المومنات 1/269، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط1/2003م.

[52] – ياسين عبد السلام، إمامة الأمة ص218، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط1/2009م.

[53] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 235.

[54] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 210- 211.

[55] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 233.

[56] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 234.

[57] – ياسين عبد السلام، العدل ص144.

[58] -ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص73.

[59] – فالشاطبي على سبيل المثال أجمل شروط الاجتهاد في كفايتين معرفيتين: فهم مقاصد الشريعة والتمكن من الاستنباط. ينظر الشاطبي أبو إسحاق، المصدر السابق 4/76.

[60] – الجويني إمام الحرمين عبد المالك، غياث الأمم في التياث الظلم ص 292، تحقيق احمد عبد الرحيم السايح وتوفيق علي وهبة، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، ط 1/2011م.

[61] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 73.

[62] – ياسين عبد السلام، الشورى والديمقراطية ص 73، البيضاء: مطبوعات الأفق، ط1/1996م.

[63] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 74.

[64] – ياسين عبد السلام، إمامة الأمة ص 245.

[65] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 82.

[66] – ينظر ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص82- 83.

[67] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص83.

[68] – ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 122.

[69] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 108.

[70] – ياسين عبد السلام، إمامة الأمة ص 214.

[71] – ياسين عبد السلام، المصدر السابق ص 233.

[72] – ينظر ياسن عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ ص 72، وإمامة الأمة ص 237، والمنهاج النبوي ص207.

[73] – ياسن عبد السلام، المنهاج النبوي ص 207.

[74] – ياسن عبد السلام، إمامة الأمة ص 228.

[75] – ياسن عبد السلام، المنهاج النبوي ص209.

[76] – ينظر ياسن عبد السلام، الشورى والديمقراطية ص75.

[77] – ياسين عبد السلام، إمامة الأمة ص 238.

[78] – ياسين عبد السلام، إمامة الأمة ص239.

[79] – ينظر ياسين عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين ص51.