تأليف: أ. د. عبد السلام اللوح والدكتور بسام رضوان عليان

ملخص البحث:

البحث قائم على دراسة موضوع صفات القائمين على الدولة الطالحة، وذلك من خلال تعريف الدولة الطالحة لغة واصطلاحًا، وبيان صفات القائمين عليها والتي منها: صفة الكفر بالله، وصفة الظلم والفسوق، وصفة العلو والاستكبار في الأرض، وموالاة الكفار والاستعانة بهم، وحب الدنيا وكراهية الموت، وبيان ذلك كله في ضوء القرآن الكريم دراسة موضوعية.  

Abstract:

 Search is based on the study of recipes based on Talhh the state, through the definition of Talhh State Language and idiomatically, and the statement of recipes in charge of them, which include: recipe disbelief in God, recipe injustice and immorality, recipe altitude and arrogance in the land, and pro infidels and seeking their help, the love of this world and hatred of death and a statement that the whole in the light of the Holy Quran objective study.

مقدمة:

الحمد لله خلق الخلائق، وقدّر المقادير، وخلق الجنة والنار، وجعل لكلٍّ أهلها، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وبعد.

فإن الله سبحانه قد جعل للجنة أهلًا، وللنار أهلًا، وما الله بظالمٍ أحدًا من خلقه؛ لأنه بيّن لهم طريق الخير وطريق الشر، لقوله تعالى:{ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [ البلد:10].

                ومع ذلك فقد ضل قوم عن هداية الله، وانحرفوا عن صراطه المستقيم، واعتقدوا أنهم يحسنون صنعًا، فخاب سعيهم، وساء مصيرهم، قال تعالى:{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا `الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا` أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا` ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا } [ الكهف:103-106]. ورغم هذا التهديد والوعيد، والتحذير والإنذار إلا أن بعض الناس قد ركب الهوى، وغرته الحياة الدنيا، فتزعم مسئولية هنا أو هناك، سواء أكان على رأس الهرم أم كان في وسطه أم كان في أدناه، فهم جميعًا سواء؛ لأنه بمجموعهم قامت الدولة الطالحة التي لا تحكم بشرع الله، ولا تدين به أصلًا، بل هي معنية بطمس هذا الدين، والقضاء على مظاهره، وكلُّ من ساهم وساعد في قيام هذه الدولة الطالحة يُعدُّ من الظلمة أنفسِهم، وليس ممن يركن إليهم، قال تعالى:{ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ…} [ هود:113]. فالذي يركن إليهم تمسه النار، فكيف بالظالم نفسِه؟

                وقد حرص الباحثان على الوقوف على صفات القائمين على الدولة الطالحة؛ ليعرف الناس أين يضعون أقدامهم، وأين يبذلون جهدهم وطاقتهم، وليحذر المؤمن أن يكون من الظلمة، أو من أعوانهم بالركون إليهم، والتعاون معهم، سواءٌ أكان ذلك بالأفعال أم بالأقوال، وسواء أكان ذلك بالرأي والمشورة، أم كان بالتعاطف والحب لهم.

أولًا: أهمية الموضوع وأهدافه:

ترجع أهمية الموضوع إلى تحقيق الأهداف الآتية:

1- بيان أن العلوم القرآنية متجددة، ومواكبة لكل العصور والأزمنة، وهذا يؤكد أن القرآن صالحٌ لقيادة البشرية في كل العصور، ومع كل الأجيال .

2- بيان أن الوقوف على صفات القائمين على الدولة الطالحة؛ يُعَرِّف الناسَ أين يضعون أقدامهم، وأين يبذلون جهدهم وطاقتهم.

3- بيان أن القرآن الكريم يحوى في ثناياه مواضيع تعالج قضايا الواقع المعاصر، ومن هذه المواضيع: دراسة “صفات القائمين على الدولة الطالحة دراسة قرآنية موضوعية ” . 

ثانيًا: أسباب اختيار الموضوع وغاياته:

لقد دفعنا لاختيار هذا الموضوع مجموعة من الأسباب والغايات، منها :

1- نيل الأجر والثواب من الله تعالى من خلال خدمة كتابه الكريم، والبحث فيه .

2- بيان صفات القائمين على الدولة الطالحة في القرآن الكريم غاية في الأهمية، ويمثل ضرورة ملحة في واقع الأمة المسلمة اليوم.

 3- أملنا ورجاؤنا من خلال هذه الدراسة أن نضع لبنة في بيان صفات القائمين على الدولة الطالحة في القرآن الكريم؛ لتأخذ الأجيال المؤمنة منها العبرة والموعظة.

ثالثًا: منهج البحث:

                اعتمد الباحثان في هذا البحث على المنهج التقريري القائم على البحث والتدبر في الآيات القرآنية.

وطريقة الباحثين في البحث تقوم على خطوات التفسير الموضوعي، وذلك على النحو الآتي:

1- جمع الآيات القرآنية المتعلقة بصفات القائمين على الدولة الطالحة، ودراستها دراسة موضوعية من خلال الرجوع لأمهات كتب التفسير والحديث والسير والتاريخ، مُنزلين هذه الآيات على واقع المسلمين اليوم.

3- عزو الآيات  المستشهد بها إلى سورها بذكر اسم السورة، ورقم الآية، وذلك في متن الدراسة تخفيفًا عن الحواشي.

4- كتابة الآيات مشكلة برواية حفص عن عاصم مكتوبة بالرسم العثماني.

5- تخريج الأحاديث الواردة في البحث، وعزوها إلى مصادرها، وذلك حسب  ضوابط وأصول التخريج، ونقل أقوال العلماء في الحكم على الأحاديث المروية في غير الصحيحين.

6- عزو الأقوال المقتبسة إلى أصحابها، وذلك في مواضع الاقتباس، وتوثيقها حسب الأصول.

7- إثبات المراجع في الحاشية دون تفصيل، ذاكرًا اسم المرجع والمؤلف والجزء والصفحة فقط.

8- الإحالة على ما تمّ ذكره، أو سيأتي بيانه؛ منعًا للتكرار.

9- توضيح معاني المفردات اللغوية التي تحتاج إلى بيان في الحاشية.

11- ثبت بالمصادر والمراجع بالمواصفات الكاملة.

رابعًا: خطة البحث:

وتحقيقًا لهدف البحث وغايته المرجوة فقد جاء هذا البحث في مقدمة وتمهيد وخمسة مباحث وخاتمة، وذلك فيما يأتي:

 المقدمة: وفيها أهمية الموضوع وأهدافه، وسبب اختياره وغاياته، ومنهج البحث، وخطة البحث.

التمهيد: وفيه تعريف الدولة الطالحة في اللغة والاصطلاح.

المبحث الأول: صفة الكفر بالله.

المبحث الثاني:  صفة الظلم والفسوق.

المبحث الثالث: صفة العلو والاستكبار في الِأرض.

المبحث الرابع: موالاة الكفار والاستعانة بهم.

المبحث الخامس: حب الدنيا وكراهية الموت.  

الخاتمة: وفيها أهم ما توصل إليه الباحثان من نتائج وتوصيات.

التمهيد: تعريف الدولة الطالحة في اللغة والاصطلاح:

أولًا: تعريف الدولة في اللغة:

                (دول) للدال والواو واللام أصلان: أحدُهما يدلُّ على تحوُّل شيءٍ من مكان إلى مكان، يقال: انْدَالَ القومُ، إذا تحوَّلوا من مكان إلى مكان. وتداوَلَ القومُ الشّيءَ بينَهم: إذا صار من بعضهم إلى بعض. وأمَّا الآخَر فهو يدلُّ على ضَعْفٍ واستِرخاء. فالدَّوِيلُ من النَّبْت: ما يَبِس لعامِهِ. يقال: دال الثَّوبُ يَدوُل، إذا بَلِيَ([1]).

ثانيًا: تعريف الدولة في الاصطلاح:

                تعرف الدولة بأنها: “جماعة من الناس تقيم دائمًا في إقليم معين, ولها شخصيتها المعنوية, ونظامها الذي تخضع له ولحكامها, واستقلالها السياسي”([2]).

ثالثًا: تعريف الطالحة في اللغة:

(طَلَحَ): الطَّلاحُ: نَقِيضُ الصَّلاح. والطالِحُ: خِلَافُ الصَّالِحِ. طَلَحَ يَطْلُح طَلاحًا: فَسَدَ. قيل: رَجُلٌ طَالِحٌ أَي فَاسِدٌ شرِّير لَا خَيْرَ فِيهِ([3]).

رابعًا: تعريف الطالحة في الاصطلاح:

هي تعدٍّ عن الصلاح والخير إلى الفساد والشر، ومجاوزة الحدّ في استعمال السّلطة([4]).

أما التركيب الوصفي للدولة الطالحة: فيرى الباحثان: أنها الدولة التي تسعى إلى الإفساد ونشر الفساد والظلم في الأرض.

            والدولة الطالحة أساسها أن يكون الحكم تحكمًا في المحكوم، فمن تحكم في الرعية ولو باسم مصلحتها، فقد سلك سبيل الفساد؛ لأن التحكم ينبعث من الرغبة في السيطرة، ولو لبس لبوس المصلحة والسيطرة فهو تسلط، والتسلط في ذاته فساد يؤدي لَا محالة إلى فساد، ويؤدي إلى موت الإرادات في الجماعة، وفي ذلك إضعاف لقوتها([5]).

المبحث الأول: صفة الكفر بالله

أصْلُ الكفر عند العرب: السَّتْرُ وَالتَّغْطِيَةُ، ولذلك سمَّوا الليل كافرًا، لِأَنَّهُ يُغَطِّي كل شيء بسواده([6])، كما قال لبيدُ بن ربيعة: فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا. يعني غَطَّاها وسترها([7]).

                وَالْكُفْرُ شرعًا ضِدُّ الْإِيمان، يعني جحد دين الله وإنكاره، وقد يكون بمعنى جحود النِّعْمَةِ وَالْإِحْسَانِ([8]).

والكفر: هو الكفر بالله تعالى، وعدم الإيمان به، أو بما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من التشريع، أو إنكار شيء من ذلك، أو الإيمان ببعضه دون بعض؛ سواء كان معه تكذيب، أو لم يكن معه تكذيب؛ بل مجرد شك وريب، أو توقف، أو إعراض، أو حسد، أو كبر، أو بغض الدين، أو بغض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو سبه، أو عداوته، أو اتباع لبعض الأهواء الصادة عن اتباع حكم الله سبحانه وتعالى، ويقع الكفر: باعتقاد القلب، وبالفعل، وبالقول، وبالشك، وبالترك([9]).

                إن الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده الكفر، قال تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ…}[ الزمر:7]. ولقد أرسل الله تعالى الرسل الكرام، وأنزل الكتب السماوية لمحاربة الكفر، والقضاء عليه، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [ الأنفال: 39].

                ويذكر العلماء أن الكفر أنواع، وهي كما يأتي:

1-كفر إنكار: وهو أن لا يعرف الله تعالى أصلًا، ككفر فرعون، قال تعالى:{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ` قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ` قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ` قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ` قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ` قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ` قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ }[ الشعراء:23-29].

2- كفر جحود وتكذيب: وهو أن يعرف الله بقلبه، ولا يقر بلسانه، ككفر اليهود بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال تعالى عنهم: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ…} [البقرة:89].  

3- كفر عناد: وهو أن يعرف الله بقلبه، ويقر بلسانه، ولا يدين به، ككفر عمّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أبي طالب حيث يقول في شعر له:

ولقد علمت بأن دين محمد … من خير أديان البرية دينًا

لولا الملامة أو حذار مسبّة … لوجدتني سمحًا بذاك مبينًا

4- كفر نفاق: وهو أن يقر بلسانه، ولا يعتقد صحة ذلك بقلبه، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ` يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}[ البقرة:8، 9]. 

5- كفر الإعراض والاستكبار: ككفر إبليس، إذ يقول تعالى فيه:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[ البقرة:34].

فجميع هذه الأنواع كفر، وحاصله أن من جحد الله، أو أنكر وحدانيته، أو أنكر شيئًا مما أنزله على رسوله، أو أنكر نبوة محمد  صلّى الله عليه وسلّم ، أو أحدًا من الرسل فهو كافر، فإن مات على ذلك فهو في النار خالدًا فيها ولا يغفر الله له([10]).

                ولقد حذّر الله تعالى عباده من الكفر، وبيّن تعالى أن من وقع في الكفر ومات عليه ولم يتب فإن له نار جهنم خالدًا فيها أبدًا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [ آل عمران:116].

نماذج من الكافرين:

أولًا: الطاغية فرعون:

                وهو زعيم الدولة الفرعونية الطالحة، وهو كافر بالله تعالى كفر إنكار، حيث ادّعى الربوبية والألوهية، قال تعالى: {وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي…} [القصص:38]. يقولابن عاشور:” أَرَادَ فِرْعَوْنُ بِخِطَابِهِ مَعَ مَلَئِهِ أَنْ يُثَبِّتَهُمْ عَلَى عَقِيدَةِ إِلَهِيَّتِهِ فَقَالَ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي: إِبْطَالًا لِقَوْلِ مُوسَى الْمَحْكِيِّ فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ: {قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ} [ الشعراء:26]. وَقَوْلُهُ أيضًا: {رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [ الشُّعَرَاء:24] . فَأَظْهَرَ لَهُمْ فِرْعَوْنُ أَنَّ دَعْوَةَ مُوسَى لَمْ تَرُجْ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يُصَدِّقْ بِهَا، فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي، وَالْمُرَادُ بِنَفْيِ عِلْمِهِ بِذَلِكَ نَفْيُ وُجُودِ إِلَهٍ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ، يُرِيهِمْ أَنَّهُ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ حَقٍّ، فَلَوْ كَانَ ثَمَّةَ إِلَهٌ غَيْرُهُ لَعَلِمَهُ. وَالْمَقْصُودُ بِنَفْيِ وُجُودِ إِلَهٍ غَيْرِهِ نَفْيُ وُجُودِ الْإِلَهِ الَّذِي أَثْبَتَهُ مُوسَى، وَهُوَ خَالِقُ الْجَمِيعِ، وَأَمَّا آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَزْعُمُونَهَا فَإِنَّهَا مِمَّا تَقْتَضِيهِ إِلَهِيَّةُ فِرْعَوْنَ؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ عِنْدَهُمْ هُوَ مَظْهَرُ الْآلِهَةِ الْمَزْعُومَةِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّهُ فِي اعْتِقَادِهِمُ ابْنُ الْآلِهَةِ وَخُلَاصَةُ سِرِّهِمْ”([11]).

                وقال الله تعالى حكاية عنه: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24]. يقول سيد قطب: “قالها الطاغية مخدوعًا بغفلة جماهيره، وإذعانها وانقيادها. فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها، وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانًا، إنما هي الجماهير الغافلة الذلول، تمطي له ظهرها فيركب، وتمد له أعناقها فيجر، وتحني له رؤوسها فيستعلي، وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى، والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى، وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم، فالطاغية- وهو فرد- لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين، لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها، وكل فرد فيها هو كفء للطاغية من ناحية القوة ولكن الطاغية يخدعها فيوهمها أنه يملك لها شيئًا، وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدًا، وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدًا. وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها وتؤمن به وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرًا ولا رشدًا. فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذلة ومن خواء القلب من الإيمان، ما جرؤ به على قول هذه الكلمة الكافرة الفاجرة: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى)، وما كان ليقولها أبدًا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة، تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء، وإن يسلبه الذباب شيئًا لا يستنقذ من الذباب شيئًا، وأمام هذا التطاول الوقح، بعد الطغيان البشع، تحركت القوة الكبرى: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى”([12]).

                ولقد بيّن الله تعالى أن قريشًا كانت مثل أعوان فرعون وبطانته كانوا كافرين، فحقّ عليهم العذاب جميعًا. قال الله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:52]. والمقصود بآل فرعون: “هو وأعوانه وبطانته؛ لأن الآل يطلق على أشد الناس التصاقًا واختصاصًا بالمضاف إليه. والمعنى: شأن هؤلاء الكافرين الذين حاربوك يا محمد، والذين هلك منهم من هلك في بدر، شأنهم وحالهم وعادتهم فيما اقترفوه من الكفر والعصيان وفيما فعل بهم من عذاب وخذلان، كشأن آل فرعون الذين استحبوا العمى على الهدى، والذين زينوا له الكفر والطغيان حتى صار عادة له ولهم، وقد أخذهم- سبحانه- أخذ عزيز مقتدر، بسبب كفرهم وفجورهم. وقد خص- سبحانه- فرعون وآله بالذكر من بين الأمم الكافرة؛ لأن فرعون كان أشد الطغاة طغيانًا، وأكثرهم غرورًا وبطرًا، وأكثرهم في الاستهانة بقومه وفي الاحتقار لعقولهم وكيانهم”([13]).

ثانيًا: الملك الذي حاجَّ إبراهيم عليه السلام في ربّه

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ…}[ البقرة:258]. يقول الشيخ عبد الكريم الخطيب: “هنا نجد المثل لمن آمن بالله فكان الله وليّه، يخرجه من الظلمات إلى النور، ومن كفر فكان الطاغوت وليّه، يخرجه من النور إلى الظلمات، ومثل الأول نجده على أكمل صورة وأتمها، في إبراهيم -عليه السّلام-كما نجد مثل الثاني في هذا الذي آتاه الله الملك، وغمره بالنعم، فاستقبلها بالجحود والكفران، والإغراق في البهت والضلال، ولم يذكر القرآن اسم هذا الإنسان المتمرد على الله، ولم يدل عليه؛ لأنه ساقط من حساب الإنسانية، إذ باع إنسانيته للشيطان، وأسلمها للطاغوت … والذي تعرضه الآية الكريمة هنا، وتحرص على كشفه وتجليته، هو هذا الصّدام الفكري بين منطق الحق وسفاهة الباطل، بين نور الإيمان وهداه، وظلام الشرك وضلاله! يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) فهذا الإنسان الذي فضَّل اللهُ عليه وأوسع له في فضله، ومكّن له في الأرض، قد غرّه ما بيده من سلطان، فكفر بأنعم الله، ثم لجّ به الكفر، فحادّ الله ورسوله، وادعى لنفسه الألوهية، وقال قولة فرعون: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى). فلما جاءه نبيّ الله إبراهيم، يدعوه إلى الله، أنكر هذه الدعوة، وجحد أن يكون في الأرض إله معه، وجعل يلقي إلى إبراهيم بالحجج الدالة على ألوهيته، وأهليته لتلك الألوهية، بما في يده من سلطان يتصرف به كيف يشاء”([14]).

                ولقد أصبح الكفر اليوم ظاهرة عالمية، فالعالم الغربي في أوروبا وأمريكيا وإن كان وارثًا في الظاهرة للعقيدة النصرانية التي تؤمن بالبعث والجنة والنار، إلا أنه في الأغلب ترك هذه العقيدة الآن، وأصبح إيمان الناس هناك بالحياة الدنيا فحسب، وأصبحت الكنيسة مجرد تراثٍ تافهٍ جدًا؛ وقد أصبح الكفر بالله هو الدين الرسمي المنصوص عليه في كل دساتير البلدان الأوروبية والأمريكية، ويعبر عن ذلك بالعلمانية تارة، وباللادينية أخرى. أما في الشرق فقد قامت أكبر دولة على الكفر بالله، وهي الدولة الروسية، التي تحمل العقيدة الشيوعية، التي تحمل في بنودها رفض الغيب، والنظر إلى الحياة كلها وفي جميع الجوانب من منظور مادي بحت([15]).

أسباب انتشار الكفر في بلاد المسلمين:     

لقد دخل الكفر بالله في كثير من بلاد المسلمين، وما كان له أن يدخل، إلا أن هناك أسبابًا عديدة مكنت لدخوله في بلاد المسلمين منها:

1- انحراف كثير من المسلمين عن دينهم وعقيدتهم.

2- هزيمة العالم الإسلامي أمام الهجمة الأوروبية، وقد كان للهزيمة العسكرية أثرُها في زعزعة العقيدة، ووجود الشعور بالنقص، وتقليد المنتصر، والتشبه بأخلاقه؛ ظنًا منهم- لفرط  جهلهم- أن أوروبا لم تتطور إلا عندما اعتنقت الكفر والإلحاد، ورفضت الدين.

3- الاستعمار الغربي لكثير من بلاد المسلمين؛ فقد عانى المسلمون من الاستعمار وويلاته، حيث امتص الغرب دماء المسلمين، وخيراتهم، وأوطانهم.

4- تركيز الغرب على إفساد التعليم، والإعلام، والمرأة، وتشويه صورة علماء المسلمين، مع الحرص على نشر الفوضى الجنسية، والإباحية والعري، حيث غرق كثير من الشباب في هذا المستنقع الآسن، والكفرُ والإلحادُ لا يُوجَد إلا في مثل هذه الأجواء.

5- انتشار المذاهب الهدامة، والفرق الضالة، والجهل بدين الإسلام، كل ذلك استغله الملاحدة، ونفذوا من خلاله إلى الطعن في الدين.

6- التقصير في جانب الدعوة إلى الله.

7- سقوط الخلافة الإسلامية.

8- ترك فريضة الجهاد، والركون إلى ملذات الدنيا، والخلود إلى الراحة.

آثار الكفر العاجلة:          

وللكفر والإلحاد آثار سيئة، وثمرات منتنة على الأفراد والجماعات والدول، فالدول الكافرة الطالحة تعيش حياة صعبة معقدة، ولا يجدون حلًا لمشكلاتهم، فهم يعاقبون في هذه الدنيا أشد أنواع العقوبات بالإضافة إلى ما سيلقونه يوم القيامة من النكال والعذاب والخلود في النار إن ماتوا على كفرهم، ومن هذه الآثار السيئة، ما يأتي:

1- القلق النفسي، والاضطراب، والحرمان من طمأنينة القلب، وسكون النفس، وضنك العيش، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124].

2- حب الجريمة؛ وهذا لا يحتاج إلى دليل، فواقع الحياة في الغرب، ومعدلات السرقة والخطف وكثرة الجرائم شاهد على ذلك.

3-هدم النظام الأسري؛ وذلك أن الأسرة الكافرة تعيش في تفكك وتشرذم وضياع.

4-فساد المجتمع؛ إذ إن فساده من فساد الأسرة.

5- الرغبة في الانتحار؛ تخلصًا من الحياة، ومعظم المنتحرين من الأغنياء المترفين، وليس من الفقراء.

6- شيوع الكراهية والبغضاء، وإرادة الانتقام، والظمأ النفسي للتشفي من كل موجود.

7- الإجرام السياسي: وهو من أعظم آثار الكفر والإلحاد؛ ذلك أن الأخلاق المادية الإلحادية التي جعلت قلب الإنسان يمتلئ بالقسوة دفعته إلى تطبيق ذلك عمليًا، لذلك رأينا الدول الكبرى الكافرة كيف تفعل بالدول الضعيفة المُسْتَعْمَرة من الإهانة، والإذلال، والقتل، والتشريد([16]).

                والكفار يعيشون في الدنيا عيشة البهائم، ويقضون أوقاتهم كالأنعام على حد سواء، ليس عليهم أمر ولا نهي، ولا حلال ولا حرام، ولا صلاة ولا صيام. بل هم أضل من الأنعام؛ لأنهم لم يستعملوا ما وهبهم الله من العقول والأسماع والأبصار فيما خلقت له من عبادة الله، قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [ الأعراف: 179]. فالمؤمنون في الجنة متفاوتون في الدرجات، والكفار في النار متفاوتون في الدركات، كل حسب عمله ينعم أو يعذب، ويكرم أو يهان، وأهل الكفر والشرك هم أصحاب الظلمات، المنغمسون في الجهل، بحيث أحاط بهم من كل وجه، فهم بمنزلة الأنعام، بل هم أضل سبيلًا، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12]. وأعمالهم كلها ظلم وظلمات وهباء، فلا يقبل منها شيء في الآخرة، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23]. وما عملوه من خير في الدنيا يجازون به في الدنيا من صحة في الأبدان، ونماء في الأموال، ورغد في العيش، حتى يلاقوا ربهم يوم القيامة وليس لهم حسنة واحدة يجزون بها([17]).

عداوة الكافرين لأمة الإسلام:     

لا يزال أعداء هذا الدين من الكفار والمشركين واليهود والنصارى والمجوس والمنافقين يكيدون له، ويحاربون أهله، ويشككون في حقائقه، وينهون عنه وينأون عنه، قال تعالى: {… وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا …} [ البقرة: 217]. وما يزال هذا الكيد للإسلام وللمسلمين قائمًا ومطردًا يركض في كل مكان، تراه العيون وتبصره في كل مكان، وفي كل زمان، وفي كل مجتمع، وفي كل دولة، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109]. ولكن الله عزَّ وجلَّ حفظ دينه، وما تزال عروة الأمان والنجاة من كيدهم هي الاعتصام بهذا الكتاب المحفوظ، والعودة إليه، والعمل بما فيه، فهو الحق، ومن قام به فالله معه: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ` الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}[ الحج:40 ،41]. لكنه سبحانه يبتلي بهؤلاء عباده المؤمنين لأمر يريده من تمحيص هؤلاء الأنبياء وأتباعهم، وتطهير قلوبهم، وامتحان صبرهم على الحق الذي هم عليه أمناء، فإذا اجتازوا الامتحان بقوة كفَّ الله عنهم الابتلاء، وكفَّ عنهم هؤلاء الأعداء، وعجز هؤلاء الأعداء أن يمدوا إليهم أيديهم بالأذى وراء ما قدر الله، وآب أعداء الله بالضعف والخذلان، وبأوزارهم كاملة يحملونها على ظهورهم. وكل هذا الكيد محاط بمشيئة الله وقدره، وما يضر هؤلاء أحدًا من أولياء الله بشيء، إلا بما أراد الله في حدود الابتلاء: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}[ الفتح: 24]([18]).

المبحث الثاني: صفة الظلم والفسوق

                الظلم في اللغة: مصدر ظلمتُه أظلِمه ظلْمًا، وأصل الظُّلْم وضعُك الشيءَ فِي غير مَوْضِعه، ثمَّ كثر ذَلِك حَتَّى سُمّي كل عَسْف ظُلمًا([19]).

                والظلم في الاصطلاح: ” هو وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إما بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدول عن وقته أو مكانه”([20]). أو “هو عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وهو الجور”([21]). وقيل: “هو التصرف في ملك الغير ومجاوزة الحد”([22]).

                الفسق في اللغة: الفسق: العصيان والترك لأمر الله عز وجل والخروج عن طريق الحق، فسَق يَفْسِقُ ويَفْسُقُ فِسْقًا وفُسوقًا وفَسُقَ؛ أَي: فَجَر، وقيل: الفسوق الخروج عن الدين، وكذلك الميل إلى المعصية كما فسق إبليس عن أمر ربه، أي: خرج من طاعة ربه، والعرب تقول إذا خرجت الرطبة من قشرها: قد فسقت الرطبة من قشرها، وكأن الفأرة إنما سميت فويسقة لخروجها من جحرها على الناس ([23]).

                والفسق في الاصطلاح: ” هو الخروج عن أمر الله تعالى الجازم بارتكاب المعاصي الكبائرِ”([24]).

                وينقسم الظلم إلى ثلاثة أقسام:

1- ظُلْمٌ بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه: الكفر والشّرك والنّفاق، ولذلك قال تعالى: {…إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وقال الله تعالى: {… أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [ هود:18].

2- ظُلْمٌ بينه وبين الناس، وإيّاه قَصَد بقوله تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ…} [الشورى:42].

3- ظُلْمٌ بينه وبين نفسه، وإيّاه قصد بقوله تعالى:{…قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي…}[النمل:44]([25]).

                وقد بيّن الله تعالى أن هلاك القرى سببه أن أصحابها اتصفوا بالظلم و الفسق، قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُون` فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأعراف:4 ،5]. يقول الدكتور محمد طنطاوي:” فهاتان الآيتان الكريمتان توضحان بأجلى بيان أن هلاك الأمم سببه بغيها وفسادها وانحرافها عن الطريق المستقيم، وتلك سنة الله التي لا تختلف في أي زمان أو مكان، وأن الظالمين عندما يفاجئون بالعقوبة يتحسرون ولا يستطيعون إنكار ما ارتكبوه من جرائم ومنكرات، ولكن ذلك لن ينفعهم؛ لأن ندمهم وتحسرهم قد فات وقته، وكان الأجدر بهم أن يتوبوا من ذنوبهم عند ما جاءتهم النذر، وقبل حلول العذاب”([26]).

نماذج من الفسقة الظالمين:       

1-لقد وصف الله تعالى الطاغية فرعون وقومه بالفسق والخروج عن طاعة الله، قال تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [النمل:12]. إنهم كانوا قومًا فاسقين:إشارة إلى ما كان عليه قوم فرعون من ضلال، وفسق، أي خروج عن طاعة الله وعن جادة الطريق، إذ كانوا جميعًا متابعين لفرعون، وعلى إيمان بألوهيته([27])، قال تعالى:{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}[الزخرف:54].

2-قد وصف الله تعالى قوم نوح بالفسق، قال تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الذاريات:46].أي: قد أهلكنا أيضًا قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قبل إهلاك هؤلاء الهلكى من قوم لوط وفرعون وجنوده وعاد وثمود، إِنَّهُمْ أيضًا أمثال هؤلاء الطغاة البغاة الهالكين في تيه العتو والعناد، قد كانُوا قَوْمًا فاسِقِينَ خارجين عن مقتضيات الحدود الإلهية بأنواع الكفر والفسوق والعصيان؛ لذلك أهلكناهم بالطوفان، وما كانوا منتصرين([28]).

3-قد وصف الله تعالى قوم لوط بالفسق والخروج عن طاعته، فحقّ عليهم عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة، قال تعالى:{إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[ العنكبوت:34].أي: منزلون عليها عذابًا من لدنا، يضطربون وتنخلع له قلوبهم؛ لأن الفسق قد تغلغل في أفئدتهم، وصار ديدنهم، وأشهر الآراء أن زلزلة خسفت بهم الأرض، وابتلعتهم في باطنها، وصار مكان قريتهم بحيرة ملحة (البحر الميت)([29]).

التحذير من الظلم والفسق:        

لقد جاءت الآيات والأحاديث والآثار تنهى عن الظلم والفسق، وتتهكّم من الظالمين والفاسقين وتتوعّدهم بالوعيد الشديد، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102]. أي: ” كذلك الذي قصصناه عليك، وبمثل هذا الدمار والنكال يأخذ ربك القرى حين يأخذها وهي ظالمة. ظالمة: مشركة حين تدين لغير الله بالربوبية، وظالمة لنفسها بالشرك والفساد في الأرض والإعراض عن دعوة التوحيد والصلاح. وقد ساد فيها الظلم وسيطر الظالمون. (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ). بعد الإمهال والمتاع والابتلاء، وبعد الإعذار بالرسل والبينات، وبعد أن يسود الظلم في الأمة ويسيطر الظالمون، ويتبين أن دعاة الحق المصلحين قلة منعزلة، لا تأثير لها في حياة الجماعة الظالمة السادرة في الضلال، ثم بعد أن تفاصل العصبة المؤمنة قومها السادرين في الضلال، وتعتبر نفسها أمة وحدها، لها دينها، ولها ربها، ولها قيادتها المؤمنة، ولها ولاؤها الخاص فيما بينها، وتعلن الأمة المشركة من قومها بهذا كله، وتدعها تلاقي مصيرها الذي يقدره الله لها، وفق سنته التي لا تتخلف على مدار الزمان، ذلك الأخذ الأليم الشديد في الدنيا علامة على عذاب الآخرة، يراها من يخافون عذاب الآخرة، أي الذين تفتحت بصائرهم ليدركوا أن الذي يأخذ القرى بظلمها في هذه الحياة، سيأخذها بذنوبها في الآخرة، فيخافوا هذا العذاب”([30]).

                وقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص:59]. 

                وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت:14]. 

                وقال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت:31].

                وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102])([31]).

                يقول الشيخ ابن عثيمين في شرح هذا الحديث: “إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، يملي له يعني يمهل له حتى يتمادى في ظلمه -والعياذ بالله- فلا يعجل له العقوبة، وهذا من البلاء، نسأل الله أن يعيذنا وإياكم، فمن الاستدراج أن يملي للإنسان في ظلمه، فلا يعاقب له سريعًا حتى تتكدس على الإنسان المظالم، فإذا أخذه الله لم يفلته، أخذه أخذ عزيز مقتدر، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. فعلى الإنسان الظالم أن لا يغتر بنفسه، ولا بإملاء الله له، فإن ذلك مصيبة فوق مصيبته؛ لأن الإنسان إذا عوقب بالظلم عاجلًا فربما يتذكر ويتعظ ويدع الظلم، لكن إذا أملي له، واكتسب آثامًا، أو ازداد ظلمًا، ازدادت عقوبته- والعياذ بالله- فيؤخذ على غرة حتى إذا أخذه الله لم يفلته”([32]).

                وإذا نظرنا إلى أحوال الدول اليوم في معظم أقطار الأرض نجد الفتنَ والحروب والمشاكل التي لا تنتهي، وغلاء الأسعار المتزايدَ في جميع أقطار الأرض، أليسَ هذا كلّه من أنواع العذاب والبلاء؟. لكن فرعون اليوم هو أمريكا وأوروبا من دول الاستعمار، وهامان هو بعض الحكّام الذين لا يخلصون لشعوبهم.

                أما نحن المسلمين فقد حِدنا عن جادة الصواب، وانحرفنا عن ديننا، واتبعنا أهواءنا، فضعُفنا، وتخاذلنا وتأخرنا، وصرنا نهبًا للأمم، تنهب شركاتُها خيراتِنا حتى التي في باطن الأرض، وتغتصب أراضينا بتواطؤ بعضنا في ذلك، أليس هذا من العذاب؟!([33]).

                وعَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا…)([34]).

                وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:( اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ…)([35])، وكتب بعض عمّال عمر بن عبد العزيز إليه يستأذنه في تحصين مدينته، فكتب إليه عمر: حصّنها بالعدل، ونقّ طرقها من الظلم([36])، وكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ:” سَيَعْلَمُ الظَّالِمُونَ حَقَّ مَنْ انْتَقَصُوا، إنَّ الظَّالِمَ لَيَنْتَظِرُ الْعِقَابَ، وَالْمَظْلُومُ يَنْتَظِرُ النَّصْرَ وَالثَّوَابَ”([37]).

                ورُوي أَنَّ كِسْرَى اتَّخَذَ مُؤَدِّبًا لِوَلَدِهِ يُعَلِّمُهُ وَيُؤَدِّبُهُ، فَلَمَّا بَلَغَ الْوَلَدُ الْغَايَةَ فِي الْفَضْلِ وَالْأَدَبِ اسْتَحْضَرَهُ الْمُؤَدِّبُ يَوْمًا وَضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَلَا سَبَبٍ، فَحَقَدَ الْوَلَدُ عَلَى الْمُعَلِّمِ إلَى أَنْ كَبِرَ وَمَاتَ أَبُوهُ، فَتَوَلَّى الْمُلْكَ بَعْدَهُ، فَاسْتَحْضَرَ الْمُعَلِّمَ وَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَك عَلَى أَنْ ضَرَبْتنِي فِي يَوْمِ كَذَا ضَرْبًا وَجِيعًا مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَلَا سَبَبٍ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّمُ؟ اعْلَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّك لَمَّا بَلَغْت الْغَايَةَ فِي الْفَضْلِ وَالْأَدَبِ، عَلِمْت أَنَّك تَنَالُ الْمُلْكَ بَعْدَ أَبِيك، فَأَرَدْت أَنْ أُذِيقَك طَعْمَ الضَّرْبِ وَأَلَمَ الظُّلْمِ حَتَّى لَا تَظْلِمَ أَحَدًا بَعْدُ، فَقَالَ لَهُ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ وَصَرَفَهُ([38]).

                وَجَاءَ خَيَّاطٌ إلَى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فَقَالَ: إنِّي أَخِيطُ ثِيَابَ السُّلْطَانِ أَفَتَرَانِي مِنْ أَعْوَانِ الظَّلَمَةِ؟ فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ: بَلْ أَنْتَ مِنْ الظَّلَمَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ أَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ يَبِيعُ مِنْك الْإِبْرَةَ وَالْخُيُوطَ([39]).

أحوال الدول في هذا الزمان من حيث الظلم والفسق:      

إن معظم الدول اليوم خرجت عن الإسلام في الحكم والسياسة والإدارة، وخرجت على مبادئ الإسلام، فلا حرية ولا مساواة ولا عدالة، وشجعت المجتمعات على الظلم والفساد والإفساد، وعلى الفسوق والعصيان، وعلى الأثرة والطغيان([40]). وتحاكمت إلى القوانين الوضعية التي تقنن الظلم وتهدر حقّ الإنسان، وتحطم القيم والأخلاق، وتجعل الناس مستعبدين لحفنة من شياطين الإنس، الذين كرهوا ما أنزل الله تعالى، فظلموا وبغوا في الأرض بغير الحق، وكثرت من جراء ذلك المظالم بين الناس. قال تعالى: {…وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[ المائدة:44]. وقال الله تعالى:{… وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45]. وقال أيضًا:{…وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }[ المائدة:47]، صحيح أنه كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، فلم يخرجهم ذلك من الملة، إلا إذا اعتقدوا أن حكم الله لا يصلح لقيادة البشرية، والبديل هو الأفضل والأجدر والأتم، فقد وقعوا عندها في الكفر البواح، الذي لا تنجي منه إلا توبة نصوحٌ.

                لقد شنت أمريكا الدولة الظالمة ومعها بريطانيا الدولة الفاسقة أيضًا، وبالتحالف مع عدة دول ظالمة أيضًا، حربًا ظالمة شعواء على العراق بزعم وجود أسلحة دمار شامل في تلك البلاد، ثم تبين بعد ذلك أن هذه الأخبار كانت ملفقة حتى إن وزير الخارجية الأمريكي السابق (كولن باول) اعترف بذلك، فماذا كانت النتيجة؟ هل اعترفت أمريكا وبريطانيا وأعوانهم الظلمة بالخطأ، وندموا على ما فعلوا، وقدموا تعويضات لهذا الشعب، الذي قتل منه بسبب هذه الحرب الهمجية الكثيرُ من الأبرياء؟ لقد اعترضت طوائف كثيرة من شعوبهم على تلك الحرب غير الأخلاقية فما أصغوا إليهم، ثم أين سيادة القانون التي يدّعونها، وهم قد خالفوا القانون الدولي، الذي يلزمون به الدول الأخرى، وذلك بالتدخل في شئون دولة مستقلة من غير تفويض من المجتمع الدولي بذلك، والأغرب من ذلك أن الأمم المتحدة نفسها قامت على أساس ظالم، حيث إن هناك خمس دول كل دولة منهم تملك تعطيل أي قانون أو مشروع حتى لو وافقت عليه دول العالم كلها، فأين العدل في ذلك؟، أم إنه احتكار للقرار الدولي، فلو وضع صوت دولة من هذه الدول في كفة وبقية العالم في كفة لرجحت كفة هذه الدولة. فما أشد هذا الظلم وأقساه على النفوس الأبِيّة، وكم ذقنا من مرارته كثيرًا، فها هم اليهود يعتدون على بلادنا فلسطين، ويقتلون منا في سيناريو شبه يومي، فلو قُدِّر أن ضمير العالم صحا لهذا الظلم الشنيع، وأخذ قرارًا بالإدانة مجرد قرار، لا يترتب عليه شيء في الواقع، وجدنا أمريكا تعترض عليه، بما لها من هذا الحق غير العادل فيصبح كأنه لا شيء([41]).

                إن كثيرًا من المساوئ والمشاكل والحروب التي تحل بالدول اليوم ناتجة عن آفة الظلم بما يؤدي إليه من ضياع الحقوق، وفقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم، ومن تفشي مظاهر السلبية والأمراض الاجتماعية المقترنة بالسلطة الفاسدة، مثل الرشوة وخيانة الأمانة، والاتجار بمصالح الرعية، وسيطرة الإحباط واليأس على النفوس، وقد يمهد هذا إلى أن يصبح المجتمع على حافة الانهيار والسقوط، ويكون المجال مهيأ لحدوث الفتن، واندلاع الاقتتال بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد.

المبحث الثالث: صفة العلو والاستكبار في الأرض

استكبر الرَّجلُ: تكبَّر، وعاند، وتجبَّر وتمرَّد وتعاظم وامتنع عن قبول الحقّ معاندة وتكبّرًا، ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34].وهو نزعة تعاظميّة تسلّطيّة للسّيطرة على شعب أو حكم([42]).

                والاستكبار: التكبر والتعاظم والغرور، بمعنى أن يرى الشخص في نفسه علوًّا وأنفة على غيره ([43]). أي: الاستعلاء على الآخرين وإذلالهم وإهانتهم.

                وقد تحدّث القرآن الكريم عن صفة الاستكبار، وأكّدعلى شناعة هذه الصفة، وأنّها عامل أساسي للفساد الديني والنفسي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وأن هذه الصفة الذّميمة ترفض الحقّ والنّور الإلهي، وأنّ الاتصاف بهذه الصفة محرّم، وعلى الإنسان أن يتجنّبها، ويبتعد عنها، والفساد النّاتج عن صفة الاستكبار عظيم وخطير؛ لكونه يؤدي ظلمًا للآخرين، إضافة إلى ظلم النفس، فإنّ المستكبر يرى نفسه أفضل وأكمل وأعلم وأحقّ بكلّ شيء من غيره، فيتدخّل في شؤونهم، ويحاول فرض سيطرته عليهم، فيبدأ باستحقار النّاس وإهانتهم، بل لا يُقيم علاقاته مع الآخرين إلّا على هذا الأساس، فالآخرون بالنّسبة إليه مجرّد أداة لتحقيق أغراضه، وبمجرّد أن يحقّق غرضه، يستبدلهم بآخرين دون أن يقيم لهم وزنًا، فلا يتورّع عن إهانتهم وإذلالهم وأذيّتهم، ويتخلى عنهم عند حاجتهم إليه، كلّ ذلك لأنّه يرى نفسه أفضل من غيره، وأنّ الغير لا يستحقّ شيئًا مع وجوده هو.

الاستكبار ممتد في التاريخ البشري:           

والاستكبار ليس مسألة جديدةً، ظهرت في زماننا، بل هو مسألة قديمة بقدم التاريخ، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أمثلة على المستكبرين كفرعون الذي ادّعى الربوبية والألوهية-كما تحدثنا سابقًا- فهو يرى نفسه أعلى وأفضل من الجميع، بل لم يتورّع من إذلال و إهانة الآخرين كما فعل مع بني إسرائيل، قال تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ` الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ` فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} [الفجر:10-12]. يقول سيد قطب: “وفرعون المشار إليه هنا هو فرعون موسى الطاغية الجبار، هؤلاء هم (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ). وليس وراء الطغيان إلا الفساد، فالطغيان يفسد الطاغية، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان، كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة، ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف، المعمر الباني، إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال، إنه يجعل الطاغية أسير هواه؛ لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت، ولا يقف عند حد ظاهر، فيفسد هو أول من يفسد، ويتخذ له مكانًا في الأرض غير مكان العبد المستخلف، وكذلك قال فرعون: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) عندما أفسده طغيانه، فتجاوز به مكان العبد المخلوق، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح، وهو فساد أي فساد، ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء، مع السخط الدفين والحقد الكظيم، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية، والنفس التي تستذل تأسن وتتعفن، وتصبح مرتعًا لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة، وميدانًا للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك، وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع، وهو فساد أي فساد. ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة؛ لأنها خطر على الطغاة والطغيان، فلا بد من تزييف للقيم، وتزوير في الموازين، وتحريف للتصورات كي تقبل صورة البغي البشعة، وتراها مقبولة مستساغة”([44]). وقال الله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ` وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} [القصص:38، 39]. وقال الله تعالى:{ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ` فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ` قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ` قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ} [يونس:75-78]. يقول ابن عاشور: “وَالسَّينُ والتّاء فِي فَاسْتَكْبَرُوا لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّكَبُّرِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ تَكَبَّرُوا عَنْ تَلَقِّي الدَّعْوَةِ مِنْ مُوسَى؛ لِأَنَّهُمْ احْتَقَرُوهُ، وَأَحَالُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولًا مِنْ اللهِ، وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ مُسْتَعْبَدِينَ، اسْتَعْبَدَهُمْ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ، وَهَذَا وَجْهُ اخْتِيَارِ التَّعْبِيرِ عَنْ إِعْراَضِهِمْ عَنْ دَعْوَتِهِ بِالِاسْتِكْبَارِ كَمَا حَكَى اللهُ عَنْهُمْ فَقَالُوا: { أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 47]. وتفريع فَاسْتَكْبَرُوا عَلَى جُمْلَةِ بَعَثْنا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ إِعْرَاضٍ مِنْهُمْ وَإِنْكَارٍ فِي مُدَّةِ الدَّعْوَةِ وَالْبَعْثَةِ هُوَ اسْتِكْبَارٌ، وَجُمْلَةُ: (وَكانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ وَقَدْ كَانَ الْإِجْرَامُ دَأْبَهُمْ وَخُلُقَهُمْ، فَكَانَ اسْتِكْبَارُهُمْ عَلَى مُوسَى مِنْ جُمْلَةِ إِجْرَامِهِمْ … وَقَدْ كَانَ الْفَرَاعِنَةُ طُغَاةً جَبَابِرَةً، فَكَانُوا يَعْتَبِرُونَ أَنْفُسَهُمْ آلِهَةً لِلْقِبْطِ، وَكَانُوا قَدْ وَضَعُوا شَرَائِعَ لَا تَخْلُو عَنْ جَوْرٍ، وَكَانُوا يَسْتَعْبِدُونَ الْغُرَبَاءَ، وَقَدِ اسْتَعْبَدُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَأَذَلُّوهُمْ قُرُونًا، فَإِذَا سَأَلُوا حَقَّهُمُ اسْتَأْصَلُوهُمْ، وَمَثَّلُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ، كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ:{إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْـمُفْسِدِينَ}[القصص:4]. وَكَانَ الْقِبْطُ يَعْتَقِدُونَ أَوْهَامًا ضَالَّةً وَخُرَافَاتٍ، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَكانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ)، أَيْ: فَلَا يُسْتَغْرَبُ اسْتِكْبَارُهُمْ عَنِ الْحَقِّ وَالرَّشَادِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِمْ فِي مُوسَى وَهَارُونَ: {…إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى} [طه:63]. فَأَغْرَاهُمُ الْغَرُورُ عَلَى أَنَّ سَمَّوْا ضَلَالَهُمْ وَخَوَرَهُمْ طَرِيقَةً مُثْلَى”([45]).

وقال تعالى عن استكبار قوم فرعون وعلوّهم: { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:14].والجحود: نفي ما يثبت في العقل، وإثبات ما ينفي في العقل، فهؤلاء يجحدون الحق بعقولهم وأقوالهم، ولكن نفوسهم مستيقنة؛ لأنها لَا سبيل لها لأن تنكر وتجحد، فهم بتوارد الأدلة المختلفة، وتكاثرها؛ ولأن نفوسهم فطرية يستيقنون، ويذعنون، ولكن يعارضهم جو عام وبيء، فنفوسهم مستيقنة بالحق، وتذعن له لولا مقاومة التيارات الفاسدة التي تدفعهم إلى الجحود دفعًا، وقد بين سبحانه وتعالى ذلك مشيرًا إليه بأنه الظلم، فقال: (ظُلْمًا وَعُلُوًّا)، وهما مفعول لأجله، من فعل (وجحدوا)، أي جحدوا وأنكروا، وخالفوا نفوسهم، وفطرتهم؛ لأجل الظلم، أي استمرارهم في الظلم والطغيان، ومعاضدتهم لفرعون في ظلمه وعدوانه وإرادتهم العلو في الأرض، وقد أدى ذلك الطغيان الآثم، والعلو الباطل إلى فساد الأرض، وإلى غرضهم، ولذا قال تعالى:(فَانظُرْ كيْفَ كانَ عَاقِبَة الْمُفْسِدِين)؛ أي انظر كيف كان مآل الفساد، وهو الخراب والغرق، والفساد كان في الظلم، وإرادة العلو بالباطل، إنه لَا يفسد الجماعات إلا الظلم أولًا، والتعالي بالباطل ثانيًا، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وهو الغرق والهلاك، وهو عاقبة الجحود الظالم المستعلي المفسد”([46]).

                ويتحدّث القرآن الكريم عن مشركي قريش والعرب عن قَسَمِهم قبل بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا` اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر:42، 43]. أي: وأقسم هؤلاء، الذين كذبوك يا رسول الله، قسمًا اجتهدوا فيه بالأيمان الغليظة، لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أهدى من اليهود والنصارى، لكنهم لم يفوا بتلك الإقسامات والعهود، فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لم يهتدوا، ولم يصيروا أهدى من إحدى الأمم، بل لم يبقوا على ضلالهم الذي كان، بل مَا زَادَهُمْ ذلك إِلا ضلالًا وبغيًا وعنادًا واستكبارًا، وليس إقسامهم المذكور؛ لقصد حسن، وطلب للحق، وإلا لوفقوا له، ولكنه صادر عن استكبار وعلوّ في الأرض على الخلق، وعلى الحق، وبهرجة في كلامهم هذا، يريدون به المكر والخداع، وأنهم أهل الحق، الحريصون على طلبه، فيغتر به المغترون، ويمشي خلفهم المقتدون([47]).

الاستكبار سبب الهلاك في الدنيا:              

إن علو الإنسان واستكباره وطغيانه في الأرض من أعظم أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ` فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:39 ،40]. وقال تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ` قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ` وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ` فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [الأعراف:88-91].   

                وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللهُ تعالى: ( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَدْخَلْتُهُ جَهَنَّمَ)([48]).

                وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرِيَاءَ)([49]).

                وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ، إِذْ خُسِفَ بِهِ الْأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)([50]).

                وهذا قارون الذي استكبر في الأرض وطغى مثال عظيم على هذا العلو والاستكبار، قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76]. فماذا كانت عاقبة قارون؟. قال تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ} [القصص:81].

الاستكبار في واقعنا المعاصر:    

اصْطُلح لفظ الاستكبار في هذا العصر على الدول المستكبرة التي تحاول الهيمنة على العالم، وأطلقت شعوب العالم لفظ الاستكبار على الدّول الغربيّة وتصفها بالدّول المستكبرة، فإنّ الدّول الغربيّة وعلى رأسهم الولايات المتّحدة الأمريكيّة تعدُّ نفسها أفضل وأعلى من غيرها، فهذه الدول الاستكبارية تنظر إلى الدول الأخرى نظرةً احتقاريّةً ودونية، وتحاول أن ترسم عن نفسها في مختلف وسائل الإعلام صورة مثالية، وكذلك فإنها تصور الآخرين بحالة من التخلُّف والرجعيَّة، وأنهم يحتاجون لزمن طويل كي يصلوا إلى التقدُّم الذي وصلت إليه هذه الدول المهيمنة، والهدف من ذلك كله هو زرع اليأس والضعف في النفوس الضعيفة، وإيقاع الهزيمة النفسية في الشعوب، وقد يصل الأمر ببعض الدول المستكبرة أن تخاطب الآخرين بلهجة العبيد، أو الخدم، ويوحون للعالم أنهم يمتلكون هذه الدول الصغيرة.

                إن محور النزاع في العالم دائمًا هو طمع المستكبرين، الذين يحاولون أن يسيطروا على شعوب الأرض، ويقرروا مصير هؤلاء وفق مصالحهم ورغباتهم الشخصية.

                ليس من الغريب أن نرى بصمات أيدي الاستكبار العالمي في المجازر التي ترتكب بحق الشعوب المستضعفة، فهذا أمر طبيعي إذ إن دول الاستكبار التي تتغنى يوميًا بحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الحيوان، ليس لديها أي قيمة للإنسان الآخر إلا بمقدار ما يحقق لها من مصالح وأهداف.

                فالتعاطي بمكيالين مع القضايا الإنسانية أصبح جليًّا لكل شعوب العالم المستضعف؛ ففي وقت تقوم القيامة في الولايات المتحدة الأمريكية وأروقة مجلس الأمن لجرح صهيوني محتل في لبنان أو في فلسطين، تجدها تسكت حين يرتكب الصهاينة المجازر في غزة وجنين ولبنان، كذلك تراها تتشدق بالحديث عن انعدام الديمقراطية وعن سجناء الرأي السياسي في العالم العربي، في حين ترى بشائر ديمقراطيتها في أبو غريب وغوانتنامو، ومن أكبر نماذج المجازر التي يرتكبها الاستكبار العالمي، هو احتلال أرض فلسطين، وإقامة كيان صهيوني على أنقاضها، وهذا أسوء ما يمكن أن نتصوره من أنواع الاستكبار الممزوج بالاستعمار؛ لأنه مجزرةٌ بحقِّ أمة كاملة، لها الحق في العيش والاستقلال([51]).

                إنّ كلّ الطّغاة والمستكبرين في الأرض ومَن يدعمهم ويساندهم، سيأتي دورهم، إن لم يتوبوا، وإن لم يستيقظوا ويتّعظوا من غيرهم، فليبدأوا بالتّراجع عن فسادهم واستكبارهم، وليعودوا إلى الحق والصلاح، قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]. 

المبحث الرابع: موالاة الكفار والاستعانة بهم

                إن النصارى واليهود والمنافقين وسائر الكفار كلهم على اختلاف شِيعِهم، بعضهم أولياء بعض في معاداة الإسلام والمسلمين. وقد كان اليهود والمنافقون ومشركو العرب كتلةً واحدة متفقين على محاربة الاسلام والمسلمين زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم.وهذا ما يحصل اليوم، حيث جاء اليهود إلى بلادنا واحتلّوا أرض فلسطين بمساعدة النصارى والمنافقين والكفار في جميع أقطار الأرض، وقد اتفق على ذلك معظم دول الغرب وعلى رأسهم الأمريكان، كلُّهم مجتمِعون متفقون على حمايةِ اليهود ومساعدتهم ضد الإسلام والمسلمين، قال تعالى:{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73].

يقول الشيخ عبد الكريم الخطيب: “هو تقرير لحكم واقع بين الكافرين، وهو أنهم على ولاء فيما بينهم، وأنهم حزب واحد، مجتمع على عداوة المؤمنين، ناصب لحربهم، راصد للفرصة الممكنة له منهم، وليس في هذا الذي يقرره القرآن الكريم دعوة لجماعات الكافرين أن يكونوا على هذا الولاء الذي بينهم، وإنما هو تقرير لأمر واقع، يرى منه المؤمنون كيف يجتمع أهل الضلال على الضلال، وكيف يقوم بينهم الولاء والتناصر، فأفضل للمؤمنين ثم أولى لهم أن يجتمعوا على الإيمان، وأن يتناصروا على الحق والخير، وفي قوله تعالى: (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ) إشارة إلى ما ينبغي أن يكون بين جماعة المؤمنين من تلاحم وتناصر، وأنهم إن لم يفعلوا هذا، فسد أمرهم، وتمكّن العدوّ منهم، وسقطت راية الحق التي يقاتلون عليها، وخلا وجه الأرض للفساد والمفسدين”([52]).

التحذير من موالاة الكافرين:

قال الله تعالى: {… وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257]. تحدثنا هذه الآية أن الكافرين أولياؤهم وأحباؤهم وأنصارهم الطاغوت، أي:” الطغيان بكل أنواعه من جبابرة متحكمين، وكبراء مضلين، وأوهام مستحكمة، وضلالات مسيطرة، هو الذي ينصرهم ويسيطر على قلوبهم؛ والسبب في ذلك أنهم جعلوا الكفر هو الذي يتحكم في قلوبهم، فهم اختاروا تلك الأوهام المضلة، وولاية الجبابرة المذلة، واتباع الكبراء المردي، ففتحوا بسبب ذلك قلوبهم للضلالة، تدخل فيها جزءًا جزءًا، حتى أظلمت وبعدت عن نور الفطرة، وغلقت عليها أبواب الحق، فلا يدخلها إلا ضلال، وكأن للقلب بابين: بابًا للنور، وبابًا للضلال؛ فإن أركست النفس في الشهوات، فإن باب الضلالة يتسع ويضيق باب الحق حتى يغلق فلا يدخل النور إليها”([53]).

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ…} [المائدة:51]. وقال أيضًا: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ` إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}[ الجاثية:18 ،19]. وقال أيضًا: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[ الأنعام:129].               

تحقق الولاء بين الكافرين:           

يحدثنا القرآن الكريم والسنة النبوية كيف تألّب الأحزاب- من اليهود ومشركي العرب والمنافقين- وجمعوا حشودهم وتعاونوا بعضهم مع بعض؛ لمحاربة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وللقضاء على الإسلام والمسلمين، قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا` إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا` هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:9-11]. يقول ابن كثير: ” يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نِعْمَتِهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فِي صَرْفِهِ أَعْدَاءَهُمْ، وَهَزْمِهِ إِيَّاهُمْ عَامَ تَأَلَّبُوا عَلَيْهِمْ، وَتَحَزَّبُوا، وَذَلِكَ عَامَ الْخَنْدَقِ، وَذَلِكَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الهجرة على الصحيح… كَانَ سَبَبُ قُدُومِ الْأَحْزَابِ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَشْرَافِ يَهُودِ بَنِي النَّضِيرِ، الَّذِينَ كَانُوا قَدْ أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى خَيْبَرَ…خَرَجُوا إِلَى مَكَّةَ وَاجْتَمَعُوا بِأَشْرَافِ قُرَيْشٍ، وأَلّبوهم عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَعَدُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمُ النَّصْرَ وَالْإِعَانَةَ، فَأَجَابُوهُمْ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى غَطَفَانَ فَدَعَوْهُمْ، فَاسْتَجَابُوا لَهُمْ أَيْضًا، وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ فِي أَحَابِيشِهَا، وَمَنْ تَابَعَهَا…وَالْجَمِيعُ قَرِيبٌ مِنْ عَشْرَةِ آلَافٍ، فَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسِيرِهِمْ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ…وَجَاءَ الْمُشْرِكُونَ فَنَزَلُوا شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ قَرِيبًا مِنْ أُحُدٍ، وَنَزَلَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي أَعَالِي أَرْضِ الْمَدِينَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ نَحْوُ ثَلَاثَةِ آلَافٍ… وَكَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ-وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ-لَهُمْ حِصْنٌ شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ، وَلَهُمْ عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذِمَّةٌ، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ مُقَاتِلٍ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى نَقَضُوا العهد، ومالؤوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَظُم الخَطْب وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ، وَضَاقَ الْحَال…وَمَكَثُوا مُحَاصِرِينَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ… ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْأَحْزَابِ رِيحًا شَدِيدَةَ الْهُبُوبِ قَوِيَّةً، حَتَّى لَمْ تُبْقَ لَهُمْ خَيْمَةٌ، وَلَا شَيْءٌ، وَلَا تُوقَد لَهُمْ نَارٌ، وَلَا يَقِرُّ لَهُمْ قَرَارٌ، حَتَّى ارْتَحَلُوا خَائِبِينَ خَاسِرِينَ”([54]).

وقال تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ` وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:80، 81].

                ولو راجعنا التاريخ فإننا نرى أنه لما وطئت أقدام المسلمين أرض أوروبا، ووصلت جيوشهم حدود فرنسا، يبشّرون بالإسلام، وينشرون التعاليم الإسلامية، فزع الأوروبيّون منهم فزعًا شديدًا، وفكّروا وتدبّروا ورأوا أنهم إذا تركوا المسلمين وشأنهم يبشّرون بالإسلام، ويفتحون الدول، وينطلقون في الأرض، فلا بدّ وأن زمام العالم كلّه سيصير في أيديهم، بل تصبح البشرية كلها تحت حكمهم وقيادتهم. إذن فلتقرر الحرب، ولتجهّز الجيوش، ولتهيّأ الأسلحة والمعدات الحربية، ولتتوحّد جبهات الكفر في جبهة واحدة، ولتتعاون دول الشّر والطغيان بعضها مع بعضٍ، حتى يتمّ لهم حسب تصوّرهم القضاء على الإسلام، واستئصال شأفة المسلمين، فلا تقوم لهم بعد اليوم قائمة. ولكن أولئك المسعورين الحاقدين قد قبضوا ثمن غرورهم و حماقتهم في حملاتهم الصليبية المتتالية على بلاد المسلمين، قبضوا الهزيمة والخزي والعار في معركة حطين الحاسمة على يد البطل صلاح الدين الأيوبي، وارتدت الفلول الصليبية منهزمة مدحورة أمام جيش صلاح الدين، ثم فكّر أعداء الله مرة أخرى في أساليب جديدة أخرى يسلكونها في محاربة الإسلام والمسلمين، وتفتيت وحدة المسلمين إلى دويلات متفرقة، وقد انتهت مخططاتهم ومؤامراتهم بإلغاء الخلافة الإسلامية التي تمثّل وحدة المسلمين، وقوّتهم في العالم، فقد لعبت الدول الطالحة المتمثلة ببريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان وغيرها ومن ورائها الصهيونية العالمية دورًا كبيرًا في إلغاء الخلافة الإسلامية، وفصل الدين عن الدولة، وتفتيت وحدة المسلمين([55]).

                وفي واقعنا المعاصر مازال أصحاب الدول الطالحة وما فتئوا يعملون ليل نهار، وقد تضافرت قواهم العاتية المنظمة من أجل هدف واحد وغاية واحدة، وهي هدم العقيدة الإسلامية من النفوس، وطمس معالم الإسلام من الأرض، فقد استعانت أمريكيا الفاجرة بحلفائها الظالمين لمحاربة العراق وتدميره، ومحاربة أفغانستان وتدميرها، في زرع الفتنة في ليبيا وسوريا واليمن، وما زال المكر والكيد متواصلًا لدول أخرى. وهذا هو شأن أصحاب الدول الطالحة، التعاون والتحالف بعضهم مع بعضٍ ضد المستضعفين من المسلمين وغيرهم، لكن هذه الحملات الحاقدة وهذه الحروب اللئيمة لم تزد أمّةَ الإسلام إلا قوة وإيمانًا وعزمًا ويقينًا.

                ويوم القيامة سيتخلّى هؤلاء الكفار والمنافقون بعضهم عن بعض، بل ستتحول هذه الموالاة التي كانت بينهم في الدنيا وهذا التحالف إلى عداوة وبغضاء، قال الله تعالى: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]. وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا` وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا` رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} [الأحزاب:66-68].  

                اللهم احفظ المسلمين وبلادهم ومقدساتهم وثرواتهم من مكر الماكرين وكيد الحاقدين،{ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30].

المبحث الخامس: حب الدنيا وكراهية الموت

                الدنيا دار فناء وزوال،ودار لعب ولهو، ودار متاع وغرور، قال تعالى:{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [ يونس:32].

                وقد حذّر الله تعالى عباده من الاغترار بها، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [ فاطر:5].

                كما حذّر منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (… فَوَاللَّهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيَكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ)([56]).

                وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وَمَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ، فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى([57]).

                إن الحرص على الدنيا والتعلق بها من موجبات العذاب، قال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ طَغَى` وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا` فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[ النازعات:37-39]. وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ` أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[ يونس:7، 8].

                إن من تعلق قلبه بالدنيا أخلد إلى الأرض، ورضي بالذل، وأصابه الهوان، وقد عاتب الله تعالى من أقعدهم حبُّ الدنيا عن الهجرة إليه، والجهاد في سبيله، والتضحية لدينه، وتوعدهم على ذلك، قال تعالى:{قلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].

                ولا يثبط عن الجهاد في سبيل الله تعالى، وابتغاء مرضاته إلا حبّ الدنيا، وكراهية الموت، وحب الدنيا هو سبب التثاقل إلى الأرض، وكذلك ما من إنسان تأسره الشهوات إلا كان السبب في ذلك هي الدنيا أيضًا، فإذا الإنسان عمّر في الدنيا، فهل سيفكر بعد ذلك في الموت؟ وهل سيفكر في الآخرة؟ فهو يعمر الدنيا، ويخرب الآخرة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [ التوبة:38].

نماذج قرآنية لمن أحب الدنيا على الآخرة:             

تحدث القرآن الكريم عن أصحاب الدولة الطالحة، وبيّن صفاتهم الذميمة، وقد كان منهاحب الدنيا وكراهية الموت، وبيان ذلك عندما تحدّث عن صفات اليهود، بيّن أنهم شعب يحبون الحياة ويكرهون الموت، قال تعالى: { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ` وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ` وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } [البقرة:94-96].

أمر الله تعالى الرسولَ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يقول لليهود: إن كنتم صادقين في دعواكم أن الجنة خالصة لكم من دون الناس، وأن النار لن تمسكم إلا أيامًا معدودات، وأنكم شعب الله المختار، فاطلبوا الموت الذي يوصلكم إلى ذلك النعيم الخالص الدائم، الذي لا ينازعكم فيه أحد، إذ لا يرغب الإنسان عن السعادة ويختار الشقاء، ولن يتمنى الموت أحد منهم أبدًا، بسبب ما اقترفوه من الكفر والفسوق والعصيان، كتحريف التوراة، وقتل الأنبياء والأبرياء، والكفر بالنبي -صلّى الله عليه وسلّم- مع البشارة به في كتابهم. والله يعلم أنهم ظالمون في حكمهم بأن الدار الآخرة خالصة لهم، وأن غيرهم من الشعوب محروم منها، وسيجازيهم على أعمالهم([58]).

                وقد أكد الله سبحانه وتعالى الحكم بأنهم أحرص الناس على حياة بالقسم المؤكد باللام ونون التوكيد الثقيلة، ونكّر سبحانه وتعالى (حياة) في قوله تعالى: (عَلَى حَيَاةٍ)؛” لتعميم معاني الحياة، فهم يحرصون على حياة أيًّا كانت صورتها، سواء كانت حياة ذل أم كانت حياة عز، وسواء كانت حياة استعباد أم كانت حياة حرية، وسواء أكانت تحكمها الفضيلة، أم كانت تحكمها الرذيلة، إنهم يحرصون على الحياة ذاتها من غير نظر إلى وصفها، سواء أكانت مقيتة في ذاتها، أم كانت بكرامة من غير مهانة، وإن هذا يدل على كمال الحرص([59]).

مواصفات حب الدنيا وكراهية الموت عند اليهود:

لقد حدّثنا القرآن الكريم عن ملامح حب الدنيا وكراهية الموت عند اليهود، منها:

1- الجبن عند القتال خوفًا من الموت: قال تعالى: {…فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}[ البقرة:246]. وقال تعالى: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة:22]. وقال الله أيضًا: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24].

2- عدم القتال إلا وهم متحصّنون أو القتال من وراء جدر([60]): قال الله تعالى: {لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}[ الحشر:14]. أي: ” أن هؤلاء اليهود لما ركبهم من جهل، قد نزلوا إلى مرتبة الحيوان الذي لا يخاف إلا اليد التي تمسك بالسوط يلهب ظهره. فهم لهذا أجبن الناس، وأحرصهم على الحياة، لا يواجهون الأخطار، ولا يقدمون على لقاء عدوهم إلا مخالسة، وقد تحصنوا في أجحارهم، واختفوا وراء الجدران، شأنهم في هذا شأن الحيات التي تتحصن في أجحارها، ترصد أعداءها من داخلها، فإذا رأت فرصة سانحة في عدو لها أطلت برأسها، ثم نفثت فيه سمومها، وعادت سريعًا تدفن نفسها في جحرها، والصورة تمثل حال اليهود في كل زمان، إنهم لا يقاتلون أبدًا في ميدان حرب، إلا إذا كانوا متحصنين في حصون يضمنون معها ألا ينال العدوّ منهم شيئًا، ولهذا قامت قراهم قديمًا وحديثًا على نظام الحصون… ونحن نشهد اليوم في حربهم معنا، أنهم لم يخرجوا للقتال إلا وقد اتخذوا من عدد الحرب حصونًا تحميهم من القتل، وتدخل في قلوبهم الطمأنينة إلى أنهم في مأمن من أن ينال أحد منهم. إنهم لا يحاربون، ولكن الأسلحة التي مكنهم الأمريكان منها، هي التي تحارب، ولهذا جاء قوله تعالى: (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا) جامعًا بين اليهود جميعًا، في كل زمان ومكان، على تلك الصفة التي وصفهم الله سبحانه بها، وأنهم لا يقاتلون إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، كذلك كان سلفهم، وكذلك يكون خلفهم”([61]).

                وإننا نلمس هذا الأسلوب في عصرنا الحاضر، حيث نجد اليهود في حروبهم في فلسطين ولبنان يستترون ويتحصّنون في الطائرات والدبابات والبوارج والملاجئ تحت الأرض خوفًا وفزعًا من المجاهدين، وحرصًا منهم على الحياة، والهروب من الموت.

                ولا ننسى خط برليف، وكيف أنهم صنعوا هذا الخط ليجسد معنى تلك الآية، فنحن نجد دائمًا أن المسلم المجاهد إذا هجم بنفسه على يهودي لا يثبت أمامه اليهودي، حتى لو كانت معه أسلحة أقوى منه، فهم لا يقوون أبدًا على المواجهة بدون هذه الأسلحة وهذه الجدر، وهذا ما رأيناه في العدوان على غزة، فقد استخدم الاحتلال الصهيوني أعتى وأشد أنواع الأسلحة الفتّاكة على شعب أعزل لا يملك سوى بعض الأسلحة البسيطة، فلم يستطيعوا أن يهزموا هذا الشعب القوي بإيمانه، والقوي بعقيدته، وتوكّله على ربّه؛ لأن هذا الشعب يعشق الموت كما هم يعشقون الحياة.

واقع الأمة الإسلامية اليوم:       

إن الذي أصاب أمة الإسلام اليوم، فهز كيانها وأضعف قوتها، وكان سبب ذلتها وهوانها، هو حب الدنيا وكراهية الموت، بسبب هذا المرض ذلت الأمة الإسلامية، واستهان بها عدوها، وتداعى عليها من كل حدب وصوب، وهو ما نراه ونشاهده ويجري في ديار المسلمين اليوم من قتل ودمار وإزهاق للأرواح, ففرق جمع سكانها، وشتت شملهم، ونهبت خيراتهم، واستحلت أموالهم ودماؤهم وأعراضهم، واستهزئ بنبي الأمة -صلى الله عليه وسلم- وهي لا تحرك ساكنًا، وصدق فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندما شخّص لهم هذا المرض الخطير حيث يقول: (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا. فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ:بَلْ أَنْتُم يَوْمئِذٍ كثير وَلَكِن غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ. قَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)([62]).  

واقع سلف الأمة:            

لقد كان سلفنا الصالح لا يعرفون الذلّ والوهن، بل لم يعرفوا سوى العزة والرفعة والكرامة، كانوا يعرفون طريق النصر وطريق الشهادة في سبيل الله، فهذا خالد بن الوليد- رضي الله عنه- لما وصلت فتوحاته إلى العراق بدأ يرسل الرسل، ويكتب الكتب إلى ملوكها وسلاطينها، وكان مما كتب لهم:” اعْلَمُوا أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَتَحَرَّفَ إِلَى قِبْلَتِنَا، وَأَكَلَ مِنْ ذَبِيحَتِنَا، وَشَهِدَ شَهَادَتَنَا، وَآمَنَ بِنَبِيِّنَا عَلَيْهِ السَّلامُ، فَنَحْنُ مِنْهُ وَهُوَ مِنَّا، وَهُوَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ مَا لَنَا، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَّهْتُ كِتَابِي هَذَا إِلَيْكُمْ، نَذِيرًا وَمُحَذِّرًا، فَابْعَثُوا إِلَيَّ الرَّهَائِنَ، وَاعْتَقِدُوا مِنِّي الذِّمَّةَ، وَأَدَاءَ الْجِزْيَةِ، وَإِلا فَإِنِّي سَائِرٌ إِلَيْكُمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ الْحَيَاةَ، وَقَدْ أَعْذَرَ مَنْ أنذر، والسلام”([63]).

                وهذا أبو بكر- رضي الله عنه- يقول لخالد بن الوليد حين بعثه إلى أهل الردة:” احرص على الموت توهب لك الحياة”([64]).

                لقد حرصوا على الموت في سبيل الله، فسادوا مشارق الأرض ومغاربها، وإن الدولة التي تحب الموت في سبيل الله، ولا تحب الدنيا وزخارفها هي الدولة التي يكتب الله تعالى لها العزة والنصر والتمكين في الأرض، فإذا وجد هذا في المسلمين اليوم فلن تقوم أمامهم أمريكا ولا غيرها من الدول الكافرة، ولن تستطيع أن تنال منهم، أو من مقدراتهم ومقدساتهم، ولكن كما يقول المثل:” استأسد الحمل لما استنوق الجمل”، أما إذا بقي الجمل جملًا، فسيبقى الحمل حملًا.

الخاتمة

الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، وقد أتم اللهُ علينا نعمته بتمام هذا البحث، وقد تم التوصل إلى أهم النتائج والتوصيات، وذلك فيما يأتي:

أولًا: أهم النتائج

1-ظهر لنا المعنى اللغوي والاصطلاحي للدولة الطالحة.

2-بيان أن صفة الكفر هي أخطر صفة للقائمين على الدولة الطالحة، وهو أنواع، منه كفر الإنكار، وكفر الجحود والتكذيب، وكفر العناد، وكفر النفاق، وكفر الإعراض والاستكبار.

3-ظهرت لنا نماذج من الكافرين الذين تزعموا دولًا طالحة ظالمة.

4-بان أسباب انتشار الكفر في بلاد المسلمين مع آثاره العاجلة.

5-ظهر أن صفة الظلم والفسوق من صفات القائمين على الدولة الطالحة، سواء أكان هذا الظلم بين الإنسان وربّه، أم كان بينه وبين الناس، أم كان بينه وبين نفسه.

6-ظهرت لنا بعض النماذج من الفسقة الظالمين عبر التاريخ البشري، مع التحذير من الظلم والفسق، مع بيان أحوال الدول في هذا الزمان من حيث الظلم والفسق.

7-ثبت أن صفة العلو والاستكبار في الأرض تُعدُّ من صفات القائمين على الدولة الطالحة، مع بيان الاستكبار الممتد في التاريخ البشري، وأنه سبب الهلاك في الدنيا، وحال الناس معه في واقعنا المعاصر.

8-ظهر أن موالاة الكفار والاستعانة بهم هي صفة بارزة من صفات القائمين على الدولة الطالحة، مع التحذير من موالاة الكافرين؛ لأن الولاء بينهم على أشده.

9-ثبت أن حب الدنيا وكراهية الموت هي صفة من أبرز صفات القائمين على الدولة الطالحة، وقد ظهرت نماذج قرآنية لقوم أحبّوا الدنيا على الآخرة.

10-بيان مواصفات حب الدنيا وكراهية الموت عند اليهود، مع الوقوف على واقع الأمة الإسلامية اليوم، وواقع سلف الأمة في حب الآخرة على الدنيا.

ثانيًا: أهم التوصيات

1-نوصي المسلمين عامة، وأهل المناصب الإدارية خاصة بعدم الاقتراب من صفات القائمين على الدولة الطالحة، بل عليهم أن يتصفوا بنقيضها.

2-نوصي القائمين على الدولة الطالحة بالمسارعة إلى التوبة إلى الله سبحانه، لعله يغفر لهم ما سلف من ذنوبهم وخطاياهم، إنه هو الغفور الرحيم.

3-نوصي الأمة أن تكون على وعي وحذر في التعامل مع مَنْ اتصف بهذه الصفات، ولا يركنوا إليهم بالحب أو بالعون والمساعدة، وإن أمكن نصحهم فلا يقصروا في أداء هذا الواجب الدعوي.

قائمة المراجع والمصادر

1-الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه– عبد القادر عودة (ت: 1373هـ)- الاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية- ط5- 1405 هـ.

2- الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة– عبد الله الأثري- مدار الوطن للنشر- الرياض- ط1- 1424 هـ.

3- التحرير والتنوير” تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد“- محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت : 1393هـ)- الدار التونسية للنشر – تونس- 1984هـ.

4- التعريفات– علي بن محمد بن علي الزين الشريف الجرجاني (ت:816هـ)- ضبطه وصححه: جماعة من العلماء بإشراف الناشر- دار الكتب العلمية بيروت- لبنان- ط1- 1403 هـ.

5- تفسير القرآن العظيم – لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (ت: 774هـ)- تحقيق: محمد حسين شمس الدين- دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون– بيروت- ط1-1419 هـ.

6- التفسير القرآني للقرآن– عبد الكريم يونس الخطيب(ت: بعد 1390هـ)- دار الفكر العربي- القاهرة .

7- تفسير المراغي– لأحمد بن مصطفى المراغي(ت: 1371هـ)- شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر- ط1- 1365هـ.

8- التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج– د. وهبة بن مصطفى الزحيلي- دار الفكر المعاصر– دمشق- ط2-1418 هـ.

9- التفسير الوسيط للقرآن الكريم– د. محمد سيد طنطاوي(ت :1431هـ)- دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، الفجالة – القاهرة- ط1- 1997م، 1998م.

10- تيسير التفسير– إبراهيم القطان(ت: 1404هـ) -موقع التفاسير- الكتاب مرقم آليًا.

11- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان– لعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي (ت: 1376هـ) – تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق- مؤسسة الرسالة- ط1-1420 هـ.

12- جامع البيان في تأويل آي القرآن– لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي الطبري(ت:310هـ)- تحقيق: أحمد محمد شاكر- مؤسسة الرسالة- ط1- 1420 هـ.

13- الجامع لأحكام القرآن– لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي(ت:671هـ)- تحقيق: أحمد البردوني، وإبراهيم أطفيش- دار الكتب المصرية- القاهرة- ط2- 1384هـ.

14-جمهرة اللغة– لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت: 321هـ)- تحقيق: رمزي منير بعلبكي- دار العلم للملايين – بيروت- ط1- 1987م.

15- الردة مع نبذة من فتوح العراق وذكر المثنى بن حارثة الشيباني– أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني الواقدي(ت:207هـ)- تحقيق: يحيى الجبوري- دار الغرب الإسلامي- بيروت- ط1- 1410 هـ.

16- رسائل الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في العقيدة – محمد بن إبراهيم الحمد– الكتاب مرقم آليًا.

17- زهرة التفاسير– محمد بن أحمد بن مصطفى المعروف بأبي زهرة (ت:1394هـ)- دار الفكر العربي.

18- الزواجر عن اقتراف الكبائر أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (ت:974هـ)-دار الفكر- بيروت- ط1- 1407 هـ.

19- شرح رياض الصالحين محمد بن صالح بن محمد العثيمين(ت:1421هـ)-دار الوطن للنشر- الرياض- 1426 هـ.

20- شريعة الله لا شريعة البشر– شحاتة محمد صقر- دار الخلفاء الراشدين- الإسكندرية.

21- صحيح البخاري لأبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي(ت: 256هـ)-تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر- دار طوق النجاة – ط1-1422هـ.

22- صحيح مسلم– لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري(ت: 261هـ)- تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي- دار إحياء التراث العربي- بيروت.

23- العقد الفريد– لأبي عمر شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد ربه ابن حبيب ابن حدير بن سالم المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (ت: 328هـ)- دار الكتب العلمية- بيروت- ط1-1404هـ.

24- الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية الموضحة للكلم القرآنية والحكم الفرقانية– نعمة الله بن محمود النخجواني، ويعرف بالشيخ علوان (ت:920هـ)- دار ركابي للنشر- الغورية- مصر- ط1-1419هـ.

25- في ظلال القرآن– سيد قطب إبراهيم حسين الشاربي (ت: 1385هـ)- دار الشروق – بيروت- القاهرة – ط17-1412هـ.

26- قصة الهداية– د. عبد الله ناصح علوان(ت: 1408هـ)- دار السلام – القاهرة ، و بيروت – ط2 – 1405هـ.

27- لباب التأويل في معاني التنزيل – لأبي الحسن علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم المعروف بالخازن (ت: 741هـ)- تحقيق: محمد علي شاهين- دار الكتب العلمية – بيروت- ط1- 1415 هـ.

28- لسان العرب – محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى(ت: 711هـ)- دار صادر- بيروت- ط3-1414هـ.

29- مسند الإمام أحمد بن حنبل– لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني(ت: 241هـ)- تحقيق: أحمد محمد شاكر- دار الحديث- القاهرة – ط1-1416هـ.

30- مشكاة المصابيح محمد بن عبد الله الخطيب العمري، أبو عبد الله، ولي الدين، التبريزي (ت: 741هـ)-تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي- بيروت- ط3-1985م.

31- معجم اللغة العربية المعاصرة – د.أحمد مختار عبد الحميد عمر (ت: 1424هـ)- عالم الكتب- ط1- 1429هـ.

32- معجم مقاييس اللغة– لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي(ت:395هـ)-تحقيق:عبد السلام محمد هارون- دار الفكر-بيروت-1399هـ.

33- المفردات في غريب القرآن– لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (ت: 502هـ)- تحقيق: صفوان عدنان الداودي-دار القلم، والدار الشامية- دمشق- بيروت- ط1-1412هـ.

35- موسوعة فقه القلوب– محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري- بيت الأفكار الدولية.

34- نظام الحكم في الإسلام: الإمامة و رياسة الأمة وما يتعلق بها من بحوث– محمد يوسف موسى  و حسين يوسف موسى – دار المعرفة – القاهرة – ط 2 – 1964م .

35- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان– لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي الإربلي (ت: 681هـ)- تحقيق: إحسان عباس- دار صادر- بيروت- ط1- 1994م.

36- مجلة الجامعة الإسلامية بغزة:

– مقال بعنوان: صفات اليهود كما يصورها القرآن الكريم (دراسة موضوعية بيانية) – د. زكريا إبراهيم الزميلي، و رمضان يوسف الصيفي-(العدد2)- يونيو- 2010 م.

37- مواقع الانترنت

حقيقة الاستكبار. تاريخ الاطلاع(2016/12/25)، شبكة المعارف الإسلامية:( http:// www.almaaref.org).


([1]) انظر: انظر: معجم مقاييس اللغة – لابن فارس- ج2- ص314- مادة (دول).

([2]) نظام الحكم في الإسلام: الإمامة ورياسة الأمة وما يتعلق بها من بحوث- محمد يوسف موسى – ص17.

([3]) انظر: : لسان العرب – لابن منظور- ج2- ص530- فصل الطاء- مادة (طلح).

([4]) انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة– د. أحمد مختار عبد الحميد عمر- ج2- ص 1440.

([5]) انظر: زهرة التفاسير– محمد أبو زهرة- ج2- ص 910.

([6]) انظر: الجامع لأحكام القرآن- للقرطبي- ج1– ص183.

([7]) انظر: جامع البيان في تأويل القرآن- للطبري- ج1– ص255.

([8]) انظر: الجامع لأحكام القرآن- ج1– ص183.

([9]) انظر: الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة- عبد الله الأثري– ص243.

([10]) انظر: لباب التأويل في معاني التنزيل- للخازن- ج1– ص26.

([11]) التحرير و التنوير- الطاهر بن عاشور، ج20– ص121.

([12]) في ظلال القرآن– سيد قطب، ج6- ص3815.

([13]) التفسير الوسيط للقرآن الكريم- محمد سيد طنطاوي، ج6- ص128.

([14]) التفسير القرآني للقرآن– ج2- ص322 وما بعدها (باختصار).

([15]) انظر: رسائل الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في العقيدة – محمد بن إبراهيم الحمد، ج1- ص27.

([16]) انظر: رسائل الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد في العقيدة، ج1- ص30 وما بعدها.

([17]) انظر: موسوعة فقه القلوب- محمد بن إبراهيم التويجري، ج2- ص1160 وما بعدها.

([18]) انظر: المرجع السابق نفسه- ج2- ص1167 وما بعدها.

([19]) انظر: جمهرة اللغة- لابن دريد الأزدي –ج2– ص934.

([20]) المفردات في غريب القرآن– للراغب الأصفهاني- ص537.

([21]) التعريفات– للجرجاني- ص144.

([22]) المرجع السابق نفسه- ص144.

([23]) انظر: لسان العرب- لابن منظور- ج10– ص308.

([24]) التحرير والتنوير- لابن عاشور -ج1– ص366.

([25]) انظر: المفردات في غريب القرآن، ص537 وما بعدها.

([26]) التفسير الوسيط للقرآن الكريم، ج6- ص128.

([27]) انظر: التفسير القرآني للقرآن،عبد الكريم الخطيب-ج10- ص222.

([28]) انظر: الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية الموضحة للكلم القرآنية والحكم الفرقانية-  نعمة الله بن محمود النخجواني، ج2– ص355.

([29]) انظر: تفسير المراغي– للمراغي، ج20- ص138.

([30]) في ظلال القرآن– سيد قطب-ج4- ص1928.

([31]) صحيح البخاري- ج6 – ص74- ح4686- كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ(65)- بَابُ قَوْلِهِ:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود: 102]، وصحيح مسلم- ج4– ص1997-ح 2583-كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ(45)- بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ(15).

([32]) شرح رياض الصالحين– ج2- ص498.

([33]) انظر: تيسير التفسير– إبراهيم القطان، ج3- ص70.

([34]) صحيح مسلم- ج4 – ص1994- ح2577- كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ(45)- بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ(15).

([35]) صحيح مسلم- ج4 – ص1996- ح2578- كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ(45)- بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ(15).

([36]) انظر: العقد الفريد– لابن عبد ربه الأندلسي، ج1- ص30.

([37]) الزواجر عن اقتراف الكبائر– لأحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، ج2- ص202.

([38]) الزواجر عن اقتراف الكبائر– لأحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي، ج2- ص200.

([39]) المرجع السابق نفسه- ج2- ص202.

([40]) انظر: الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه– عبد القادر عودة، ص70.

([41]) انظر: شريعة الله لا شريعة البشر- شحاتة محمد صقر، ص109.

([42]) انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة – أحمد مختار عبد الحميد عمر، ج3- ص1895 و ما بعدها.

([43]) انظر: التفسير الوسيط للقرآن الكريم- محمد سيد طنطاوي، ج1- ص98.

([44]) في ظلال القرآن، ج6- ص3904.

([45]) التحرير والتنوير، ج11- ص248.

([46]) زهرة التفاسير– محمد أبو زهرة ، ج10- ص5439.

([47]) انظر: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان- للسعدي، ص691.

([48]) مسند أحمد- ج14– ص473- ح 8894. قال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن.

([49]) صحيح مسلم- ج1– ص93-ح 148-كِتَابُ الْإِيمَانَ(1)- بَابُ تَحْرِيمِ الْكِبْرِ وَبَيَانِهِ(39).

([50]) صحيح مسلم- ج3– ص1653-ح 2088-كتاب اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ(37)- بَابُ تَحْرِيمِ التَّبَخْتُرِ فِي الْمَشْيِ مَعَ إِعْجَابِهِ بِثِيَابِهِ(10).

([51]) انظر: (2007/9/23). حقيقة الاستكبار. تاريخ الاطلاع (2016/12/25)، شبكة المعارف الإسلامية:( http:// www.almaaref.org).

([52]) التفسير القرآني للقرآن– ج5- ص687.

([53]) زهرة التفاسير– محمد أبو زهرة، ج2- ص953.

([54]) تفسير القرآن العظيم، ج6- ص384(باختصار).

([55]) انظر: قصة الهداية- عبد الله علوان، ج2– ص496 وما بعدها.

([56]) صحيح البخاري- ج8– ص90-ح 6425-كِتَابُ الرِّقَاقِ(81)-بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهَرَةِ الدُّنْيَا وَالتَّنَافُسِ فِيهَا، و صحيح مسلم- ج4– ص2273-ح 2961-كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ(53).

([57]) مسند أحمد- ج32– ص470- ح 19697. قال شعيب الأرناؤوط: هذا حديث حسن لغيره، وإسناده ضعيف لانقطاعه.

([58]) انظر: التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج- وهبة الزحيلي، ج1– ص230 وما بعدها.

([59]) زهرة التفاسير- محمد أبو زهرة، ج1– ص324.

([60]) انظر: بحث بعنوان: صفات اليهود كما يصورها القرآن الكريم-   زكريا إبراهيم الزميلي ورمضان يوسف الصيفي، ص3 وما بعدها.

([61]) التفسير القرآني للقرآن- عبد الكريم الخطيب، ج14– ص871 (باختصار).

([62]) مشكاة المصابيح- للتبريزي-ج3– ص1474- ح 5369، قال الألباني: حديث صحيح، ومسند أحمد- ج37– ص82- ح 22397. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.

([63])الردة مع نبذة من فتوح العراق وذكر المثنى بن حارثة الشيباني- أبو عبد الله الواقدي، ص225.

([64])وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان- لابن خلكان، ج3- ص67.