خاص هيئة علماء فلسطين

    

د. صالح درويش الكاشف*

ملخـص

يتناول هذا البحث جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني في حروبه على غزة، وذلك من خلال التعريف بمفهوم الجريمة, والحرب، ومن ثم بيان مفهوم جرائم الحرب كمصطلح معاصر، والتمثيل لبعض تلك الجرائم المرتكبة في حروب الاحتلال الصهيوني على غزة؛ كجريمة استهداف المدنيين، وجريمة استهداف المساجد ودور العبادة، وبيان موقف الفقه الإسلامي والقانون الدولي في كلٍّ منها، وقد توصل البحث إلى أنَّ الصهاينة قد ارتكبوا جرائم حرب موثقة ومثبتة استناداً للقانون الدولي الإنساني.

Abstract

This research has the war crimes which the Zionist Israel Occupation did in Gaza wars and that will be through the recognition of crime and war. Then shows the concept of war crimes as a modern term and giving examples of some committed crimes in Gaza war like targeting civilians and targeting mosques and war ship houses. It also shows the situation of Islamic Jurisprudence and the International  low in this case. The research found that the Zionists committed war crimes documented and established based on international humanitarian law,

* أستاذ الفقه وأصوله المساعد، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة الأزهر- غزة، تاريخ استلام البحث 25/1/2018م، وتاريخ قبوله للنشر 6/4/2018م          

المقـدمة

الحمد لله الذي أبان لنا سبيل المجرمين، وهدانا لصراطه المستقيم، والصلاةُ والسلام على سيدنا محمد المرسل رحمة للعالمين، والرضى التام عن آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجِهم، واقتفى أثرَهم إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد،

فإنَّ أهلَ فلسطين عامَّة، وأهلَ غزة خاصَّة، ذاقوا وما زالوا ألوان العذاب من الاحتلال الصهيوني الغاشم، وتعرَّضوا وما زالوا لأبشع الجرائم التي عرفتها الإنسانية من حصارٍ، وقتلٍ، وتشريدٍ، وتضييقٍ، دون مراعاة لأبسطِ حقوق الإنسان، ولا احترام لمواثيق ومعاهدات القانون الدولي الإنساني، فقد تعرضت غزة لحروب ثلاثة انتهكت فيها دولة الكيان الصهيوني كلَّ المحرمات، وارتكبت فيها أفظع الجرائم، وكان آخر هذه الانتهاكات وأقبحها جرائم حرب غزة الأخيرة عام (2014م)، تلك الحرب التي ارتكبت فيها قوات الاحتلال الصهيوني جرائم حربٍ بحقِّ المدنيين العزَّل من أهل غزة، فأبادت عائلات بأكملها، ولم يقتصر إجرامها على البشر فحسب، بل طالت يدُ الجرائم المساجدَ, ودورَ العبادة، والمنشآت الاقتصادية المدنية، والتعليمية، والمستشفيات، وغيرها.

وقياماً بواجبي نحو ديني وبلدي، وقضيتي العادلة قضية فلسطين، وفضحاً لجرائم الاحتلال الصهيوني، كان هذا البحث بعنوان: “جرائم حرب الاحتلال الصهيوني في حرب غزة الأخيرة عام (2014م) في الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني” .

أهمية الدراسة:

تبرز أهميةُ الموضوع, وأسباب اختياره في النقاط الآتية:

1- الكشف عن جرائم حرب الاحتلال الصهيوني ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر.

2- بيان الأحكام الفقهية لجرائم الحرب, وما يتعلق بها في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني.

3- دحضُ مزاعم دولة الكيان الصهيوني باحترام حقوق الإنسان، والالتزام بمواثيق وقرارات القانون الدولي الإنساني.

4- إعداد دراسة تأصيلية تطبيقية يستفيد منها الباحثون وغيرهم؛ للرجوع لها في موضوع جرائم حرب دولة الصهاينة المرتكبة بحقِّ المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة في حربه عام (2014م).

إشكالية البحث:

تدورُ إشكالية هذا البحث حول الإجابة عن الأسئلة الآتية:

  1. ما مفهوم جرائم الحرب في الشريعة الإسلامية، وما الفرق بينها وبين القانون الدولي الإنساني؟
  2. ما جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الصهيوني بحقِّ المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة؟
  3. ما موقف كل من الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني من جريمة استهداف المدنيين ودور العبادة؟

منهج البحث:

اعتمد الباحث في هذا البحث على المنهج الاستدلالي، الاستقرائي، والتحليلي، حيث قام بتتبع ما يتعلق بموضوع جرائم الحرب في الفقه الإسلامي، واستقراء النصوص الشرعية، والقواعد الشرعية المتعلقة بها، والاطلاع على القرارات والمواثيق الدولية ذات الصلة، ثم تحليلها ومناقشتها؛ وصولاً للحكم الشرعي والقانوني فيها، مع التعرض لبعض الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني في قطاع غزة في حربه الأخيرة على غزة عام (2014م).

الدراسات السابقة:

       كثُرتْ الأبحاث والدراسات حول موضوع جرائم الحرب؛ لأهميته وخطورته، وسأقتصر على ذكر بعض هذه الدراسات التي تتقاطع مع هذا البحث، ومنها:

  1. نظرية الحرب في الإسلام وأثرها في القانون الدولي، للدكتور ضو مفتاح غمق، جمعية الدعوة الإسلامية الملكية، بدون سنة طبعة، وقد تحدث فيه الدكتور غمق عن الحرب, وتأصيل مبدأ السلم العالمي، وعن بدء الحرب والعلاقات الدولية وقت الحرب، والقواعد التي تحكم سلوك المحاربين زمن الحرب، والأمور المترتبة على انتهاء الحرب على الأشخاص والدول، وأوضاع الناس الذين وقعوا تحت الاحتلال، وضرب لذلك أمثلة من التاريخ الإسلامي زمن النبوة وبعدها. ويلتقي هذا البحث مع الكتاب في بعض العناوين، لكنَّ البحث يختلف عنه في الحديث عن مفهوم جرائم الحرب في الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني، وتطبيقه على أحداث معاصرة.
  2. حماية المدنيين في النزاعات المسلحة غير الدولية، وهي رسالة ماجستير من جامعة منتوري بالجزائر للباحثة: بركاني خديجة، سنة (2008م)، وهي رسالة في القانون تحدثت فيها الباحثة عن تعريف القانون الدولي الإنساني للمدنيين، ومبدأ التمييز بين المقاتلين وغيرهم، وطبيعة حماية المدنيين في القانون الدولي الإنساني، وقد توافقت الرسالة مع البحث في مسألة حماية المدنيين في القانون الدولي الإنساني فحسب، بخلاف جوانب أخرى أتى عليها البحث لم تتطرق لها الرسالة المذكورة.
  3. جرائم الحرب في الفقه الإسلامي والقانون الدولي، رسالة دكتوراه من الجامعة الأردنية، للباحث: خالد رمزي سالم كريم البزايعة، سنة (2005م)، وتلتقي هذه الدراسة مع البحث في بعض الأمور؛ كتعريف جرائم الحرب، وبعض أنواعها، فالرسالة أسهبت في الحديث عن الحرب, وأهدافها، ودوافعها، وآثارها، وأركان جرائم الحرب ومعاييرها، وعن الإرهاب في المنظور الشرعي والقانوني، وهذه الرسالة على الجهد الراقي المبذول فيها إلا أنها اقتصرت على الجانب التأصيلي النظري، بخلاف البحث فإنه تعرض للجانب التطبيقي لبعض جرائم حرب الاحتلال الصهيوني في حربه الأخيرة على غزة عام (2014م).

وعليه أقول: إنَّ هذا البحث يلتقي مع ما سبقه من الأبحاث في عددٍ من الجوانب، لكنَّه يتميز بإظهار الفرق بين مفهوم الحرب في الفقه الإسلامي, وبين مفهومه في القانون الدولي الإنساني، وكذا يعرض لمفهوم جرائم الحرب بين الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني، مع التركيز على بعض جرائم حرب الاحتلال الصهيوني التي ارتكبها بحق المدنيين, ودور العبادة في قطاع غزة في حربه عام (2014م).

خطة البحث:

وقع البحث في ثلاثة مباحث, وخاتمة على النحو الآتي:

المبحث الأول: التعريف بجرائم الحرب في الفقه الإسلامي, والقانون الدولي الإنساني.

المبحث الثاني: التعريف بجرائم حرب الاحتلال الصهيوني في حربه الأخيرة على غزة عام (2014م).

المبحث الثالث: جريمة استهداف المدنيين, ودور العبادة في الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني.

الخاتمة: وتتضمن أهم النتائج والتوصيات.

المبحث الأول: مفهـوم جرائم الحـرب.

          يحمل هذا المبحث بين جَنبَيه مطلبين، تناولتُ في الأول منهما تعريف الجريمة، والحرب في اللغة والاصطلاح، وبيَّنتُ في الآخر تعريف مصطلح جريمة الحرب باعتبارها علماً، وذلك على النحو الآتي:

المطلب الأول: مفهوم الجـريمة والحرب.

الفرع الأول: تعريف الجريمة في اللغة والاصطلاح.

أولاً: تعريف الجريمة في اللغة: الجريمة أصلها في اللغة من جَرَمَ يَجْرُمُ جُرْمَاً وجَرْمَاً، وتطلق في اللغة ويراد بها أحد المعاني الآتية([1]):

  1. القطع، يقال: جَرَمَه يَجْرِمُه جَرْماً: قطعه، وشجرةٌ جَرِيمَةٌ: أي مقطوعة.
  2. الكسب، يقال: جرم واجترم: أي كسب، وهو يَجْرِمُ لأَهله ويَجْتَرِمُ: يَتَكَسَّبُ.
  3. الذهاب والانقضاء، يقال: تجرَّم الليلُ: أي ذَهَب وانقضى.
  4. الادِّعاء، يقال: وتَجَرَّم عَليَّ فُلانٌ أي ادَّعَى ذنباً لم أفعله.

التَّعدِّي وفعل الذنب، ومنها الجَرِيَمةُ، يقال: جَرَمَ يجرمُ جُرْماً واجْتَرَمَ وأَجْرَم فهو مُجْرِمٌ وجَرِيمٌ، وفي الحديث الصحيح: « إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ([2]).

          وقد ذكر الله الجرم في كتابه العزيز في مواضع متعددة، وذكر المجرمين في معرض الذمِّ والتوعد بالعذاب الشديد، فهذه الكلمة خُصِّصَتْ في القرآن للكسب المكروه غير المستحسن؛ ولذلك كانت كلمة جُرْم يراد منها الحمل على فعل حملاً آثماً.

ومن خلال ما سبق يتبيَّن أنَّ الجريمة في اللغة لها معانٍ متعددة، من أشهرها التَّعدِّي وفعل الذنب, فيمكن القول أنَّ الجريمة هي فعل قبيح، صاحبها مذنب ومذموم، وعمله غير مشروع.

ثانياً: تعريف الجريمة في الاصطلاح: سأتناول في هذا الموضع تعريف الجريمة في الاصطلاح الشرعي كما ذكره فقهاء الشريعة في كتبهم، وفي الاصطلاح القانوني كما ذكره أهل القانون في مصطلحاتهم، وذلك على النحو الآتي:

  • الجريمة في الاصطلاح الفقهي:

تُعرَّف الجرائم في الشريعة الإسلامية بأنَّها: محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحدٍّ أو تعزير([3]).

 و “المحظورات” هي: إمَّا إتيان فعل منهي عنه، أو ترك فعل مأمور به، وقد وُصِفَتْ المحظورات بأنَّها شرعية، إشارة إلى أنَّه يجب في الجريمة أن تحظرها الشريعة الإسلامية([4]).

          وقوله “بحدٍّ”, والحدُّ في اللغة: المنع، واصطلاحاً: عقوبة مقدرة وجبت حقاً لله تعالى، وقوله: “أو تعزير”، والتعزير هو: التأديب على ذنوب لم يشرع فيها حدٌّ ولا كفارة؛ فهو عقوبة غير مقدَّرة تختلف باختلاف الجناية وأحوال الناس، فتقدر بقدر الجناية، ومقدار ما ينزجر به الجاني([5]).

من خلال ما سبق يتبيَّن أنَّ الجريمة في الاصطلاح الفقهي هي فعل, أو ترك نصَّت الشريعة على تحريمه, والعقاب عليه، وأنَّ الفعل أو الترك لا يعتبر في الشريعة جريمة إلَّا إذا تقرَّرت عليه عقوبة ([6]).

  • الجريمة في الاصطلاح القانوني:

الجريمة عند القانونيين لها تعريفات عديدة، وأُسوة بتعريفها في الاصطلاح الفقهي أكتفي بواحد منها على النحو الآتي:

 عُرِّفتْ الجريمة بأنّها: إتيان فعل, أو تركه عن إرادة جنائية؛ إضراراً بمصلحة اجتماعية حماها المشرِّع بقواعد تجرّمه وتعاقب عليه جزائياً([7]).

          ويتميز التعريف السابق بمراعاته للجانب الموضوعي والشكلي للجريمة، فبعض الأفعال تعدُّ من قبيل الأفعال التي يحرم إتيانها, ولكنها في حقيقة الأمر لا تعدُّ من قبيل الأفعال المعاقب عليها قانوناً، مثال ذلك إزهاق روح إنسان؛ دفاعاً عن النفس، فإنَّ إزهاق الروح في ناحيته الشكلية يحقِّقُ السلوك المنهي عنه والمجَّرم بنصوص القانون الجنائي، بينما في حقيقة الأمر لا يُعدُّ من قبيل الجرائم المعاقب عليها قانوناً؛ لأنها لم تمس المجتمع بأي ضرر؛ لكونها تمت في إطارها الشرعي، وكذلك شموله للعقوبات والتدابير الاحترازية التي لا تشملها لفظ العقوبة حيث إنَّ الجزاء يشمل العقوبة والتدابير معاً([8]).

ومن خلال التعريف السابق يتبيَّن أنَّ القانون الوضعي يتفق مع الشريعة في كون الجريمة أمراً غير مشروع, وفيه مخالفة للمأمور به، وفي هذا يقول الشيخ عبد القادر عودة: « وتتفق الشريعة تمام الاتفاق مع القوانين الوضعية الحديثة في تعريف الجريمة، فهذه القوانين تعرف الجريمة بأنَّها: إمَّا عمل يحرمه القانون، وإما امتناع عن عمل يقضي به القانون، ولا يعتبر الفعل أو تركه جريمة في نظر القوانين الوضعية إلَّا إذا كان معاقباً عليه طبقاً للتشريع الجنائي([9]).

الفرع الثاني: تعريف الحرب في اللغة والاصطلاح.

أولاً: تعريف الحرب في اللغة:

          الحَرْبُ في اللغة نَقِيضُ السِّلْم، وتصغيرها حُرَيْبٌ، وتطلق ويراد بها القَتْل والسلب، وجمعها حُرُوبٌ، يقال: وقَعَتْ بينهم حَرْبٌ، أي حصل قتالٌ بين فئتين، ويقال: حَرَبَ ماله، أي سلبه، ورجل مِحرَاب: شجاع قائم بأمر الحرب مباشر لها، وأَنا حَرْبٌ لمن حارَبَني، أَي: عَدُوٌّ له، وفلانٌ حَرْبُ فلانٍ، أَي: مُحارِبُه، ودار الحرب: هي بلاد المشركين الذين لا صلح بيننا وبينهم([10]).

 ومن خلال ما سبق يظهر أنَّ أهل اللغة يستخدمون لفظ الحرب للتعبير عن حال القتال, والخصومة, والسلب, والنهب القائم بين فئتين.

ثانياً: تعريف الحرب في الاصطلاح:

 عطفاً على ما بدأت به في تعريف الجريمة في الاصطلاح، أذكر هنا تعريف الحرب في الاصطلاح الفقهي، وكذلك في الاصطلاح القانوني وذلك على النحو الآتي:

  • الحرب في الاصطلاح الفقهي:

 عند رجوعي لكتب الفقهاء القدامى لم أقف فيها على تعريف للحرب، رغم تكرارها على الألسنة وورودها في القرآن في مواضع عدَّة؛ ذلك أنَّهم يعبِّرون عنها بمصطلح الجهاد، وعلى ذات الدرب سار المعاصرون، فعند رجوعي لمصطلح الحرب في الموسوعة الفقهية الكويتية المعاصرة، وجدتهم يحيلون على مصطلح الجهاد، وقد نصَّ على ذلك الشيخ سيد سابق في كتابه « فقه السنة» بعد تعريفه الجهاد فقال: « وهو ما يعبَّر عنه بالحرب في العرف الحديث، وعرَّف الحرب بقوله: هي القتال المسلح بين دولتين فأكثر»([11]).

 ومما سبق يتبيَّن أنَّ الفقهاء القدامى لم يستعملوا الحرب إلا في إطار استعمالها اللغوي ولم يجعلوه مصطلحاً خاصَّاً واستعاضوا عنه بمصطلح الجهاد، وعليه جرى العمل عند المعاصرين، فمفهوم الحرب يعبِّر عنه الفقهاء بمصطلح الجهاد، والجهاد هو: قِتَال مُسْلِمٍ كَافِرًا غَيْرَ ذِي عَهْدٍ بَعْدَ دَعْوَتِهِ لِلإسْلاَمِ وَإِبَائِهِ؛ إِعْلاَءً لِكَلِمَةِ اللَّهِ([12])، والجهاد إمَّا أن يكون بالقلب؛ كالعزم عليه، أو بالدعوة إلى الإسلام وشرائعه، أو بإقامة الحجة على المبطل، أو ببيان الحق وإزالة الشبهة، أو بالرأي والتدبير فيما فيه نفع المسلمين، أو بالقتال بنفسه، فيجب الجهاد بغاية ما يمكنه، ومنه هجو الكفار؛ كما كان حسان رضي الله عنه يهجو أعداء النبي -صلى الله عليه وسلم-([13])

ب- الحرب في الاصطلاح القانوني: تعدَّدت تعريفات القانونيين للحرب في الاصطلاح، وقد ذكر تسعة منها صاحب كتاب: ” نظرية الحرب في الإسلام, وأثرها في القانون الدولي”  أذكر منها تعريفين, وأكتفي بذكر الأمور المشتركة بين عامة التعريفات، وذلك كما يأتي ([14]).

  1. الحرب: هي كفاح مسلح بين الدول؛ بهدف تغليب مصلحة سياسية لها مع اتباع القواعد التي يقررها القانون الدولي.
  2. عرفت الجمعية العامة للأمم المتحدة الحرب بأنَّها: استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ضد سيادة وسلامة أراضي دولة أخرى, واستقلالها السياسي أو على وجه آخر لا يتفق وميثاق الأمم المتحدة.

 ومن خلال التعريفين السابقين وغيرها من التعريفات يظهر أنَّ الحرب في المصطلح القانوني يشتمل على عدَّة أمور مهمَّة, وهي([15]):

أنَّ الأطراف المتنازعة في الحرب هي دول تقاتل بعضها بعضًا.

أنَّ الحرب الدولية يجب أن تراعى فيها أحكام القانون الدولي.

الهدف من الحرب إكراه كل واحد من الخصمين الخصم الآخر على تنفيذ إرادته.

الحرب قاطعة للسلام، فالتوترات والخصومات السياسية لا تعدُّ حرباً, وإن وُجدت القطيعة.

 وبعد تعريف الحرب في الفقه الإسلامي والقانون الدولي يجد الباحث فوارق كبيرة بين المصطلحيْن يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

  1. إنَّ مصطلح الجهاد أعمُّ من مصطلح الحرب؛ لأنَّ القتال ما هو إلا صورة من صور الجهاد المتعدِّدة، فهناك جهاد بالحُجَّة والبيان، وجهاد النفس، وغيرها، بخلاف الحرب فهي قاصرة على القتال فحسب.
  2. إنَّ الهدف من الجهاد هو إعلاء كلمة الله ونشر الإسلام في الأرض, وهذا يكون ابتداءً بالدعوة والموعظة الحسنة، والجهاد وسيلة؛ لإزالة المانع من دعوة الناس، والصادِّين عن سبيل الله، أمَّا الحرب في المصطلح القانوني فهدفها تحقيق مصلحة سياسية لدولة على أخرى, وفرض لإرادتها عليها.
  3. الجهاد في الإسلام محفوف بضوابط وقيود، ونحن مأمورون بالوفاء فيه بالعهود والعقود، أمَّا الحرب في المصطلح القانوني- وإنْ ذكر بعضهم ذلك فيه- إلَّا أنَّ الواقع يكذِّبه، فالدول الكبرى والعظمى مستعدَّة لفعل كل ما من شأنه تحقيق غايتها، وفرض هيمنتها على الدول الأخرى دون مراعاة للقانون الدولي الإنساني ولا المعاهدات الدولية.


المطلب الثاني: تعريف جرائم الحرب باعتبارها عَلَماً.

إنَّ مفهوم جرائم الحرب, وإنْ كان الفقه الإسلامي قد سبق القانون الدولي في تأصيله, والتحذير منه إلَّا أنَّ الفقهاء القدامى لم يتطرقوا لتعريفه؛ ذلك أنَّه مفهوم معاصر مستعمل في القانون الدولي الإنساني؛ لكنْ يمكن تعريفه وفق المنظور الشرعي بأنَّه: ” كل فعل أو امتناع يُعدُّ انتهاكاً للأعراف والأحكام الشرعية المتعلقة بالحرب، يقع أثناء سير العمليات العسكرية من أحد طرفي النزاع”.

 أمَّا تعريف جرائم الحرب في القانون الدولي الإنساني، فمن خلال البحث بان لي أنَّ جريمة الحرب في العرف القانوني عُرِّفت بتعريفات متعدِّدة ومتقاربة، وسأعرض بعض هذه التعريفات، وذلك على النحو الآتي:  

  1. تعريف ميثاق محكمة نورمبرغ، فقد عُرِّفت هذه الجرائم بأنَّها: ” الأعمال التي تشكل انتهاكاً لقوانين وأعراف الحرب الدولية ” ([16]).
  2. عرفها حسنين عبيد بأنَّها: “كل مخالفة لقوانين وعادات الحروب، سواء كانت صادرة عن المتحاربين وغيرهم، وذلك بقصد؛ إنهاء العلاقات الودية بين الدولتين المتحاربتين”([17]).

ومما يُؤخَذ على التعريفين السابقين أنَّهما فضفاضين، لم يحدِّدَا طبيعة العمل الذي يعدُّ جريمة من غيره، بل اكتفيا بكون الجريمة هي مخالفة قوانين وأعراف الحرب، وكذلك لم يتطرقا لبيان العناصر المكونة للجريمة الدولية.

          ومن أجود تعريفات جرائم الحرب التي وقفتُ عليها تعريف الدكتور عبد المجيد الصلاحين، فقد عرَّف جرائم الحرب بأنَّها: ” الأعمال غير المشروعة التي ترتكبها دولة محاربة ضد أفراد أو مجتمع دولة محاربة أخرى، مما يُلحِق بهم ضرراً غير مبرر أثناء الحرب أو النزاع المسلح” ([18]).

 وممَّا يميِّز هذا التعريف عمَّا سبق ما يأتي([19]):

أ- تحديده للعناصر المكونة لجريمة الحرب، فقد ذكر العنصر الزمني وهو وقوع هذه الجريمة أثناء النزاع المسلح أو قيام الحرب.

ب- وكذلك تناوله للعنصر الدولي في الجريمة، فجريمة الحرب لابد أنْ تكون موجَّهة لأفراد تابعين لغير دولة الجاني، وبذلك يخرج من جرائم الحرب الجرائم الموجَّهة من الجاني ضد أفراد تابعين لدولته.

ت- تنصيصه على توافر العنصر المادي غير المشروع، فيلزم من الفعل المكون لجريمة الحرب أن يكون غير مشروع، وتأتي عدم مشروعيته من مخالفته لقوانين الحرب التي نصَّت عليها الاتفاقيات الدولية المختلفة.

ث- عدم اقتصاره على الجرائم الموجَّهة للدول فحسب، بل اشتماله على الجرائم الموجَّهة من الدول للجماعات والأفراد في دول أخرى، كما هو الحال مع شعبنا الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني.

المبحث الثاني: تعريف بجرائم حرب الاحتلال الصهيوني في حربه الأخيرة على غزة عام (2014م).

          تعرَّض قطاع غزة لثلاثة حروب شرسة شنَّتها قوات الاحتلال الصهيوني، انتَهكَت فيها أبسط حقوق الإنسان، واعتدت على المدنيين والمنشآت المدنية، فقتلت الرجال والنساء والأطفال، وهدمت بيوت الآمنين، واستهدفت دور العبادة الخاصة بالمسلمين والمسيحيين، غير ملتفتة لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ولا محترمة لمعاهداته، وسأقف في المطلبين القادمين عند جريمتيْ قتل المدنيين، واستهداف المنشآت المدنية بما فيها دور العبادة في حرب غزة الأخيرة عام (2014م)، وذلك على النحو الآتي:  

المطلب الأول: جرائم قتل المدنيين في حرب غزة (2014م).

          قبل الولوج في الحديث عن جرائم قتل المدنيين في حرب غزة (2014م)، يحسن بي التنبيه أنني سأعرض هنا للجرائم التي وقعت في الحرب الأولى على غزة عام (2008-2009م)، والحرب الأخيرة عليها عام (2014م)؛ بهدف إيجاد حالة من المقارنة بين الجرائم في أول حرب على غزة عام (2008م), وآخرها عام (2014م)، وإليك البيان كما يأتي:

          في عام (2008-2009م) قامت قوات الاحتلال بشن حرب على غزة قتلت خلالها (1419) شخصاً خلال الحرب التي استمرت واحداً وعشرين يوماً، وكان من بينهم (1167) (82.2%) من غير المقاتلين، بمن فيهم (918) مدنياً و(249) شرطياً يحظون بذات الحماية التي يتمتع بها المدنيون وفقاً لقواعد القانون الإنساني الدولي، وكان بين الضحايا المدنيين (318) طفلاً، أي ما نسبته (22.4%) من العدد الإجمالي, و(34.6%) من الضحايا المدنيين، و(111) امرأة؛ أي( 7.8 %) من العدد الإجمالي, و(12%) من الضحايا المدنيين، وبالتالي فإنَّ الضحايا من النساء والأطفال البالغ عددهم (429) طفلاً وامرأة يشكلون (30.2%) من إجمالي الضحايا, و(46.7%) من إجمالي الضحايا المدنيين، ووفقاً لما أعلنته وزارة الصحة في غزة، فإنَّ عدد الجرحى الفلسطينيين في هذه الحرب بلغ نحو (5300 ) شخص، من بينهم نحو (1600) طفل (30%) من إجمالي عدد المصابين، و(830) امرأة؛ أي نحو (15.6%) من إجمالي عدد المصابين، وبذلك يظهر أن عدد الجرحى من النساء والأطفال بلغ نحو (2430) امرأة وطفلاً، أي ما نسبته (45.6%) من إجمالي المصابين خلال هذه الحرب.

 ونتيجة للصمت الدولي والخذلان العربي لم تتراجع دولة الكيان عن ذلك، ففي اليوم السابع من شهر يوليو من العام (2014م) تعرضت غزة لحربٍ شعواء شنَّتْها قوات الاحتلال الصهيوني استمرت هذه الحرب واحداً وخمسين يوماً، ارتكبت فيها قوات الاحتلال أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية دون مراعاة لأبسط حقوق الإنسان، وهذا ما أثبته تقرير ديفيس عن جرائم حرب الاحتلال في غزة، حيث عرضت رئيسة لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة ماري ديفيس يوم الإثنين (29/6/2015م) في جنيف تقرير اللجنة بشأن العدوان « الإسرائيلي» الأخير على غزة أمام أعضاء مجلس حقوق الإنسان الذين يمثلون سبعاً وأربعين (47) دولة، وقد خلص التقرير إلى أنَّ العمليات التي نفذها الجيش الإسرائيلي في صيف (2014) بقطاع غزة  “ترقى إلى جرائم حرب” ، مشيراً إلى مقتل عدد كبير من المدنيين – ثلثهم من الأطفال- خلال الحرب التي استخدمت فيها (إسرائيل) قوة تدميرية تمثلت في أكثر من ستة آلاف غارة جوية، وإطلاق نحو خمسين ألف قذيفة مدفعية على مدى الواحد والخمسين يوماً([20])، فقد ذكرت التقارير أنَّ (2216) فلسطينياً قُتِلُوا بينهم (293) من النساء، و(556) من الأطفال، فيما أصيب نحو (10850) شخصاً([21])، وهذا الجدول يبين الفرق بين الحربين كما هو موضح.

جدول يوضح الفرق بين عدد القتلى في الحرب الأولى على غزة وبين الحرب الأخيرة عام (2014م)

وجه المقارنةالحرب الأولى عام (2008م)الحرب الأخيرة عام (2014م)
المدة الزمنية للحرب21 يومًا51 يومًا
عدد القتلى14192216
عدد الجرحى530010850
عدد القتلى من النساء111293
عدد القتلى من الأطفال318556

 ومن خلال الأرقام السابقة يتبين لنا أنَّ الحرب الأخيرة استمرت مدة زمنية أكثر من الحرب الأولى، وفي هذا إعطاء لمساحة أكبر لدولة الكيان لمزيد من القتل والتشريد وارتكاب الجرائم ضد المدنيين، وظهر ذلك من زيادة عدد القتلى والجرحى في الحرب الأخيرة مقارنة بالحرب الأولى، وهذا يؤكد حقيقة الصمت الرسمي الدولي على جرائم هذه الدولة المعتدية، وفلتانها من محاسبة ومعاقبة الجهات التي تتغنى باحترام حقوق الإنسان ليلاً ونهاراً.

المطلب الثاني: جرائم استهداف المنشآت المدنية في حرب غزة (2014م).

لم يكن الحال بالنسبة للجماد أفضل مما حلَّ بالإنسان، فقد أسفرت الهجمات الصهيونية طيلة فترة العدوان في الحرب الأولى عام (2008م) عن تدمير (2114) منزلاً بشكل كلي، تحتوي على (2864) وحدة سكنية، تضم (3314) عائلة قوامها (19592) شخصاً، كما أدت إلى تدمير (3242) منزلاً بشكل جزئي، وتحتوي (5014) وحدة سكنية تضم (5470) عائلة قوامها (32250) شخصاً، فضلاً عن تعرض نحو (16000) منزل آخر إلى أضرارٍ مختلفة جراء القصف وأعمال التدمير، بما في ذلك احتراق العشرات منها في أحياء مختلفة في مدن القطاع([22]).

 جدول يوضح عدد المنازل المستهدفة بشكل كلي في حرب عام2008-2009م

عدد المنازلالوحدات السكنيةمجموع العائلاتعدد الأفراد
21142864331419592

جدول يوضح عدد المنازل المستهدفة بشكل جزئي في حرب عام2008-2009م

عدد المنازلالوحدات السكنيةمجموع العائلاتعدد الأفراد
32425014547032250

واستهدفت قوات الاحتلال في هذه الحرب العديد من المنشآت المدنية من هيئات محلية ومستشفيات، ومدارس، ومنشآت اقتصادية وتجارية وزراعية، فقد استهدفت ما يزيد عن (204) مدارس حكومية وخاصة، منها (8) مدارس دمرت بشكل كامل، وتعرضت (167) منشأة اقتصادية للاستهداف، منها (119) دمرت بشكل كلي، و (48) بشكل جزئي، وتعرضت (92) منشأة تجارية للاستهداف، وتعرض (6855) دونمًا زراعيًّا للتجريف، في حين تعرض (100) مسجد للاستهداف، دمر منهم (45) مسجد بشكل كامل، وتعرضت ما يزيد عن (50) مزرعة حيوانية للاستهداف في المحافظات كافة ([23])، كما هو موضح في الجدول الآتي:

 جدول يوضح عدد المنشآت المدنية المستهدفة في حرب عام2008- 2009م.

تعليميةدينيةصحيةخدماتيةأهليةتجاريةاقتصاديةزراعيةمجموع
20410015159216754638

أما في عام (2014م) طال التدمير أكثر من (3200) منزل سكني، من بينها (8377) منزلاً دُمِّر بشكلٍ كلي، و(23597) منزلاً دمرت بشكل جزئي؛ كما هو موضح في الجدوليْن الآتيين ([24]).

جدول يوضح عدد المنازل المستهدفة بشكل كلي في حرب عام2014م.

عدد المنازلعدد الأسرمجموع السكانعدد النساءعدد الأطفال
837711162606121652230835

 جدول يوضح عدد المنازل المستهدفة بشكل جزئي في حرب عام2014م.

عدد المنازلعدد الأسرمجموع السكانعدد النساءعدد الأطفال
23597326221903065092693843

          ولم يكتف الاحتلال بذلك، بل ارتكب جرائم أخرى بحقِّ الأعيان المدنية ومنها دور العبادة، فالحرب الصهيونية الأخيرة على قطاع غزة عام (2014م) تظهر حقيقة أنَّ الصراع مع «إسرائيل» هو صراع عقائدي بحت، بخلاف ما يُعلن في الإعلام عن أهداف الحرب سياسية كانت أو عسكرية، فهي لم تتوقف عند قتل الإنسان، بل شملت الشجر, والحجر, والمساجد, والكنائس, والمقابر, ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، وغيرها ([25]).

وقد أفادت الإحصائيات الصادرة عن وزارة الأوقاف والشئون الدينية في فلسطين أنَّ سبعين (70) مسجداً دُمِّر بشكلٍ كاملٍ خلال الحرب الأخيرة على غزة، فيما لَحِق بـسبعٍ وتسعين ومائة (197) مسجد أضرار جزئية متفاوتة، ولم يقف العدوان عند استهداف المساجد بل طال الكنائس، فقد تعرضت كنيسة للنصارى للاستهداف من الاحتلال، وقد تضررت بسبب هذا العدوان في مدينة غزة ([26])، بل كان من الملفت استهداف المساجد الأثرية، وقد استهدفت القذائف الإسرائيلية مسجد المحكمة الأثري الذي كان معلماً عريقاً في مدينة غزة، كما استهدف القصف مسجد القزمري الذي يعود إلى أكثر من ستمائة سنة، ويأتي تعمُّد تدمير المساجد الأثرية -التي تعود لمئات السنين- ضمن مخطط صهيوني لاستهداف التراث الفلسطيني بشكل عام، فقد استُهدفت كنائس يعود بناؤها إلى آلاف السنين ([27]).

وتواصلت جرائم الاحتلال تجاه الأعيان المدنية، فقد استهدف الاحتلال في الحرب (2014م) (461) منشأة مدنية، من بينها (134) دمرت تدميراً كاملاً، و(327) دمرت بشكل جزئي، وتشمل تلك المنشآت مستشفيات, ومدارس, ومساجد, وكنائس, وبنوك, ومؤسسات أهلية، وقامت قوات الاحتلال بتجريف أكثر من (11086481) متراً مربعاً من الأراضي الزراعية في محافظات غزة كافة، ينتفع منها (33786) شخصاً، ويعيلون (16045) شخصاً، من بينهم (6066) طفلاً، ودمَّرت قوات الاحتلال (1603) منشأة تجارية، من بينها (699) دمرت بشكل كامل، و(904) دمرت بشكل جزئي، وكذا دمرت (215) منشأة صناعية من بينها (104) دمرت بشكل كلي، و(111) بشكل جزئي، كما دمَّرت (1089) منشأة زراعية، من بينها مزارع حيوانات، ودواجن، ومناحل، ومزرعة لتربية الأسماك ([28])، كما هو موضح في الجدول الآتي:

منشآت مدنية متنوعةتجاريةصناعيةزراعيةمساجدكنائس
461160321510892671

          ولو أردنا عقد مقارنة بسيطة بين أعداد المنازل والمنشآت المدنية التي طالتها يد التدمير والتخريب في الحرب الأولى والأخيرة سنجد أنَّ الأعداد في زيادة كبيرة، وهذا واضح من خلال الجدول الآتي:

وجه المقارنةالحرب الأولى عام 2008مالحرب الأخيرة عام 2014م
عدد المنازل المدمرة كلياً21148377
عدد المنازل المدمرة جزئياً324223597
عدد المساجد المدمرة كلياً4570
عدد المنشآت المدنية المستهدفة6383369

جدول يوضح الفرق بين عدد المنازل والمنشآت المدنية المستهدفة في الحرب الأولى على غزة وبين الحرب الأخيرة عام2014م

          ومن خلال الأرقام السابقة يتضحُ الفرق الواضح، والزيادة الكبيرة في أعداد المنازل المدمرة كلياً والمستهدفة جزئياً في الحرب الأولى والأخيرة عام (2014م)، وكذلك الأمر بالنسبة للمساجد وسائر المنشآت المدنية، وهذا يؤكد مجدداً أنَّ دولة الاحتلال ماضيةٌ في جرائمها بدون خوف أو وجَل، وأنَّ جرائمها مستمرة لم تتوقف، وسنتعرف على موقف الفقه الإسلامي، والقانون الدولي الإنساني من بعض تلك الجرائم، وذلك على النحو الآتي:

المبحث الثالث: جريمة استهداف المدنيين ودور العبادة في الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني.

ذكرت فيما سبق بعض الجرائم التي ارتكبها الجيش الصهيوني في حربه الأخيرة على غزة عام (2014م)، وظهر لنا ارتفاع نسبة هذه الجرائم مقارنة بالحرب الأولى، وفي هذا المبحث سأبين موقف الفقه الإسلامي، والقانون الدولي الإنساني من جريمة قتل المدنيين، وجريمة استهداف دور العبادة، وذلك في مطلبين على النحو الآتي:

المطلب الأول: جريمـة استهـداف المدنيين في الحـرب في الفقـه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني.

أولاً: جريمـة استهـداف المدنيين في الفقـه الإسلامي.

 كتب الله  الجهاد على المسلمين؛ للذود عن حياض الأمَّة، ولنشر الدعوة، وجعل الغاية منه تبليغ الإسلام للعالمين، فمن كان يقف صادَّاً وعائقاً أمام هذا التبليغ، أباح لنا الشارع قتاله حتى نبلِّغ رسالة رب العالمين، فالقتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار ونشر دين الله؛ كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}([29]).

وعليه: فرَّق الإسلام في الحروب القائمة بين المقاتلين وبين المدنيين، فأجاز قتل المقاتلين المشاركين في العمليات العسكرية، ومنع من قتل المدنيين من غير المقاتلين، وقد وردت في ذلك نصوص عدَّة، أذكر بعضها على النحو الآتي:

  1. أخرج البخاريُّ ومسلم في الصحيحيْن من حديث عبد الله بن عمر  ” أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ  مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ  قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ”([30]).
  2. أخرج أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده، من حديث رَبَاحِ بْنِ رَبِيعٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ  فِي غَزْوَةٍ، فَرَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ عَلَى شيءٍ، فَبَعَثَ رَجُلاً، فَقَالَ:” انْظُرْ عَلاَمَ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ؟ “، فَجَاءَ فَقَالَ: عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ، فَقَالَ: ” مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ ». قَالَ: وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَبَعَثَ رَجُلاً فَقَالَ:« قُلْ لِخَالِدٍ: لاَ يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلاَ عَسِيفًا”([31])، وفي رواية أحمد، قال النبي  : ” مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمْ: الْحَقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً وَلَا عَسِيفًا”([32]).
  3. أخرج أبو داود في سننه، من حديث أَنَس بْن مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  قَالَ: “انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلاَ طِفْلاً، وَلاَ صَغِيرًا، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ تَغُلُّوا، وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ “([33]).

          وجه الدلالة من الأحاديث: بيَّن النبي  من يجوز قتله في المعركة ممن لا يجوز قتله، فأباح قتال المشاركين في القتال ممن يحمل السلاح ويعينُ المقاتلين، ومنع من قتل المدنيين غير المشاركين في القتال، وفي هذا تقرير لمبدأ التمييز بين المقاتلين وغيرهم في مسرح العمليات الحربية.

من خلال ما سبق يتضح أنَّ الإسلام كان سبَّاقاً لتحقيق مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين أثناء سير العمليات الحربية، وهو المقصود في عصرنا بحماية المدنيين زمن الحرب، فلا يُقتَل غير المقاتل؛ لأنَّ غير المقاتلين لهم حصانة وحماية، وقد أفصحت الأحاديث آنفة الذكر عن الفئات التي يحميها الشرع الحنيف أثناء العمليات العسكرية، وهي على النحو الآتي:

  1. النساء: فهذه الفئة تتمتع بحصانةٍ خاصَّة، فقد ورد في حديث عبد الله بن عمر  ” أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ  مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ  قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ”([34])، وهذا الحكم خاص بالمرأة غير المقاتلة، أمَّا إن قاتلت وشاركت في القتال- كما يفعل جيش الاحتلال الصهيوني فهو يجنِّد النساء في صفوفه-، فحينها ترفع عنها الحصانة؛ لأنها مقاتِلة ومعتدية وغير مدنية([35]).
  2. الأطفال: والمقصود بهم من لم يبلغ سن البلوغ، وهؤلاء الأطفال لهم حصانة أيضاً ولا يجوز قتلهم، وهذا واضح من نهي النَّبِيِّ  من قتل النساء والصبيان، ونهيه عن قتل الذريَّة وأولاد المشركين من الأطفال ([36]).
  3. الشيوخ والعجزة: فلا يُجيز الإسلام قتل هؤلاء ممن لا يشاركون المقاتلين الرأي والمشورة، فإن شاركوهم وأعانوهم جاز قتلهم؛ لأنهم حينئذٍ من المشاركين في القتال، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ  في وصيته للمقاتلين:” انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلاَ طِفْلاً، وَلاَ صَغِيرًا، وَلاَ امْرَأَةً … “([37]).
  4. رجال الدين: فقد ورد النص صريحاً في عدم جواز قتلهم، وهذا ظاهر في وصية الخليفة أبي بكر الصديق  لأمرائِهِ حين قال: ” إنكم ستجدون قوماً قد فحصوا عن رؤوسهم بالسيوف، وستجدون قوماً قد حبسوا أنفسهم في الصوامع فذرهم بخطاياهم “([38])، وقد ورد عن ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًاً: “لاَ تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ”([39])، فهؤلاء الذين انشغلوا بعبادتهم عن قتالنا قد اندفع شرُّهم بانصرافهم للعبادة، وتركهم القتال، فلا تمتد أيدي الجنود لهم طالما التزموا بذلك، ولم يشاركوا في القتال.
  5. العمال والتجار والزراع: فقد ورد في الأحاديث نهي النبي  عن قتل العسفاء([40])، وهم الأجراء والعمال الذين لا يشاركون في حرب ولا قتال، بل يعملون؛ ليقتاتوا ويحصلوا أرزاقهم، فليس لهم في الحرب يد ولا عمل.

ولم يتوقف احترام الإسلام لحقوق الإنسان عند الأحياء، بل تعدَّاه إلى الأموات، فقد نهى النبي  عن المثلة، وهو التمثيل بجثث القتلى وقطع أعضائهم بعد موتهم.

          وبعد هذا البيان يظهر جلياً أنَّ التشريع الإسلامي أرسى مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، وجعل هذا المبدأ بمثابة القانون الملزم الذي لا يقبل التغيير ولا التبرير لمخالفته، وعليه: إنْ ثبت أن جندياً مسلماً ارتكب أيَّ مخالفة من المخالفات التي تتعارض والنصوص السابقة دون عذر، فإنه يعدُّ قد فعل محرماً وارتكب جرماً يُحاسب عليه، وتختلف عقوبته حسب طبيعة ذلك الجرم, ومدى الضرر المترتب عليه.

ثانياً: جريمـة استهـداف المدنيين في القانون الدولي الإنساني.

          لم تكن قوانين وأعراف الحروب قديماً بين الدول تُجَرِّم قتل المدنيين، ذلك أن كلَّ دولة تريد كسر شوكة الدولة المقابلة لها، دون مراعاة لمبدأ التمييز بين المدنيين والعسكريين، وهو الأساس في حماية المدنيين، حتى أعلنت عصبة الأمم عام (1938م) عمَّا يعزز هذا المبدأ، فاعتبرت الاعتداء على السكان المدنيين خرقاً لقواعد القانون الدولي، وأنَّ الأهداف العسكرية التي يجوز مهاجمتها يجب أن تكون واضحة ومميزة بكونها عسكرية بحتة([41]). وأكدت اتفاقيات جنيف عام (1949م) على هذا المبدأ، وذلك في الاتفاقية الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، وقد نصَّت على ذلك صراحة في المادة الثالثة من الاتفاقية على أنَّ الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر، ويحظر بالنسبة للأشخاص المذكورين أعلاه الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب([42])، وقامت بعد ذلك اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سنة (1956م) بصياغة قواعد لحماية السكان المدنيين من آثار العمال الحربية كتكريس لهذا المبدأ، وتوالت الجهود في ذلك حتى جاء البروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات جنيف سنة (1977م) بعد المؤتمر الدبلوماسي من أجل إنماء وتطوير القانون الدولي الإنساني المطبَّق في النزاعات المسلح المنعقد من عام (1974م) حتى (1977م)، واحتوى البروتوكولان من المواد ما يدلُّ صراحة على ضرورة احترام مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، فقد نصت المادة (48) من البروتوكول الإضافي على ما يأتي: « تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها؛ وذلك من أجل احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية”([43])، وتوالت الجهود بعد ذلك، فاتجه اهتمامُ الأمم المتحدة في سنوات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي للحدِّ من استخدام الأسلحة العشوائية التي لا يسلم من أضرارها ( غير المقاتلين )، ففي سنة (1981م) صدرت اتفاقية بشأن تحريم استخدام بعض أنواع الأسلحة التقليدية، ثم في سنة (1993م) وقعت اتفاقية بشأن تحريم الأسلحة الكيميائية، وكل هذه الجهود تصب في حماية المدنيين أثناء سير العمليات العسكرية ([44]).

          وبناء على ما سبق، يتعيَّن على قادة الجيوش اليوم اتخاذ التدابير والإجراءات كافة التي تسهم في التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، من خلال توعية جنودهم على أهمية هذا الأمر، وكذا تدريبهم على ذلك في معسكرات التدريب والمناورات، وكذا إصدار التعليمات اللازمة بخصوص هذا الأمر، وتحذيرهم من المخالفة وارتكاب الجرائم بحق المدنيين، وتوعدهم بالحساب؛ إذا ثبت مخالفتهم لمبادئ القانون الدولي الإنساني.

          وبعد بيان موقف كل من الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني من جريمة قتل المدنيين اتضح ما يأتي:

– إن أحكام الفقه الإسلامي كانت الأسبق والأكمل في تقرير مبدأ حماية المدنيين والتمييز بين المقاتلين وغيرهم من القانون الدولي الإنساني، فقد عرفت البشرية هذا المبدأ من تعاليم الإسلام قبل ما يزيد عن (1000)عام، فيما نصَّت عليه الاتفاقيات الدولية في القرن الماضي تقريباً.

– تمتاز أحكام الحرب في الفقه الإسلامي بوجود عنصر الإلزام التي تفتقر إليه اتفاقيات القانون الدولي الإنساني، فالالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية عبادة يتقرب بها المسلم إلي ربه، ومخالفتها معصية يحاسب عليها، بخلاف ما عليه الأمر في القانون الدولي فالأمر بيد الدول، ولا يلزمها سوى رضاها وموافقتها على هذه الاتفاقيات، مما جعل هذه الاتفاقيات نظرية وليست عملية في كثير من الأحيان، وجرائم الاحتلال الصهيوني في حروبه على غزة خير شاهد على ذلك.

المطلب الثاني: جريمة استهداف دور العبادة في الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني.

يحسن بنا في هذا المطلب الوقوف على موقف كلٍّ من الفقه الإسلامي، والقانون الدولي الإنساني من جريمة استهداف دور العبادة، وبيان ذلك على النحو الآتي:

أولاً: جريمـة استهـداف دور العبادة في الفقـه الإسلامي.

          أَوْلَتْ الشريعة الإسلامية المساجد ودور العبادة احتراماً كبيراً واهتماماً بالغاً، فالإسلام ينظر للمسجد على أنه مكان للعبادة وجامعة للعلم ومركز للقيادة ودار للقضاء بين الخصوم، وتجمع للمناسبات الاجتماعية والتواصل المجتمعي، لذا رغَّب الإسلام في إقامتها والإكثار منها، فقد قال رسول  ” مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ ” ([45]).

وكذلك سمحت الشريعة الإسلامية لغير المسلمين في دولة الإسلام أن يمارسوا شعائرهم الدينية وأن يعبدوا الله في دور عبادتهم، وحرَّم الإسلام الاعتداء عليهم أو التعرض لدور عبادتهم في السلم أو الحرب، ولم نسمع في تاريخنا الإسلامي أنَّ مسلماً هدم كنيسة أو اعتدى على أهلها، بل على العكس من ذلك فقد عامل الخليفة عمر بن الخطاب  نصارى فلسطين أفضل معاملة، وذكر ذلك الطبري في تاريخه ما نصه: ” بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبدالله عمر -أمير المؤمنين- أهل لدٍّ ومن دخل معهم من أهل فلسطين أجمعين، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبهم وسقيمهم وبريئهم وسائر ملتهم أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا مللها ولا من صلبهم ولا من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم، وعلى أهل لدٍّ ومن دخل معهم من أهل فلسطين أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل مدائن الشام” ([46]).

فهذا نصٌّ صريح من القائد الأعلى للمسلمين وقتذاك باحترام دور العبادة، وقرار منه بالحفاظ عليها وعدم التعرض لها, بل وحمايتها من العدوان، وهذا يؤكد ما بدأتُ به من احترام الإسلام لدور العبادة، والحفاظ عليها للمسلمين ولغير المسلمين.

 ويؤكد هذا قول الله تعالى: ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ) ([47]).

          وجه الدلالة: إنَّ ذكر جملة من معابد الملل الأخرى إلى جانب  (المساجد) التي هي بيوت الله، والإتيان بها جميعاً في صعيد واحد، فيه تلميح لطيف إلى مبدأ الإسلام الأساسي القائل: ” لا إكراه في الدين “، وإشارة واضحة، إلى أنَّ الإسلام يضمن لمخالفيه حرية الاعتقاد، وأنه كما لا يسمح بالاعتداء على معابده ومقدساته لا يسمح بالاعتداء على معابدهم ومقدساتهم أيضاً ([48]).

          قال ابن خويز منداد من أئمة المالكية: ” تضمنت هذه الآية المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبِيَعهِم” ([49]).

          قال القرطبي: “وإنما لم ينقض ما في بلاد الإسلام لأهل الذمة؛ لأنها جرت مجرى بيوتهم وأموالهم التي عاهدوا عليها في الصيانة”([50]).

          ويمكننا القول بأنَّ الإسلام كما حرَّم الاعتداء على المدنيين وغير المقاتلين من العدو، فكذلك منع من الاعتداء على أماكن عبادتهم, والأماكن المدنية الخاصة بهم.

          ومن خلال ما سبق يتضح أنَّ استهداف المساجد ودور العبادة يعدُّ في نظر الشريعة الإسلامية جريمة حرب مخالفة للشرائع كافة، ومخالفة لتعاليم الإسلام السمحة.

ثانياً: جريمـة استهـداف دور العبادة في القانون الدولي الإنساني.

ليس من الغريب أن تفضي الحرب إلى تدمير الآثار وأماكن العبادة والأعمال الفنية التي تعدُّ من بين أكبر الإبداعات النفيسة للعقل الإنساني، لكنَّ العجيب أن يكون ذلك التدمير مقصوداً ومتعمداً, وفي بعض الأحيان مبرراً، فتدمير الأماكن الثقافية والأثرية وأماكن العبادة هدفه غالباً القضاء على هوية الخصم وتاريخه وثقافته وإيمانه؛ بغية محو كل أثر لوجوده وحتى لكينونته.

          لأجل ذلك تبيَّن لنا من التاريخ أيضاً أن عدداً من التدابير اتخذت منذ الحقب الغابرة؛ لضمان عدم الاعتداء على أماكن العبادة، والحقيقة التي يجب بيانها أنَّ الاهتمام في القانون الدولي لم ينصب على تبني قواعد تحمي الممتلكات الدينية والثقافية والتاريخية في حالة الحرب إلا في حقبةٍ حديثة العهد نسبياً بخلاف ما ذكرناه عن هذا الأمر في الفقه الإسلامي.

          فكانت بدايات هذا الأمر في الواقع المعاصر من خلال المبدأ الأساسي القاضي بالتمييز بين الأهداف العسكرية والممتلكات المدنية، فمبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والممتلكات المدنية يشمل جميع قوانين الحرب وأعرافها، لا سيما القواعد المتعلقة بسير العمليات العدائية.

والممتلكات الثقافية وأماكن العبادة بصفتها ممتلكات مدنية هي محمية بموجب جميع هذه الأحكام بوضوح، ويحظر استخدامها لأغراض عسكرية كما يحظر مهاجمتها عن قصد، وينبغي توخي الحيطة أثناء الهجوم والدفاع؛ لتفادي تعريضها للخطر، غير أنَّ هذه الحماية العامة التي تسري على جميع الممتلكات المدنية لا تكفي اليوم لضمان حماية الممتلكات الثقافية وأماكن العبادة التي هي جزء من تراث البشرية، وبحكم طبيعتها الخاصة ومكانتها في نفوس أهلها، وما تمثله بالنسبة للإنسانية من قيم معنوية فقد تقرر منحها حماية خاصة([51]).

 جاء في المادة السابعة والعشرين (27)، في القسم الثاني من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية الصادرة في (لاهاي)/ (18 أكتوبر/ تشرين الأول 1907م) ما نصه: ” في حالات الحصار أو القصف، يجب اتخاذ التدابير اللازمة كافة؛ لتفادي الهجوم قدر المستطاع على المباني المخصصة للعبادة, والفنون, والعلوم, والأعمال الخيرية, والآثار التاريخية, والمستشفيات, والمواقع التي يتم فيها جمع المرضى والجرحى, شريطة ألا تستخدم في الظروف السائدة آنذاك لأغراض عسكرية، ويجب على المحاصَرين أن يضعوا على هذه المباني أو أماكن التجمع علامات ظاهرة محددة يتم إشعار العدو بها مسبقاً “([52]).

          وجاء في المــادة السادسة للبروتوكول الثاني لاتفاقية (لاهاي) لعام (1954م) الخاص بحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح النص على احترام الممتلكات الثقافية([53])، ويدخل فيها الممتلكات الدينية وأماكن العبادة.

 وفي المؤتمر الدبلوماسي عام (1975م) قُدِّم اقتراح لاحترام أماكن العبادة دولياً، وكان ثمرته توفير الحماية الدولية لها وللأماكن التاريخية، فقد صدر الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف سنة (1977م), وجاء في المــادة الثالثة والخمسين (53)، من الفصل الثالث والمتعلقة بحماية الأعيان الثقافية, وأماكن العبادة ما نصه: « تحظر الأعمال الآتية، وذلك دون الإخلال بأحكام اتفاقية لاهاي المتعلقة بحماية الأعيان الثقافية في حالة النزاع المسلح المعقودة بتاريخ (14 آيار/ مايو 1954م) وأحكام المواثيق الدولية الأخرى الخاصة بالموضوع :

 أ- ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية, أو الأعمال الفنية, أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب.

 ب- استخدام مثل هذه الأعيان في دعم المجهود الحربي.

 ج- اتخاذ مثل هذه الأعيان محلاً لهجمات الردع «([54]).

وكذلك نصت المادة (16) من الفصل الرابع للملحق (البروتوكول) الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف (1977م) على ما يأتي: ” يحظر ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية, أو الأعمال الفنية, وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب, واستخدامها في دعم المجهود الحربي, وذلك دون الإخلال بأحكام اتفاقية (لاهاي) الخاصة بحماية الأعيان الثقافية في حالة النزاع المسلح والمعقودة في (14 آيار/ مايو 1954م)”([55]).

وأوضح مما سبق نصَّت المحكمة الجنائية الدولية في المادة الثامنة (8) المتعلقة بجرائم الحرب من نظامها الأساسي المعتمد في روما في (17 تموز/ يوليو 1998م) أنَّ استهداف المباني المخصصة للأغراض الدينية يُعدُّ من جرائم الحرب، فقد ذكرت المادة أنَّ من جرائم الحرب: ” تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية, والآثار التاريخية, والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى شريطة ألا تكون أهدافاً عسكرية “([56]).

 ومن خلال ما سبق يتبين لنا أنَّ استهداف المساجد ودور العبادة أمرٌ مرفوض ومجرَّم دولياً وقانونياً؛ كما هو محرم شرعاً، وأنَّ قوات الاحتلال الصهيوني ارتكبت جرائم حرب بحقِّ أهل غزة في حروبها على غزة، وارتفعت نسبة هذه الجرائم في حرب عام 2014م بالمقارنة مع الحرب الأولى، ولكن هل من محاسب لهذه الدولة المارقة؟ وأين المسؤولية الجنائية المترتبة على جرائمها المتكررة؟ وأين محكمة الجنايات الدولية ومراقبيها عن تلك الجرائم؟ وأين مؤسسات حقوق الإنسان الدولية؟ وأين العالَم الحر الذي يتغنى بالإنسان وحقوقه؟ أم أنَّ هذا كله يذهب أدراج الرياح عندما يتعلق الأمر بأمريكا وربيبتها دولة الكيان الصهيوني، ويُستخدم كسوطٍ مسلَّطٍ على رقابِ المسلمين هنا وهناك عندما يتعلق الأمر بهم!!.

الخـاتمـة

 بعد إتمام النعمة من الله ، وبعد حمد الله – سبحانه وتعالى-  على الانتهاء من البحث، وقبل أن أضع قلمي أودُّ أن أُسطِّر ما توصلت إليه من نتائج في هذا البحث، ثم أُردِفُ تلك النتائج ببعضِ التوصيَّات، وذلك على النحو الآتي:

أولاً: النتائج

1. تختلف الجرائم في الفقه الإسلامي في طبيعتها وتوصيفها عن الجرائم في القانون الدولي الإنساني، ويتفق الفقه الإسلامي والقانون الدولي الإنساني في اعتبار الجريمة أمراً غير مشروع، ومخالفاً للمأمور به.

2. إنَّ الفقهاء القدامى لم يستعملوا الحرب إلا في إطار استعمالها اللغوي، ولم يجعلوها مصطلحاً خاصَّاً، واستعاضوا عنها بمصطلح الجهاد، وعليه جرى العمل عند المعاصرين، فمفهوم الحرب يعبِّر عنه الفقهاء بمصطلح الجهاد.

3. بعد تعريف الحرب في الفقه الإسلامي والقانون الدولي وجد الباحث فوارق كبيرة بين المصطلحيْن، فمصطلح الجهاد أعمُّ من مصطلح الحرب؛ لأنَّ القتال ما هو إلا صورة من صور الجهاد المتعدِّدة، بخلاف الحرب فهي قاصرة على القتال فحسب، والهدف من الجهاد هو نشر الإسلام وتبليغ الدعوة، وليس تحقيق مصلحة سياسية لدولة على أخرى, وفرض لإرادتها عليها, كما هو الحال في الحروب.

4. عرف الإسلام التمييز بين المدنيين والعسكريين قديماً، وحظرَ قتال من لم يشترك في العمليات العسكرية، كما عرف التفريق بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، وكان الأسبق في تحقيق هذه المبادئ.

5. إنَّ مفهوم جرائم الحرب مفهوم معاصر مستعمل في القانون الدولي الإنساني، لكنَّ الفقه الإسلامي كان الأسبق والأكمل في طرح مضمونه والتحذير منه، والأصدق في منع حدوثه.

6. إنَّ العمليات العسكرية التي نفذها الجيش الصهيوني في حروبه على غزة، وخاصة ما وقع منها في صيف (2014م) بقطاع غزة هي جرائم حرب مثبتة باعتراف العدو والصديق؛ استناداً لأحكام ومبادئ القانون الدولي الإنساني.

7. إنَّ دولة الكيان الصهيوني وجيشه لم يتم محاسبته على جرائمه ضد المدنيين، ويظهر ذلك من ارتفاع نسبة تلك الجرائم بحقِّ المدنيين والأعيان المدنية ودور العبادة، فالإحصائيات تثبت زيادة كبيرة فيها، وظهر ذلك واضحاً في ثنايا هذا البحث.

ثانياً: التوصيات

1. ضرورة التوعية بخصوص جرائم الحرب, ومخاطرها على البشرية جمعاء.

2. ضرورة جمع وتوثيق كل ما يتعلق بجرائم حرب الاحتلال الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، وتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية.

3. على الباحثين التطرق لجرائم الحرب الأخرى التي لم يتسع البحث لذكرها والتفصيل فيها؛ كجرائم استهداف المنشآت الاقتصادية، والتهجير والإبعاد القسري للمدنيين، وتعذيب الأسرى، وغيرها.

4. أهمية تركيز الإعلام التقليدي والجديد على انتهاكات الاحتلال الصهيوني لحقوق الإنسان وجرائمه ضد الإنسانية، ونشرها للعالم بلغاته المختلفة؛ لتعريفهم بالإرهابي الحقيقي، والمنتهِك لحقوق الإنسان، وكذلك شرح مظلومية أهل فلسطين للناس أجمعين.

والحمد لله رب العالمين

1. ابن أبي شيبة: أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي؛ ت. 235 هـ، المصنف في الحديث والآثار، تحقيق: محمد عوامة، شركة دار القبلة للثقافة الإسلامية– جدة، مؤسسة علوم القرآن – دمشق – سوريا، ط.1، 1427هـ، 2006م.

1. ابن عاشور: محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير، دار سحنون للنشر والتوزيع – تونس، سنة: 1997م.

1. ابن فارس: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ت. 395 هـ، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، طبعة اتحاد الكتاب العرب، سنة 1423هـ ، 2002م.

10. الصالحي: كامران، قواعد القانون الدولي الإنساني والتعامل الدولي، مؤسسة كومرياني للبحوث والنشر، أربيل، طبعة 2008م.

11. الصلاحين: عبد المجيد الصلاحين: بحث أحكام جرائم الحرب وفق التشريعات الإسلامية والقانون الدولي، مجلة الشريعة والقانون- جامعة الإمارات العربية المتحدة – العدد 28 للعام 2006م.

12. الصنعاني: أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني ت. 211 هـ، مصنف عبد الرزاق، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي – بيروت، ط.2، 1403 هـ .

13. الطبري: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري ت: 310هـ، تاريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية – بيروت، ط.1 سنة 1407هـ

14. عودة: عبد القادر عودة، ت: 1373هـ، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، دار الكتب العلمية- بيروت.

15. غمق: ضو مفتاح غمق، نظرية الحرب في الإسلام وأثرها في القانون الدولي، طبعة جمعية الدعوة الإسلامية العالمية.

16. القرطبي: محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ت. 671 هـ، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: محمد عبد الحليم، وأحمد أحمد، مكتبة الصفا– القاهرة، ط.1، 1425 هـ، 2005م.

17. الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري ت.450هـ، الأحكام السلطانية، تحقيق: أحمد مبارك البغدادي، طبعة دار ابن قتيبة بالكويت عام 1409هـ، 1989م.

18. الناصري: محمد المكي الناصري، ت: 1414هـ، التيسير في أحاديث التفسير، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى: 1405هـ – 1985م.

2. ابن منظور: محمد بن مكرم بن منظور المصري، لسان العرب، دار صادر- بيروت، الطبعة الأولى.

2. ابن نجيم: زين الدين بن إبراهيم بن محمد، الشهير بابن نجيم ت. 970 هـ، البحر الرائق شرح كنز الحقائق، دار المعرفة- بيروت.

2. أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني ت. 275 هـ، سنن أبي داود، حكم على أحاديثه: المحدث محمد ناصر الدين الألباني، دار الكتاب العربي – بيروت.

3. أبو زهرة: محمد أبو زهرة، الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، دار الفكر العربي، ط1998م.

3. أحمد: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني ت. 241 هـ، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق : شعيب الأرنؤوط، وعادل مرشد، وآخرين، مؤسسة الرسالة – بيروت – لبنان، ط.2، 1420 هـ، 1999م .

3. الفيروز آبادي: مجد الدِّين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي؛ القاموس المحيط، ت. 817هــــ، دار الجيل، المؤسسة العربية للطباعة والنشر – بيروت، د. ت.

4. الأوقاف الكويتية: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية، ط.2، دار ذات السلاسل، 1404 هـ، 1983م.

4. البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري ت. 256 هـ، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله  وسننه وأيامه، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، مراجعة: محمد تامر، دار الحديث- القاهرة، ط. 1432هـ، 2011م.

4. الفيومي: أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي ت.770هـ، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، المكتبة العلمية– بيروت، د.ت.

5. البزايعة: خالد رمزي سالم كريم البزايعة، جرائم الحرب في الفقه الإسلامي والقانون الدولي، رسالة دكتوراه مقدمة للجامعة الأردنية في سبتمبر 2005م.

5. البيهقي: السنن الصغرى، شرح وتخريج : محمد الأعظمي، المسمى: المنة الكبرى، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع – الرياض – السعودية، ط.1، 1422 هـ، 2001م .

5. مصطفى، والزيات، وعبد القادر: إبراهيم مصطفى، واحمد حسن الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد علي النجار، المعجم الوسيط، تحقيق: مجمع اللغة العربية، طبعة دار الدعوة.

6. البهوتي: منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، ت. 1051ه، كشاف القناع، تحقيق: مصطفى هلال، دار الفكر – بيروت، طبعة سنة 1402ه.

6. الصنعاني: أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني ت. 211 هـ، مصنف عبد الرزاق، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي – بيروت، ط.2، 1403هـ .

7. خديجة: بركاني خديجة، حماية المدنيين في النزاعات المسلحة غير الدولية، رسالة ماجستير مقدمة لجامعة منتوري- قسنطينة – الجمهورية الجزائرية من العام الجامعي 2007م- 2008م.

7. مسلم: أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم النيسابوري ت. 261 هـ، صحيح مسلم، ترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة فياض للطباعة- المنصورة – مصر، بدون سنة الطبعة.

8. الزحيلي: وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر- دمشق، ط.31 ، سنة 1430هـ، 2009م .

9. سيد سابق: السيد سابق، فقه السنة، دار الفتح للإعلام العربي، ط.21، 1420هـ، 1999م

فهرس المصادر والمراجع

مواقع الانترنت:

1. موقع الجزيرة نت، رابط www.aljazeera.net/portal

2. موقع الصليب الأحمر الدولي، رابطwww.icrc.org/ar

3. موقع مجلة البيان، رابط www.albayan.co.uk/

4. موقع منتدي المحامين العرب، رابط www.mohamoon-montada.com/

5. موقع وزارة الأوقاف بغزة، رابط http://palwakf.net/

6. المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان رابط http://pchrgaza.org/ar

لتحميل جميع أعداد (مجلة المرقاة المحكمة) بنسخة Word + pdf :

https://drive.google.com/drive/folders/1ZDoZNZFySzrdmILoMtn-pZ0no9Lbh7VU?usp=sharing



[1]      الفيومي: أحمد بن محمد المقري، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، المكتبة العلمية– بيروت، المصباح المنير (1/97)، ابن فارس: أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون، طبعة اتحاد الكتاب العرب، سنة 1423هـ (1/445)، ابن منظور: محمد بن مكرم، لسان العرب، دار صادر- بيروت، الطبعة الأولى (12/90)، الفيروز آبادي: محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، دار الجيل، المؤسسة العربية للطباعة والنشر – بيروت (ص1405).

[2]      صحيح مسلم: كتاب الفضائل: باب توقيره عليه السلام وترك السؤال (ح2358).

[3]      الماوردي: علي بن محمد، الأحكام السلطانية، تحقيق: أحمد مبارك البغدادي، طبعة دار ابن قتيبة- الكويت عام 1989م (ص438).

[4]      عودة: عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، دار الكتب العلمية- بيروت (1/75).

[5]      الأوقاف الكويتية: الموسوعة الفقهية الكويتية، دار ذات السلاسل، الطبعة الثانية، سنة 1983م (17/129).

[6]      عودة: التشريع الجنائي الإسلامي، مرجع سابق (1/75)، أبو زهرة: محمد أبو زهرة، الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، دار الفكر العربي، طبعة سنة: 1998م (ص20) بتصرف.

[7]      يسري عوض: ماهية الجريمة وتأصيلها الشرعي والقانوني، منتدي المحامين العرب، تاريخ الاطلاع: 10/10/2017م: www.mohamoon-montada.com/

[8]      انظر: المرجع السابق: الموضع ذاته.

[9]      عودة: التشريع الجنائي في الإسلام، مرجع سابق (1/75).

[10]     انظر: إبراهيم مصطفى وآخرون: المعجم الوسيط، تحقيق: مجمع اللغة العربية، طبعة دار الدعوة (1/163)، ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، مرجع سابق (2/38)، ابن منظور: لسان العرب، مرجع سابق (1/302)، الفيروزآبادي: القاموس المحيط، مرجع سابق (ص93).

[11]     سابق: السيد سابق، فقه السنة، دار الفتح للإعلام العربي، طبعة سنة 1999م (2/618).

[12]     الأوقاف الكويتية: الموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق (16/124).

[13]     البهوتي :منصور بن يونس، كشاف القناع، دار الفكر – بيروت، طبعة 1402ه (3/36).

[14]     غمق: ضو مفتاح، نظرية الحرب في الإسلام وأثرها في القانون الدولي، طبعة جمعية الدعوة الإسلامية العالمية (ص62-64).

[15]     المرجع السابق (ص64-66).

[16]     ميثاق محكمة نورمبرغ (مادة رقم 6/ فقرة ب)، نقلاً عن عبد المجيد الصلاحين: بحث أحكام جرائم الحرب وفق التشريعات الإسلامية والقانون الدولي، مجلة الشريعة والقانون- جامعة الإمارات العربية المتحدة – العدد 28 للعام 2006م (ص226).

[17]     عبيد: حسنين صالح، الجريمة الدولية- دراسة تحليلية، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، سنة: 1979م (ص230-231).

[18]     الصلاحين: عبد المجيد، أحكام جرائم الحرب وفق التشريعات الإسلامية والقانون الدولي، مرجع سابق (ص228).

[19]     المرجع السابق (ص229-231).

[20]     تقرير ديفيس عن جرائم حرب الاحتلال في غزة، موقع الجزيرة نت، تاريخ الاطلاع 1/7/2016م، رابط: http://www.aljazeera.net

[21]     تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان السنوي – 2014م (ص11)، تاريخ الاطلاع، 25/10/2017م، رابط: : http://pchrgaza.org/ar

[22]     تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان السنوي – 2009م (ص17)، تاريخ الاطلاع، 25/10/2017م، رابط: http://pchrgaza.org/ar

[23]     تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان السنوي – 2009م، مرجع سابق (ص58-69) : http://pchrgaza.org/ar

[24]     تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان السنوي – 2014م (ص11)، تاريخ الاطلاع، 25/10/2017م، رابط : : http://pchrgaza.org/ar

[25]     مجلة البيان: تدمير مساجد غزة حرب عقائدية يهودية، تاريخ الاطلاع 9/12/2017م رابط: www.albayan.co.uk/

[26]     موقع وزارة الأوقاف بغزة، تقرير حول آثار العدوان الصهيوني على المساجد ومؤسسات الأوقاف، تاريخ الاطلاع 10/12/2017م، رابط التقرير: http://palwakf.net/  

[27]     موقع الجزيرة نت: مساجد غزة الأثرية هدف للعدوان الإسرائيلي، ، تاريخ الاطلاع 10/12/2017م، رابط: www.aljazeera.net/portal

[28]     تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان السنوي – 2014م، مرجع سابق (ص83-84).

[29]     سورة البقرة ( آية 190).

[30]     صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب قتل الصبيان في الحرب (ح3014)، صحيح مسلم: كتاب الجهاد: باب قتل الصبيان والنساء في الحرب (ح1744).

[31]    سنن أبي داود: كتاب الجهاد: باب في قتل النساء (ح2671)، وقال الألباني: صحيح.

[32]     مسند أحمد (ح15992)، قال الشيخ أحمد شاكر: صحيح لغيره، وإسناده حسن.

[33]     سنن أبي داود: كتاب الجهاد: باب في دعاء المشركين (ح2616)، وقال الألباني: ضعيف.

[34]     صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب قتل الصبيان في الحرب (ح3014)، صحيح مسلم: : كتاب الجهاد: باب قتل الصبيان والنساء في الحرب (ح1744).

[35]     الموسوعة الفقهية الكويتية، مرجع سابق (24/155).

[36]     مسند الإمام أحمد: (ح4739)، (ح15588).

[37]     سبق تخريجه.

[38]     الصنعاني: مصنف عبد الرزاق (ح9377).

[39]     البيهقي: السنن الصغرى (ح3839).

[40]     ابن أبي شيبة: المصنف (ح609)، البيهقي: السنن الصغرى ( ح3892).

[41]     الصالحي: كامران، قواعد القانون الدولي الإنساني والتعامل الدولي، مؤسسة كومرياني للبحوث والنشر، أربيل 2008م (ص119).

[42]     اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949م، الباب الأول، المادة رقم (3).

[43]     المرجع السابق (ص120).

[44]     خديجة: بركاني خديجة، حماية المدنيين في النزاعات المسلحة غير الدولية، رسالة ماجستير مقدمة لجامعة منتوري- قسنطينة – الجمهورية الجزائرية من العام الجامعي 2007م- 2008م (ص81)، البزايعة: خالد رمزي سالم، جرائم الحرب في الفقه الإسلامي والقانون الدولي، رسالة دكتوراه مقدمة للجامعة الأردنية في سبتمبر 2005م (ص133).

[45]     صحيح مسلم: كِتَابُ الزُّهْدِ وَالرَّقَائِقِ: باب فَضْلِ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ (ح5298).

[46]     الطبري: محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، دار الكتب العلمية – بيروت، طبعة سنة 1407هـ (2/449).

[47]     سورة الحج (40).

[48]     الناصري: محمد المكي، التيسير في أحاديث التفسير، دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، طبعة 1985م (4/180).

[49]     القرطبي: محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، مكتبة الصفا– القاهرة، طبعة سنة: 2005م (12/66)، ابن عاشور: محمد الطاهر، التحرير والتنوير، دار سحنون للنشر والتوزيع – تونس، طبعة سنة: 1997م (9/283).

[50]     القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (12/66).

[51]     فرنسوا بونيون: نشأة الحماية القانونية للممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح ضمن إطار القانون الدولي الإنساني التعاقدي والعرفي، موقع الصليب الأحمر الدولي، تاريخ الاطلاع 15/12/2017م، رابط: https://www.icrc.org

[52]     اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية الصادرة، موقع الصليب الأحمر الدولي، تاريخ الاطلاع 15/12/2017م، رابط: https://www.icrc.org

[53]     البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لعام 1954الخاص بحماية الممتلكات الثقافية، موقع الصليب الأحمر الدولي، تاريخ الاطلاع 15/12/2017، رابط:  https://www.icrc.org

[54]     الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977، موقع الصليب الأحمر الدولي، تاريخ الاطلاع 15/12/2017م، رابط: https://www.icrc.org

[55]     الملحق (البروتوكول) الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977، موقع الصليب الأحمر الدولي، تاريخ الاطلاع 15/12/2017م، رابط: https://www.icrc.org

[56]     نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه 1998م ، موقع الصليب الأحمر الدولي، تاريخ الاطلاع 15/12/2017م، رابط: https://www.icrc.org