إعداد الباحثين

د. عبد الرحمن سلمان الدايه

أستاذ الفقه المقارن المساعد بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة.

أ.محمد شاكر البنا

ماجستير الشريعة الإسلامية- الجامعة الإسلامية بغزة.

ملخص البحث

يتناول البحث مسألة: (إجهاض حمل السفاح- دراسة فقهية مقارنة)، ويعرضها في مقدمة، ومبحثين، وخاتمة.

ضُمِّنت المقدمة الحديث عن: رحمة الإسلام بالعالمين، وأما المبحث الأول: فضُمِّنَ الحديثَ عن: الإجهاض من حيث حقيقته وأنواعه وحكم كل نوع منها، وأما المبحث الثاني؛ فوسمناه بـ: إجهاض الحامل بغير نكاح شرعي، سواء أكانت المرأة راضية أو مكرهة.

ثم خُتِمَت الدراسة بأهم النتائج التي ترجحت عند الباحث، ومنها: أنه لا حرج في الإجهاض الطبيعي؛ لأنه محض ابتلاء من الله، ولا حرج كذلك في الإجهاض العلاجي اتفاقاً، إذا أقر الطبيب الحاذق أن سلامة الأم مهددة بالخطر، وترجح عندنا: منع إجهاض الجنين المشوه، سواء كان التشوه مظنوناً أو مقطوعاً به، وحظر إجهاض الجنين في جميع مراحله، لأي باعث كان؛ وإن كان الحمل من سفاح برضى أو بإكراه.

Research Summary

The research deals with the issue: (abortion incest – comparative doctrinal study), and presented in an introduction, and researchers, and a conclusion.

The introduction included talk about: the mercy of Islam in the worlds, and the first topic: included the talk about: abortion in terms of its truth and types: and addressed in two demands, the first in: the fact of abortion in language and convention, and the second: in the three types of abortion: natural, therapeutic, and fetal malformation, We showed during the study the rule of each type.

As for the second topic, we called it: abortion of the pregnant without legitimate marriage, and we discussed in his first demand: the rule of abortion pregnancy satisfied with the serial killer, and made us his second demand in: the rule of abortion to carry the hatred on the serial killer, and we discussed the rule of each case.

Our study focused on the presentation of a phenomenon affecting the security and safety of society, by showing the creation of compassion for the embryos, mothers, and preserve their lives.

The motive was to shed light on the issue: the displacement in the scene, the killing of many Muslims across the country, particularly Syria, Libya, Yemen, and so on, and separating infants from their mothers.

Our study on the descriptive and analytical approach was adopted by presenting the picture of the issue and then going into its details;

The study concluded with the most important results likely to the researcher, including: that there is nothing wrong with natural abortion;

We are likely to: Prevent abortion fetal deformation, whether the deformation is suspected or cut it, and prohibit abortion of the fetus at all stages, for any emitter whatsoever; whether the pregnancy of incest with consent or coercion.

مقدمة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

إن شريعة الإسلام جاءت رحمة للعالمين، إنسهم وجنهم، وكل ذات كبد رطبة، وقد عايش الناس هذه الرحمة واقعاً في أخلاق النبي r التي كان يتمثل بها وحي ربه عز وجل.

وقد حث النبي r أمته على لزوم هذا الخلق السامق قائلاً: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)([1]).

وحذر من مجاوزته إلى الجفاء والشقاء قائلاً: (لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ)([2]).

ولقد شهد الواقع صوراً مروعةً من القسوة والجفاء في التعامل مع الأجنة غير الشرعيين، ومع أمهاتهم؛ حتى عدا كثير من الناس على الجنين بالإجهاض أحياناً، وعلى الأم والجنين أحياناً أخرى.

ورغبة مني في بيان حكم ذلك؛ سطرت هذه الصفحات؛ راجياً أن تكون سبباً في كشف اللثام عن حكمها، ومساهمة في رحمة المستضعفين، والله الموفق.

وقد جعلت هيكلية البحث على النحو التالي:

أولاً: مشكلة البحث:

تكثر جرائم الحمل السفاح, والإجهاض الجنائي, وما تجره خلفها من جرائم أخرى, ترتكب بدافع شريف, داخل المجتمعات المغلقة والشرقية خاصة، إضافة إلى أن حمل السفاح والإجهاض الجنائي, يتم في السر غالباً, وتجري أحداثه في الخفاء، أحببنا أن نجلي أحكامه الشرعية بما يوائم مقاصد الشريعة الغراء.

ثانياً: أسئلة البحث:

  • ما هي أنواع الإجهاض في علم الطب والشريعة الإسلامية؟
  • ما مدى تأثير الجناية على العرض في الإجهاض؟
  • ما حكم إجهاض حمل السفاح؟
  • هل الأسباب الدافعة للإجهاض مقبولة شرعاً؟

ثالثاً: أهداف البحث:

يهدف البحث إلى الأمور التالية:

  • إظهار خطورة الإجهاض.
  • مدى الحاجة إلى بيان حكم الإجهاض بكل أنواعه.

رابعاً: أهمية البحث:

تكمن أهمية البحث في أنه يبحث في ظاهرة تمس أمن وحضارة المجتمع وسلامته، وذلك من خلال إظهار خلق الرحمة بالأجنة، والأمهات، والحفاظ على حياة كل منهما.

خامساً: الدراسات السابقة:

كثرت الدراسات في موضوع الإجهاض؛ لأهميته، وحضوره الظاهر في الواقع المعاش، وَقَلَّ من كتب في إجهاض حمل السفاح بعناية واستقصاء، وإنَّ أجود ما كتب فيه الجهد المقدم من الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله في بحثه الموسوم بـ: مسألة تحديد النسل.. وقاية وعلاجاً، وقد أفدت منه فائدة نافعة، غير أني انتهيت إلى خلاف ما يراه؛ لأمور ذكرتها في موضعها، أبرزها تفريق الشيخ بين مرحلة ما قبل التخلق وما بعده، الأمر الذي أرى الحق في خلافه، مع ما ينبي على هذا التفريق من أحكام.

والجهد المقدم من الدكتور عمر غانم حفظه الله في كتابه: أحكام الجنين في الفقه الإسلامي، وقد تميز حسناً فيما كتب، غير أنه لم يبلغ الدقة في عزو الفوائد إلى مظانها من كتب الفروع، ولم يستقرئ أدلة المذاهب في الموضوع، ولم يولها ما يشبع من وجوه الاستدلال والمناقشة.

والجهد المقدم من مجموعة من الباحثين في كتاب: قضايا طبية معاصرة في ضوء الشريعة الإسلامية، غير أن البحث يعرض آراءهم دون ذكر أدلة ولا مناقشة.

سادساً: منهجية البحث:

تعتمد الدراسة على المنهج الوصفي، والتحليلي، من خلال عرض صورة المسألة، ومن ثم تتبع آراء الفقهاء فيها، والأطباء عند الحاجة إليه؛ وصولاً إلى الرأي المختار.

سابعاً: خطة البحث:

يتكون البحث من مقدمة، ومبحثين، وخاتمة.

أما المقدمة: فتحدثت فيها عن رحمة الإسلام بالعالمين.

المبحث الأول: الإجهاض حقيقته وأنواعه

المبحث الثاني: إجهاض الحامل بغير نكاح شرعي

الخاتمة: وتشمل أهم النتائج.

والله أرجو التوفيق والسداد.

المبحث الأول: الإجهاض حقيقته وأنواعه

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: حقيقة الإجهاض في اللغة والاصطلاح والألفاظ ذات الصلة:

أولاً: الإجهاض في اللغة:

الْجِيمُ وَالْهَاءُ وَالضَّادُ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ زَوَالُ الشَّيْءِ عَنْ مَكَانِهِ بِسُرْعَةٍ. يقال: أجهضته، أي أعجلته، وأجهضته عن مكانه: أزلته عنه. وَأَجْهَضَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا، فَهِيَ مُجْهِضٌ، والجَهِيض: الجنين الَّذِي انفصل عن أمه من غير أن يعيش([3]).

ثانياً: الإجهاض في الاصطلاح:

للفقهاء تعريفات للإجهاض كلها تدور حول معنى واحد، إليك بعضاً منها:

عرفه جاد الحق بأنه: “إلقاء المرأة جنينها قبل أن يستكمل مدة الحمل ميتا أو حيا دون أن يعيش وقد استبان بعض خلقه بفعل منها كاستعمال دواء أو غيره أو بفعل من غيرها([4]).

وعرفه بعضهم بأنه: ” إِلْقَاءِ الْحَمْل نَاقِصَ الْخَلْقِ، أَوْ نَاقِصَ الْمُدَّةِ، سَوَاءٌ مِنَ الْمَرْأَةِ أَوْ غَيْرِهَا” ([5]).

وانتهى الباحث إلى أنه: خروج الجنين من رحم أمه ولو بقصدٍ هالكاً، أو يهلك من ذلك.

شرح التعريف:

قولي: (خروج الجنين من رحم أمه) جنس يشمل كل طرائق الخروج، إن كان من قُبل المرأة أو بشق بطنها، و(الجنين) ما استتر من الولد في رحم أمه، مخلقاً أو غير مخلق، ذكراً أو أنثى، و(الرحم) الظرف الذي يكون فيه الولد، ويكون من المرأة في أسفل بطنها.

وقولي: (ولو بقصد) قيد قصدت منه الإشارة إلى أن الإجهاض يكون بقصد من الأم، وبغير قصد، كأن يغلبها المخاض؛ فيخرج مع العجز عن منعه.

وقولي: (هالكاً) قصدت به هلاكه لا عن سبب من أمه؛ فيخرج منها وهو كذلك.

وقولي: (أو يهلك من ذلك) قصدت به أن يكون الجنين حياً في رحم أمه، ثم يهلك بسبب منها، معتبراً في الشرع؛ كما لو خيف منه على نفسها بالفوت، أو غير معتبر؛ كبغضها للولد، أو حرصها على الجمال، أو دفع التهمة عن نفسها لو كان الجنين من سفاح؛ فيهلك بذلك.

ثالثاً: الألفاظ ذات الصلة:

  1. الإسقاط: السِّقط: الولد ذكراً كان أو أنثى يسقط قبل تمامه، وهو مستبين الخلق([6]).

وفي تاج العروس: “الولد يسقط من بطن أمه لغير تمام”([7]). ولم يشترط كونه مستبين الخلق.
وجاء في المصباح المنير، يقال: سقط الولد من بطن أمه سقوطاً، فهو سقط بالكسر. وأسقطت الحامل: ألقت سقطاً.

والإسقاط في اصطلاح الفقهاء: تبين لنا من تعريف الإسقاط لغة أنه يطلق على إلقاء الحمل ناقصاً سواء كان النقص في المدة، أو كان النقص في الخلق. وتعريف الفقهاء لا يخرج عن هذا المعنى.

عرف ابن عابدين الإجهاض في رسائله فقال: “هو إنزال الجنين قبل أن يستكمل مدة الحمل”([8]).

  • الوأد: وهو في اللغة: إخفاء الشيء ([9]).

وأما في اصطلاح الفقهاء فهو: دفن الجارية وهي حية وقد سميت بالمؤودة لما يطرح عليها من التراب، فيؤودها، أي: يثقلها حتى تموت([10])، ومنه قوله تعالى: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} [سورة البقرة، آية255].

وللفقهاء ألفاظ مرادفة لمعنى الإسقاط والإجهاض، وهي تؤدي نفس المعنى منها: الإلقاء، الإملاص، الإنزال، الإخراج، الطرح.

المطلب الثاني: أنواع الإجهاض

للإجهاض أنواع أربعة: طبيعي، وعلاجي، وجنائي([11])، وهاك بيانها:

الأول: الإجهاض الطبيعي

كأن يهلك الجنين في الرحم حتف أنفه، أو بأسباب لم تقصد إليها أمه، كسوء تغذية، أو تعرضها لخوف، أو تعب، أو مرض ينشأ عنه هلاك الجنين أحياناً؛ فيطرده البدن بقدرة الله تعالى.

وهذا فعل من أفعال الله تعالى، لا يُسأل عنه العبد؛ لأنه ليس من أحكام التكليف، إلا من جهة كونه ابتلاءً، فيُطالب العبد فيه بالصبر والاحتساب، ومجاهدة النفس على الرضا.

والثاني: الإجهاض العلاجي

وهو الذي ينشأ بفعل الطبيب لباعث معتبر شرعاً، كما لو رأى الطبيب الحاذق أن بقاء الجنين في رحم الأم سيقتلها بالقطع، أو بالظن الراجح، فَيُؤْثِرُ سلامة الأم المقطوع بحياتها، على الجنين غير كامل الحياة، فضلاً عن أنها دون القطع.

ولا أعلم خلافاً في جواز الإجهاض والحالة هذه؛ إنقاذاً للأم ذات الحياة الكاملة، إذ هي أولى بالاعتبار من سلامة الجنين ذي الحياة الناقصة، على أن ترك الإجهاض قد ينشأ عنه فوتهما معاً، ولا كذلك في اعتباره (أي: الإجهاض).

وعمدة أهل العلم في ذلك: قواعد اعتبار أخف الضررين، ودفع أشد المفسدتين، واعتبار المصلحة الراجحة، واستدفاع المفسدة الراجحة التي محلها تزاحم الضررين أو الشرين إذا لم يكن مناصاً من مكابدة أحدهما، من تلك القواعد: (الضرر الأشد يزال بالضرر بالأخف)، و(تقديم أهون الشرين واجب)، و(دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة)، و(الضرورة تبيح المحظور)، ولا يخفى في مسألتنا تعارض مصلحة الأم الحامل، مع مصلحة جنينها، والأولى أعظم من الثانية، ولك أن تقول: تعارض دفع مفسدة هلاكها مع مفسدة هلاك جنينها، والأولى أعظم من الثانية، ولك أن تقول: تعارض مصلحة بقاء الأم مع هلاك جنينها، والأولى أولى من الثانية.

قال ابن القيم رحمه الله في اعتبار هذا الأصل جمالات وكمالات ما أحسنها، منها: وَإِذا تَأَمَّلت شرائع دينه الَّتِي وَضعهَا بَين عباده وَجدتهَا لَا تخرج عَن تَحْصِيل الْمصَالح الْخَالِصَة أَو الراجحة بِحَسب الْإِمْكَان وإن تزاحمت قدم أهمها وأجلها وَإن فَاتَت أدناهما وتعطيل الْمَفَاسِد الْخَالِصَة أَو الراجحة بِحَسب الْإِمْكَان وَأَن تزاحمت عطل أعظمها فَسَادًا بِاحْتِمَال أدناهما وعَلى هَذَا وضع أحكم الْحَاكِمين شرائع دينه دَالَّة عَلَيْهِ شاهدة لَهُ بِكَمَال علمه وحكمته ولطفه بعباده وإحسانه إِلَيْهِم وَهَذِه الْجُمْلَة لَا يستريب فِيهَا من لَهُ ذوق من الشَّرِيعَة وارتضاع من ثديها وورود من صفو حَوْضهَا وَكلما كَانَ تضلعه مِنْهَا أعظم كَانَ شُهُوده لمحاسنها ومصالحها أكمل وَلَا يُمكن أحد من الْفُقَهَاء أَن يتَكَلَّم فِي مآخذ الْأَحْكَام وعللها والأوصاف المؤثرة فِيهَا حَقًا وفرقا إِلَّا على هَذِه الطَّرِيقَة([12]).

وقال رحمه الله: من أصول الشريعة أنه إذا تعارضت المصلحة والمفسدة قدم أرجحهما([13]).

وقال رحمه الله: ومبنى الشريعة على دفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما، وتحصيل أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، بل بناء مصالح الدنيا والدين على هذين الأصلين([14]).

وقال رحمه الله: وقاعدة الشرع والقدر تحصيل أعلى المصلحتين وإن فات أدناهما، ودفع أعلى المفسدتين وإن وقع أدناهما، وهكذا ما نحن فيه سواء؛ فإن مصلحة تمليك الرجالِ الطلاقَ أعلى وأكبَرُ من مصلحة سده عليهم، ومفسدةُ سدِّه عليهم أكبر من مفسدة فتحه لهم المُفْضِية إلى ما ذكرتم. وشرائع الرب سبحانه وتعالى كلها حِكمٌ ومصالح وعدل ورحمة، وإنما العبث والجور والشِّدة في خلافها([15]).

وقال رحمه الله: إِن الشَّرِيعَة مبناها على تَحْصِيل الْمصَالح بِحَسب الْإِمْكَان وَأَن لَا يفوت مِنْهَا شَيْء فَإِن أمكن تَحْصِيلهَا كلهَا حصلت وَإِن تزاحمت وَلم يُمكن تَحْصِيل بَعْضهَا إِلَّا بتفويت الْبَعْض قدم أكملها وأهمها وأشدها طلبا للشارع([16]).

وقال رحمه الله: إِنَّ حِكْمَةَ الشَّارِعِ اقْتَضَتْ رَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ مَا أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُهُ إلَّا بِضَرَرٍ أَعْظَمَ مِنْهُ بَقَّاهُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ رَفْعُهُ بِالْتِزَامِ ضَرَرٍ دُونَهُ رَفَعَهُ بِهِ([17]).

فإذا تعارض مفسدة ومصلحة، وكانت المفسدة أعظم من المصلحة؛ وجب تقديم دفع المفسدة، وإن استلزم ذلك تفويت المصلحة؛ لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات؛ لقوله r: (فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ)([18]).

والفروع الفقهية التي بناها الفقهاء على هذا النظر كثيرة، كمثل ما قُرِّرَ عندهم من قطع العضو المتآكل إذا كان بقاؤه يهدد حياة صاحبه بالهلاك.

قلت: فيمكن القول بارتياح: إذا جاز قطع عضو تسري فيه الحياة؛ حفاظاً على حياة صاحبه، جاز إسقاط جنين لم تستقر حياته بعد؛ حفظاً على حياة أمه ذات الحياة المستقرة.

ولا يصار إلى الإجهاض والحالة هذه إلا إذا قطع بحصول الضرر، وقد ذكر العلماء شروطاً في ذلك، أهمها الآتي([19]):

  1. أن تكون أسباب الضرورة قائمة لا متوقعة، أي: أن تكون المخاوف مستندة إلى دلائل واقعة بالفعل.
  2. أن تكون نتائج هذه الدلائل القائمة بالفعل نتائج يقينية، أو غالبة على الظن بموجب أدلة علمية لا اعتماداً على أوهام أو تخمين.
  3. أن تكون المصلحة المستفادة من إباحة المحظور بسبب هذه الضرورة أعظم أهمية في ميزان الشرع من المصلحة المستفادة من تجنب المحظور، وإهمال أسباب الضرورة. وبتعبير آخر نقول: أن تكون المفسدة المترتبة على تجنب المحظور أعظم خطراً من المفسدة المترتبة على ارتكابه.
  4. ويجب الاقتصار على المقدار الذي تدفع به الضرورة؛ لأنها تقدر بقدرها؛ قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]([20]).

والثالث: الإجهاض لتشوه الجنين

إذا كان الجنين مشوهاً، وثبت ذلك بالظن لا بالقطع، فضلاً عن الشك والوهم؛ فلا خلاف في حظره؛ لاحتمال الخطأ، وحصول السلامة.

والعمدة في ذلك: أدلة سمعية، منها:

  1. قوله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151].

وجه الدلالة: أن (أولادكم) جمع معرف بالإضافة؛ فعمَّ كل ولد، جنيناً ووليداً، ذكراً وأنثى، قد حرم قتلهم دفعاً للفقر المتوقع بهم، ويلحق بالإملاق كل باعث فاسق.

  • وقال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151].

وجه الدلالة: أن النفس في الآية جنس حلي بأل الاستغراق، فشمل كل نفس، جنيناً أو وليداً، ذكراً أو أنثى، فقد حرم قتلها إلا بالحق، وهو ما كان مؤيداً بدليل معتبر في الشرع.

  • وقال تعالى:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8- 9].

وجه الدلالة: أن الله تعالى يسأل يوم القيامة كل ظالم قد وأد ابنته لأي باعث جاهل، والوأد يصدق على الجنين المستتر في بطن أمه، وعلى الوليدة المنفصلة عنها.

ألا ترى أن النبي r قد استعمل الوأد فيمن يفسد منيه بالعزل؛ فعَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رضي الله عنها قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ r فِي أُنَاسٍ … ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: (ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ)([21])؛ فاستعماله في قتل الجنين أظهر.

  • وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (…وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ..)([22]).

وجه الدلالة منه تقدم في تعليقنا على آية الأنعام.

  • وعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ رضي الله عنهما قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، أَنَّهُ شَهِدَ حَجَّةَ الوَدَاعِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَذَكَّرَ وَوَعَظَ ثُمَّ قَالَ: (أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ، أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ، أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ؟) قَالَ: فَقَالَ النَّاسُ: يَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ..)([23]).

وجه الدلالة: قوله: (وَلَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِه) خبر بمعنى الطلب، وذكر الوالد على جهة الأغلب، والولد مستعمل في الوليد والجنين؛ فاقتضى ذلك تحريم الإجهاض لغير سبب معتبر.

وإذا قطع بالتشوه؛ فالعلماء على خلاف في حكم الإجهاض، فمن قائل بالجواز إذا كان قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل، وبطلب من الوالدين، منهم: المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي([24])، والدكتور يوسف القرضاوي([25])، والباحث عمر غانم([26])، وغيرهم.

وعمدتهم في ذلك: دفع أعظم المفسدتين، وما قد يلحق المولود المشوه من مشاق وصعوبات في حياته، وما يسببه لذويه من حرج وللمجتمع من أعباء ومسؤوليات وتكاليف في رعايته والاعتناء به.

قلت: ليس قولهم هذا بعذر معتبر في الإجهاض لأجل التشوه؛ فإن المتأمل في سنة الله القدرية الكونية يجد أن الجنين المشوه لا تستقر له حياةٌ غالباً، فإما أن يهلك وهو في الرحم، أو يهلك فور انفصاله عن أمه، وعلى فرض بقائه حيَّاً فهو ابتلاء لأبويه؛ أيصبرون أم يجزعون، فضلاً عن أنَّ حصول هذا في الورى موعظة لأهل العافية أن يشكروا الله تعالى على ما أَوْلَاهُم، وليلحوا عليه بالدعاء في دوام النعمة، وسلامة الولد.

ومن قائل بالحظر، منهم اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية حرسها الله([27])، والشيخ عبد الله البسام([28])، والدكتور عبد الله حسين سلامة([29])، وغيرهم.

وعمدتهم في ذلك: ما قدمنا من أدلة في تقرير المنع من الإجهاض عند ظن التشوه، أو الشك فيه، وقد ترك ذكرها هنا؛ دفعاً للتكرار.

ومن أدلتهم: أن معظم أخبار الطب مظنونة، ويكاد القطع يتعذر في موضوعنا، فكم من جهاز كشف، وقرار طب يقضي بالتشوه والإجهاض؛ فتأبى الأم والولي، فينفصل الجنين وليداً كاملاً.

وعلى فرض التشوه؛ فإن الأصل احترام الجنين أيَّاً كان شكله، وحفظ كرامته، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70].

والرابع: الإجهاض الجنائي

وهو الذي تعمد إليه الحامل لسبب غير معتبر في الشرع، كمراعاة جمال، أو شهوة نكاح، أو كثرة ولد، أو بغض جنس، أو دفع فقر، أو نحوها.

والحديث عن حكم الإجهاض الجنائي عند الفقهاء كان على حالتين:

إحداهما: الجناية على الجنين قبل تخلقه، والثانية: الجناية عليه بعد تخلقه.

وإليك الحديث عن ذلك مفصلاً.

المسألة الأولى: إجهاض الجنين قبل تخلقه:

اختلف العلماء في حكم المسألة على ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: أفاد جواز الإجهاض في مرحلة ما قبل التخليق، وبه قال بعض الحنفية، منهم: البلدحي، وبدر الدين العيني، والكسائي، ومن المالكية: اللخمي، ومن الشافعية الرملي، والكرابيسي والفراتي، وبعض الحنابلة، منهم: المرداوي صاحب الإنصاف وهو علي بن سليمان الدمشقي، والبهوتي، والتغلبي صاحب نيل المآرب.

ومن المعاصرين: علي الطنطاوي، ومحمد سلامة مدكور، ومصطفى الزرقا، ومحمد سعيد البوطي.

قال البلدحي رحمه الله: امْرَأَةٌ عَالَجَتْ فِي إِسْقَاطِ وَلَدِهَا لَا تَأْثَمُ مَا لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ([30]).

قال العيني رحمه الله: لو لم يستبن شيء من خلقه لا يكون بمنزلة الولد وهو إن كان علقة فلا حكم لها في حق هذه الأحكام([31]).

وقال الكسائي رحمه الله: وَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجَنِينٍ([32]).

وقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ رحمه الله: سَأَلَتْ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي سَعِيدٍ الْفُرَاتِيَّ عَنْ رَجُلٍ سَقَى جَارِيَتَهُ شَرَابًا لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا فَقَالَ: مَا دَامَتْ نُطْفَةً أَوْ عَلَقَةً فَوَاسِعٌ لَهُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ثم قال الرملي رحمه الله: وَيَقْوَى التَّحْرِيمُ فِيمَا قَرُبَ مِنْ زَمَنِ النَّفْخِ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُ، ثُمَّ إنْ تَشَكَّلَ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ وَأَدْرَكَتْهُ الْقَوَابِلُ وَجَبَتْ الْغُرَّةُ ([33])([34]).

وقال المرداوي رحمه الله: يَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لِإِسْقَاطِ نُطْفَةٍ…وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: أَنَّهُ يَجُوزُ إسْقَاطُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ([35]).

وقال البهوتي رحمه الله: لو أَسْقَطَتْ مَا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ، أَوْ أَلْقَتْ مُضْغَةً، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ الْقَوَابِلِ أَنَّهُ مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ لَوْ بَقِيَ تَصَوَّرَ آدَمِيًّا؛ فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ([36]).

وقال التغلبي رحمه الله: ويجوز للرجلِ شُرْبُ دواءٍ مباح لا محرّم يمنع الجماعَ، ككافور ونحوِه.

وللأنثى شربه -أي الدواءِ المباح- لِإلقاء نطفةٍ و لحصولِ الحيضِ، ولقطعِهِ أي الحيض مع أمن الضرر([37]).

وقال علي الطنطاوي رحمه الله: للزوجين الحرية أن يمتنعا عن المقاربة التي تسبب الحمل أو يتخلصا منه في بدايته، بشرط أن يكون التخلص منه بوسيلة ليس فيها ضرر على الجسد، ولا مخالفة للشرع، كأن يكون إسقاط الحمل في بدايته بدواء لا يضر، أو بحقنة في العضل مثلاً([38]).

وقال محمد مدكور رحمه الله: إننا نرى جواز إخراج النطفة الملحقة قبل أن تدخل في الرحم وتستقر فيه بالعلوق في جداره، أي: قبل الأسبوع الأول، كما هو معروف في الطب…وإذا جاز التسامح والقول بإباحة الإجهاض إلى مرحلة تخليق المضغة، أي: ما قبل الأربعين يوماً أخذاً بقول الكثير من فقهاء المذاهب، فإننا لا نستسيغ أبداً القول بإباحة الإجهاض بعد ذلك إلا لضرورة تقتضيه([39]).

وقسم الشيخ مصطفى الزرقا الأشهر الأربعة الأولى إلى مرحلتين، وقال: ” فإما أن يكون الجنين قد تخلق وظهر بعض الأعضاء فيه أو لم يظهر فيه عضو بعد فإذا لم يكن قد تخلق فيه بعض الأعضاء فمن الفقهاء من يرى إسقاطه كمنع الحمل من حيث الجواز بإذن الزوج؛ لأنه لم يكتسب شيئا من الصفات الإنسانية بعد، والرأي الفقهي الراجح أن إسقاطه بغير عذر مكروه، ومعنى المكروه أنه محظور دينا تحت رتبة الحرام ويوجب احتمال الإثم ” الخطيئة”؛ لأنه جزء متهيئ لأن يصير إنسانا غير أنه لا يترتب على إسقاطه تبعات جزائية أو مدنية سوى المسؤولية الدينية..، وأما إذا كان قد تخلق في الحمل بعض الأعضاء؛ فإنه يصبح إسقاطه في الأصل محظوراً قولاً واحداً على كلا الزوجين بلا عذر موجب([40]).

وقال البوطي رحمه الله: الحكم الراجح في مسألة الإجهاض..جواز إسقاط المرأة حملها إذا لم يكن قد مضى على الحمل أربعون يوماً، وهي المدة التي يبدأ الجنين بعدها بالتخلق. بشرط أن يكون الحمل ثمرة نكاح صحيح، وأن يكون الإسقاط برضى الزوج. وأن يثبت لدى الطبيب الموثوق عدم استلزام لك ضرراً بها([41]).

 وعمدتهم في ذلك ما يلي:

أفاد البوطي رحمه الله وهو أكثر من أجاد، وأقوى من كتب في هذا الموضوع – فيما أظن: أنه لما جاز عزل الرجل ماءه عن المرأة اتقاءً للحمل، ولا يخفى عما فيه من هدر لماء الرجل، وهلاك حيوان المنِيّ الحي؛ جاز إجهاض النطفة التي ألقيت في الرحم، ولم تبدأ بها مراحل الجنين؛ ذلك لأنا لا نكاد نجد فرقاً بين النطفة المتجهة إلى الرحم لتتحول بمشيئة الله بعد حين إلى جنين، والنطفة المستقرة فيه قبل أن تتحول إلى مضغة يسري فيها معالم الصورة والتخلق.

كلاهما نطفة. كلاهما سائر في سبيل التحول إلى جنين، فإذا قلنا بجواز قطع السبيل عليها في الحالة الأولى بواسطة العزل، فيجب أن نقول بمثل ذلك في الحالة الثانية بواسطة الإسقاط. والجامع بينهما أن كلاهما نطفة، وكل منهما مهيأ لأن يصبح بعدُ بشراً سوياً.

وإذا قلنا بحرمة قطع السبيل عليها في الحالة الثانية عن طريق الإجهاض؛ فلا بد أن نقول بحرمة ذلك في الحالة الأولى عن طريق العزل؛ ذلك لأن اختلاف الوسائل ما ينبغي له أن يكون ذا تأثير في اختلاف الحكم ذاته…وإني أقول: بما ان أصل الاستعداد للحياة موجود في النطفة منذ انفصالها عن الرجل (وبقطع النظر عن الشروط التي لا بد منها)، وبما أن الحياة الحقيقية لا تسري بالفعل في النطفة أو ما تتحول إليه، إلى أن يمضي على بدء الحمل أربعة أشهر تقريباً- فإن إهدار النطفة يجب أن يأخذ حكماً واحداً، سواء كان ذلك عن طريق العزل، أو بوساطة الإجهاض، ما دامت لم تتحول بعد إلى مضغة أخذ يستبين فيها ملامح الصورة الإنسانية.

وبما أن الأحاديث الواردة في حق العزل دالة في جملتها على الجواز كما أسلفنا؛ فهي نفسها دالة بواسطة القياس الجلي على جواز إسقاط النطفة ما لم تدخل في طول التخلق بعد.

ولعلك تقول: فما دامت العبرة إنما هي بالحياة الحقيقية إذ تدب في الجنين، وان هذه الحياة لا تسري فيه إلا بعد انقضاء أربعة أشهر من بدء الحمل، فليكن الإسقاط جائزاً، كما قال كثير من الحنابلة، إلى حين ينفخ الروح في الجنين، قياساً على العزل، إذ كما لا فرق بين النطفة إذ يعزلها الرجل عن المرأة في حال الجماع والنطفة إذ تستقر في الرحم، كذلك لا فرق بين النطفة إذ تكون علقة، والنطفة إذ تتحول إلى مضغة أخذت تلوح فيها معالم البشرية، إذ هي في كل هذه الاحوال مجردة عن الروح.

والجواب: أن الحامل على إلحاق المضغة المتخلقة، بالجنين الذي سرت في الروح، لا بالنطفة التي لم تتخلق بعد، هو الأحاديث الصحيحة الواردة في حكم العدوان على الجنين، وهي كثيرة.

فمنها ما رواه الشيخان عن أبي هريرة t أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها، فقضى رسول الله r فيها بغرة عبد أو أمة.

ومثله ما رواه الشيخان عن أبي هريرة t أنه r قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة.

وبيان ذلك أن هذه الأحاديث لم تقيد الجنين بمرحلة ما بعد نفخ الروح، بل أطلقته بصدد حكم العدوان عليه. أي: فمناط الحكم هو مطلق العدوان على الجنين بوصف كونه جنيناً، فاستوى في ذلك أن يكون الجنين قد نفخت فيه الروح أو لم تنفخ فيه بعد.

غير أننا أخرجنا مرحلة ما قبل التخلق من شمول الحكم؛ لأن الصحيح أن اسم الجنين إنما يطلق على المضغة منذ أن يبدأ فيها التخلق فأما قبل ذلك فلا يطلق لفظ الجنين عليه.

يقول الإمام المزني نقلاً عن الإمام الشافعي t: وَأَقَلُّ مَا يَكُونُ بِهِ جَنِينًا أَنْ يُفَارِقَ الْمُضْغَةَ وَالْعَلَقَةَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقٍ آدَمِيٍّ أُصْبُعٌ أَوْ ظُفُرٌ أَوْ عَيْنٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ([42]).

فمن أجل هذا ألحقت المضغة المتخلقة بمرحلة ما بعد نفخ الروح، إذ يسري عليها اسم الجنين، وقد عرفت حكم إسقاط الجنين من الأحاديث التي ذكرت لك بعضها، أما ما لم يتخلق بعد، فقد بقي حكم إسقاطه على الأصل من الجواز، بالإضافة إلى أن هذا الأصل يدعمه القياس على حكم العزل، وقد عرفته من الأحاديث الواردة فيه.

وهكذا، فإننا نستطيع أن نطمئن –بناءً على ما أوضحناه من الأسباب- إلى أن الحكم الراجح في مسألة الإجهاض هو ما اتفق عليه فقهاء الشافعية والحنفية، وهو جواز إسقاط المرأة حملها إذا لم يكن قد مضى على الحمل أربعون يوماً، وهي المدة التي يبدأ الجنين بعدها بالتخلق. بشرط أن يكون الحمل ثمرة نكاح صحيح، وأن يكون الإسقاط برضى الزوج، وأن يثبت لدى الطبيب الموثوق عدم استلزام ذلك ضرراً بها([43]).

قلت: إن قياس فضيلة الشيخ رحمه الله قتل حيوان المني بالعزل على إجهاض النطفة بعدما امتزجت بالبويضة، وكان بهما أول مراحل تكوين الجنين في بطن أمه، وإن عضده بفهمه من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أن النبي r قال: (يَدْخُلُ الْمَلَكُ عَلَى النُّطْفَةِ بَعْدَ مَا تَسْتَقِرُّ فِي الرَّحِمِ بِأَرْبَعِينَ، أَوْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبَانِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى؟ فَيُكْتَبَانِ، وَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَثَرُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ، ثُمَّ تُطْوَى الصُّحُفُ، فَلَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ)([44]) ضعيف عندي؛ إذ ليس فيه ما يدل أن النطفة بعد التلقيح أثناء هذه المدة ليست من مراحل تكوين الجنين؛ يؤيد هذا: ما رواه الشيخان عن ابن مسعود t أن النبي r قال: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ…)([45]).

فظاهر بدلالة العبارة من قوله: (يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) أن النطفة إذا وَجَدَتْ سبيلها إلى البويضة كانت أول مراحل التكوين.

ويتجلى ضعفه في أن المقيس عليه وهو العزل أصل مختلف في حكم جوازه، قال الثلاثة: المالكية والشافعية والحنابلة هو مكروه تنزيهاً([46])، وقال الحنفية: بل هو مكروه تحريماً([47])، ومعلوم أن من شروط القياس الصحيح كون الأصل (المقيس عليه) متفقاً عليه عند أهل العلم.

وإن اعتماد الشيخ رحمه الله على كلام المزني([48]) رحمه الله لا ينهض إلى قول النبي r من حديث ابن مسعود t آنف الذكر، مع التنبيه أن الإمام الشافعي رحمه الله قد ساق هذا في معرض بيان الحد الذي تثبت به الغرة -أي: دية الجنين-، ولم يكن بصدد بيان تحديد زمن الإجهاض الذي يتعلق به حكم الحل والحرمة، بل ولا يعني هذا بحال أن يكون الإمام الشافعي رحمه الله يقول بجواز الإجهاض لغير سبب معتبر ضمن الأربعين الأولى.

ولا أدل على ذلك من أن مشيخة الشافعية: الغزاليَّ والنوويَّ والعزَّ بنَ عبدِ السلامِ رحمهم الله يقولون بالمنع، وسيأتي نص أقوالهم بعداً إن شاء الله.

على أن القول بالإجهاض في طور النطفة فضلاً عن العلقة والمضغة لغير عذر معتبر؛ ذريعة إلى إضعاف النسل، وباباً لجرأة أهل الحمق والطيش والهوى على الإجهاض الذي يضعف النسل الذي هو مقصد كلي قام الدليل بحفظه.

المذهب الثاني: أفاد جواز الإجهاض من حين العلوق إلى ما قبل نفخ الروح ما قبل الروح، وبه قال: ابن نجيم، والمرادوي محمد بن عبد القوي المقدسي الحنفي، والقليوبي، والبجيرمي في حاشيته على الخطيب، وابن عقيل من الحنابلة.

قال ابن نجيم رحمه الله: هل يباح الإسقاط بعد الحمل؟ نعم يباح ما لم يتخلق منه شيء ولم يكن ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوماً، وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة ([49]).

وقال المرداوي: يُبَاحُ لَهَا أنْ تُعَالِجَ فِي اسْتِنْزَالِ الدَّمِ مَا دَامَ الْحَمْلُ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ عُضْوٌ وَقَدَّرُوا تِلْكَ الْمُدَّةَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنَّمَا أَبَاحُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآدَمِيٍّ([50]).

وعلق ابن عابدين على كلامهم قائلاً: هُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ التَّخْلِيقَ يَتَحَقَّقُ بِالْمُشَاهَدَةِ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ([51]).

وقال قليوبي رحمه الله: نَعَمْ يَجُوزُ إلْقَاؤُهُ وَلَوْ بِدَوَاءٍ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ([52]).

وقال البجيرمي رحمه الله: اخْتَلَفُوا فِي التَّسَبُّبِ لِإِسْقَاطِ مَا لَمْ يَصِلْ لِحَدِّ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ وَهُوَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وِفَاقًا لِابْنِ الْعِمَادِ وَغَيْرِهِ الْحُرْمَةُ([53]).

وقال ابن عقيل رحمه الله: يَجُوزُ إسْقَاطُهُ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. قَالَ: وَلَهُ وَجْهٌ([54]).

وعمدتهم في ذلك:

هو عين ما استدل به أصحاب المذهب الأول، وتركنا ذكره –هنا- دفعاً للتكرار المؤذن بالسآمة.

المذهب الثالث: أفاد تحريم الإجهاض بمجرد العلوق، به قال: بعض الحنفية، منهم: صاحب الخانية([55])، وهو الراجح عند المالكية، وبه قال الدردير وابن جزي والعدوي، ومن الشافعية: الغزالي، وهو قول النووي والعز بن عبد السلام، وبه قال بعض الحنابلة، منهم: ابن الجوزي، وابن تيمية، وابن رجب، والظاهرية.

وبه قال أكثر المعاصرين، منهم: وهبة الزحيلي([56])، والقرضاوي([57])، ومحمود شلتوت([58])، وحسان حتحوت([59])، وأحمد سحنون([60])، وإبراهيم حقي([61])، ومحمد الغزالي الأندونيسي([62]).

نقل ابن عابدين رحمه الله عن صاحب الخانية رحمه الله قوله: وَلَا أَقُولُ بِالْحِلِّ –أي: بحل الإسقاط منذ بداية التخلق- إذْ الْمُحْرِمُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ هُنَا إذَا سَقَطَ بِغَيْرِ عُذْرِهَا([63]).

وقال الدردير رحمه الله: وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَإِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ حَرُمَ إجْمَاعًا([64]).

وقال ابن جزي رحمه الله: وَإِذا قبض الرَّحِم الْمَنِيّ لم يجز التَّعَرُّض لَهُ وَأَشد من ذَلِك إِذا تخلق وَأَشد من ذَلِك إِذا نفخ فِي الرّوح فَإِنَّهُ قتل نفس إِجْمَاعًا([65]).

وقال العدوي رحمه الله: وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَفْعَلَ مَا يُسْقِطُ مَا بِبَطْنِهَا مِنْ الْجَنِينِ… وَلَوْ مِنْ مَاءِ زِنًا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ بِغَيْرِهِ خُصُوصًا إنْ خَافَتْ الْقَتْلَ بِظُهُورِهِ([66]).

وقال الغزالي رحمه الله: وليس هذا كالإجهاض والوأد؛ لأن ذلك جناية على موجود حاصل وله أيضاً مراتب وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية فإن صارت مضغةً وعلقةً كانت الجناية أفحش وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشاً ومنتهى التفاحش في الجناية بعد الانفصال حياً([67]).

وقال ابن عبد السلام رحمه الله: لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتَعْمِلَ مَا يُفْسِدُ الْقُوَّةَ الَّتِي بِهَا الْحَمْلُ([68]).

وقال ابن رجب رحمه الله: وقد رخص طائفةٌ مِنَ الفقهاء للمرأةِ في إسقاط ما في بطنها مالم يُنفخ فيه الرُّوحُ، وجعلوه كالعزلِ، وهو قولٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ الجنين ولدٌ انعقدَ، وربما تصوَّر، وفي العزل لم يُوجَدْ ولدٌ بالكُلِّيَّةِ، وإنَّما تسبَّب إلى منع انعقاده، وقد لا يمتنع انعقادُه بالعزل إذا أراد الله خلقه، كما قالَ النَّبيُّ r لمَّا سُئِلَ عن العزل: (لا عليكم أنْ لا تَعزِلُوا، إنَّه ليسَ مِن نفسٍ منفوسةٍ إلا الله خالقُها). وقد صرَّح أصحابنا بأنَّه إذا صار الولدُ علقةً، لم يجز للمرأة إسقاطُه؛ لأنَّه ولدٌ انعقدَ، بخلاف النُّطفة، فإنَّها لم تنعقد بعدُ، وقد لا تنعقدُ ولداً([69]).

وقال ابن الجوزي رحمه الله: لما كان موضوع النكاح لطلب الولد، وليس من كل الماء يكون الولد، فإذا تكوَّن فقد حصل المقصود من النكاح، فتعمد إسقاطه مخالفة لمراد الحكمة، إلا أنه إن كان ذلك في أول الحمل قبل نفخ الروح كان فيه إثم كبير؛ لأنه مترق إلى الكمال، وسائر إلى التمام، إلا أنه أقل إثما من الذي ينفخ فيه الروح، فإذا تعمدت إسقاط ما فيه الروح كان كمن قتل مؤمناً، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8-9]([70]).

وقال ابن تيمية رحمه الله: إِذا دست الْمَرْأَة دَوَاء مَعَ الْجِمَاع يمْنَع نُفُوذ المنى فِي مجارى الْحَبل فصومها وصلاتها صَحِيحَة وَإِن كَانَ ذَلِك الدَّوَاء يبْقى فِي جوفها، وَأما جَوَاز ذَلِك لمنع الْحمل فَفِيهِ نزاع بَين الْعلمَاء والأحوط أَن لَا تفعل([71]).

وقال ابن حزم رحمه الله: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَسْقَطَتْ؟ قَالَ: تُعْتِقُ رَقَبَةً، وَتُعْطِي أَبَاهُ غُرَّةً. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا أَثَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.

قَالَ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَالْغُرَّةُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ: فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَعْمِدْ قَتْلَهُ. فَالْغُرَّةُ أَيْضًا عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا. وَإِنْ كَانَتْ عَمَدَتْ قَتْلَهُ فَالْقَوَدُ عَلَيْهَا، أَوْ الْمُفَادَاةُ فِي مَالِهَا([72]).

وعمدتهم في ذلك ما يلي:

قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8-9].

وجه الدلالة: يستفاد من الآية باللازم الإشاري تحريمَ الوأد، وهو صادق على الإجهاض وإن كان في أول مراحل التكوين، ألا ترى أن النبي r قد سمى العزل وأداً؛ فعَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللهِ r فِي أُنَاسٍ … ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: (ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ)([73]).

ولولا أحاديث الْحِلِّ في العزل؛ لكان وأداً ممنوعاً داخلاً في عموم الآية.

وعن بريدة t في حديث المرأة الغامدية قال: “فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: (إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي)، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: (اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ)، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا([74]).

وجه الدلالة: قال النووي رحمه الله في شرح الحديث: فِيهِ أَنَّهُ لَا تُرْجَمُ الْحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا مِنْ زِنًا أَوْ غَيْرِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُقْتَلَ جَنِينُهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ تُجْلَدْ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَعَ([75]).

قلت: وسكوت النبي r عن سؤالها عن زمن الحمل وحاله؛ يؤذن بالمنع من إجهاضه على أيِّ زمان وحالٍ.

ومن أدلتهم: قياس الإجهاض على إتلاف بيض الطير الوحشي في الحرم، فقد اتفق الفقهاء على تحريم إتلاف بيضة الطير الوحشي في الحرم أو حال الإحرام، ويلزم صاحبه الضمان، مع صرف النظر عن احتوائه للفرخ أو خلوه منه.

قال في المدونة: قُلْت: أَرَأَيْت مَا أَصَابَ الْمُحْرِمَ مِنْ بَيْضِ الطَّيْرِ الْوَحْشِيِّ مَا عَلَيْهِ لِذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْمُحْرِمِ إذَا كَسَرَ بَيْضَ الطَّيْرِ الْوَحْشِيِّ، أَوْ الْحَلَالُ فِي الْحَرَامِ إذَا كَسَرَهُ عُشْرُ ثَمَنِ أُمِّهِ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ مِنْ دِيَةِ أُمِّهِ، قُلْت: وَسَوَاءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إنْ كَانَ فِيهِ فَرْخٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَرْخٌ؟([76]).

وقال الشيرازي رحمه الله: وإن كسر بيض صيد لزمه القيمة([77]).

وقال ابن قدامة رحمه الله: وَإِنْ نَقَلَ بَيْضَ صَيْدٍ فَجَعَلَهُ تَحْتَ آخَرَ، أَوْ تَرَكَ مَعَ بَيْضِ الصَّيْدِ بَيْضًا آخَرَ، أَوْ شَيْئًا نَفَّرَهُ عَنْ بَيْضِهِ حَتَّى فَسَدَ، فَعَلَيْهِ ضَمَانٌ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِهِ([78]).

فإذا كان إتلاف البيض الذي ذكرنا ذا حرمة؛ فإن حرمة إجهاض الجنين دون الأربعين أو فوقها آكد في الحرمة والضمان.

قال صاحب الخانية رحمه الله قوله: وَلَا أَقُولُ بِالْحِلِّ –أي: بحل الإسقاط منذ بداية التخلق- إذْ الْمُحْرِمُ لَوْ كَسَرَ بَيْضَ الصَّيْدِ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ فَلَمَّا كَانَ يُؤَاخَذُ بِالْجَزَاءِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَلْحَقَهَا إثْمٌ هُنَا إذَا سَقَطَ بِغَيْرِ عُذْرِهَا([79]).

ومما يقوي منع الإجهاض أنه من أهم أسباب وفاة المرأة المجهضة، فقد سُجلت إحصائية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1972م للوفيات من الإجهاض: أن خمسة آلاف امرأة قد قضى عليها الإجهاض بالموت، وأن ضعف هذا العدد قد أُعلن عنه في بريطانيا في العام نفسه.

وهذا عندي من أظهر أدلة المنع من الإجهاض؛ دفعاً لمصيبة الموت التي تفتك بالأم وجنينها([80]).

على أن ترك الإجهاض حال غياب العذر أرعى للنسب، وأتقى للشبهة، وأسلم للدين، وأثرى لصحيفة الحسنات؛ فعن النعمان بن بشير t أن النبي r قال: (الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ)([81]).

وهو المرتضى عند الباحث؛ لقوة دليله، والله أعلم.

تنبيه: فإذا استدفعنا استدلال القائلين بجواز الإجهاض حال النطفة، أي: ضمن الأربعين يوماً الأولى؛ فإن الأدلة التي سقنا في تقرير مذهب المنع يُدفع بها مذهب القائلين بجواز الإجهاض بعد التخلق وقبل نفخ الروح.

المبحث الثاني: إجهاض الحامل بغير نكاح شرعي

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: إجهاض حمل الراضية بالسفاح

اختلف العلماء في حكم إجهاض الحامل من سفاح على مذهبين:

 أحدهما: أفاد الجواز ما لم تنفخ فيه الروح، وبه قال بعض المالكية، منهم: عَبْدُ الْبَاقِي وابْنِ نَاجِي وَالْبَرْزَلِيِّ، وَاللَّخْمِيِّ.

قال عليش: قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي وَالْبَرْزَلِيِّ جَرَيَانُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَاللَّخْمِيِّ فِي الزَّوْجَةِ مُطْلَقًا وَالْأَمَةِ، وَلَوْ بِشَائِبَةٍ حَيْثُ لَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا سَيِّدُهَا وَظَاهِرُهُمَا أَيْضًا، وَلَوْ مَاءَ زِنًا وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ خُصُوصًا إنْ خَافَتْ الْقَتْلَ بِظُهُورِهِ([82]).

 والرملي من الشافعية، قال رحمه الله في النهاية: نَعَمْ لَوْ كَانَتْ النُّطْفَةُ مِنْ زِنًا فَقَدْ يُتَخَيَّلُ الْجَوَازُ([83]).

 وبعض علماء العصر، منهم: محمد الأشقر([84])، والبوطي([85]) وقيده بما إذا لم يثبت زناها أمام القضاء بأربعة شهود.

والثاني: أفاد المنع، وبه قال ابن نجيم الحنفي رحمه الله، وعبر عنه في البحر بقوله: وَهَذَا الْحَمْلُ مُحْتَرَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ إسْقَاطُهُ([86]).

والشافعي رحمه الله، فقد جاء في الأم: إنْ كَانَتْ –أي: الزانية- حَامِلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدُّهَا لِمَا فِي بَطْنِهَا([87]).

وأكد ذلك محرر المذهب النووي، حيث قال رحمه الله: وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُقْتَلَ جَنِينُهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ حَدُّهَا الْجَلْدَ وَهِيَ حَامِلٌ لَمْ تُجْلَدْ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى تَضَعَ([88]).

وممن قال به ابن قدامة رحمه الله، وعبر عنه في المغني: وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى أَوْ غَيْرِهِ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَا تُرْجَمُ حَتَّى تَضَعَ([89]).

ومن المعاصرين: القرضاوي([90])، وجميل المبارك([91])، وعبد الله العجلان([92])، ومسفر القحطاني([93])، وغيرهم.

ولكل مذهب أدلة، إليك بيانها:

أدلة المذهب الأول:

  1. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ رضي الله عنهما قَالاَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لِي: عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ، فَفَدَيْتُ ابْنِي مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ r: (لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا الوَلِيدَةُ وَالغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ لِرَجُلٍ فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَارْجُمْهَا)، فَغَدَا عَلَيْهَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَهَا([94]).

وجه الدلالة: أن النبي r أمر برجمها إذا هي اعترفت دون أن يتثبت من حملها؛ فدل ذلك باللازم العقلي على جواز قتل الجنين إذا قام ما يدعو إليه.

قلت: هو استدلال بعيد؛ يزيغ عن طريقة المحققين؛ فإن الحديث مجمل بشأن الحمل، فلا يفصل فيه برأي حتى يُرَدَّ إلى دليل مبيَّن، وقد ثبت بدلالة العبارة من حديث بريدة t بشأن الغامدية أن النبي r أَخَّرَ رجمها مراعاةً لجنينها.

2. إن ظهور الحمل أو حصول الولد من الزنا يجرح العِرض، ويُدَنِّس الشرف، ويُحْدِث النفرة عند الناس في مصاهرة قرابة المقارِفة، وفي ذلك مفسدة راجحة إذا ما وزنت بجنين لم تنفخ فيه الروح بعدُ، ومعلوم أن درء المفسدة الراجحة متعيِّنٌ، وقد قدمنا الحديث عنه في المبحث الأول.

قلت: لا يُسَلَّمُ أن مفسدة العِرض أرجح من مفسدة النفس، بل هو مناهض للإجماع، فإن مراعاة مصلحة النفس مقدم على المصالح كلها إلا الدين، ولا أعلم في ذلك خلافاً عند ذوي الحجى من أهل العلم.

  • إن المقارِفة قد تكون بكراً، فإذا عَلِمَتْ بيقين أن عصبتها لو علموا بجريرتها؛ لم يتوانوا عن قتلها، فيؤذن لها والحالة هذه بالإجهاض؛ استبقاءً لمهجتها؛ لأنها الأصل، وذات حياة متيقنة، لا كالجنين؛ فإنه كعضو منها، وذي حياة غير متيقنة، ولأنه إذا جاز قطع عضو يهدد سلامةَ البدن استبقاءً لحياة صاحبه؛ فلأن يجوز إسقاط مضغةٍ لم تسرِ فيها الحياة بعدُ أولى.

قلت: إن حصول هذا قليل نادر، فلا يُعطى حكماً عامَّاً يفوت به الغالب الأكثر، على أن سلامة الجنين من خلال تأمل سنة الله في القدر غالبة بكثير هلاكه، وعليه: فلا تُسَلَّطُ بإجهاضه؛ فتبوء بإثم الزنا والقتل.

ولو سُلِّمَ أن حياتها أكملُ فَتُقَدَّمُ على جنينها؛ فلا يرخص لها بالإجهاض؛ لأن الرخصة لا تناط بالمعصية عند أكثر أهل العلم.

ثانياً: أدلة المذهب الثاني:

استدل المانعون بالأدلة التالية:

  1. قال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151].

وجه الدلالة: (أَوْلَادَكُمْ) جمع معرف بالإضافة؛ فَعَمَّ كل ولد، جنيناً ووليداً، ذكراً وأنثى، والنهي في الآية للتحريم، وسببه: دفع الإملاق، ويقاس عليه: كل باعث فاسد، ومنه إجهاض الجنين؛ استدفاعاً للعار، ونحوه.

  • وقال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151].

وجه الدلالة: (النَّفْسَ) في الآية جنس حلي بأل الاستغراق، فَعَمَّ كل نفس، جنيناً ووليداً، وذكراً وأنثى، فقد حرم قتلها إلا بالحق، وليس منه قتل الجنين؛ استدفاعاً للعار، أو بحجة غياب من يرعاه.

  • وقال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].

وجه الدلالة: نهى الله تعالى أن يؤاخذ المرء بجريرة غيره، ويصدق هذا على مؤاخذة الجنين بجريرة أمه، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي وَلَدِ الزِّنَا، قَالَتْ: “مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}“([95]).

وعن فَضْلِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: أَرَادَ عُمَرُ t أَنْ يَرْجُمَ الْمَرْأَةَ الَّتِي فَجَرَتْ وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ t: «إِذًا تَظْلِمُهَا، أَرَأَيْتَ الَّذِي فِي بَطْنِهَا مَا ذَنْبُهُ؟ عَلَامَ تَقْتُلْ نَفْسَيْنِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ؟ فَتَرَكَهَا حَتَّى وَضَعَتْ حَمْلَهَا، ثُمَّ رَجَمَهَا»([96]).

  • وعن بريدة t في حديث الغامدية من الأزد قال: “فَجَاءَتِ الْغَامِدِيَّةُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللهِ إِنِّي لَحُبْلَى، قَالَ: (إِمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي)، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرْقَةٍ، قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ، قَالَ: (اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ)، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا([97]).

وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ t أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللهِ r وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ r وَلِيَّهَا، فَقَالَ: (أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا)، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللهِ r، فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا([98]).

وجه الدلالة منهما: أن النبي r أخر إقامة الحد عن المقارفتين؛ رعايةً للجنين، حتى يولد ويستغني بالفطام.

على أن الإجماع منعقد على تحريم الجلد أو الرجم حال الحمل؛ مراعاة لحق الجنين، الأمر الذي ينبي بحظر إجهاضه والحالة هذه؛ فاقتضى ذلك عدم التعرض له بالأذى، فضلاً عن الإجهاض؛ قال ابن حجر رحمه الله: فَلَمْ يُؤَخِّرْ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهَا إِلَّا لِكَوْنِهَا حُبْلَى فَلَمَّا وَضَعَتْ أَمَرَ بِرَجْمِهَا([99]).

وقال الإسماعيلي رحمه الله: فَأَمَّا وَهِيَ حُبْلَى فَلَا ترْجم حَتَّى تضع([100]).

قلت: وهذا هو المذهب المرتضى للباحث.

وإضافة لما تقدم من دليل؛ فإن منع إجهاض حمل السفاح يسهم في تقليل حالات الزنا على الجملة؛ ذلك أن الإذن بإسقاطه يفتح المجال أمام مزيد من حالات البغي، وتقليل حالات الزواج؛ لأن الزناة سوف يجدون سبيلهم لقضاء الوطر بعيداً عن أعباء الزواج وتكاليفه.

على أن المرأة التي تستشرف نفسها الانتقال من رجل لآخر؛ ليست مهيأة للقيام بأعباء الأمومة؛ ولذا فإنها ستلقي ما في رحمها كي تخف حركتها بين الرجال، ولن ترضى بالأمومة إلا إذا وجدت من يشاركها الأبوة([101]).

المطلب الثاني: إجهاض حمل المكرهة على السفاح

لم يتعرض الفقهاء المتقدمون إلى الحديث عن التفصيل بين إجهاض الحمل غير الشرعي بين ما إذا كان عن رضا وطواعية، أو عن إجبار وإكراه، وعرض إلى ذلك الفقهاء المعاصرون، فكان مجموع ما قالوا في المسألة على مذهبين:

أحدهما: القول بجواز إجهاض حمل المرأة المكرهة على الزنا، إذا كان قبل نفخ الروح فيه، ويه قال جَمْعٌ، منهم: البوطي([102])، ومحمد الأشقر([103])، وجميل مبارك([104])، وفريد واصل([105])، وغيرهم.

والثاني: القول بالمنع، وبه قال: القرضاوي([106])، ومسفر القحطاني([107])، وجاد الحق([108])، وإبراهيم زيد الكيلاني([109])، وآخرون.

ولكل قول أدلة، هي في الغالب تكرار لما سبق ذكره؛ ولذا سنوجزها على النحو التالي:

أولاً: أدلة القول بالجواز

إن دليلهم دائر على حمل المكرهة على الزنا لو بقي الحملُ إلى تمامه فينشأ عنه مفسدة راجحة، من جرح الخاطر، وانتهاك العرض، وحزنٍ فادح عند العصبة والأرحام، وزهادة عند الأزواج في الاقتران بمن أكرهت على الزنا؛ يقضي بدوام أيامتها؛ فكان ذلك بمنزلة الضرورة التي يرخص عندها بالإجهاض، إذا كان الجنين دون نفخ الروح، وقد قال الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]، وقال تعالى: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119].

وأطمعهم في جواز الإجهاض أنهم رأوا بقاءه إلى التمام مفسدة راجحة على أمه وعصوبتها، إذا ما وزنت بالإجهاض قبل التخلق أو نفخ الروح، فإنه يعد عدواناً على نفس آدمية مستقرة الحياة، بل هو اعتداء شبيه ببتر عضو معتل إنقاذاً لبقية البدن.

وقد تقدم ذكر قواعد الفقه التي تتعلق بالموازنة بين المفاسد وبعضها، والمصالح وبعضها، وبين المفاسد والمصالح، ولن أجد داعياً لتكراره هنا.

ثانياً: أدلة القول بالمنع

اعتمد المانعون على الأدلة التي سقناها لمذهب المانعين من الإجهاض في جميع مراحله؛ فليرجع إليها في محلها.

وهو الذي ارتضاه الباحث مذهباً له.

وأما عن إلحاق المجيزين إجهاض المكرهة على الزنا بالضرورة؛ فلا يسلم عند الباحث؛ لان الضرورة حالة تهدد بالقتل، أو قريباً منه، وقد حدها الشاطبي رحمه الله بقوله: هي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين([110]).

ولا ينطبق الحد على مسألتنا، إذ لا يلزم من صبر المكرهة على الزنا في حفظ جنينها التهارج، ولا فوت الحياة، ولا هي بملامة في الآخرة، بل هي مأجورة على صبرها واحتسابها، فقد قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 146]، وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 – 157].

ولا يسلم لهم المصير إلى الإجهاض كمصلحة مرجوحة في استدفاع العار، وانكسار النفس والعصبة الناشئ عن الوطيء بإكراه كمفسدة راجحة؛ لأن الإجهاض مفسدة على النفس، بينهما العار مفسدة على العرض، وإن الأولى أَجَلُّ من الثانية؛ فلا يرخص بالإجهاض الأعظم مفسدة في دفع العار الأدنى مفسدة، وهذا المرتضى عند الباحث، والله أعلم.

الخاتمة

أهم النتائج

  1. أن الإجهاض أنواع أربعة، طبيعي، وعلاجي، وجنائي، واجهاض للتشوه.
  2. لا حرج في الإجهاض الطبيعي؛ لأنه محض ابتلاء من الله، وعلى العبد أن يرضى به، ويصبر ويحتسب.
  3. ولا حرج كذلك في الإجهاض العلاجي اتفاقاً، إذا أقر الطبيب الحاذق أن سلامة الأم مهددة بالخطر؛ فيضحى بالجنين ناقص الحياة؛ حفاظاً على حياة الأم كاملة الحياة.
  4. الراجح عند الباحث منع إجهاض الجنين المشوه، سواء كان التشوه مظنوناً أو مقطوعاً به.
  5. الراجح عند الباحث حظر إجهاض الجنين في جميع مراحله، لأي باعث كان؛ وإن كان الحمل من سفاح برضى أو بإكراه.

فهرس المراجع

  1. القرآن الكريم.
  2. ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد. (1409هـ). مصنف ابن أبي شيبة. الرياض: مكتبة الرشد.
  3. ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي. (1997م). أحكام النساء. القاهرة: دار ابن تيمية.
  4. ابن القيم، محمد بن أبي بكر. (1994م). زاد المعاد في هدي خير العباد. ط27. بيروت: مؤسسة الرسالة.
  5. ابن القيم، محمد بن أبي بكر. مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة. بيروت: دار الكتب العلمية.
  6. ابن القيم، محمد بن أبي بكر.(1423هـ). إعلام الموقعين عن رب العالمين. تحقيق: مشهور حسن سلمان. السعودية: دار ابن الجوزي.
  7. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم. مختصر الفتاوى المصرية- اختصرها محمد بن علي بن أحمد. مطبعة السنة المحمدية – تصوير دار الكتب العلمية.
  8. ابن جزي، محمد بن أحمد. القوانين الفقهية.
  9. ابن حجر، أحمد بن علي. (1379هـ). فتح الباري شرح صحيح البخاري. تحقيق: محب الدين الخطيب. بيروت: دار المعرفة.
  10. ابن حزم، على بن محمد. المحلى بالآثار. بيروت: دار الفكر.
  11. ابن رجب، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد. (2004م). جامع العلوم والحكم. ط2. القاهرة: دار السلام.
  12. ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، رد المحتار على الدر المختار، دار الفكر- بيروت .
  13. ابن عابدين، محمد أمين بن عمر، منحة الخالق- بحاشية البحر الرائق لابن نجيم. ط2. دار الكتاب الإسلامي.
  14. ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله. (1387 هـ). التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد. المغرب: وزارة الأوقاف.
  15. ابن فارس، أحمد بن فارس. (1979م). مقاييس اللغة. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. دار الفكر.
  16. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد، المغني، مكتبة القاهرة .
  17. ابن نجيم، سراج الدين عمر بن إبراهيم. (2002م). النهر الفائق شرح كنز الدقائق. ط1. تحقيق: أحمد عزو عناية. بيروت: دار الكتب العلمية.
  18. أبو داود، سليمان بن الأشعث. سنن أبي داود. بيروت: المكتبة العصرية.
  19. الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  20. البجيرمي، سليمان بن محمد. (1995م). حاشية البجيرمي على الخطيب. دمشق: دار الفكر.
  21. البخاري، محمد بن إسماعيل. (1422هـ). الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول r وسننه وأيامه (صحيحه). تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر. ط1. دار طوق النجاة.
  22. البسام، عبد الله. إجهاض الجنين المشوه- ملحق بكتاب الجنين المشوه للدكتور السيد محمد علي البار.
  23. البلدحي، عبد الله بن محمود، الاختيار لتعليل المختار، مطبعة الحلبي – القاهرة.
  24. البهوتى، منصور بن يونس، كشاف القناع عن متن الإقناع، دار الكتب العلمية .
  25. البوطي، محمد سعيد. مسألة تحديد النسل وقاية وعلاجاً. دمشق: مكتبة الفارابي.
  26. الترمذي، محمد بن عيسى. (1998م). الجامع الصحيح (سنن الترمذي). تحقيق: بشار عواد معروف. بيروت: دار الغرب الإسلامي.
  27. جاد الحق، علي. بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة. إصدارات الأزهر الشريف.
  28. حسان، حتحوت. الإجهاض العمد.منشور بمجلة مجمع الفقه الإسلامي.
  29. حقي، أحمد. الإسلام وتنظيم الوالدية. بحث مقدم لمؤتمر الرباط 1971م.
  30. الرملي، محمد بن أبي العباس، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، دار الفكر، بيروت .
  31. الزحيلي، وهبة. (1985م). نظرية الضرورة الشرعية. بيروت: مؤسسة الرسالة.
  32. الزحيلي، وهبة. الفقه الإسلامي وأدلته. ط4. دمشق: دار الفكر.
  33. الزرقا، أحمد بن الشيخ مصطفى. (1989م). شرح القواعد الفقهية. دمشق: دار القلم.
  34. زوزو، فريدة بنت صادق. (1425هـ). النسل- دارسة مقاصدية في وسائل حفظه في ضوء تحديات الواقع المعاصر. ط1. الرياض: مكتبة الرشد.
  35. السباعي، محمد سيف. الإجهاض بين الشريعة والطب والقانون. بيروت: دار الكتب العلمية.
  36. سحنون، أحمد. نظرة الإسلام إلى الإجهاض والتعقيم. بحث مقدم لمؤتمر الرباط 1971م.
  37. سلامة، عبد الله حسين. إجهاض الجنين المشوه- ملحق بكتاب الجنين المشوه للدكتور السيد محمد علي البار.
  38. الشاطبي، إبراهيم بن موسى. (1997م). الموافقات. دار ابن عفان.
  39. الشافعي، محمد بن إدريس. (1990م). الأم. بيروت: دار المعرفة.
  40. شلتوت، محمود. فتاوى الشيخ محمود شلتوت- دراسة لمشكلات المسلم المعاصر. دار الشروق.
  41. الشيرازي، أبو اسحاق إبراهيم بن علي. (1983م). التنبيه في الفقه الشافعي. بيروت: عالم الكتب.
  42. العجلان، عبد الله. حكم الجناية على الجنين- ضمن بحوث مجلة البحوث الإسلامية.
  43. العدوي، علي بن أحمد، حاشية العدوي- بهامش حاشية الخرشي. القاهرة:دار الكتاب الإسلامي.
  44. عليش، محمد بن أحمد. فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك. بيروت: دار المعرفة.
  45. العيني، محمود بن أحمد. (2000م). البناية شرح الهداية. بيروت: دار الكتب العلمية.
  46. غانم، عمر بن محمد. (2003م). أحكام الجنين في الفقه الإسلامي، دار الهدى.
  47. الغزالي الأندونيسي، محمد. بحث في كتاب الإسلام وتنظيم الوالدية.
  48. الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد. إحياء علوم الدين. بيروت: دار المعرفة.
  49. فتاوى اللجنة الدائمة بالمملكة العربية السعودية.
  50. القحطاني، مسفر. إجهاض الجنين المشوه- ضمن مجلة الشريعة.
  51. القحطاني، مسفر. إجهاض الجنين المشوه وحكمه في الشريعة الإسلامية- ضمن بحوث مجلة البحوث الإسلامية.
  52. القرضاوي، يوسف. التشخيص قبل الولادة والإجهاض-ضمن ندوة الانعكاسات الأخلاقية للأبحاث المتقدمة في علم الوراثة.
  53. القرضاوي، يوسف. قضايا معاصرة. المنصورة: دار الوفاء.
  54. القرضاوي، يوسف. من هدي الإسلام- فتاوى معاصرة. مكتبة وهبة.
  55. القليوبي، أحمد سلامة. عميرة، أحمد البرلسي. (1995م). حاشيتا قليوبي وعميرة. بيروت: دار الفكر.
  56. الكاساني، أبو بكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية.
  57. الكيلاني، إبراهيم زيد. مداولات اللجنة الطبية-ضمن قضايا طبية معاصرة.
  58. مالك، ابن أنس الأصبحي، المدونة، دار الكتب العلمية .
  59. المبارك، جميل. نظرية الضرورة الشرعية. المنصورة: دار الوفاء.
  60. مجلة مجمع الفقه الإسلامي- الدورة الرابعة- القرار الرابع.
  61. مجموعة من العلماء. مداولات اللجنة الطبية الفقهية حول الإجهاض- ضمن قضايا طبية معاصرة. دار البشير.
  62. مدكور، محمد سلام. التعقيم والإجهاض- بحث مقدم لمؤتمر الرياض المنعقد في 24-29/12/1971م- ونشره الاتحاد العالمي لتنظيم الوالدية ببيروت.
  63. المرداوي، علي بن سليمان، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، دار إحياء التراث العربي.
  64. المزني، إسماعيل بن يحيى. (1990م). مختصر المزني. بيروت: دار المعرفة.
  65. موقع الشيخ يوسف القرضاوي، فتوى حكم الإجهاض https://www.al-qaradawi.net/node/3944
  66. النجيمي، محمد بن يحيى بن حسن. (2011م). الإجهاض..أحكامه، وحدوده في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي- دراسة مقارنة. ط1. الرياض: دار العبيكان.
  67. النووي، محيي الدين يحيى بن شرف. (1392م). المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج. ط2. بيروت: دار إحياء التراث العربي.
  68. النيسابوري، مسلم بن الحجاج. صحيح مسلم. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. بيروت: دار إحياء التراث العربي.

([1]) صحيح، أخرجه: الترمذي/سننه (1924)(4/ 324).

([2]) حسن، أخرجه: أبو داود/سننه (4942)(4/ 286).

([3]) انظر: ابن فارس/ مقاييس اللغة (1/ 489)، الأزهري/تهذيب اللغة(6/23).

([4]) جاد الحق، فتاوى دار الإفتاء المصرية (2/318).

([5]) الموسوعة الفقهية الكويتية (2/59) .

([6]) الفيومي/ المصباح المنير (1/280) .

([7]) الزبيدي/ تاج العروس (19/356).

([8]) ابن عابدين/ الدر المختار (6/587) .

([9]) الزبيدي/ تاج العروس (9/246) .

([10]) القرطبي/ الجامع (19/232).

([11]) انظر: عمر غانم/أحكام الجنين(ص113)، محمد النجيمي/الإجهاض(ص81) وما بعدها، فريدة زوزو/النسل (ص359).

([12]) ابن القيم/ مفتاح دار السعادة (2/ 22).

([13]) ابن القيم/إعلام الموقعين (3/ 202).

([14]) ابن القيم/ زاد المعاد (3/ 425).

([15]) ابن القيم/ إعلام الموقعين (5/ 230).

([16]) ابن القيم/ مفتاح دار السعادة (2/ 19).

([17]) ابن القيم/ إعلام الموقعين (2/ 92).

([18]) أخرجه: البخاري/ صحيحه (7288)(9/ 94)، مسلم/صحيحه (1337)(2/975).

([19]) انظر: وهبة الزحيلي/ نظرية الضرورة الشرعية (ص67)، أحمد الزرقا/ شرح القواعد الفقهية(ص187).

([20]) انظر: البوطي/ مسألة تحديد النسل وقاية وعلاجاً (ص88).

([21]) أخرجه: مسلم/صحيحه (1442)(2/ 1067).

([22]) أخرجه: البخاري/صحيحه (2766)(4/ 10)، مسلم/صحيحه (89)(1/92).

([23]) حسن، أخرجه: الترمذي/سننه (3087)(5/ 273).

([24]) في الدورة الثانية عشرة المنعقدة بمكة حرسها الله- رجب 1410هـ الموافق فبراير 1990م- القرار الرابع.

([25]) فتوى نشرت على موقع الشيخ بتاريخ: 18/10/2015م.

([26]) عمر غانم/أحكام الجنين (ص183).

([27]) انظر: الفتوى رقم (18567)(21/250).

([28]) بحث للشيخ حول إجهاض الجنين المشوه- ملحق بكتاب الجنين المشوه للبار(ص476).

([29]) بحث للدكتور حول إجهاض الجنين المشوه- ملحق بكتاب الجنين المشوه للبار(ص490).

([30]) البلدحي/ الاختيار لتعليل المختار (4/ 168).

([31]) العيني/ البناية شرح الهداية (13/ 227).

([32])ا لكسائي/بدائع الصنائع (7/ 325).

([33]) الْغُرَّةُ مِنْ كُل شَيْءٍ أَوَّلُهُ، وَالْغُرَّةُ: الْعَبْدُ أَوِ الأْمَةُ، وَمِنْ مَعَانِيهَا فِي الشَّرْعِ: ضَمَانٌ يَجِبُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ، وَتَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَهِيَ خَمْسٌ مِنَ الإْبِل أَوْ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ. الموسوعة الفقهية الكويتية (21/45).

([34]) الرملي/ نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (8/ 442).

([35]) المرداوي/ الإنصاف (1/ 386).

([36]) البهوتي/ كشاف القناع (6/ 24).

([37]) التغلبي/ نيل المارب (1/ 111).

([38]) علي الطنطاوي/فتاواه (ص321).

([39]) انظر: مدكور/التعقيم والإجهاض- بحث مقدم لمؤتمر الرياض المنعقد في 24-29/12/1971م- ونشره الاتحاد العالمي لتنظيم الوالدية ببيروت(ص304).

([40]) انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 429، بترقيم الشاملة آليا).

([41]) البوطي/ مسألة تحديد النسل وقاية وعلاجاً (ص85).

([42]) المزني/مختصره (8/ 356).

([43]) البوطي/ مسألة تحديد النسل (82-85).

([44]) أخرجه: مسلم/ صحيحه (2644)(4/2037).

([45]) أخرجه: البخاري/ صحيحه(3332)(4/133)، مسلم/ صحيحه (2643)(4/2036).

([46]) ابن جزي/ القوانين الفقهية (160)، النووي/ شرحه على مسلم (10/9)، ابن قدامة/ المغني (7/228.(

([47]) الكاساني/ بدائع الصنائع (2/334).

([48]) المزني/مختصره (8/356).

([49]) ابن نجيم/ النهر الفائق (2/ 276).

([50]) ابن عابدين / منحة الخالق – بحاشية البحر الرائق (1/ 230).

([51]) ابن عابدين/ الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (3/ 176).

([52]) قليوبي وعميرة/ حاشيتاهما على المنهاج (4/ 160).

([53]) البجيرمي/ حاشيته على الخطيب (4/ 47).

([54]) المرادوي/ الإنصاف (1/ 386)، وقد عزاه لابن عقيل في الفنون.

([55]) هو الإمام القاضي فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندي الفرغاني.

([56]) الزحيلي/ الفقه الإسلامي وأدلته(4/ 2646).

([57]) القرضاوي/ من هدي الإسلام- فتاوى معاصرة(2/547).

([58]) انظر: فتاواه/ دراسة لمشكلات المسلم المعاصر(ص289-292).

([59]) حتحوت/ الإجهاض العمد(309-346).

([60]) سحنون/ نظرة الإسلام إلى الإجهاض والتعقيم(402-417).

([61]) حقي/ الإسلام وتنظيم الوالدية(ص418).

([62]) الغزالي الأندونيسي/ الإجهاض ونظرة الإسلام إليه- بحث في كتاب الإسلام وتنظيم الوالدية(ص427).

([63]) ابن عابدين/ الدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 176).

([64]) الدردير/ الشرح الكبير(2/ 266).

([65]) ابن جزي/ القوانين الفقهية (ص: 141).

([66]) العدوي/ حاشيته- بهامش حاشية الخرشي (3/225).

([67]) الغزالي/ إحياء علوم الدين (2/ 51).

([68]) عليش/ فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (1/ 400)، وقد ذكره عن ابن عبد السلام.

([69]) ابن رجب/جامع العلوم والحكم (1/ 161).

([70]) ابن الجوزي/ أحكام النساء (ص306).

([71]) ابن تيمية/ مختصر الفتاوى المصرية (ص: 33).

([72]) ابن حزم/ المحلى (11/ 238).

([73]) أخرجه: مسلم/ صحيحه (1442)(2/ 1067).

([74]) أخرجه: مسلم/ صحيحه (1695)(3/1323).

([75]) شرح النووي على مسلم (11/ 201)

([76]) مالك/ المدونة (1/ 446).

([77]) الشيرازي/ التنبيه في الفقه الشافعي (ص: 74)

([78]) ابن قدامة/ المغني (3/ 447).

([79]) ابن عابدين/ الدر المختار وحاشية ابن عابدين (3/ 176).

([80]) السباعي/الإجهاض بين الشريعة والطب والقانون (ص75).

([81]) أخرجه: البخاري/ صحيحه (52)(1/ 20)، مسلم/ صحيحه (1599)(3/1219).

([82]) عليش/ فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (1/ 399).

([83]) الرملي/ نهاية المحتاج (8/ 442).

([84]) مداولات اللجنة الطبية الفقهية حول الإجهاض- ضمن قضايا طبية معاصرة (1/266).

([85]) البوطي/ مسألة تحديد النسل (ص142).

([86]) ابن نجيم/ البحر الرائق (3/ 114).

([87]) الشافعي/ الأم (6/ 93).

([88]) النووي/ شرحه على مسلم (11/ 201).

([89]) ابن قدامة/ المغني (9/ 46).

([90]) التشخيص قبل الولادة والإجهاض-ضمن ندوة الانعكاسات (ص183).

([91]) المبارك/ نظرية الضرورة الشرعية (ص429).

([92]) حكم الجناية على الجنين- ضمن بحوث مجلة البحوث الإسلامية (54/189).

([93])إجهاض الجنين المشوه وحكمه في الشريعة الإسلامية- ضمن بحوث مجلة البحوث الإسلامية (ص241).

([94]) أخرجه: البخاري/ صحيحه (2695) (3/ 184)، مسلم/ صحيحه (1697)(3/1324).

([95]) أخرجه: ابن عبد البر/ التمهيد (24/ 136).

([96]) أخرجه: ابن أبي شيبة/ مصنفه (28814)(5/ 543).

([97]) أخرجه: مسلم/ صحيحه (1695)(3/1323).

([98]) أخرجه: مسلم/ صحيحه(1696)(3/ 1324).

([99]) ابن حجر/ فتح الباري (12/ 126).

([100]) ابن حجر/ فتح الباري (12/ 146).

([101]) انظر: البوطي/ مسألة تحديد النسل (ص146).

([102]) انظر: مداولات اللجنة الطبية-ضمن قضايا طبية معاصرة (1/299).

([103]) المرجع السابق (1/266).

([104]) مبارك/ انظر: نظرية الضرورة (ص429).

([105]) انظر: الموسوعة الطبية الفقهية (ص527).

([106]) القرضاوي/ قضايا معاصرة (609-611).

([107]) القحطاني/ إجهاض الجنين المشوه- ضمن مجلة الشريعة (ص210).

([108]) جاد الحق/ فتاواه (2/389)، (3/180).

([109]) انظر: مداولات اللجنة الطبية-ضمن قضايا طبية معاصرة (1/249).

([110])الشاطبي/الموافقات (2/ 17).