مقابلة مع د. منذر زيتون

    

عضو مؤسس في هيئة علماء فلسطين

بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً نرحب بكم ضيفاً كريماً في موقع هيئة علماء فلسطين.‏

الحمد لله، الصلاة والسلام على رسول الله.

بارك الله فيكم، ويشرفني أن أكون ضيفكم وضيف هيئتنا العزيزة وموقعها الإلكتروني.

نرجو أن نسمع منكم كلمة حول ما يجري هذه الأيام في القدس والمسجد الأقصى المبارك؟

ما يجري اليوم هو استمرار لخطة ممنهجة بدأها أعداء أمتنا من الصليبيين والصهاينة (ولا أقول المسيحيين واليهود) منذ ما سمي انطلاق الحروب الصليبية عام 1905، والتي تُوجت بإسقاط الدولة العثمانية الإسلامية الموحدة، ثم تقسيم الأمة جغرافياً في دويلات منغلقة للاستقواء على كل جزء منها على حدة، ثم اغتصاب فلسطين والأقصى، ثم استكمال إجهاض كل نواحي القوة في الأمة ابتداءً من إضعاف الإنسان وانتهاءً بانتهاب المال. والعمل الحثيث الآن يجري لإسقاط الأقصى نهائياً، وليس المقصود الأقصى فقط، وإنما الأمة كلها، ولكنه رمز الأمة، وسقوطه يعني سقوط الأمة.

العلماء هم أولو الأمر وورثة الأنبياء… فضيلة الشيخ: من هم العلماء الذين يستحقون هذه الأوصاف؟

العلماء الذين يستحقون هذا الوصف هم من تتوافر بهم مقومات عظيمة، أهمها الولاء لله وليس لأحد أو شيء غيره، لا سلطان ولا جاه ولا مال ولا إقليم لا مذهب ولا مصالح خاصة، ثم إقران العلم الذي تحصلوا عليه بالعمل، والعلم الذي لا يترجم بكليته على واقع الفكر والسلوك والقرار منقطع لا امتداد له، ولا تأثير، مع الحرص على أن يبدأ العالم من نفسه أولاً قبل دعوة غيره، لأن العاجز عن نفسه لن يقنع غيره.

وأيضاً: على هؤلاء العلماء أن يكونوا على قدر الأحداث التي تملي عليهم المواقف الواضحة والحازمة، وكم رأينا علماء كان الناس يعدونهم قادة، ولكنهم سقطوا في زحمة تلك المواقف لأنهم لم يكونوا على قدرها، بل واختفوا وراء كلماتهم الجوفاء التي لم تعد تقنع الناس.

فضيلة الشيخ لقد شهدت القضية الفلسطينية تقزيماً لحقيقة الصراع، فتحولت من قضية إسلامية إلى قضية عربية، ثمَّ إلى قضية فلسطينية يتعاطف معها العرب والمسلمون… فما الذي ينبغي أن يفعله العلماء لإعادة القضية الفلسطينية إلى عمقها الإسلامي؟

إعادة قضية فلسطين إلى عمقها تتطلب أولاً إعادة الأمة إلى أصلها، فإذا كانت فلسطين قضية الأمة فلا عودة لها إلا بالأمة، ومهما ابتعد ابناؤها أو شذوا فلا شك عندي أن منهم مخلصين محبين منتمين لدينهم وقضاياهم، ولذلك لا بد أن نبدأ بإحياء مفهوم الجماعة، ونتخطى حدود الوهم التي رسمها الاحتلال الغربي لوطننا يوماً، وأن نصنع مزيداً من روابط الأخوة في كل مكان، مع مراعاة ما تقتضيه الظروف من عدم الخوض فيما يخرجنا عن أهدافنا الرئيسة، علينا أن نلتقي على ما يجمعنا وأن نتجنب ما يفرقنا، وهذا أيضاً يوجب على علماء الأمة أن يقيموا جسور التواصل مع الجميع من العرب ومن العجم، بكل السبل الممكنة وخصوصاً عبر تلك السبل التي يمكن أن تشعرهم أننا متعاونين معهم داعمين لجهودهم وقضاياهم المهمة، لأن البعد جفاء كما قيل، وبالبعد يحصل الجهل بالآخر وتكثر الأوهام حوله، ويستغل ذلك أعداؤنا فيعملون بجد لتشويهنا أمام غيرنا.

تتردد على الألسنة عبارة: “علماء السلاطين” هل لهؤلاء العلماء وجود اليوم؟ وهل لهم أثر على القضية الفلسطينية؟

علماء السلاطين، كانوا وما زالوا موجودين، وأرى أنهم من أكثر العوائق التي تحول بين الناس والحق، ولا أظن أن مقومات صناعة علماء السلاطين الخوف والإجبار كما يرى البعض، وإنما الذي يشكلهم ويقويهم مصالحهم، وهو ما يعني هشاشة مفاهيمهم الدينية أصلاً وإن كانت المعرفة بالأحكام الشرعية تجري على ألسنتهم، ثم انتصارهم لمصالحهم، والسلاطين يغدقون على هؤلاء العطايا حتى يغلقوا على قلوبهم فلا يروا الحق. ولعل أكثر ما صنع هؤلاء تحويل الدين إلى وظيفة والعلماء إلى موظفين، فتم بذلك ربط العلماء بروابط متينة طويلة الأجل تتوقف عليها طموحاتهم ومصائرهم.

كلمة أخيرة إلى علماء الأمة ودعاتها وخطبائها

العلماء مغيبون من قبل من لا يريد حضورهم وسماعهم، وهم أيضاً غيبوا أنفسهم بأنفسهم، لأنهم في كثير من الأحيان اختاروا السلبية فانزووا وراء ألسنتهم وفتاواهم، وانقطعوا عن مشاركة إخوانهم وأقوامهم وحكوماتهم تحت ذرائع شتى، فتركوا كل ذلك، فتصدى له من هم دونهم، وتحكموا في مصائر البلاد والعباد، ومعلوم أن المساحة التي تتركها أنت يشغلها غيرك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (في الحديث الصحيح): “الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ”، ومعلوم أن ذلك يتوجب بذل الجهد بكل ما يمكن دون الذوبان في الغير ولا في مشاريعهم، وأن الشعار في ذلك: سدد وقارب.

لا يقبل من العلماء الابتعاد عن الساحات والاكتفاء بإطلاق الأحكام على من فيها، هم شركاء في كل ما يحصل في مجتمعاتهم، إن وجدوا سوءاً أو شراً فليعلموا أنهم يتحملون شيئاً منه، لأنهم جزء ممن يقوم به، أليسوا أفراداً من المجتمع، أليسوا هم مسؤولين عما فيه، ولذلك لا نقبل منهم الاكتفاء بوصف ما يقع والاستعاذة منه والابتعاد عنه، بل يجب أن يقتربوا ليواجهوا ذلك بما يستطيعون بحكمة وموعظة حسنة وعمل هادئ مستمر منتج.

أنا أدعو جميع العلماء بأن يقتربوا من أقوامهم، وأن يمتنعوا عن إصدار الأحكام بهم، وإطلاق النعوت لأعمالهم، واتخاذ مواقف حادة تجاههم، فيختلطوا بهم، ويحاولوا معاونتهم على الخير، ونصحهم بالبعد عن الشر، وأن يأخذوا مواقف من الأفعال لا من الفاعلين، وأن يسيروا مع الناس بسير أضعفهم، وأن يقدروا ظروفهم وأحوالهم، ويعينوهم على تخطي مشكلاتهم بما استطاعوا..

بالمختصر أدعو العلماء لأن يكونوا الطرف الودود المحب اللين الذي ينشد الجميع القرب منه ليدله على الخير وليجدوا عنده العون والمساعدة، فخير الناس أنفعهم للناس.

بارك الله فيكم وكل الشكر لكم منا ومن متابعي موقعنا

د. منذر زيتون

عمان، الأردن

10/11/2022

قد يعجبك أيضاً