فتوى رقم (1)

   السؤال: توجه عدد من المستفتين إلى هيئة علماء فلسطين بسؤال عن حكم العمل في الأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية؟

   الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين، وبعد: لما كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره، فلا بدَّ أن يتضمن الجواب تصويراً مفصلاً لحقيقة هذه الأجهزة، ومن ثم الحكم فيه.

أولاً: تصوير المسألة المطروحة:

أ- إنشاء الأجهزة الأمنية الفلسطينية وأجهزتها:

   من المعلوم أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية أُنشئت في فلسطين بموجب اتفاقية (أوسلو) الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والعدو الصهيوني في (سبتمبر1993م) حيث نصَّ البند الثامن منها على إنشاء شرطة قوية تضمن النظام والأمن في الضفة الغربية وقطاع غزة. وجاءت الاتفاقيات المكملة لاتفاقية (أوسلو) وخصوصاً اتفاقية (غزة/أريحا) والموقعة سنة (1994م) لتنص على إقامة شرطة فلسطينية، وحددت العدد بـثلاثة آلاف (3,000) شخص، ثم زِيد العدد حتى وصل في مطلع سنة (2006م) إلى نحو (70,000) ألفاً، وتتشكل هذه الأجهزة من فرعين رئيسين، وهما: الأمن الداخلي، والأمن الوطني.

   الفرع الأول: الأمن الداخلي: ويشتمل على الأمن الوقائي، والأمن الرئاسي أو القوة (17)، والمخابرات العامة، والشرطة المدنية، والدفاع المدني. وفيما يلي بيان ذلك:

1- جهاز الأمن الوقائي: تم إنشاء هذا الجهاز بموجب اتفاق لاحق لاتفاقية (أوسلو)، وهو يعد من أهم الأجهزة أمنياً، وأكثرها تنظيماً وحضوراً، وهو يقوم ببسط النظام وتحقيق الأمن الداخلي، ومتابعة معارضي مشروع السلام. 

2- جهاز القوة (17) أو الأمن الرئاسي: أسس هذا الجهاز في السبعينيات من القرن العشرين بقصد حماية الرئيس وبعض قادة المنظمة، واستمر بعد ذلك.

3-المخابرات العامة: أسس هذا الجهاز في أواخر الستينيات، واستمر بعد ذلك، وأطلق عليه اسم “المخابرات العامة” في سنة (1994م) وهو يقوم برصد تحركات الفلسطينيين في الداخل والخارج، وهو يتبع مؤسسة الرئاسة.

4-الشرطة المدنية: أسس هذا الجهاز في سنة (1994م)، وهو يقوم بحفظ النظام المدني، وهو يضم دائرة المرور، والمباحث الجنائية، ومكافحة المخدرات، والشغب.

5-الدفاع المدني: ويعنى بحماية المواطنين وممتلكاتهم من الكوارث في السلم والحرب. وهو يضم عدداً من الإدارات منها: الإطفاء، والإنقاذ، والإسعاف، وهندسة المتفجرات.     

   الفرع الثاني: الأمن الوطني: وهو يشتمل على الأجهزة التالية: الأمن العام، والشرطة البحرية، والأمن الجوي، والاستخبارات العسكرية، وفيما يلي بيان ذلك:

1-جهاز الأمن العام: يعمل هذا الجهاز في مجال الاستخبارات، ويناط به مواجهة عمليات جهاز “الشين بيت” الإسرائيلي.

2-الشرطة البحرية: هذا الجهاز بمثابة خفر السواحل، ويناط به منع تهريب الأسلحة والمخدرات. ويستخدم أحياناً في مكافحة الشغب، وتأمين السجون الفلسطينية.

3-الأمن الجوي: وهو جهاز ينضوي تحت أجهزة الأمن العام، ولديه خمس (5) مروحيات، تقوم بنقل المسؤولين ما بين الضفة الغربية وغزة.

4-الاستخبارات العسكرية: يهتم هذا الجهاز بجمع المعلومات عن “العدو الخارجي” كما يهتم بالأمن الداخلي، وتحول هذا الجهاز في الفترة الأخيرة إلى حرس رمزي للرئيس.

 ويتولى الإشراف على هذه الأجهزة في الضفة الغربية اليوم الجنرال الأمريكي (دايتون) وقادة الأجهزة الأمنية الذين يرتبطون مع العدو الصهيوني باتفاقيات أمنية.

ب- المهمات العامة للأجهزة الأمنية في الضفة الغربية:

1- إعادة تشكيل الشعب الفلسطيني: بترويضه على الاستسلام والخنوع، ونزع روح المقاومة منه، ويتولى ذلك فريق من هذه الأجهزة، يتم تأهيلهم، وتدريبهم في بعض الدول العربية المجاورة، وتحت إشراف (دايتون).

2- ملاحقة المجاهدين والمقاومين: وذلك بنزع أسلحتهم بالترغيب والترهيب، ومن ذلك سحب أسلحة المقاومين في الضفة الغربية مقابل توظيفهم في وظائف السلطة الفلسطينية.

3- التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني: بتقديم المعلومات الأمنية عن عناصر المقاومة للعدو، وتسليم المطلوبين له، وتبادل الأدوار معه في اعتقال المقاومين، وقد صدرت تصريحات علنية لبعض قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية تتضمن المباهاة بهذا التنسيق، وأنهم قاموا بما لا يتمكن العدو من القيام به من: اقتحام المساجد، والجمعيات الخيرية. وقد وصل التنسيق الأمني في هذه الأيام أوجه، حيث بلغت لقاءاته سنة (2008م) حوالي (247) لقاء، علاوة عن الاتصالات اليومية الفردية.

4- العمل على إفشال حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية: بإثارة الفوضى، ونشر الانفلات الأمني، وقد بدا هذا بمجرد أن شكلت حركة حماس التي  فازت في انتخابات (2006م) الحكومة، واستمر ذلك إلى ما بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بموجب اتفاق مكة في) فبراير/2007)

5- إفشال الحوار بين فتح وحماس: بتصعيد التفجير الأمني، حيث يلجأ بعض المتنفذين في الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية إلى اعتقال المحسوبين على حركة حماس، أو زيادة تعذيب معتقليها في سجون السلطة إلى حد القتل، كما حدث مع الشيخ مجد البرغوثي، وعبد الناصر الصوافطة رحمهما الله وغيرهما. وعلى ذلك فما يحدث الآن في الضفة الغربية لا يمكن عزله عن الدور الوظيفي للأجهزة وفق الاتفاقيات الموقعة.

 ثانياً: حكم العمل في الأجهزة الأمنية الفلسطينية:

   يتبين مما سبق أن العاملين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية ليسوا سواء، وإنما تختلف أحكامهم باختلاف مهمة الجهاز الذي يعملون فيه، وما يقومون به من أعمال، وما يسند إليهم من مهمات، وفيما يلي بيان ذلك:

1- حكم تقديم الخدمات للشعب الفلسطيني:

   كل من يقوم بتقديم الخدمات للشعب الفلسطيني، ويعمل على تيسير حياة أفراده وإدارتهم وحمايتهم من العدو الصهيوني – كمن يعمل في جهاز الشرطة المدنية – فإن هذا العمل جائز شرعاً، بل هو واجب، وتكون المساعدة عليه واجبة أيضاً، لكن دون أن يترتب على ذلك أي ضرر أو ظلم أو بغي للأفراد، ومن وجوه هذا الضرر: تقديم معلومات للعدو الصهيوني من شأنها أن تلحق الضرر بالفلسطينيين، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.” (المائدة:2) ولا مانع من التعامل مع هؤلاء العاملين، ويجب على المسلمين توثيق الصلة بهم، وتوجيههم بتوجيهات تنفعهم في دينهم ودنياهم؛ لأنهم على خطر الإغراء بالمال والجاه للإضرار بالناس.

2- حكم الظلمة الذين يلاحقون المجاهدين والمقاومين:

   إن جهاد المسلمين لليهود المحتلين ومقاومتهم فرض عين على كل مسلم قادر في فلسطين، فلا يجوز الإنكار على من يقوم بذلك، كما لا يجوز ملاحقته ومنعه من ذلك. وقد جرَّم الإسلام كل من يلاحق المجاهدين، ويقتحم عليهم أماكن تواجدهم ومخابئهم لاعتقالهم وتعذيبهم أو تسليمهم للعدو، روى البخاري ومسلم عن معاوية رضي الله عنه: قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس “، وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله يعذب يوم القيامة الذين يعذبون الناس في الدنيا “، وأما بالنسبة للتعامل مع العاملين في هذه الأجهزة، فيجب على المسلم تقديم النصح له، وتوجيهه بترك العمل فيها، وإلا يحرم عليه الاستمرار في تلك الوظيفة، وما يتقاضاه من راتب فهو حرام وسحت، وكل جسم نبت من سحت فالنار أولى به، و في حال عدم استجابته تجب مقاطعته، وعدم التعامل معه.

3- حكم تقديم المعونة للظلمة:

   إذا قام أي شخص بمعاونة الظلمة الذين يلاحقون المجاهدين، ويعتقلونهم ويعذبونهم، بتقديم المعلومات إليهم عن المجاهدين فإن حكم هذا العمل حرام شرعاً، ويعتبر فاعله عاصياً لله تعالى، وهو يندرج تحت قوله تعالى: “ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (المائدة:2) فكيف يرضى المسلم على نفسه أن يكون معولاً بأيدي هؤلاء الظلمة؟! وروى البخاري ومسلم عن النبي r قال: ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده “. وروى البخاري أن رسول الله r قال: ” المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة “. وحكم التعامل مع المعاون للظلمة كحكم من سبقه من الظلمة؛ لأن من يساعد الظلمة في الأجهزة الأمنية هم من الظلمة.

4- حكم التنسيق الأمني مع العدو الصهيوني:

  التنسيق مع العدو الصهيوني بشكل عام يختلف حكمه باختلاف ما يترتب عليه، فإذا ترتبت عليه مساعدة الفلسطينيين، وتقديم الخدمات لهم من نقل رجال الإسعاف للمصابين برصاص العدو، أو نقل جثامين الشهداء، أو إدخال الاحتياجات اليومية للشعب من وقود ومواد تموينية، دون أن يترتب على ذلك تقديم أية معلومات أمنية للعدو من شأنها أن تلحق الضرر بالفلسطينيين، أو إعطاء اليهود الشرعية لاحتلالهم فيجوز شرعاً عملاً بقاعدة: ” الضرورات تبيح المحظورات” و “الحاجة تنزل منزلة الضرورة”.

   أما إذا ترتب على التنسيق تقديم معلومات أمنية، بقصد تحقيق مصالح شخصية ومكاسب دنيوية من تحصيل مكافأة مالية، أو رتبة عسكرية، مع اعتقاده بأفضلية الفلسطينيين المسلمين على اليهود الكافرين الغاصبين للأرض والمعتدين على الأنفس والأعراض والأموال فإن حكمه عدم الجواز شرعاً ويعد فاعله مرتكباً لكبيرة من الكبائر، روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه” فلا يجوز للمسلم أو أي فلسطيني أن يسلم المجاهدين إلى من يذيقهم سوء العذاب، كما لا يجوز له أن يعين من يحارب المقاومين، ويريد الإيقاع بهم، كما لا يجوز له الاشتراك مع العدو في اغتيال المناضلين والمجاهدين، ولو بالدلالة عليهم، ويعتبر العمل في هذه الوظيفة الأمنية حرام شرعاً وخيانة لله ولرسوله r، ويؤيد ذلك ما روى أبو داود في سننه (4883) وغيره بسند حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من حمى مؤمناً من منافقٍ (يغتابه) بعث الله ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلماً بشيءٍ يُريد شَينَه به حبسَه الله على جسر جهنم حتى يخرجَ مما قال “

   وأما إذا ترتب على التنسيق الأمني الإضرار بالمسلمين، وكان هذا المنسق يعتقد اعتقاداً سيئاً بالمسلمين والمجاهدين، وفي المقابل يوالي اليهود الكافرين المحتلين، ويعتقد بهم اعتقاداً حسناً، وأنهم بما يعتقدون ويدينون أفضل من المسلمين، ويعلن ذلك صراحة في ملأ من الناس، وفي وسائل الإعلام، كما يصدر عن بعض قادة تلك الأجهزة فإن حكم فاعل ذلك الكفر – والعياذ بالله- وهو بفعله هذا صار من جملة الكافرين؛ لأنه اتخذ اليهود الكافرين أنصاراً وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ” (المائدة:51) فقد أخبر الله تعالى أنه من اتخذهم نصيراً وحليفاً وولياً من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان، وأما التعامل مع من يصل فعله واعتقاده إلى هذا الحد فينصح، ويطلب منه التوبة والاستغفار إذا كان ممن يقبل النصيحة، وإلاّ تجب مقاطعته.

والله من وراء القصد